|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() موقف الشريعة من إثبات النسب بالبصمة الوراثية أثبت المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الاستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسب يميل رأي أكثر الفقهاء والمعاصرين إلى أن البصمة ترقى إلى مرتبة القيافة، وتظل أدلة الفراش والبينة والإقرار سيد الأدلة في إثبات النسب علي الأصم: أن البصمة الوراثية كما صرح بها أهل الطب لا يمكن أن تخلو من عيوب لأنها تحتاج إلى معايير للتأكد من صحتها مسألة إثبات النسب في الشريعة الإسلامية من المسائل المهمة التي تدخل ضمن المقاصد الكبرى التي جاءت الشريعة لرعايتها، ويؤكد العلماء أن إثبات النسب يشتمل حقوقا عدة، كما أنه يمثل عنوان البقاء للإنسان في هذه الحياة الذي يستمر معه فترة وجوده كلها، ومن هذا المنطلق جاءت أهمية البحث في إثبات النسب بالبصمة الوراثية التي تعد من الأمور المستجدة علميا وفقهيا، والبصمة الوراثية تعني نوعا من تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء من نواة أي خلية من خلايا جسمه، وهي الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع التي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق التحليل، وقد تم بحث موضوع البصمة الوراثية في المجامع الفقهية بوصفها من النوازل الفقهية المعاصرة واختلفت آراء العلماء في تحديد النسب بالبصمة الوراثية من عدمه، وسنلخص هذه الآراء للوصول إلى القول الراجح من هذه المسألة. يقول الدكتور سفيان بن عمر بورقعة في دراسته الموسومة: بـ«النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته»: لا تخفى أهمية النسب ومنزلته في الفقه الإسلامي، ويكفي بيانا لذلك أن الشريعة عدته واحدا من الكليات الخمس التي قامت أحكامها على رعايتها وحفظها.ويقول أيضا: إن علاقة النسب في جوهرها علاقة إنسانية، تثبت للإنسان بمجرد كونه إنسانا، فتلتصق بشخصيته وتثبت له بمجرد أن يولد حيا؛ ولهذا فطر الإنسان على تعزيزه هذه العلاقة والعناية بها، والدفاع عنها،؛ ولذا فهي تعد مظهرا من أبرز مظاهر تكريم الله للإنسان، ونعمة من أجل نعمه عليه، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } (الفرقان: 54). ويؤكد الدكتور سفيان أن إثبات النسب في الإسلام تجتمع فيه حقوق أربعة: حق لله، وحق للولد، وحق للأب، وحق للأم، ويؤكد الإمام ابن قيم الجوزية هذا قائلا: «إن إثبات النسب فيه حق لله، وحق للولد، وحق للأب، ويترتب عليه من أحكام الوصل بين العباد ما به قوام مصالحهم، فأثبته الشرع بأنواع الطرق التي لا يثبت بمثلها نتاج الحيوان. فحق الله فيه من جهة أنه أمر بدعوة الولد إلى أبيه الحقيقي، ومن ثم نهى عن التبني، وجعله قولا بغير الحق؛ لأنه قائم على غير الحقيقة والواقع، كما توعد عن كل فعل يكون من الرجل أو المرأة من شأنه تزييف النسب أو الدس فيه ما ليس منه، أو الإخراج منه ما هو من حقيقته وصلبه؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن ادّعى إلى غير أبيه وهو يَعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام». الأساس في ثبوت النسب ويشير الدكتور سفيان بن عمر إلى أن النسب يمثل عند البشر عنوان بقاء الإنسان في هذه الحياة وطريقه الوحيد للاستمرار فيها، لكن شاءت مشيئة الله سبحانه ألا يخلد أحد في هذه الدنيا، فجعل للإنسان عمرا قصيرا، وأمدا محددا فيها، وعوضه عن حرمانه الخلود وبقاء نسله من بعده، فغرس في فطرته سر هذا البقاء عبر التزاوج والتواصل بين الجنسين، ويضيف قائلا: وإذا كان النسب أساسه الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، فإننا حينئذ نعد الولادة معرفة بذلك الاتصال أو علامة عليه، ولا يصح ربط سبب النسب بها أو اعتبارها مدخلا له كما ذكره الأستاذ محمد الأشقر - حفظه الله - حيث عبّر عن ذلك بقوله: «مدخل النسب الولادة»، فإن أراد بالمدخل المعرف والعلامة فصحيح، وإن كان المفهوم من مدخل النسب سببه، فالمدخل والباب والطريق تسمى أسبابا لغة كما سبق. قال السرخسي: «فإن الولادة لثبوت النسب شرط بمنزلة العلامة؛ فإن بها يظهر ويُعرف ما كان موجودا في الرحم قبل الولادة»، ونقل عن أبي حنيفة قوله: «الولادة بمنزلة المعرف». ثم إن الولادة أمر يخص المرأة دون الرجل، والمتعين في السبب أن يكون شاملا لهما لاشتراكهما في العلاقة، وهذا إنما يصح بناؤه على ما ذكرنا وليس الولادة. هذا وقد حدد الإسلام الإطار الشرعي الذي تتم فيه المخالطة بين الجنسين، ورسم الحدود الشرعية التي يسوغ للرجل والمرأة سلوكها إذا ما أرادا تلبية الحاجة الفطرية لديهما لإعفاف النفس وتحصيل النسل. التعريف الاصطلاحي للبصمة الوراثية ويشير الدكتور سفيان بن عمر عن أن البصمة الوراثية تعني كما جاء في تعريفات المتختصين بأنها: «تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حامض الدنا المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه»، وفي تعريف آخر «هي الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع التي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق تحليل جزء من حامض الدنا الذي تحتوي عليه خلايا جسده»، وقد عرفتها «ندوة الوراثة والهندسة الوراثية» برعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بأنها: «البنية الجينية التفصيلية التي تدل على هوية كل فرد بعينه، وهي من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية ولا سيما في مجال الطب الشرعي». وقد أقر المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشر هذا التعريف، وأضاف: بأن البحوث والدراسات تفيد بأنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي والتحقق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص، ويمكن أخذها من أي خلية من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره. إثبات النسب بالبصمة أما فيما يتعلق بإمكان الأخذ بالبصمة الوراثية في إثبات النسب يقول الدكتور سفيان: يمكننا الوقوف على جملة من أقوال الفقهاء المعاصرين في اعتبار البصمة الوراثية طريقا من طرق إثبات النسب - بوجه عام -، نكتفي بالإشارة إلى بعضها: يقول الأستاذ محمد سليمان الأشقر: «الذي يظهر لي، بل أكاد أجزم به، أنه طريق صحيحة شرعا لإثبات النسب، ويقول الأستاذ محمد المختار السلامي: «... لذا أجدني مطمئنا إلى اعتماد البصمة الوراثية فيما يثبت النسب أو ينفيه، وتكون النتيجة التي كشف عنها الاختبار أحق بالقبول». ويقول الدكتور عمر السبيل - رحمه الله - «... إنه يحسن الاستفادة من هذه الاكتشافات العلمية التي هيأها الله لعباده، وهداهم إليها، والاستعانة بها في تحقيق ما ترمي إليه هذه الشريعة المباركة من مقاصد على ضوء قاعدة الشرع الكبرى (في تحقيق المصالح ودرء المفاسد) ولا سيما وأن من أعظم سمات هذه الشريعة الخالدة ما تميزت به من سماحة ومرونة تحمل على الأخذ بكل ما يستجد مما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ولا يخالف الشرع... والأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب... أمر ظاهر الصحة والجواز». وقد أجاز «المجمع الفقهي» لرابطة العالم الإسلامي الاستفادة منها في إثبات النسب، وأطلق عليها اسم «البينة الجينية» نسبة إلى الجينات، وكان مماجاء في بيان ختام أعمال المجلس: «لو تنازع رجلان على أبوة طفل فإنه يجوز الاستفادة من استخدام البصمة الوراثية». كما أقرت العمل بها «المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية» بدولة الكويت في مؤتمرها الفقهي الذي عقدته خلال