|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فعل الطاعة كَرْهًا وكُرْهًا بين الظاهر والباطن د. ثامر عبدالمهدي محمود حتاملة الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على خير الأنام، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الكرام. إن من رحمة الله بعباده أن شرع لهم الطاعات، وجعلها سببًا لنيل مرضاته، غير أن بعض الناس يؤدونها دون رغبةٍ صادقةٍ، أو يجدون في أنفسهم ضيقًا وهم يقيمونها؛ كمن يُخرج زكاة ماله على مضض، أو من تلتزم الحجابَ مُجبرةً غير مقتنعة، أو من تترك زينتَها خارج البيت قسرًا لا طوعًا، وغيرها من الطاعات والعبادات المفروضة، فيفعلون ما أُمِروا به؛ ولكن قلوبهم لم تنقد له خضوعًا وإيمانًا ورضًا. وقد نبَّه الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله: ﴿ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]. قال الإمامُ القرطبيُّ -رحمه الله-: أي: أن يُذعِنوا إذعانًا تامًّا في مظهرهم وحسِّهم، وأن يخضعوا خضوعًا تامًّا، وأن يكون استسلامُهم لحكم الله استسلامًا تامًّا، ظاهرًا وباطنًا، لا يخالطه تردُّدٌ، ولا اعتراض. والإيمانُ الحقُّ يقتضي التسليم المطلق لحكم الله؛ إذ هو من مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر، وهو الركن السادس الذي لا يتمُّ الإيمان إلا به. فمن أُكره على طاعةٍ، فأدَّاها بغير نية التقرب إلى الله؛ لم يكن له في الآخرة ثوابها، وإن سقط عنه الإثم في الدنيا. وقد تواترت النصوص الصحيحة الصريحة على ذلك؛ فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، فبالنية تُرفَع الأعمال، وبها تُقبَل الطاعة، أو تُردُّ، لا قدَّر الله. قال ابن القيم -رحمه الله-: بقدر همَّة العبد ونيَّته يعطيه الله تعالى. وفي قوله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، بيَّن سبحانه أن الأجرَ العظيمَ مشروطٌ بالإخلاص؛ إذ لا يكفي مجرَّد الفعل؛ بل لا بدَّ أن يكون ابتغاء مرضاة الله؛ ولذلك فإن المسلم مأمورٌ بأن يستحضر نيَّة الطاعة والامتثال عند كلِّ عملٍ صالحٍ، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]. الطاعةُ بين الإجبار والاختيار: إذا أُكرِه الإنسان على فعل ما أمره الله به، فالعمل صحيحٌ من حيث الظاهر؛ لكنه في ميزان الآخرة لا يؤجر عليه إلا إن قارنه قصد الامتثال. فمن لُزِم بإخراج الزكاة، أو فُرض عليه ارتداء الحجاب، أو أُجبر على ترك المنكر، دون أن يكون في قلبه طاعةٌ لله، لم يكن له في ذلك الثواب الموعود، وإن كان قد أدَّى الفرض، وسقط عنه التكليف. أما الأب، فإنه مسؤولٌ عن رعيَّته، ملزمٌ بتوجيه أبنائه إلى الخير، وقد أوجب عليه الشرع أن يُلزم ابنته بالحجاب، ويمنعها من الخروج بغيره، فإن ارتدته مجبرةً دون نية الطاعة، فلا أجر لها، لكنها إن لبسته تحت تأثير الإلزام مع نية الامتثال؛ كان لها الأجر بفضل الله، وهذا هو الغالب؛ إذ إن الإكراه كثيرًا ما يكون سببًا في تعويد النفس على الطاعة، حتى تألفها، وتؤديها طواعيةً فيما بعد. نسأل الله أن يجعل طاعاتنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا التسليم لحكمه ظاهرًا وباطنًا، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |