ما حكم ختان المرأة في الشريعة الإسلامية ؟

[أبو عثمان]

حكم الختان في الشريعة الإسلامية
كتبه خادم العلماء : أبو عثمان ـ دبلوم عال في الفقه الإسلامي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين , وبعد :

فإن فتوى فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة ـ مفتي الديار المصرية ـ حفظه الله تعالى قد أثارت جدلاً ما بعده جدل وهذه الفتوى تتعلق بمسألة ختان الإناث , حيث أفتى سماحته بتحريم الختان للإناث وذلك بسبب وفاة فتاة أثناء الختان .

وقد تطور هذا الأمر الى درجة أن الكثير من علماء مصر طلبوا منه الاعتذار عن هذه الفتوى , بل وصل الأمر الى أن أحد العلماء قدم دعوى ضد وزير الصحة في مصر لأنه التزم بفتوى الشيخ علي جمعة .

السؤال هل ما أفتى به مفتى الديار المصرية أمر متفق عليه بين الفقهاء أم هو مختلف حوله أم أنه تفرد بهذا الرأي ؟

لا بدّ أن أشير الى أن الشيخ الدكتور علي جمعة حفظه الله تعالى هو شيخ شيخنا ورجل عالم ولكن كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وكان العلماء يقولون : احذروا زلة العالم .

والحق أحق أن يتبع فنحن نحب شيخ شيخنا الشيخ علي جمعة ولكن الصواب أحب إلينا . لذا رأيت أن أوضح هذا الأمر مستندًا في ذلك الى كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم وأقوال الأئمة الفقهاء من أئمة المذاهب الأربعة .

أولاً : تعريف الختان :
- الختان والختانة لغةً الاسم من الختن ، وهو قطع القلفة من الذّكر ، والنّواة من الأنثى ، كما يطلق الختان على موضع القطع .

وتعريفه : هو في الذكر قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة وفي الأنثى قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج.

ثانيًا : أدلة الختان :
1 ــ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء" رواه أحمد في المسند قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده ضعيف , والطبراني في المعجم الكبير , وابن أبي شيبة .

وفي الحديث دلالة واضحة على أن الختان مكرمة للنساء , رب قائل يقول : إن الحديث ضعيف ولا يحتج به في الأحكام .
نقول هذا الكلام صحيح ولكن الكثير من أهل العلم احتج به كابن قدامة في المغني 1/101 طبعة دار الفكر . وكذا أيده فتاوى أهل العلم من مذاهب الأئمة الأربعة كما سيأتي .

2 ــ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط " . رواه البخاري ومسلم .
قلت : فالحديث لم يفرق بين الذكر والأنثى فكيف نفرق دون دليل .

3 ــ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " رواه البخاري ومسلم .
ففي الحديث بيان أن النساء كنّ يختتن .

4 ــ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية ـ ختانة كانت بالمدينة ـ : " إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج " الطبراني في المعجم الصغير

5 ـ عن أبي المليح أن ختانة بالمدينة ختنت جارية فماتت , فقال لها سيدنا عمر رضي الله عنه : " ألا أبقيت كذا وجعل ديتها على عاقلتها " رواه ابن أبي شيبة .

ثالثًا : أول من اختتن .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " البخاري ومسلم .
عن ابن المسيب رحمه الله تعالى قال :" إبراهيم أول من اختتن " مصنف عبد الرزاق .

رابعًا : أقوال أهل العلم في ختان الإناث :
يقول الشيخ عبد الله ناصح علوان : " أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون على أن الختان مستحب للأنثى وليس بواجب , اللهم إلا في رواية للإمام أحمد بن حنبل أنه يجب على النساء والرجال على السواء " تربية الأولاد 1/86

خامسًا : حكم الختان للإناث :
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء التاسع عشر:
اختلف الفقهاء في حكم الختان على أقوال :

القول الأوّل :
1 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه شاذّ عند الشّافعيّة ، وروايةً عن أحمد : إلى أنّ الختان سنّة في حقّ الرّجال وليس بواجب . وهو من الفطرة ومن شعائر الإسلام ، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام ، كما لو تركوا الأذان .
وهو مندوب في حقّ المرأة عند المالكيّة ، وعند الحنفيّة والحنابلة في رواية يعتبر ختانها مكرمةً وليس بسنّة ، وفي قول عند الحنفيّة : إنّه سنّة في حقّهنّ كذلك ، وفي ثالث : إنّه مستحبّ .

القول الثّاني :
- ذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وهو مقتضى قول سحنون من المالكيّة : إلى أنّ الختان واجب على الرّجال والنّساء .

القول الثّالث :
- هذا القول نصّ عليه ابن قدامة في المغني ، وهو أنّ الختان واجب على الرّجال ، ومكرمة في حقّ النّساء وليس بواجب عليهنّ " اهـ .

ختان من لا يقوى على الختان :
جاء في الموسوعة الفقهية الجزء التاسع عشر :
- من كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه ، لم يجز أن يختن حتّى عند القائلين بوجوبه ، بل يؤجّل حتّى يصير بحيث يغلب على الظّنّ سلامته ، لأنّه لا تعبّد فيما يفضي إلى التّلف ، ولأنّ بعض الواجبات يسقط بخوف الهلاك فالسّنّة أحرى ، وهذا عند من يقول إنّ الختان سنّة . وللحنابلة تفصيل في مذهبهم "اهـ قلت : انظر التفصيل هناك .

تضمين الخاتن :
جاء في الموسوعة الفقهية الجزء التاسع عشر :
- اتّفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان ، أو إذا جاوز القطع إلى الحشفة أو بعضها أو قطع في غير محلّ القطع . وحكمه في الضّمان حكم الطّبيب أي أنّه يضمن مع التّفريط أو التّعدّي وإذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان . وللفقهاء تفصيل في هذه المسألة " اهـ .

قلت : فلم يقل العلماء بحرمة ذلك لأن فتاة قد توفيت , بل إن ما ذكرته عن سيدنا عمر رضي الله عنه يرد بصراحة على فتوى سماحة المفتي حفظه الله تعالى حيث قال لها سيدنا عمر رضي الله عنه :" ألا أبقيت كذا وجعل ديتها على عاقلتها " رواه ابن أبي شيبة . فلم يصدر أمير المؤمنين عمر قرارًا بتحريم الختان !!!
وهناك حكم كثيرة للختان : دينية , وصحية , ليس الآن موضع بسطها .

فيتبين لنا مما سبق :
1 ــ اتفاق الأئمة على جواز ختان الإناث .
2 ــ اختلاف العلماء هل ختان الإناث واجب أم سنة أم مستحب .
3 ــ أنه لم ينقل عن أحد من العلماء القول بتحريم فيما أعلم ومن خلال ما ذكرنا.

فكيف يقول سماحة المفتي حفظه الله تعالى بأن ختان المرأة حرام , ومعلوم عند علماء الأصول أن الحرام لا بد له من دليل قطعي الثبوت والدلالة يعتمد عليه من يحرم .

فالمفتي قد خالف المتوارث منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا .
لذا أقول : إننا نعتبر ما أفتى به سماحة المفتي لا يعتبر دليلاً يحتج به بعض الناس للمنع من ختان النساء , وخاصة أن الختان في مصر وبعض البلاد للإناث ضروري لأسباب عدة ليس الآن موضع بسطها .
فوالله عجبًا لحال الأمة إن الأمة اليوم تنشغل بأمور قد تكلم فيها منذ قرون خلت وللأسف طبل الإعلام وزمر للفتاوى الشاذة التي تصدرها بعض المرجعيات , فعندما أقرأ لفضيلة المفتي فتوى تبيح فوائد البنوك ويقول إن المعاملات البنكية في السبعينات تختلف عن المعاملات البنكية اليوم , أقول يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك وقد قرأت أسماء مئة عالم من كبار العلماء وهم يحرمون فوائد البنوك.

فنقول : إن ختان الإناث جائز باتفاق المذاهب المعتمدة ومن قال بالتحريم يحتاج الى دليل .
وكتبه في لبنان صباح الأربعاء 16 رجب 1428ــ 1 آب 2007