المدة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ؛ حيث جاء في نص البيان الختامي: «ولا ترى الندوة حرجا شرعيا في الاستفادة من هذه الوسيلة بوجه عام، عند التنازع في إثبات نسب المجهول نسبه، بناء على طلب الأطراف المعنية مباشرة بالأمر». وفي مجال العمل بها على مستوى الدول العربية، أوصى المؤتمر العربي الثالث لرؤساء أجهزة الأدلة الجنائية المنعقد في عمَّان ما بين 10 - 12 مايو 1993م بضرورة الاهتمام ببصمة الحمض النووي وإمكانية الاستفادة منها. وأشار الدكتور سفيان أن بعض الدول العربية أقرت العمل بالبصمة الوراثية في إثبات النسب، كـ «دار الإفتاء المصرية» ذلك في القضايا المعروضة بهذا الشأن من المحاكم المختلفة ومن ذلك القضية رقم 635 لسنة 1995م شمال القاهرة. كما استخدمت في قضايا التنازع في البنوة بدولة الإمارات العربية المتحدة. أما عن منزلة البصمة الوراثية بين أدلة النسب الشرعية: فيمكن الوقوف على رأيين للفقهاء المعاصرين في تحديد منزلة البصمة بين أدلة النسب الشرعية: الرأي الأول: ويميل إليه أكثر الفقهاء المعاصرين، ومفاده أن البصمة ترقى إلى مرتبة القيافة، وتظل أدلة النسب ونفيه المعروفة في الفقه الإسلامي منذ عصر الرسالة والمقدمة على القيافة مقدمة أيضا على البصمة الوراثية. وتثبت الأمومة بالولادة المشهودة، أو المقر بها، كما تثبت الأبوة بالفراش الذي هو علاقة الزوجية، كما تثبت بالإقرار والبينة، وتظل هذه الأدلة (الفراش، والبينة، والإقرار) سيد الأدلة في إثبات النسب، إن وجدت كلها أو بعضها. فلا يجوز اللجوء إلى البصمة إلا عند التنازع؛ لأنه في هذه الحال يحتكم إلى القيافة لحل النزاع، والبصمة الوراثية في حكم القيافة. يقول الأستاذ محمد الأشقر: «إنه لن يكون مقبولا شرعا استخدام الهندسة الوراثية، والبصمة الوراثية لإبطال الأبوة التي تثبت بطريق شرعي صحيح من الطرق التي تقدم بيانها. ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في إثبات أو نفي أبوة لم تثبت بطريق شرعي صحيح، كحالة الشخص المجهول النسب إن ادعاه اثنان فأكثر، وكحالة مجهول النسب إن ادعى هو أنه ابن فلان أو فلان من الناس، وأراد الأب المقر له، أو ورثته التأكد من صحة ذلك». ويقول الأستاذ وهبة الزحيلي: «ويُقدَّم على البصمة الوراثية الطرق المقررة في شريعتنا لإثبات النسب أو لنفيه، أما الإثبات فيكون بالبينة، والاستلحاق، أو الإقرار بالنسب، وبالفراش، أي العلاقة الزوجية؛ وذلك لأن هذه الطرق أقوى في تقدير الشرع، فلا يلجأ إلى غيرها من الطرق كالبصمة الوراثية والقيافة إلا عند التنازع في الإثبات، وعدم الدليل الأقوى، أو عند تعارض الأدلة». وجاء في ملخص الحلقة النقاشية لـ «ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة» المنعقدة في الكويت في 28 - 29/1/1421هـ «اتفق أكثر الحضور على أن البصمة الوراثية ترقى إلى دليل القيافة، ولا تقدم على الشهادة أو الإقرار». مستند هذا الرأي: استند أصحاب هذا الرأي إلى مجموعة أدلة وهي كالآتي: 1- أن اعتماد البصمة الوراثية أساس لإثبات النسب مطلقا - أي في حالي الزواج وعدمه - يعني اعتبار النسب لصاحب الماء وليس لصاحب الفراش...، والقاعدة المستقرة في الفقه الإسلامي هي اعتبار الفراش لقول النبي [: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وهو خبر استفاض بين الصحابة رضي الله عنهم. 2- أن الطرق الشرعية (الفراش، والبينة، والإقرار) هي وسائل للإثبات قام على اعتبارها والاعتداد بها نصوص القرآن، والسنة، وإجماع الأمة، فلا يسوغ أن تتقدم عليها البصمة؛ لأنه يؤدي إبطال النصوص الشرعية، وهدم أمر مجمع عليه بين العلماء في كل العصور، والأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها، أو إبطال العمل بها إلا بنص شرعي يدل على نسخها، وهو أمر مستحيل. 3- أن عمدة جواز العمل بالبصمة الوراثية هي قياسها على القيافة، فغاية الأمر أن تأخذ حكمها، وتقع في منزلتها. مدى مصداقية البصمة الوراثية: ومن جانبه يتساءل باحث خليفة علي الكعبي في بحث له بعنوان: «البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية» عن مدى صحة نتائج البصمة الوراثية صحيحة من الجانب الطبي ويقول هل فعلاً نتائج البصمة الوراثية صحيحة 100٪ أم أن هناك شيئاً نجهله عن البصمة الوارثية؟، ويضيف قائلا: تعددت أقوال الأطباء حول مسألة مدى مصداقية البصمة الوراثية، والذي يهمني، هو النقل الصحيح عن أهل الخبرة والاختصاص، فأهل الطب والعاملون بالمختبرات هم أنفسهم أدرى وأعلم باختصاصهم، فقد قال أحد الأطباء إن نتيجة البصمة في الإثبات بنسبة 99.99٪ وفي حالة النفي 100٪، وقال آخر إن احتمال تطابق القواعد النتروجينية في الحمض النووي في شخصين غير وارد، ما جعلها قرينة نفي وإثبات لا تقبل الشك، وقال آخر إنه وبظهور أنظمة الفحص من نوف str يمكن وصول مؤشر الأبوة إلى 99.999٪ وهذه النسبة عملياً تعتبر قطعية، ثم قال أيضاً ويجب توضيح أن إثبات الأبوة والبنوة لا يمكن أن يصل من الناحية العلمية والعملية إلى 100٪ وذلك؛ لأنه يتوجب فحص جميع الذكور البالغين في المجتمع وهذا ضرب من الاستحالة. وقال العالم البيولوجي الدكتور عمر الشيخ الأصم: «منذ أن تم إدخال تقنية البصمة الوراثية كأحد الأدلة المستخدمة في التحقيقات الجنائية شهدت التقنية تطوراً ملحوضاً هادفاً إلى زيادة مصداقيتها، وقد أصبح بفعل هذا التطور إمكانية الحصول على احتمالية تزيد على 1:2 مليون بأن تكون البصمة الجينية لشخص هي البصمة الجينية نفسها لشخص آخر». ثم تكلم فضيلة الدكتور عمر الأصم عن حقيقة علمية يقبلها العقل والمنطق، وهو ما يؤكد ضعف القدرات والقوانين البشرية، فقال الدكتور عمر: «ولكن مثل أي طريقة بيولوجية لا يمكن اعتبار البصمة الوراثية 100٪ صحيحة وخالية من العيون». وهذه كلمة حق قل من تكلم لها بهذه الصراحة العلمية الحقيقية؛ لأن لا يمكن في الحقيقة أن تخلوّ البصمة الوراثية من عيوب وهذه إحدى المسببات التي أوهنت من قيمة البصمة الوراثية عند كثير من الناس. ويلخص الباحث هذه المسألة بقوله: يتبين لنا أن البصمة الوراثية كما صرح بها أهل الطب لا يمكن أن تخلو من عيوب لأنها تحتاج إلى معايير للتأكد من صحتها كالمؤهلات العلمية والخبرة المتميزة وسلامة الطرق والإجراءات التي توظّف لتحليل البصمة الوراثية، فهي لا تصل إلى نسبة 100٪ وإنما قد تكون قريبة من ذلك، وهو ما يعطيها صبغة «شبه قطعية» عند بعض أهل الفقه، وفضلاً عن ذلك فإن فحص جميع سكان المنطقة والدولة أو المجتمع لإثبات الأبوة أو البنوة يعتبر ضرباً من الخيال. مواقع الخطأ في البصمة الوراثية: ويشير الأستاذ الكعبي أن هناك القليل من الباحثين ومجتهدي العصر يتنبَّه بخصوص الأخطاء التي قد ترتكب في البصمة الوراثية، فالبصمة الوراثية رغم حداثتها ودقتها إلا أنها تظل عرضة للنتائج المضللة إذا لم تستخدم بدقة، وذلك بسبب القصور في الأدلة الفنية المؤدية أحياناً إلى إهدار الدليل بأكمله. وسبب ذلك القصور يرجع إلى نوعين رئيسيين: القصور الأول: هو قصور في الجوانب العلمية الفنية، والقصور الثاني: هو قصور في الجوانب الإجرائية القانونية، وهذا الأخير أقل تعرضاً من الأول مما يهدر الدليل الفني ويجعله كأن لم يكن شيئاً. وبعد استعراض مواقع الخطأ في البصمة الوراثية ووقوع هذه الأخطاء في موقعين أساسيين لا تخرج عنهما البصمة الوراثية، وهما مسرح الجريمة والمعمل الجنائي للبصمة الوراثية، وكل ذلك تقع مسؤوليته على القائمين بهذا العمل الدقيق من الخبراء والأطباء الشرعيين، تبين أنه على ضوء هذا الخطأ قد يتسبب الأمر في ضياع حقوق كثيرة وأنساب عديدة، وقد يؤدي الأمر إلى اتهام امرأة شريفة بالزنى نتيجة خطأ وقع في العمل الجنائي أثناء اختلاط العينات البيولوجية بعضها ببعض كما قد يتعرض القضاء إلى إصدار حكم بناء على تقرير البصمة الوراثية ثم يتبين هذا الخطأ بعد ذلك للمحكمة، فما هو موقف المشرع الإسلامي وقواعده الفقهية من حالة هذا الخطأ الافتراضي، إذا ما وقع في البصمة الوراثية، وأدى ذلك إلى إعطاء بيانات غير صحيحة تم على أثرها صدور حكم قضائي، ثم تبين بعد ذلك للخبراء والقضاء أن ثمة خطأ وقع في معمل البصمة الوراثية. القضاء الكويتي وموقفة من البصمة الوراثية ويقول الباحث خليفة الكعبي أن القضاء الكويتي لم يختلف عن غيره من أنظمة القضاء العربي الإسلامي القائم على الكتاب والسنة، الأمر الذي يشير إلى استقلالية القضاء في هيبته وسلطته الموقرة. حيث بدأت فكرة إنشاء مختبر فحوصات البصمة الوراثية منذ عام 1990 ولأسباب الغزو العراقي تم تأجيل هذا المؤتمر، وفي عام 1996 تم تقديم الدراسات لإنشاء مختبر البصمة الوراثية. ثم تم افتتاح المختبر الجنائي بالكويت في سنة 1998 بناء على الرعاية الكريمة لأمير دولة الكويت، وإدخال البصمة الوراثية في دولة الكويت والأخذ بها واستعمالها في عدة قضايا شرعية وجنائية. والجدير بالذكر أنه في دولة الكويت وبعد أن شاع خبر البصمة الوراثية في صحف الإعلام، قام مجلس الوزراء الكويتي في 29/11/1995 بإصدار قراره رقم 1050 بتكليف اللجنة الوزارية للشؤون القانونية بإعداد مشروع لتعديل الفقرة الأولى من المادة (173) من القانون رقم 51 لسنة 1984م في شأن الأحوال الشخصية بما يجعل لتقارير الطب الشرعي (البصمة الوراثية) قوة تدليلية يعتد بها في دعاوى إثبات النسب ونفيه. كما تم عرض هذا الموضوع على إدارة الفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، وانتهت في فتواها رقم 54 لسنة 1996 إلى أن البصمة الوراثية إن كانت قطعية الدلالة على مضمونها فإنه يجوز الحكم بها لنفي النسب دون إثباته من الأب؛ لأن تطابق الجينات الوراثية بين الابن وأبيه قد ينتج عن علاقة غير مشروعة سفاح ومن ثم لا تكون دليلاً لإثبات النسب، أما إذا لم تكن قطعية الدلالة فلا يجوز الأخذ بها في إثبات النسب ولا في نفيه. غير أن قرار إدارة الفتوى بوزارة الأوقاف غير ملزم لأهل القضاء الذين يتمتعون بالاستقلالية ولا رقيب عليهم إلا الله ثم ضمائرهم باعتبارهم أهل البصيرة الثاقبة والحكمة المنبثقة من تقوى الله وخشيته، فلم يكن لتلك الفتوى أي تأثير على القضاء الكويتي، فمهما بلغت البصمة الوراثية من أهميته ودعاية إعلامية، فإنها لا تخرجها عن كونها قرينة تخضع لسلطة المحكمة التي لها سلطة تقدير قوة العناصر التدليلية في القضايا الماثلة أمامها. ويؤكد الباحث خليفة الكعبي أنه متى كان الفراش قائماً وثابتاً ويقبل اللعان، فإذا البصمة الوراثية حكمها حكم القافة لا تهدر من قيمة الفراش كما قال ابن فرحون ذلك «والنفي بالقافة إنما هو ضرب من الاجتهاد فلا ينتقل ولد الحرة من اليقين إلى الاجتهاد» ومن الحجج التي سقتها في الفراش هو قول الشوكاني «مهما كان الفراش ثابتاً شرعاً كان الولد لا حقاً قطعاً» وإذا ثبت الولد لا ينتفي إلا بما هو من الفراش وهو اللعان وهو من باب أقوى الدليلين. ويذهب الكعبي في خلاصة بحثه القيم بعدم جواز العبث بفراش الزوجية وخدش حياء المرأة المسلمة؛ لأنه لا فائدة في نهاية الأمر من البصمة الوراثية طالما أن العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين، فإن الزوج على الخيار من أن يعيش مع هذه الزوجة بالمعروف أو يفارقها بالمعروف وإذا كان له منها ولداً فله نفيه باللعان إذا ما توفرت شروط الملاعنة الصحيحة. اعداد: عبدالقادر علي ورسمه
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |