تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 3654 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5093 - عددالزوار : 2337689 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4678 - عددالزوار : 1634241 )           »          ما هي فوائد الفشار للضغط ؟ تعرف على فوائد الفشار لضغط الدم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          طرق المذاكرة السريعة والفعالة أيام الامتحانات , كيفية المذاكرة السريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          اعمال يدوية وفنية خاصة بالمدارس,احلى واجمل ابداعات المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 170 )           »          فضل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          الأحاديث الصحيحة فى فضل العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          لانعاش ذاكرة الطفل قبل الدراسة,طرق انعاش ذاكرة الطفل قبل بدء العام الدراسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 20-06-2022, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى




تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (2)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 333الى صــ 339
الحلقة (119)



السادسة : واختلف العلماء فيمن استهلك أو أفسد شيئا من الحيوان أو العروض التي لا تكال ولا توزن ، فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وجماعة من العلماء : عليه في ذلك المثل ، ولا يعدل إلى القيمة إلا عند عدم المثل ، لقوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به . قالوا : وهذا عموم في جميع الأشياء كلها ، وعضدوا هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس القصعة [ ص: 333 ] المكسورة في بيت التي كسرتها ودفع الصحيحة وقال : إناء بإناء وطعام بطعام خرجه أبو داود قال : حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا خالد عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم قصعة فيها طعام ، قال : فضربت بيدها فكسرت القصعة . قال ابن المثنى : فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى ، فجعل يجمع فيها الطعام ويقول : غارت أمكم . زاد ابن المثنى ( كلوا ) فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ، ثم رجعنا إلى لفظ حديث مسدد وقال : ( كلوا ) وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته . حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال وحدثنا فليت العامري - قال أبو داود : وهو أفلت بن خليفة - عن جسرة بنت دجاجة قالت : قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية ، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به ، فأخذني أفكل فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ، ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء وطعام مثل طعام . قال مالك وأصحابه : عليه في الحيوان والعروض التي لا تكال ولا توزن القيمة لا المثل ، بدليل تضمين النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعتق نصف عبده قيمة نصف شريكه ، ولم يضمنه مثل نصف عبده . ولا خلاف بين العلماء على تضمين المثل في المطعومات والمشروبات والموزونات ، لقوله عليه السلام : طعام بطعام .

السابعة : لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في المماثلة في القصاص ، فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به ، وهو قول الجمهور ، ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف ، وللشافعية قول : إنه يقتل بذلك ، فيتخذ عود على تلك الصفة ويطعن به في دبره حتى يموت ، ويسقى عن الخمر ماء حتى يموت . وقال ابن الماجشون : إن من قتل بالنار أو بالسم لا يقتل به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يعذب بالنار إلا الله ، والسم نار باطنة ، وذهب الجمهور إلى أنه يقتل بذلك ، لعموم الآية .

الثامنة : وأما القود بالعصا فقال مالك في إحدى الروايتين : إنه إن كان في القتل بالعصا [ ص: 334 ] تطويل وتعذيب قتل بالسيف ، رواه عنه ابن وهب ، وقاله ابن القاسم ، وفي الأخرى : يقتل بها وإن كان فيه ذلك ، وهو قول الشافعي ، وروى أشهب وابن نافع عن مالك في الحجر والعصا أنه يقتل بهما إذا كانت الضربة مجهزة ، فأما أن يضرب ضربات فلا ، وعليه لا يرمى بالنبل ولا بالحجارة لأنه من التعذيب ، وقاله عبد الملك . قال ابن العربي : " والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة ، إلا أن تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف " ، واتفق علماؤنا على أنه إذا قطع يده ورجله وفقأ عينه قصد التعذيب فعل به ذلك ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتلة الرعاء ، وإن كان في مدافعة أو مضاربة قتل بالسيف . وذهبت طائفة إلى خلاف هذا كله فقالوا : لا قود إلا بالسيف ، وهو مذهب أبي حنيفة والشعبي والنخعي . واحتجوا على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قود إلا بحديدة ، وبالنهي عن المثلة ، وقوله : لا يعذب بالنار إلا رب النار . والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ، لما رواه الأئمة عن أنس بن مالك أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين ، فسألوها : من صنع هذا بك ! أفلان ، أفلان ؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترض رأسه بالحجارة ، وفي رواية : فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين ، وهذا نص صريح صحيح ، وهو مقتضى قوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، وقوله : فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . وأما ما استدلوا به من حديث جابر فحديث ضعيف عند المحدثين ، لا يروى من [ ص: 335 ] طريق صحيح ، لو صح قلنا بموجبه ، وأنه إذا قتل بحديدة قتل بها ، يدل على ذلك حديث أنس : أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين ، وأما النهي عن المثلة فنقول أيضا بموجبها إذا لم يمثل ، فإذا مثل مثلنا به ، يدل على ذلك حديث العرنيين ، وهو صحيح أخرجه الأئمة ، وقوله : لا يعذب بالنار إلا رب النار صحيح إذا لم يحرق ، فإن حرق حرق ، يدل عليه عموم القرآن . قال الشافعي : إن طرحه في النار عمدا طرحه في النار حتى يموت ، وذكره الوقار في مختصره عن مالك ، وهو قول محمد بن عبد الحكم . قال ابن المنذر : وقول كثير من أهل العلم في الرجل يخنق الرجل : عليه القود ، وخالف في ذلك محمد بن الحسن فقال : لو خنقه حتى مات أو طرحه في بئر فمات ، أو ألقاه من جبل أو سطح فمات ، لم يكن عليه قصاص وكان على عاقلته الدية ، فإن كان معروفا بذلك - قد خنق غير واحد - فعليه القتل . قال ابن المنذر : ولما أقاد النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودي الذي رض رأس الجارية بالحجر كان هذا في معناه ، فلا معنى لقوله .

قلت : وحكى هذا القول غيره عن أبي حنيفة فقال : وقد شذ أبو حنيفة فقال فيمن قتل بخنق أو بسم أو تردية من جبل أو بئر أو بخشبة : إنه لا يقتل ولا يقتص منه ، إلا إذا قتل بمحدد حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفا بالخنق والتردية وكان على عاقلته الدية ، وهذا منه رد للكتاب والسنة ، وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمة ، وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه الله للنفوس ، فليس عنه مناص .

التاسعة : واختلفوا فيمن حبس رجلا وقتله آخر ، فقال عطاء : يقتل القاتل ويحبس الحابس حتى يموت ، وقال مالك : إن كان حبسه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا جميعا ، وفي قول الشافعي وأبي ثور والنعمان يعاقب الحابس ، واختاره ابن المنذر .

قلت : قول عطاء صحيح ، وهو مقتضى التنزيل ، وروى الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل القاتل ويحبس الذي أمسكه . رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ، ورواه معمر وابن جريج عن إسماعيل مرسلا .

العاشرة : قوله تعالى : فمن اعتدى الاعتداء هو التجاوز ، قال الله تعالى : ومن يتعد حدود الله [ ص: 336 ] أي يتجاوزها ، فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك ، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله ، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه ، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه ، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك ، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية ، فلو قال لك مثلا : يا كافر ، جاز لك أن تقول له : أنت الكافر ، وإن قال لك : يا زان ، فقصاصك أن تقول له : يا كذاب يا شاهد زور ، ولو قلت له يا زان ، كنت كاذبا وأثمت في الكذب ، وإن مطلك وهو غني دون عذر فقال : يا ظالم ، يا آكل أموال الناس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لي الواجد يحل عرضه وعقوبته . أما عرضه فبما فسرناه ، وأما عقوبته فالسجن يحبس فيه ، وقال ابن عباس : نزل هذا قبل أن يقوى الإسلام ، فأمر من أوذي من المسلمين أن يجازي بمثل ما أوذي به ، أو يصبر أو يعفو ، ثم نسخ ذلك بقوله : وقاتلوا المشركين كافة ، وقيل : نسخ ذلك بتصييره إلى السلطان ، ولا يحل لأحد أن يقتص من أحد إلا بإذن السلطان .
قوله تعالى : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين

فيه ثلاث مسائل :

الأولى : روى البخاري عن حذيفة : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال : نزلت في النفقة ، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل على العدو ، فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ، يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب : سبحان الله ! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه ، قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله عز وجل : وأنفقوا في سبيل الله الآية ، والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ، فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ، فقبره هناك ، فأخبرنا أبو أيوب أن [ ص: 337 ] الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله ، وأن الآية نزلت في ذلك . وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك .

قلت : وروى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران هذا الخبر بمعناه فقال : " كنا بمدينة الروم ، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس ، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد عليه ما قلنا : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة . فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة ، فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه ، وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره ، والله أعلم . قال ابن عباس : أنفق في سبيل الله ، وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص ، ولا يقولن أحدكم : لا أجد شيئا ، ونحوه عن السدي : أنفق ولو عقالا ، ولا تلقي بيدك إلى التهلكة فتقول : ليس عندي شيء ، وقول ثالث قاله ابن عباس ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج إلى الجهاد قام إليه أناس من الأعراب حاضرين بالمدينة فقالوا : بماذا نتجهز ! فوالله ما لنا زاد ولا يطعمنا أحد ، فنزل قوله تعالى : وأنفقوا في سبيل الله يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل الله ، يعني في طاعة الله . ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يعني ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا ، وهكذا قال مقاتل ، ومعنى ابن عباس : ولا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا ، أي لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء ، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا ، وقول رابع - قيل للبراء بن عازب في هذه الآية : أهو الرجل يحمل على الكتيبة ؟ فقال لا ، ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ولا فائدة في التوبة ، فييأس من الله فينهمك بعد ذلك في [ ص: 338 ] المعاصي ، فالهلاك : اليأس من الله ، وقال عبيدة السلماني . وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد ، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق ، أو يكون عالة على الناس ، فهذه خمسة أقوال . سبيل الله هنا : الجهاد ، واللفظ يتناول بعد جميع سبله ، والباء في بأيديكم زائدة ، التقدير تلقوا أيديكم ، ونظيره : ألم يعلم بأن الله يرى . وقال المبرد : بأيديكم أي بأنفسكم ، فعبر بالبعض عن الكل ، كقوله : فبما كسبت أيديكم ، بما قدمت يداك ، وقيل : هذا ضرب مثل ، تقول : فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم ; لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيديه ، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان ، ومنه قول عبد المطلب : [ والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لعجز ] وقال قوم : التقدير لا تلقوا أنفسكم بأيديكم ، كما تقول : لا تفسد حالك برأيك . التهلكة بضم اللام مصدر من هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة ، أي لا تأخذوا فيما يهلككم ، قاله الزجاج وغيره . أي إن لم تنفقوا عصيتم الله وهلكتم ، وقيل : إن معنى الآية لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم ، فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم ، ومعنى آخر : ولا تمسكوا فيذهب عنكم الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة . ويقال : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يعني لا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا ، ونحوه عن عكرمة قال : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون وقال الطبري : قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه ، إذ اللفظ يحتمله .

الثانية : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم ابن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة ، وكان لله بنية خالصة ، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة ، وقيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ; لأن مقصوده واحد منهم ، وذلك بين [ ص: 339 ] في قوله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، وقال ابن خويز منداد : فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان : إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن ، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا ، وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة ، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنس به فرسه حتى ألفه ، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيل الذي كان يقدمها فقيل له : إنه قاتلك ، فقال : لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين . وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة ، قال رجل من المسلمين : ضعوني في الحجفة وألقوني إليهم ، ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,536.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,534.60 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.11%)]