|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مهما عظُم ذنبك فأبْشِرْ محمد بن عبدالله العبدلي الحمد لله التواب الغفور الرحيم، والصلاة والسلام على السراج المنير؛ نبينا محمد بن عبدالله، الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فيا أخي الحبيب: اعلم - رحمني الله وإياك - أن الله عز وجل رحيم غفور، يفرح بتوبة عبده، وإنابته إليه، فلا يأسَ ولا قنوط، مهما عظُم ذنبك وكثُر زَلَلُك، فأبْشِرْ؛ فإن الله عز وجل غفور رحيم؛ قال في كتابه الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [الزمر:53، 54]. قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "يخبر تعالى عباده المسرفين بسَعَةِ كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل ألَّا يمكنهم ذلك فقال: ﴿قُلْ﴾ يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله، مخبرًا للعباد عن ربهم: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علَّام الغيوب. ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾؛ أي: لا تيأسوا منها، فتُلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا: قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يُزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مُصرين على العصيان، متزودين ما يُغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾؛ أي: وصفُه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تَزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسُح يداه من الخيرات آناءَ الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجِهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته، ولكن لمغفرته ورحمته ونَيلهما أسباب إن لم يأتِ بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلُّها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع، والتأله والتعبد، فهلمَّ إلى هذا السبب الأجلِّ، والطريق الأعظم. ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه، والمبادرة إليها فقال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ بقلوبكم، ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ بجوارحكم، إذا أُفردت الإنابة، دخلت فيها أعمال الجوارح، وإذا جُمع بينهما، كما في هذا الموضع، كان المعنى ما ذكرنا. وفي قوله: ﴿إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ دليل على الإخلاص، وأنه من دون إخلاص لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة شيئًا، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ مجيئًا لا يُدفع، ﴿ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ فكأنه قيل: ما هي الإنابة والإسلام؟ وما جزئياتها وأعمالها؟ فأجاب تعالى بقوله: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ مما أمركم من الأعمال الباطنة؛ كمحبة الله، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، وترك ما يضاد ذلك. ومن الأعمال الظاهرة؛ كالصلاة، والزكاة والصيام، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر الله به، وهو أحسن ما أُنزل إلينا من ربنا، فالمُتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المُنيب المسلم، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ وكل هذا حثٌّ على المبادرة وانتهاز الفرصة"؛ [تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن) (ص: 727، 728)]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَلهُ أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فَلَاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))؛ [أخرجه مسلم (2747)]. أيها المذنب وكلنا ذاك: أمرنا الله جميعًا بالتوبة والإنابة؛ فقال: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]. ثم وعد بالقبول فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]. قال السعدي رحمه الله: "هذا بيان لكمال كرم الله تعالى، وسَعة جُوده، وتمام لطفه، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يُقلعون عن ذنوبهم، ويندمون عليها، ويعزمون على ألَّا يعاودوها، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها بعدما انعقدت سببًا للهلاك، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية. ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ ويمحوها، ويمحو أثرها من العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريمًا، كأنه ما عمل سوءًا قط، ويُحبه ويوفِّقه لما يقر به إليه. ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغَ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله؛ ختم هذه الآية بقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ فالله تعالى دعا جميع العباد إلى الإنابة إليه والتوبة من التقصير، فانقسموا - بحسب الاستجابة له - إلى قسمين: مستجيبين؛ وصفهم بقوله: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشورى: 26]؛ أي: يستجيبون لربهم لمَّا دعاهم إليه، وينقادون له ويلبون دعوته؛ لأن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح يحملهم على ذلك، فإذا استجابوا له، شكر الله لهم، وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقًا ونشاطًا على العمل، وزادهم مضاعفة في الأجر؛ زيادة عما تستحقه أعمالهم من الثواب والفوز العظيم. وأما غير المستجيبين لله، وهم المعاندون الذين كفروا به وبرسله، فـ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: 26] في الدنيا والآخرة"؛ [تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن) (ص: 758)]. فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له. هذه عقيدتنا وظننا بربنا الرحيم الرحمن، وهذا لا يعني أن نسيء الأدب مع ربنا عز وجل، فنبارزه بالمعاصي والذنوب، ونسوِّف التوبة، فالآجال بيده خالقنا، ولا أحد يعلم متى سينزل به، فكم نعرف من أحبابٍ وأصحاب وجيران، هجم عليهم الموت، وهم في أتمِّ الصحة والعافية، فعلينا الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة الصادقة النصوح؛ حتى يبدل الله سبحانه سيئاتنا حسناتٍ. فاللهم وفِّقنا للتوبة الصادقة النصوح، وحبِّب إلينا الطاعات، وكرِّه إلينا المعاصي والسيئات، ووفِّقنا للمسارعة والمحافظة على الفرائض والطاعات، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |