لقد قام بعض المسلمين باعتقال العبادة داخل جدران المساجد ...

[أبو محمد ياسين]

العبادات :

لقد قام بعض المسلمين باعتقال العبادة داخل جدران، المساجد ولم يسمحوا لها بالحركة أو التحرك إلا في إطار ضيق من ركوع وسجود وصيام، وبذلك قاموا بفصل الدين عن حركة الحياة المعقدة والمتنوعة والمتجددة، وما هذا الفصل إلا صنو للعلمانية المنادية بفصل الدين عن الدولة، فكم هو عجيب هذا التوافق بين أتباع الإسلام وخصومه ؟ ! و لذا نتوجه بهذا التعريف إلى إخوتنا في الدين عسى أن يطلقوا سراح العبادة من ذلك الاعتقال، ولا يكونوا عونا لخصوم ديننا الإسلامي الحنيف من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

التعريف :

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى و يرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة والباطنة .

شروطها :

لا تصح العبادة إلا لله وحده لا شريك له ، فلا معبود بحق إلا هو جل شأنه ، وكل عبادة لغيره فهي باطلة شرعا و عقلا ، ولا تصح العبادة إلا مع الإيمان بسائر أركان العقيدة الإسلامية الستة ، ولا تصح العبادة إلا بثبوت الدليل الشرعي على أن الله أمر بها أو رضي عنها أو أذن فيها وإلا فهي مردودة ، كما يشترط أيضا أداء العبادة بنفس الطريقة التي بينها سيدنا رسول الله ( صلى الله وسلم عليه وعلى آله ) إن كانت من النوع الشعائري ، بحيث يبذل المسلم ما تسمح به قدرته وظروفه في اتباع السنة المطهرة .
و لا تكون العبادة كاملة إلا إذا اقترن أداؤها بالتذلل والخشوع و الشكر و المحبة لله، بحيث يكون الله تعالى أحب إلى العبد من كل ما سواه، و بالجملة فلا تصح العبادة دون إيمان و طاعة ولا تكتمل إلا بالمحبة.

حكمتها :

الحكمة العليا من العبادة (و الله أعلم ) لمعرفة المطيع من العاصي في هذه الحياة الدنيا ( وتسمى هذه المعرفة بمعرفة الإبداء والإظهار والإخراج لأن الله تعالى عليم بكل شيء قبل أن يخلقه ) وبذلك ينال كل إنسان ما يستحقه من جزاء على طاعته أو معصيته وفق العدالة الإلهية المطلقة في الدار الآخرة ، فغاية كل عبادة إسلامية هي تأكيد وتحقيق كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلب كل مؤمن بها بحيث تفيض على أقواله وأعماله الصفات اللائقة به كخليفة في هذه الأرض ، كما أن للعبادة حكم وفوائد و ثمرات كثيرة لا نكاد نحصيها، و في مقدمتها الفوز بمحبة الله تبارك و تعالى، و برضاه و عونه وحفظه و نصره، فالخير
كل الخير في عبادة الله وحده لا شريك له، وبعض الفوائد ذكرها الكتاب أو السنة، وبعضها من اجتهاد العلماء الأجلاء، و بعضها لا يعلمها إلا الله تعالى، وأقول لمن يكثر الأسئلة عن حكمة العبادة أن يدرس تاريخ المسلمين في الفترات التي عبدوا الله فيها كما أمرهم، فسيجد الفوائد التي نالوها بسبب عبادة الله والتي منها السيطرة على أعظم الممالك و إنشاء حضارة إنسانية لم يعرف العالم لها مثيلا لا سابقا ولا لاحقا. و اكتساب العزة والكرامة والمهابة، والأمن والرخاء...الخ، والخلاصة تكمن في أن المسلم يقوم بالعبادة امتثالا لأمر الله تعالى ليثبت خضوعه لمولاه دون إكراه من احد، بل بإرادته المستقلة، وهذا هو الأساس في العبادة ولا بأس بعد ذلك أن يلتمس الحكم والفوائد الأخرى التي ينالها المطيع لأمر الله تبارك و تعالى في حدود الشرع و العقل، ودليل ذلك طلب الخليل ( عليه السلام ) الآية بعد الإيمان ليطمئن القلب، وإنما يكون الغلط والمغالطة في أن يشترط المرء عدم الطاعة والامتثال إلا إذا تبينت له فوائد العبادة واقتنع معاليه بذلك (من البداهة أن الأعلى يأمر و على الأدنى الطاعة وتكون النتيجة هي الحكم بأن الأدنى خضع للأعلى بصرف النظر عن المكافأة وفي تلك المغالطة نلاحظ أن المرء يجعل من نفسه ندا لخالقه بل يتعالى عليه برد أمره والاشتراط بعدم قبوله حتى يوافق مزاجه الفاسد وعقله القاصر، وليس بخاف على أحد أن أستاذ هذه المدرسة الضالة هو إبليس أخزاه الله، فقد أبى واستكبر على أمر الله بالسجود لآدم. )

شبهة :

هل طاعة المسلم أو خضوعه لغير الله تعتبر عبادة له ؟

اعلم أن كل عبادة طاعة، و ليس كل طاعة عبادة، فنحن مطالبون بطاعة الرسول و طاعة أولي الأمر ولكن هذه الطاعة ليست عبادة لهم بل هي امتثال لأمر الله تعالى و بالتالي فهي عبادة لله وحده لاشريك له، وكذلك لا تكون الطاعة من الجندي لقائده عبادة له مهما تفانى الجندي في ذلك، و كذلك طاعة العامل لرب العمل وإن عمل عنده طوال حياته وهو مطيع له، وقس على ذلك الكثير من طاعة البشر للبشر والتي تقترن في كثير من الأحوال بالمحبة أو الخضوع، فكيف نميز هذه الطاعة المشروعة في التعامل عن الطاعة الشرعية التعبدية ؟ يمكن تلخيص الجواب في النقاط الآتية:

1- لا تكون الطاعة عبادة حتى تعتقد صفة الألوهية فيمن أطعته ( أي أن تعتقد أنه أهل للعبادة، فإن خلا قلبك من هذا الاعتقاد فإن طاعتك له وخضوعك إليه ومحبتك إياه بعيدة كل البعد عن العبادة )

2- إذا ادعى المخلوق اختصاصات الله، وصار يشرع من عند نفسه تحريما و تحليلا و أمرا و نهيا خلافا ومعارضة لحكم المولى عز وجل شريطة أن يكون ذلك فيما اتفقت عليه الأمة ولم يكن له فيه عذر شرعي، فإن طاعته في ذلك تدخل في العبادة لغير الله، على أن يصدر هذا الحكم من العلماء المؤهلين لذلك، حتى لا يصدر الحكم من كل من هب و دب.

3- إذا نويت العبادة لغير الله فإنها تسمى رياء وهو الشرك الأصغر و قد صرح سيدنا و نبينا محمد (صلى الله وسلم عليه وعلى آله ) أنه أخشى ما يخشاه على أمته، فظاهر الرياء طاعة وعبادة وباطنه شرك خفي محبط لتلك العبادة.

4- اختلف العلماء فيمن عبد الله بغير المنصوص عليه شرعا، والذي تبين لي إن المسألة من ذوات التفصيل و ليس من الفقه إصدار حكم واحد على أحوالها المختلفة، فمن أولئك العبّاد من يعذر لعدم وجود إمكانية التعليم، ومنهم من يعذر لشبهة أو تأويل، ومنهم من يلام على كسله وتقصيره في تعلم العبادة الصحيحة،و هكذا يتم دراسة كل حالة على حدة لتأخذ حكمها الشرعي المناسب، والله تعالى أعلم .

5- لا علاقة لهذا البحث بصور أو طرق العبادة التي يختلف العلماء في حكمها بين المنع والجواز، أو الفرض والسنة، أو الاستحباب والكراهة و غير ذلك من الخلاف الفقهي بين العلماء، فالحكم في هذه المسائل أن يعمل كلٌ بما ترجح عنده وفق علم الفقه وأصوله، و أن يعذر غيره فيما ذهب إليه، وليس لأحدهم أن يفرض رأيه و اجتهاده على الآخرين ما داموا يغترفون من بحر الكتاب والسنة ويستضيئون بالمنهج العلمي الذي رسمه الصحابة الكرام و أثبته العلماء الأجلاء لهذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين.

شبهة أخرى:

يقول البعض : إن شريعة الإسلام كانت صالحة وناجحة فيما مضى من القرون، أما في وقتنا المعاصر فإنها قد استهلكت و لم تعد صالحة لهذا العصر بدليل تخلف أتباعها عن ركب الحضارة وعجزهم عن مواكبة التقدم والتطور،وكثيرا ما سمعنا علماؤكم يرددون أنه لاصلاح لكم إلا باتباع شريعة الإسلام،و ما نراكم إلا في مزيد من الفقر والجهل والمرض،وما طعامكم ولباسكم و دواؤكم وسائر مقتنيات حياتكم إلا من نتاج حضارة الغرب ولولاهم لانقرضتم كالديناصورات أو لعشتم كالحيوانات ...الخ وننصحكم إذا أردتم النهوض والازدهار بأن تنبذوا دينكم فهو سبب تخلفكم و دونكم نهضة الغرب اتخذوها إماما و عليكم بحضارة الغرب اجعلوها لكم شرعة و منهاجا تكونوا من الفائزين ولا باس في الحفاظ على المساجد والصلاة فيها لمن شاء منكم ذلك فالمهم هو أن تسير الحياة على طريقة الغرب خارج المساجد لتحظوا بالرقي والتقدم والتطور وإن زمن العولمة آت لاريب فيه فبادروا بالانضمام إلى ركب الغرب قبل أن ينفخ الغرب في صور العولمة فتصبحوا على تمسككم بدينكم المستهلك من النادمين...الخ
نحن كمسلمين ننشد النهوض والتقدم و الازدهار، شريطة عدم الخروج عن دائرة الشرع، ولسوف يذلنا الله ما دمنا ننسلخ عن ديننا الذي هو سبب عزتنا و مجدنا، ونرفض فقدان شخصيتنا وذوبانها عبر التقليد الأعمى للغرب، وندرك في الوقت ذاته مدى حاجتنا إلى الاستفادة من منافع نهضة الغرب بعد غربلتها جيدا من الشوائب والقاذورات التي لا يرضاها الإسلام، كما نعي جيدا حاجتنا إلى محو الأمية الدينية بين المسلمين أنفسهم بحيث يستوعبون الإسلام على أنه نظام سماوي شامل لكل حركة في الحياة البشرية و صالح لكل زمان و مكان، ولا يجوز تقزيمه وحصره في جوانب دون أخرى، كما لا يجوز إقصاؤه عن مسيرة الحياة الدنيا وتنظيمها، وليس المقام هنا في بحث أسباب تخلفنا ومقومات نهضتنا، فمقصودنا أن نبين أن سوء فهمنا للعبادات الشرعية وحصرها في أداء بعض الشعائر،جعل منا أناسا متخلفين في كل ميادين الحياة مما أتاح المجال لدعاة العلمانية والتقليد الأعمى، وأقولها بكل وضوح : لا يمكن أن ننهض إلا بأداء العبادة على وجهها الشرعي، و أقصد أن نطيع الله تعالى في كل ما يأمرنا به : فالعلم النافع عبادة نتقرب بها إلى الله والعمل و إتقانه عبادة، الصدق والأمانة عبادة، الوفاء بالعهد عبادة،عدم بخس الناس أشياءهم عبادة، التحلي بالفضيلة عبادة، التخلي عن الرذيلة عبادة، إغاثة الملهوف عبادة وكذلك نصرة المظلوم وفك العاني والجهاد لإعلاء كلمة الله والدفاع عن حرمات المسلمين وأعراضهم ...و ... و ... و ... و...الخ

أرأيت يا أخي كم نحن مقصرون في العبادة وجاهلون لتفصيلها، وكأن الله لم يأمر إلا بالصوم و الصلاة فقط وكأن الرسول لم يعلمنا سوى استعمال السواك وتشمير الإزار، و كأن العلماء لم يبحثوا في غير مسائل الحيض والنفاس، والويل كل الويل لمن يتكلم في الدين بغير ذلك الأسلوب العتيق، حتى رسخ في أذهان أكثر المسلمين أن العبادة عبارة عن صلاة و صوم و حج وحبذا الاعتكاف، و حتى استقر في عقولنا أن المسجد عبارة عن مستودع لتفريغ شحنة العبادة فيه، و نسينا أن المسجد محطة يتزود منها المسلم شحنته الدينية ليكون قادرا على خوض غمار الحياة بكامل لياقته في المعاملة الراقية والأخلاق الرفيعة، فهل أنت مقتنع بهذا الطرح لمفهوم العبادة، وهل إذا اقتنعت بذلك ستساهم معنا حسب استطاعتك في نشر مفهوم العبادة الموصلة لخيري الدنيا و الآخرة، وهل ستنضم إلينا للعمل على إطلاق سراح العبادة من هذا المعتقل الذي شيده بعض المسلمين بجهلهم و يعينهم في ذلك دعاة العلمانية، أمامنا عمل كبير و كثير ولكن كما أسلفنا لابد من العمل الذي يأمرنا الله بتنفيذه وهذه هي العبادة بمفهومها العام.

هل تعلم أن تكوين أسرة مسلمة تتربى وتعيش على مبادىء الإسلام يعتبر عبادة من أعظم العبادات ؟

هل تعلم أن السعي في قضاء حاجة أخيك المسلم لوجه الله تعدل عبادة عدة سنوات ؟

هل تعلم أن خير الناس أنفعهم للناس ؟

هل تعلم أن تعلم الطب والهندسة والحاسوب وغيرها من العلوم الدنيوية النافعة هي من فروض الكفاية ؟

هل تعلم أن الإعلام حاليا هو المعلم الفعلي للمجتمعات وبالتالي فهو من أخطر الأسلحة وقدا ستغله خصومنا أبشع استغلال ليصرفوا رعاياهم عن فهم ديننا السمح أولا، ثم استغلوه ثانيا لغزونا فكريا لنكون خاضعين لما يريدونه، ولذا فخوض الحرب الإعلامية عبادة وفريضة كفاية على المسلمين للدفاع عن إسلامهم أولا ولدعوة الآخرين إليه ثانيا ولنشر التوعية الدينية بين المسلمين ثالثا، فهذه عبادة خطيرة وجسيمة وباهظة التكاليف وتحتاج إلى الفكر النير والجهد الدؤوب وليس لنا عذر إذا لم نقم بهذه الفريضة

هل تعلم أن إتقان العمل عبادة، وأنه يعطي انطباعا حسنا عن المسلم وإسلامه، وأنه لا بكفي أن نعمل لننهض بل نعمل مع الإتقان قدر الامكان.

فليبارك الله سعينا، وليشد أزرنا، و لينور بصيرتنا، فما التوفيق إلا بالله مولانا فنعم المولى و نعم النصير.

[سامي]

نسأل الله تعالى ان يعيننا على العبادة الصحيحة الخالصة لوجهه الكريم

ونسأله تعالى ان يعز الاسلام واهله ويذل الشرك واهله

بارك الله فيك اخي الحبيب على الطرح الكريم

ونسأل الله تعالى ان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه

[أبو محمد ياسين]

بارك الله فيك أخي سامي مشكور على المرور الطيب...

اسأل الله العظيم رب العرش الكريم
أن يسعدك في الدنيا و الآخرة