مشاعرنا ترتقي بعباداتنا
مروة عبد العزيز عبد الله العيار
ناشطة في العمل الخيري والدعوي
نفْعُ الناس، ومخالطتُهم، والإنصاتُ إليهم، وبذلُ الجهد في تفريج كربهم وهمومهم، وقضاء حوائجهم، وسداد ديونهم، كلها من المعاملات النبيلة التي تتطلب الحِلم، والأناة، والحكمة، والبصيرة، وإنما تُثمر هذه المعاملة إذا أخلصتَ نيتك لله، واستحضرت عظيم الأجر، وصبرت على الأذى الذي قد يصيبك في طريقك لأداء تلك الأمانة وتفريج الكرب، فتصبح تلك المعاملات عباداتٍ عظيمة يُقدّرها الله وحده، ويثيب عليها أجرًا عظيمًا.
وإذا ما أحاطت هذه العبادات مشاعر الرحمة واللطف والتعاطف، ارتفعت في مقاماتها، وبلغت أسمى درجات القرب من الله -تعالى-، فمن رحمته - سبحانه - أنه قدّر مشاعر الناس، ورفع شأنها، وجعل إدخال السرور على قلوبهم عبادةً من أجلّ العبادات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ، أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه، ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له، ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ». - تذكّر دائمًا، وذكّر نفسك، أن صاحب الحاجة الذي لجأ إليك، قد أحسن الظن بك، وأن الله -سبحانه- اختارك لتكون سببًا في تفريج كربه؛ فاجتهد وابذل، واعلم أن الله - بفضله وكرمه - يُسخّر القلوب، ويؤمّنك على الخير الذي يصل لمستحقه.
أنت تصدّقت بوقتك، وجاهدت نفسك، وأخلصت نيتك؛ فأنت في موضع اختبار وابتلاء، فهل تحسن؟ هل تصبر؟ هل تتجمّل بحسن الخلق؟ - ومن فضل الله على عبده أن يجعل قضاء حوائج الناس على يديه؛ فاشكر هذه النعمة بإحسانك عند العمل فيها، ولا تكن جامدًا كصندوق المحاسبة، لا يحمل إلا المال دون مشاعر؛ إذ الهدف ليس سدّ الحاجة فحسب، بل إدخال السرور برحمة، وفعل الجميل بلين، وكسب الدعاء بجميل الخلق.
- يا لجمال قلوب أهل الرحمة الذين يملكون رِقّة تلامس القلوب، فتحرّك مشاعرهم لقضاء حاجة الملهوف، وقلوبهم تنشر الأمل، وتداوي بجبر الخواطر، وتملأ المكان ببشاشة دافئة، وتذيب برد الغربة وقسوة الألم! ويا لعظمة اليد التي تُمد لمصافحة، أو الذراعين يُفتَحَان لضمةٍ تطفئ الخوف، وتُسكّن التعب، وتبعث الطمأنينة!.
كثيرًا ما أشعر بالعجب والتأثر حين أتأمل روعة ما جاءت به الشريعة من نصوص تربط العبادات بالمشاعر، فها هو ذا الدعاء بظهر الغيب، والحب في الله، وتلك النصوص التي تحثّ على تفريج الكربات، وقضاء الديون، والسعي في حاجات الناس، والدفاع عن المظلوم، ومشاطرة الأحزان والدموع، كلها معانٍ وجدانيّة راقية، تفيض لُطفًا وإنسانية، وتضفي أبعادًا روحانيةً على كل فعلٍ خيّر. - حقًا، هنيئًا لتلك الأرواح التي إن عجزت عن النفع، لم تبخل بالدعاء أو حتى دمعاتٍ صادقةٍ، تنبئ عن قلبٍ حيِّ رقيق؛ فبالدعاء تصدق النوايا، وبالدمع تنكشف مشاعرُ اللُّطف والمحبة، في زمنٍ طغت فيه المادية على أرواحنا، فمشاعر رقة القلب لا تجتمع مع الجمود الجافّ، كما لا تستقر الرحمة في صدرٍ قاسٍ.