|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() مثل الشرك والتوحيد كان العرب المشركون- كغيرهم من أجناس الأمم- يحجون إلى آلهتهم التي يعبدونها من دون الله جل وعلا ، فكانوا يحجون إلى اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، وغيرها من الأصنام والأوثان ؛ وهم مع ذلك يحجون إلى البيت ويطوفون به ويقفون بعرفات ؛ ولهذا كانوا تارة يعبدون الله عز وجل ، وتارة يعبدون غيره ، وكانوا يقولون في تلبيتهم- كما أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما :«لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك » ، فأنزل الله تعالى قوله :﴿هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء ﴾ الآية . وهو تفسير وبيان لقوله تعالى :﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ ، وهو دليل قياسي احتج الله عز وجل به على المشركين ، حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء ، فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها من أنفسهم ، ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم . فقوله تعالى :﴿مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ . أي : مثلاً منتزعًا منها .و﴿مِنْ ﴾ لابتداء الغاية ؛ كأنه سبحانه وتعالى قال : ضرب لكم مثلاً انتزعه من أقرب شيء منكم ، وهو أنفسكم ، محتجًّا به على فساد نظركم ، وقبيح فعلكم ، وبطلان شرككم . قال ابن قيِّم الجوزية :« ومن أبلغ الحجاج أن يؤخذ الإنسان من نفسه ، ويحتج عليه بما هو فيها مقرر عنده ، معلوم لها ، فقال سبحانه : هل لكم مما ملكت أيمانكم ، من العبيد والإماء من شركاء ، فيما رزقناكم من المال والأهل ؟ أي : هل يشارككم عبيدكم وإمائكم في أموالكم وأهليكم ، فأنتم وهم في ذلك سواء ، تخافون أن يقاسموكم أموالكم ، ويشاطروكم إياها ، ويستأثرون ببعضها عليكم ؛ كما يخاف الشريك شريكه ؟ وقال ابن عباس : تخافون أن يرثوكم ؛ كما يرث بعضكم بعضًا» . وقال ابن تيمية :« هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله ، حتى يساويه في التصرف في ذلك ؟ فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه ؛ كما يخاف غيره من الشركاء والأحرار . فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم ، فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي ؟ فإن كان هذا الحكم باطلا في فطركم وعقولكم ، مع أنه جائز عليكم ، ممكن في حقكم ؛ إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة ، وإنما هم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، وأنتم وهم عبادي ، فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي ، مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي ؟ فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول ». وقوله تعالى :﴿ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّنْ شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ استفهام إنكار ، جار مجرى النفي . وأفاد دخول ﴿مِنْ ﴾ على ﴿شُرَكَاء ﴾ نفي الجنس نفيًا شمل كل فرد من أفراده . أي : لا شركاء لكم مما ملكت أيمانكم ، فيما رزقناكم من المال والأهل . وهذا هو الجواب الذي لا يملكون غيره ، ولا يمكنهم إنكاره . وقوله تعالى :﴿ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ تحقيق لمعنى الشركة ، وبيان لكونهم وشركائهم متساوين في التصرف ، فيما ذكر من غير مزية لهم عليهم . والمعنى : نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية . أي : لا ترضون أن يشارككم مماليككم فيما رزقكم الله تعالى وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم ، فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه الذاتية آلهة مخلوقة تصنعونها بأيديكم ؟ وكان الظاهر أن يقال :﴿ فَأَنتُمْ وَهُمْ فِيهِ سَوَاء ﴾ ؛ ولكن الله تعالى قال :﴿ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء ﴾ ؛ ليذكرهمبأنهم هم ، ومملوكيهم ملك لله المالك لكل شيء . فثبت أن ملكيتهم لهم ، مع أنها ملكية ناقصة ، ليست بملكية حقيقية . وذكر بعض العلماء : أن في هذه الآية دليلاً على صحة الشركة بين السادة الأحرار ؛ لافتقار بعضهم إلى بعض ، وبطلانها بين السادة وعبيدهم فيما يملكون ؛ وذلك أنه عز وجل ، لما قال :﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ ، وجب أن يقولوا : ليس عبيدنا شركاؤنا فيما رزقتنا ، فيقال لهم : فكيف يتصور أن تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم ، وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي ؟ فهذا حكم فاسد ، وقلة نظر ، وعمى قلب . فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة- والخلق كلهم عبيد لله تعالى وملك له- فمن الأوْلى أن تكون باطلة بين الله سبحانه ومخلوقاته . فلم يبق إلا أنه واحد أحد ، وفرد صمد ، يستحيل أن يكون له شركاء من خلقه في ملكه ، والكل عبيد له ؛ فهو إلههم ، ومالكهم ، وهو العالي عليهم ، القاهر لهم ؛ لأن من أسمائه سبحانه : العليُّ والقهار ، وكل واحد منهما يتضمن كونه أنه القادر عليهم ، وهم المقدرون . وهذا يتضمن كونه خالقًا لهم ، وربًّا لهم ، وكلاهما يتضمن أنه نفسه فوق كل شيء ؛ فلا شيء فوقه سبحانه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :«أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء» . ثم ختم سبحانه وتعالى هذا المثل بقوله :﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ . أي : كما فصلنا هذا المثل ، نفصل الآيات ؛ تبيينًا وتوضيحًا لقوم يستعملون عقولهم في تدبرها ، والانتفاع بها ؛ ولهذا خصهم تعالى بالذكر- هنا- دون غيرهم . وذكر العلامة الطيبي أنه لما كان ضرب الأمثال لإدناء المتوهم إلى المعقول ، وإراءة المتخيَّل في صورة المحقق ، ناسب أن تكون الفاصلة :﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ . وهكذا ضرب الله تعالى للمشركين مثلاً من أنفسهم ، يدلهم به على فساد مذهبهم ، وقبح عبادتهم لغيره ، وحسن عبادته وحده ، واحتج عليهم بما ركبه في فطرهم وعقولهم من الإقرار به . وكم في القرآن من مثل عقلي وحسي ، ينبه به العقول على حسن ما أمر به سبحانه ، وقبح ما نهى عنه !وكم في القرآن من قوله تعالى :﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾،ينبه به سبحانه على ما في عقولهم وفطرهم من الحسن والقبيح ، ويحتج به عليهم في شركهم ، ومع ذلك فقد أخبر الله تعالى عنهم بقوله :﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾(يوسف: 106) ! نعوذ بالله من الشرك ما خفي منه وما ظهر ، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يرجون لقاءه ، وأن نعمل صالحًا يرضاه ، وألا نشرك به أحدًا ، إنه خير مسؤول ، وصلى الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليمًا كثيرًا . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |