|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (1) كتبه/ ساري مراجع الصنقري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد كنتُ أَحْسَبُ أنَّني حينما أُمْسِكُ القلمَ لِأَكتُبَ في هذا المَقامِ أنَّه يَسْهُلُ عليَّ ما أبتغي مِن طَواعِيَةِ التَّعبيرِ، ومُواتَاةِ التَّصويرِ، وإرضاءِ الضَّميرِ، فإذا بي حينما جَدَّ الجَدُّ أُلْفِي قلميَ مَرضُوضًا، وأُحِسُّ لسانيَ مَعقُودًا، وأَجِدُ بيانيَ ضَنِينًا. وأنَّى لي أنْ أستطيعَ شُكْرَانَ اللهِ -جَلَّ في عُلَاه- على جليلِ نعمائِه، وعظيمِ آلائِه، إذْ قَيَّضَ لي أنْ أَكُونَ مِمَّن يَقُومُونَ بِحَقِّ الوفاءِ لِلْعِلْمِ وذَوِيهِ، والاعترافِ لِأهلِ الفضلِ بالفضلِ. ومِن هؤلاءِ العلّامةُ الجليلُ والبحَّاثةُ النِّحريرُ، ناصِرُ السُّنَّةِ وقامِعُ البدعةِ، إمامُ الحديثِ في العصرِ الحديثِ، الشَّيخُ محمَّد ناصر الدِّين الألبانيُّ -طيَّب اللهُ ثَرَاه، وتغمَّدَه برحمتِه-؛ فقد كان عالِمًا فَذًّا، داعِيًا مُعَلِّمًا، باحثًا نادرَ المِثَالِ، مُنْكَبًّا طِيلَةَ حياتِه على البحثِ، والتَّأليفِ، والتَّحقيقِ، والنَّشْرِ، والدَّعوةِ إلى اللهِ -جَلَّ في عُلَاه- بِعِلْمٍ وحِلْمٍ. ومِن الواقعِ المُرِّ الذي نَعِيشُه أن تَخرُجَ علينا نُفُوسٌ مَرِيضَةٌ، وعُقُولٌ مَؤُوفَةٌ، وأَدْمِغَةٌ صَدِئَةٌ، فَاسِدَةٌ مُفْسِدَةٌ، تَعمَلُ على هدمِ الصَّالحِينَ، والسُّخْريةِ منهم، والاستهزاءِ بهم! وفي كُلِّ مَرَّةٍ كنتُ أَسألُ نَفْسِي: ماذا يريد هؤلاءِ مِن وَرَاءِ كُلِّ هذه الطُّعُونِ والانتقاصِ مِن أهلِ العِلْمِ والصَّلاحِ؟! حقيقةً لَمْ أَجِدْ لِسؤالِي جَوابًا! غَيْرَ أنِّي جَزَمْتُ بأنَّها مواقفُ شَخْصِيَّةٌ وأهواءٌ نَفْسِيَّةٌ! لا أَمَاناتٌ عِلْمِيَّةٌ أو عَدَالاتٌ شَرْعِيَّةُ! ولَيْتَ الذي يَدفعُهم إلى هذا الجَدَلِ (العَقِيمِ!) نُصْرَةُ الحَقِّ! وإنَّما الدَّافِعُ لهم -واللهُ أَعْلَمُ- حُبُّ المُخالَفةِ! وقَصْدُ المُغالَبةِ! وبَيانُ الفَرَاهَةِ! قال ابنُ عَقِيلٍ الحنبليُّ (ت 513) -رحمه الله- في "الواضح في أصول الفقه" (1/ 517): (وكُلُّ جَدَلٍ لَم يكن الغَرضُ فيه نُصْرةَ الحَقِّ، فإنَّه وبالٌ على صاحبِه، والمَضَرَّةُ فيه أكثرُ مِن المَنْفَعَةِ؛ لِأنَّ المُخالَفةُ تُوحِشُ، ولولا ما يَلزمُ مِن إنكارِ الباطلِ، واستنقاذِ الهالِكِ بالاجتهادِ في ردِّه عمَّا يَعتقِدُهُ مِن الضَّلَالَةِ، ويَنْطَوِي عليه مِن الجَهَالَةِ، لَمَا حَسُنَتِ المُجَادَلَةُ لِمَا فيها مِن الإيحاشِ في غالِبِ الأحوالِ، ولكن فيها أعظمُ المَنفعةِ وأكثرُ الفَائدةِ إذا قَصَدَ بها نُصْرَةَ الحَقِّ، وإنكارَ ما زَجَرَ عنه الشَّرْعُ والعَقْلُ بِالحُجَّةِ الواضحةِ والطريقةِ الحَسَنَةِ) (انتهى). أمَّا