|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في سيرة نبيّنا عليه وعلى اله الصلاة والسلام من الفوائد العظيمة ما يثري ويغني المسلمين، ويُسدّد طريقهم ويُوفقهم لما فيه خير ، ويعود عليهم بالثمرات العظيمة، كما يجنّبهم المفاسد والثمرات الضارة المشوّهة أو الخبيثة.. والدارس الواعي لهذه السيرة العطرة العظيمة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، المتأمل فيها يعلم أن الله سبحانه وتعالى كان يوجّه نبيه صلى الله عليه واله وسلم كي ينتقي من الخطاب الدعوي والأعمال والاختيارات والأولويات ما يراعي به تارة،، طبيعة المخاطب وخلفيته العقائدية أو الفكرية والأخلاقية وهذا يلزمه معرفة في الناس والرجال وعشائرهم وطبائعهم. وتارة تراه يراعي إِمكانات الدعوة والطائفة المؤمنة أو طبيعة المرحلة والظرف والواقع والزمان.. ويراعي طبيعة المخاطب من حيث كونه معانداً للدعوة محارباً للدين أو غير محارب ولا معاند. يفعل ذلك كله وفقاً لميزان شرعي يراعي ويقدم أعظم المصالح عند تعارضها ويدرأ أعظم المفاسد عند تزاحمها دون إخلال بالثوابت الشرعية والعرى الوثقى والأركان الركينة للدين والتوحيد.. خذ على سبيل المثال في مراعاة طبيعة المخاطب وخلفيته الأخلاقية أو الاجتماعية أو الفكرية وما يعظمه ويحبه من المكارم والمحاسن.. خطابه صلى الله عليه وسلم الدعوي مع قومه في مطلع دعوته والذي يحدث به أبو سفيان يوم كان عدواً له وينقله عنه إلى هرقل عظيم الروم لما سأله هرقل: ماذا يأمركم ؟ فقال بعد أَن ذكر أصل خطاب النبي ورأسه وأسه وهو التوحيد؛ قال: (ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة). فتأمل هذا الخطاب الذي رسخ في أذهان أعدائه آنذاك، وفي أحاديث أخرى ورد أمره لهم بوفاء العهد وأداء الأمانة وإحياء الموؤدة وإنكار قتلها ونحو ذلك من محاسن الأخلاق التي يجمع على حسنها جميع العقلاء وتمتدحها الفطرة ليعرّفهم ويظهر لهم محاسن دينه وأنه ما جاء إلا ليكمل محاسن الأخلاق التي يتباهى ويفاخر بها ويجلّها عقلاؤهم وأشرافهم.. ومن مراعاته صلى الله عليه وسلم للمخاطب من جهة كونه معانداً محارباً أو مهادناً غير محارب ولا معاند.. تطبيقه الحكيم وعمله في سيرته بقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}. فالإحسان والمداراة التي هي من أخلاق المؤمنين وهي كما هو معلوم غير المداهنة، وكذا العفو والصفح والإعراض عن أذى المشركين وعدم بداءتهم بالقتال كل ذلك جائز حال ضعف المسلمين أو إذا اقتضته مصلحة الجماعة أو الدولة ولا يناقض أو يعارض ثوابت التوحيد والولاء والبراء ونحوها من العرى الوثقى.. ويكى عن حادثة طريفة حدثت لاخ مع طبيب للأسنان ، وهي ترمز إلى واقع أكبر لكثير من المسلمين والدعاة اليوم في عدم مراعاة خطابهم للواقع والمرحلة والظرف.. فقد كان ذلك الطبيب نصرانياً وكان أخونا محتاجا للعلاج عنده إذ لا طبيب غيره، وجرى حوار بينهما عن اعمال العنف هنا وهناك. فكان فيما ردّ عليه الأخ أن قال له: أصلاً أنت لو وجدت