تحليل إشكاليات التفكير الهندسي في العمل الدعوي: ملخص محاضرة د. أحمد عبد المنعم

[ابوالوليد المسلم]

تحليل إشكاليات التفكير الهندسي في العمل الدعوي

ملخص محاضرة د. أحمد عبدالمنعم

أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب

المقدمة:
الحمد لله؛ أما بعد:
فيشكِّل التفكير الهندسي إطارًا منهجيًّا يعتمد على الوضوح، والدقة، والتنظيم الهيكلي لتحليل المشكلات وإيجاد حلول لها، وعلى رغم فعاليته في المجالات التقنية والعلمية، فإن تطبيقه في ميدان الدعوة الشرعية يُثير تحدياتٍ جوهرية؛ ذلك أن الدعوة الإسلامية تتطلب معالجةً تستند إلى الفهم الشمولي للنصوص والمقاصد الشرعية، مع مراعاة الطبيعة الإنسانية المتشابكة، يتناول هذا المقال الإشكاليات التي تنشأ من تطبيق التفكير الهندسي في الدعوة الشرعية، متعمِّقًا في الأسباب الكامنة وراءها، وتأثيراتها على الفكر الشرعي، مع تقديم توصيات لمعالجتها.

هذا المقال يُلخِّص إحدى محاضرات سلسلة "إشكاليات" بعنوان: "إشكالية التفكير الهندسي"، الدكتور أحمد عبدالمنعم هو كاتب إسلامي، ومُحاضر وأستاذ جامعي بكلية الطب، جامعة المنصورة، مصر، قدَّم سلسلة محاضرات بعنوان: "إشكاليات"، تتناول قضايا فكرية ومعرفيةً معاصرة، تتضمن السلسلة موضوعات؛ مثل: "إشكاليات البناء المعرفي"، و"أنماط التدين المعاصر"، و"إشكالية التفكير الهندسي"، تهدُف هذه المحاضرات إلى تحليل وتفكيك التحديات الفكرية التي تواجه الأفراد والمجتمعات في السياق الإسلامي المعاصر.

الإشكاليات الرئيسية للتفكير الهندسي في الدعوة الشرعية:
التعامل مع الإنسان ككيان قابل للقياس: إن النظرة الهندسية تختزل الإنسان في معاييرَ كَمِيَّة وقابلة للقياس، متجاهلة بذلك البعد الروحي والعاطفي الذي يشكِّل جوهر الطبيعة الإنسانية، يؤدي هذا النهج إلى حلول سطحية تُخفِق في معالجة تعقيد الحياة الروحية والعلاقات البشرية، مما يَحُدُّ من تأثير الدعوة الشرعية، ويبتعد بها عن أهدافها العميقة.

التجزئة الْمُفرَطة للعلوم الشرعية: يُساهم التفكير الهندسي في تقسيم العلوم الشرعية إلى وحدات منعزلة، مما يؤدي إلى انقطاع الترابط العضوي بين فروعها، وتظهر هذه الإشكالية بوضوح في كيفية التعامل مع الفقه؛ حيث يتم الفصل بينه وبين العقيدة أو الأخلاق، مما يَحُدُّ من فَهم الدين الإسلامي كمنظومة شاملة ومَرِنَةً.

الاعتماد على النماذج الجاهزة: يميل التفكير الهندسي إلى البحث عن حلول نمطية ومعلبة تُناسِب الجميع، متجاهلًا الفروقَ الفردية والخصوصيات الثقافية والاجتماعية، في مجال الدعوة الشرعية يؤدي ذلك إلى خطاب تقليدي يفتقر إلى الإبداع والتجديد، مما يَعُوق تحقيق الأهداف الدعوية بكفاية.

تحليل الأسباب:
تأثير الحداثة الغربية: تُعزِّز الحداثة الغربية بمنهجياتها العلمية التي تعتمد على القياس والتنظيم الدقيق، من هيمنة التفكير الهندسي، وقد انعكست هذه التأثيرات على الفكر الإسلامي المعاصر، مما دفع بعض الدعاة إلى تبنِّي أساليب هندسية في معالجة القضايا الدعوية، على رغم عدم ملاءمتها للطبيعة الشاملة والمرنة للإسلام.

تحوُّل المجتمعات الإسلامية إلى أنظمة مؤسسية: أسهم صعود الأنظمة المؤسسية في تعزيز التفكير الهندسي نهجًا تنظيميًّا يهدُف إلى تحقيق الكفاءة، إلا أن هذا التحول أدى إلى تراجع الاجتهاد الفردي والإبداع في معالجة القضايا الشرعية؛ حيث أصبحت الدعوة تعتمد على قوالب مؤسسية ثابتة.

الآثار المترتبة:
فقدان الذاتية والاستقلالية: يتسبَّب التفكير الهندسي في تقييد الأفراد داخل منظومات منظمة، مما يؤدي إلى إضعاف قدرتهم على اتخاذ قرارات مبنِيَّة على الفهم الشخصي للنصوص الشرعية، ينشأ عن ذلك اعتماد مفرط على التوجيه المؤسسي بدلًا من تنمية المهارات الفكرية والاستقلالية.

تغييب البعد الروحي: يؤدي التركيز على القياس الكمي إلى تغييب البعد الروحي، الذي يمثِّل جوهر العلاقة بين الإنسان وربه، تتحول الدعوة إلى عملية تقنية تهدف لتحقيق نتائج ملموسة، متجاهلة القيمَ الروحية والمعنوية التي تُعد لُبَّ الدين الإسلامي.

أمثلة تطبيقية:
تأثير التفكير الهندسي على الفقه وأصوله: في المجال الفقهي، يؤدي التفكير الهندسي إلى تقييد الأحكام الشرعية داخل قوالب صارمة، مما يحد من قدرة الفقه على التكيُّف مع الحالات المتنوعة والمعقدة؛ على سبيل المثال: يتم تطبيق قواعد عامة دون مراعاة خصوصيات السياقات الاجتماعية والثقافية.

تأثيره على العلاقات الاجتماعية والدعوية: في المجال الاجتماعي، يُسهم التفكير الهندسي في خلق علاقات سطحية تعتمد على الأدوار والإنجازات، بدلًا من تعزيز الروابط الإنسانية القائمة على التفاهم والتعاطف، يؤدي ذلك إلى تراجع فعالية الخطاب الدعوي وتأثيره في بناء مجتمعات متماسكة.

الحلول والتوصيات:
تعزيز الشمولية في الفهم: ينبغي تبنِّي نهج شمولي يراعي تداخل الأبعاد الروحية والعقلية والمادية للإسلام، يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير برامج تدريبية للدعاة تُركِّز على هذا النهج التكاملي.

تبنِّي منهجية تكاملية: يستلزم التعامل مع العلوم الشرعية إدراك الروابط بينها وبين الواقع المعاصر، ينبغي تصميم مناهج تعليمية تُدمِج فروع العلوم الشرعية المختلفة بطريقة تَدْعَم الفهم الشامل، والتطبيق العمليَّ.

إعادة إحياء البعد الروحي: يتطلب تحسين فعالية الدعوة التركيزَ على تعزيز العلاقة الروحية بين الأفراد وربهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم أنشطة وبرامج دعوية تركِّز على الجوانب الروحية، مع تقديم نماذج عملية للإيمان العميق.

الخاتمة:
يمثل التفكير الهندسي في الدعوة الشرعية تحديًا منهجيًّا، يتطلب إعادة تقييم شاملة، إن العودة إلى أسس الإسلام الشمولية، مع تبنِّي منهجيات متوازنة تراعي البعدين الروحي والإنساني، يُعَدُّ ضرورة لتحقيق دعوة أكثر تأثيرًا وفعالية، يعتمد تحقيق هذا الهدف على تعاون العلماء والدعاة والمجتمعات لتطوير خطاب دعوي، يعكس جوهر الإسلام، ويستجيب للتحديات الفكرية الراهنة.