تحريم الأنفس المعصومة
تحريم الأنفس المعصومةموقع المنبر أرسل الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بدينٍ كلُّه رحمة وخير وسعادة لمن اعتنقه وتمسّك به، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:57]، وتتجلّى رحمة الإسلام في ..
أولاً: تعريف وبيان:
1- معنى النفس:
قال الخليل بن أحمد رحمه الله: "النَّفسُ وجمعها النُّفُوس لها معان: النَّفْسُ: الروح الذي به حياة الجسد، وكل إنسانٍ نَفْسٌ، حتى آدم عليه السلام، الذكر والأنثى سواء, وكلُّ شيءٍ بعينه نَفْسٌ, ورجلٌ له نَفْسٌ، أي: خُلُق وجَلادة وسَخاء"[1].
ويشيع استعمال هذه اللفظة في جملة من المصطلحات منها:
النَّفْسُ: العقل الذي يكون التمييز به.
النَّفْسُ: الذات.
النَّفْسُ: الروح، ومنه: خرجت نفسُه، إذا مات (واللفظ بهذا الإطلاق مؤنثة).
النَّفْسُ: شخص الإنسان، ومنه: أسرتُه أحد عشر نَفْساً (واللفظ بهذا الإطلاق مذكر).
النَّفْسُ: نفس الأمر، ذات الشيء وعينه.
النَّفْسُ: النفس السائلة: الدَّم السائل[2].
2- معنى العصمة:
العصمة لغة: قال ابن فارس رحمه الله: "العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يدلّ على إمساكٍ ومنع وملازمة, والمعنى في ذلك كلِّه معنًى واحد, من ذلك العصمة: أن يعصم الله تعالى عبده من سوءٍ يقع فيه"[3].
وقال ابن منظور رحمه الله: "العصمة في كلام العرب: المنع. وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يُوبقه. عَصَمَه يَعْصِمُه عَصْماً: منعه ووقاه"[4].
العصمة اصطلاحاً: قال الجرجاني رحمه الله: "العِصْمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكين منها, والعصمة المُقَوِّمَةُ: هي التي يثبت بها للإنسان قيمة بحيث من هتكها فعليه القصاص أو الدية, والعصمة المؤثِّمة: هي التي يُجعل من هتكها آثماً"[5].
3- المقصود بالأنفس المعصومة: هي التي عُنيت الشريعة الإسلامية بحفظها بسبب الإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان[6].
وأما غير ذلك من الأنفس كنفس المحارب, أو من وجبت عليه عقوبة شرعية من قصاص أو رجم أو تعزير فليست من الأنفس المعصومة.
ثانيًا: الرحمة في الإسلام:
كانت البشرية قبل بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في ضلالة عمياء فبعث الله سبحانه نبيّه ومصطفاه محمّدا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحقّ، وكانت الرحمة المطلقة العامّة هي المقصد من بعثته -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:7]، فحصر سبحانه وتعالى المقصد من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحقيق الرحمة للعالمين.
فهو -صلى الله عليه وسلم- الرحمة المهداة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمي لنا نفسه أسماء فقال: (أنا محمد وأحمد والمقفّي[7] والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة)[8].
ثالثًا: مقصد حفظ النفس:
أرسل الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بدينٍ كلُّه رحمة وخير وسعادة لمن اعتنقه وتمسّك به، قال الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:57، 58]، وتتجلّى رحمة الإسلام في مقاصده العظيمة.
ولتحقيق هذه الرحمة جاء الإسلام بحفظ الضروريات الخمس التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، وهذه الضروريات الخمس هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
والمقصود بالأنفس التي عنيت الشريعة بحفظها الأنفس المعصومة بالإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان[9]، وأما غير ذلك كنفس المحارب فليست مما عنيت الشريعة بحفظه، وقد تكون النفس معصومة بالإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان ومع ذلك يجيز الشرع للحاكم إزهاقها بالقصاص أو الرجم أو التعزير. وقد وضعت الشريعة الإسلامية تدابير عديدة كفيلة بإذن الله بحفظ النفس من التلف والتعدي عليها.
فممّا جاءت به الشريعة لتحقيق هذا المقصد:
1- تحريم الانتحار والوعيد الشديد لمن قتل نفسه: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا, ومن شرب سُمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا, ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)[10].
2- النهي عن القتال في الفتنة: عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل, فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابنَ عمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـ يعني عليًّا ـ قال: فقال لي: يا أحنف, ارجِع, فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، قال: فقلت أو قيل: يا رسول الله, هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنه قد أراد قتل صاحبه)[11].
3- النهي عن الإشارة بالسلاح ونحوه من حديدة وغيرها: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه, وإن كان أخاه لأبيه وأمه)[12].
4- النهي عن السبّ والشتم المفضي للعداوة ثم التقاتل: قال تعالى: ﴿وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينً﴾ [الإسراء53]. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)[13].
رابعًا: عظم جرم قتل النفس بغير حق:
جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الاعتداء على النفس وعدّ ذلك من كبائر الذنوب؛ إذ ليس بعد الإشراك بالله ذنب أعظم من قتل النفس المعصومة. وقد توعّد الله سبحانه قاتلَ النفس بالعقاب العظيم في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
1- قال الله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:151].
2- وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـٰناً فَلاَ يُسْرِف فّى ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورً﴾ [الإسراء:33].
3- وقال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَان﴾ [الفرقان:68، 69].
4- وقال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِى ٱلأرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة 32].
5- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور)[14].
6- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حرام)[15].
7- وعن عبد الله بن مسعود: قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء)[16].
8- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة, ناصيته ورأسه بيده, وأوداجه تشخب دما, يقول: يا ربّ, هذا قتلني, حتى يدنيه من العرش)[17].
9- وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-، عن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكِّلت اليوم بثلاثة: بكلّ جبار, وبمن جعل مع الله إلها آخر, وبمن قتل نفسا بغير نفس, فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم)[18].
10- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها سفكَ الدم الحرام بغير حلّه)[19].
خامسا: حرمة دم المسلم:
1- قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيم﴾ [النساء:93].
2- وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِير﴾ [النساء:29-30].
3- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)[20].
4- وقال -صلى الله عليه وسلم- في أكبر اجتماع للناس في عصره: (ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟) قالوا: نعم، قال: (اللهم اشهد ـ ثلاثا ـ ويلكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)[21].
5- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدًا. من قتل مؤمنًا فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا. لا يزال المؤمن مُعنِق[22] صالحًا ما لم يصب دما حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلَّح[23]). قال خالد بن دهقان وهو من رواة الحديث: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله يعني من ذلك[24].
6- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)[25].
7- وعن المقداد بن عمرو الكندي أنه قال: يا رسول الله، إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال: أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقتله)، قال: يا رسول الله، فإنه طرح إحدى يديّ ثم قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال: (لا، فإن قتلتَه فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)[26].
8- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)[27].
9- وعن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيبَ ريحك, ما أعظمَك وأعظمَ حرمتك, والذي نفس محمد بيده, لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك: ماله ودمه, وأن نظن به إلا خير)[28].
10- وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدا أو الرجل يموت كافر)[29].
سادسا: حرمة دم الذميّ والمعاهد:
قد يخفى على كثير ممن قلَّ نصيبه من العلم حرمة دم المعاهد، ولذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير الشديد من قتل المعاهد, وهو كلّ من له عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من حاكم أو أمان من مسلم[30]، إلا أن ينقض العهد فيكون حلال الدم.
1- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عام)[31].
2- وعن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عام)[32].
سابعًا: تحريم الغدر والخيانة:
1- قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيم﴾ [النساء:107]. قال الطبري رحمه الله: "يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه"[33].
2- وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول﴾ [الإسراء:34]. قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ أي: الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه، ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول﴾ أي: عنه"[34].
3- وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين﴾ [يوسف:52]. قال القرطبي رحمه الله: "معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم"[35].
وقال ابن سعدي رحمه الله: "فإنّ كلّ خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بدّ أن يتبين أمره"[36].
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)[37].
5- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)[38].
6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره)[39].
قال ابن تيمية رحمه الله: "فذمّ الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر"[40].
7- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...)[41]. قال النووي رحمه الله: "وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغدر، وتحريم الغلول..."[42].
8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان)[43].
9- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة)[44]. قال ابن حجر رحمه الله: "أي: علامة غدرته، والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور"[45].
10- وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها: (ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)[46]. قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، و النهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك"[47].
11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)[48].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
نقلًا عن موقع المنبر بتصرف يسير
[1] العين، مادة: نفس.
[2] انظر: معجم لغة الفقهاء (ص484)، التعريفات (ص312)، القاموس الفقهي (ص357).
[3] مقاييس اللغة، مادة: عصم.