الدولة الإسلامية فليس لك إلا الجزية أو السيف..!! وذكر ذلك بطريقة عصبية استفزازية.. هذا الخطاب الاستعلائي لا يتناسب مع وضع صاحبنا وهو تحت الطبيب النصراني يعالج فكه !! أيُضير صاحبنا شيء شرعاً أو يُعد مداهنا أو متنازلاً عن بعض الأصول أو مميّعاً لشيء من الثوابت لو أنه خاطب ذلك النصراني المعالج له ؛ أن يخاطبه بخطاب التأليف والترغيب والتبشير والتيسير الذي هو من ديننا ونحن مأمورون به أصلا مع من لم يحاربنا في الدين، ويتأكد ذلك كما تقدم حال استضعافنا..؟ فيقول له مثلا: إن النصراني في ظل دولة الإسلام لا يُجبر ولا يكره على تغيير دينه، وإذا احترم ديننا ولم يطعن فيه ورضي بأن يكون مواطناً للدولة بأن يدفع الجزية كانت له ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصارت له من الحقوق والأمن والأمان على نفسه وماله وعرضه ودينه ما لا يجده اليوم في أشد الدول تعصّباً للنصرانية.. ثم يبيّن له أن حقيقة الجزية أنها مبلغ زهيد لا يذكر في مقابل ما يأخذه ملوك اليوم من ضرائب ومظالم في شتى مناحي الحياة، وهو أيضاً مبلغ لا قيمة له مقارنة مع ما يُعطى لصاحبه من استحقاقات ومواطنة وحماية في ظل دولة الإسلام، ويعفيه من زكاة المال التي تجب على المسلمين، كما يعفيه من المشاركة في الدفاع عن الوطن فلا تجنيد عليه ولا عسكرية أو جهاد بل يجب على الدولة حمايته وحماية ماله وذريته ما دام مواطناً فيها، ومَنْ آذاه فقد برئت ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام الذمي محترماً لقوانين الدولة المسلمة غير محارب للمسلمين ولا مظاهر لعدوهم أو طاعن في دينهم، وأن هذه الجزية كثيراً ما كانت ترد إلى النصارى أيام الخلافة عندما كانت الدولة تعجز عن حمايتهم في بعض أقطارها وكان كثير من الخلفاء يُسقطونها عمّن كبر وشاخ من أهل الذمة، وأن كثيراً من النصارى كانوا يقاتلون إلى جنب المسلمين طوعاً واختياراً ضد الروم والصليبيين من أبناء ملتهم لما عايشوه ورأوه من عدالة الإسلام، إلى آخر ذلك من الخطاب الإسلامي الدعوي الأصيل، والذي هو حق لا مرية فيه في ديننا وليس فيه أدنى تحريف للأصول ولا تمييع للثوابت.. ويقال ان صاحبنا بعد الخطاب الاستعلائي الذي جاء في غير محله لا زال إلى اليوم يسعى في إصلاح ذلك الضرس الذي أتلفه ذلك النصراني على إثر ذلك الخطاب!! أننا اليوم بحاجة إلى خطاب إسلامي ناضج واعٍ يهتم برفعة الدعوة ويراعي حال المسلمين وأهم ما يحتاجونه ويقدم الأولويات ويرجح أعظم المصالح فيقدمها وأعظم المفاسد فيدرأها، خطاب لا يكون صاحبه بمعزل عن واقع الأمة وظروفها وإمكاناتها.. ويعرف كيف يخاطب الأعداء كل بحسب حاله من خلال تبصّره بواقعهم وخلفياتهم الأخلاقية والسياسية والتاريخية والعقائدية وطبيعة شعوبهم ونقاط الضعف عندهم ومواضع الحساسية والتأثير؛ ليتوائم خطابه ويتلائم مع ما يحقق مصالح المسلمين ويكبت عدوّهم أو يضعضعه ويشتت شمله.. والله الهادي إلى سواء السبيل |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |