السجين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1074 - عددالزوار : 126963 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          عظات من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المشي إلى المسجد في الفجر والعشاء ينير للعبد يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          القلب الناطق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-07-2019, 11:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة : Egypt
افتراضي السجين


السجين


قصة قصيرة


سعد جبر



اصطدمت روحه بجدار الواقع الأليم بينما كان يحاول التحليق بها في العالم الفسيح.. فاستيقظ على إثرها فزعاً مرتعشاً.. استجمع ما تبقّى من قوة في هيكله النحيل مستنداً إلى ركبتين خشبيتين لم يبق له منهما سوى أنين متقطع عند الثني والمد.. اهتز بشدّة.. كاد أن يسقط على الأرض، لكنه تماسك جاهداً.. استرق النظر للنافذة الضيقة العالية، مازالت الشجرة العتيقة ملتفة الأغصان، تُكوِّن باخضرارها الباهت منظراً جميلاً يبدو كلوحة زيتية معلَّقة أعلى الجدار، لكن الشجرة تلقي بظلالها الكثيفة على واقع الغرفة المرّ فتزيده كآبة.. ما زالت الأوراق الجافة تتساقط واحدة تلو الأخرى، تتحداه، تدخل له من نافذته الضيقة العالية، يعد معها خريف أيَّامه.

كان يتمنى لو توقفت الأوراق عن التحدي وتوقف هو عن العدّ.. ما زالت النغمات الجافّة المختنقة تخرج من حناجر الأغصان المبحوحة كلّما حاول الهواء جاهداً مداعبتها.. تشعل الوجدان حزناً وكمداً.. يتمتم معها ـ مرغماً ـ بيتاً قديماً من الشعر كان يحفظه عن الحرية.

تسلل شعاع برتقالي من شمس الضحى الدافئة لغرفته الرطبة محاولاً بثّ الحياة فيها، استقبلته نظراته بالترحاب.

تمتم يخاطبه: ماذا تريد؟

عاد ينظر للنافذة الضيقة العالية.. جحظت عيناه، همهم متعجباً: يا إلهي ما هذا الذي يتحرَّك؟! إنَّها قطة صغيرة كانت عيناها اللامعتان تبرقان.. لونها البني يجذبها إليه.

لقد كان قبل اليوم يسمع صوتها دون ما يراها..

تمتم: يا إلهي ما زال في الدنيا حياة.

كانت تقاتل الأوراق تبحث عن لا شيء، تقفز، تدور حول نفسها، تداعب ذيلها الصغير، تعبث محدثة جلبة تخيف سكّان الشجرة من العصافير الصغيرة.

احتدت نظراته لها.. لمعت عيناها، دمعت عيناه.. اختلطت نظراتهما بالأسى والتعجُّب.. خافت منه.. رأت فيه ما تخشاه.. رأى فيها ما يعشقه ويتمناه, رآها الحياة.. ورأته الموت.. رأى فيها النَّاس وهم يلهثون وراء السراب يحسبون أنَّهم في جدّ، لكنهم يلعبون، رآها نسمات الحرية التي حرمها خلف هذه النافذة الضيقة العالية الكريهة.

تمتم: ما أسعدك! اغرورقت عيناه بالدموع.. تلاشت الصور.. استحالت ضباباً.

سبح في الضباب بذاكرته، رأى نفسه يحطِّم قيود الأخلاق.. يعربد لا يلوي على شيء، يجني على نفسه، يتعثَّر في طريق الغواية، تتلقَّفه يد العدالة، يهرب منه أصدقاء الطريق، تتلاشى وعودهم بمساعدته، يراهم يهربون بسيارته وهو يواجه المصير وحيداً. كسته اللعنات ثوب العار، ودَّع بعدها الدنيا.

وابتلعته هذه الغرفة الرطبة ذات النافذة الضيقة العالية، تحجَّرت دموعه فترة ثمَّ انخرط في بكاء مرير كما لم يبك من قبل، إنَّه ينتحب.. تداخل نحيبه مع حفيف الأغصان المتزايد مع حركة الريح.. خارت قواه.. تلقفته أرض الغرفة الصلبة بذراعها القاسي، احتضنه الفراش الرديء، تلاشى إحساسه بالزمن ثمَّ عاد للحياة من جديد.. حاول أن يرفع رأسه المتصدِّع، لم يستطع.. حاول مرَّة أخرى، لاحت منه نظرة للنافذة الضيِّقة العالية.. يا إلهي.. رآها خضرة تملؤها خضرة باهتة من بعض أوراق الشجر العتيقة، ما زال يتمتم: الأمل في الله كبير.. انحدرت حبَّات دموع أخرى أشدّ حرارة كأنَّما خرجت من قلبه لا من عينه.


تسلَّل شعاع برتقالي آخر لمعت فيه حبَّات الدموع، فاستودعها أسرار الحياة وانصرف متسللاً كما جاء.

انتفض كمن لدغته عقرب، ارتعش كعصفور الربيع المبلل بالمطر.. توقَّدت عيناه، حاول أن يكفكف دموعه، اعتدل بصعوبة بالغة، استقبل القبلة، رفع كفيه المرتعشتين.. نادى بصوت مكلوم: التوبة يا ربّ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.48 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.48%)]