[4] لسان العرب، مادة: عصم، وينظر: القاموس المحيط، مادة: عصم.
[5] التعريفات (ص195)، ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص516)، معجم لغة الفقهاء (ص314).
[6] انظر: روضة الطالبين (9/148).
[7] قيل: هو بمعنى العاقب، أي: الذي ليس بعده نبي. وقيل: هو الذي يقتفي أي: يتبع الأنبياء الذين قبله. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (15/106).
[8] أخرجه مسلم في الفضائل (2355).
[9] انظر: روضة الطالبين (9/148).
[10] أخرجه البخاري في الطب, باب: شرب السم والدواء (5333), ومسلم في الإيمان (158) واللفظ له.
[11] أخرجه البخاري في الإيمان, باب: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين﴾ (30), ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (5139) واللفظ له.
[12] أخرجه مسلم في الإيمان (158).
[13] أخرجه البخاري في الإيمان, باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله (46), ومسلم في الإيمان (97).
[14] أخرجه البخاري في الديات (6871) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (88).
[15] أخرجه البخاري في الديات (6862).
[16] أخرجه البخاري في الديات, باب قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمد) (6357), ومسلم في القسامة والمحاربين (3178).
[17] أخرجه الإمام أحمد (2551), والنسائي في تحريم الدم, باب: تعظيم الدم (3934), والترمذي في تفسير القرآن, باب: ومن سورة النساء (2955) وحسنه, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2697).
[18] أخرجه الإمام أحمد (11372) واللفظ له, وابن أبي شيبة (7/51), والطبراني في الأوسط (4/203), وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2699).
[19] أخرجه البخاري في الديات (6863).
[20] أخرجه البخاري في الديات (6878)، ومسلم في القسامة (1676).
[21] أخرجه البخاري في المغازي (4403) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (66) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وجاء عن غيره من الصحابة.
[22] مُعنِقا من العَنَق في السير، والمراد خفيف الظهر سريع السير. انظر: غريب الحديث للخطابي (1/204)، وغريب الحديث لابن الجوزي (2/131).
[23] بلّح الرجل إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر أن يتحرّك، يريد به وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام، وقد تخفف اللام. قاله ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/151).
[24] أخرجه أبو داود في الفتن (4270)، وصححه الألباني في صحيح السنن (3590)، والسلسلة الصحيحة (511)، وصحيح الترغيب (2450).
[25] أخرجه ابن ماجه في الديات (2619) وصححه الألباني في صحيح السنن (2121).
[26] أخرجه البخاري في الديات (6865).
[27] أخرجه الترمذي في الديات، باب: الحكم في الدماء (1398)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1128).
[28] أخرجه ابن ماجه في الفتن, باب: حرمة دم المؤمن (3922), والترمذي في البر والصلة، باب: تعظيم المؤمن (1955) موقوفاً على ابن عمر، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب (2441).
[29] أخرجه الإمام أحمد (16302), والنسائي في تحريم الدم (3919), وأخرجه أبوداود من حديث أبي الدرداء في الفتن والملاحم, باب: تعظيم قتل المؤمن (3724), وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (511).
[30] انظر: فتح الباري (12/259).
[31] أخرجه البخاري في الجزية (3166).
[32] أخرجه الإمام أحمد (17378), والنسائي في القسامة, باب: تعظيم قتل المعاهد (4668) واللفظ له, وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2453).
[33] جامع البيان في تأويل القرآن (5/270).
[34] تفسير القرآن العظيم (3/40).
[35] الجامع لأحكام القرآن (9/209).
[36] تيسير الكريم الرحمن (ص400).
[37] أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: في الاستعاذة (1547)، والنسائي في الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الجوع (5468)، وابن ماجه في الأطعمة، باب: الاستعاذة من الجوع (3354)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1368).
[38] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: علامة النفاق (34)، ومسلم في الإيمان (58)، بنحوه.
[39] أخرجه البخاري في البيوع، باب: إثم من باع حر (2227).
[40] مجموع الفتاوى (29/145).
[41] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).
[42] شرح صحيح مسلم (12/37).
[43] أخرجه البخاري في الأدب، باب: ما يدعى الناس بآبائهم (6177)، ومسلم في الجهاد والسير (1735) واللفظ له.
[44] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1738).
[45] فتح الباري (13/71).
[46] أخرجه البخاري في الحج، باب: حرم المدينة (1870) واللفظ له، ومسلم في الحج (1370).
[47] مجموع الفتاوى (29/145-146).
[48] أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (423).
|