الرَّدُّ بمُجرَّدِ الشَّتْمِ والتَّهْوِيلِ والسُّخْريةِ والاستهزاءِ فلا يَعْجِزُ عنه أَحَدٌ؛ فقد قال ابنُ تيميَّةَ (ت 728) -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (4/ 186): (فإنَّ الرَّدَّ بِمُجَرَّدِ الشَّتْمِ والتَّهْوِيلِ فلا يَعْجِزُ عنه أَحَدٌ؛ والإنسانُ لو أنَّه يُناظِرُ المُشْركِينَ وأهلَ الكِتَابِ؛ لكان عليه أنْ يَذْكُرَ مِن الحُجَّةِ ما يُبَيِّنُ به الحَقَّ الذي معه، والبَاطِلَ الذي معهم) (انتهى). وأُوصِي نَفْسِيَ وإيَّاهُم بوصيَّةِ السَّخاويِّ (ت 902) -رحمه الله- وهو يَتكَلَّمُ عن خُطُورَةِ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ؛ إذْ قال في "فتح المُغِيث بشرح ألفيَّةِ الحديث لِلعراقيّ (ت 806)" (4/ 350): (وَاحْذَرْ أَيُّهَا المُتَصَدِّي لذلك، المُقْتَفِي فيه أَثَرَ مَن تَقَدَّمَ، مِن غَرَضٍ أو هَوًى يَحْمِلُكَ كُلٌّ منهما على التَّحَامُلِ والانحرافِ وتَرْكِ الإنصافِ، أو الإطراءِ والافتراءِ؛ فذلك شَرُّ الْأُمُورِ التي تَدْخُلُ على القائِمِ بذلك الآفةُ منها. والمُتَقدِّمُونَ سَالِمُونَ منه -غالبًا-، مُنَزَّهُونَ عنه لِوُفُورِ دِيانَتِهم، بِخلافِ المُتَأخِّرينَ؛ فإنَّه رُبَّمَا يَقَعُ ذلك في تَوَاريخِهم، وهو مُجَانِبٌ لِأهلِ الدِّينِ وطَرَائِقِهم. فَالْجَرْحُ والتَّعْدِيلُ خَطَرٌ؛ لِأنَّكَ إنْ عَدَّلْتَ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ كُنْتَ كالْمُثْبِتِ حُكْمًا ليس بِثَابِتٍ؛ فيُخْشَى عليك أنْ تَدْخُلَ في زُمْرَةِ مَن روى حديثًا وهو يَظُنُّ أنَّه كَذِبٌ. وإنْ جَرَّحْتَ بِغَيْرِ تَحَرُّزٍ أَقْدَمْتَ على الطَّعْنِ في مُسْلِمٍ بَرِيءٍ مِن ذلك ووَسَمْتَهُ بِمِيسَمِ سُوءٍ يَبْقَى عليه عَارُهُ أَبَدًا، وهو في الجَرْحِ بِخُصُوصِهِ، أَيُّ خَطَرٍ -بِفَتْحِ المُعْجَمَةِ ثُمَّ المُهْمَلَةِ مِن قَوْلِهِمْ: خَاطَرَ بِنَفْسِهِ؛ أَيْ: أَشْرَفَ على هَلَاكِهَا-؛ فَإِنَّ فيه مع حَقِّ اللهِ ورَسُولِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ، ورُبَّمَا يَنَالُهُ إذا كان بِالْهَوَى وَمُجَانَبَةِ الاسْتِوَاءِ الضَّرَرُ في الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، والمَقْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالمُنَافَرَةُ...) (انتهى). واللهُ الهَادِي إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (2) كتبه/ ساري مراجع الصنقري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد حَانَ وقتُ الإعلامِ، عن عَلَمٍ مِن الأعلامِ، بَدْرِ التَّمَامِ، حَسَنَةِ الأيّامِ، عالِمٍ مِن صفوةِ عُلَّامِ السُّنَّةِ وخُلْصَانِهِم، وإمامٍ مِن أصفياءِ أَئِمَّةِ الحديثِ ووُحْدَانِهِم، الشَّيخِ محمَّد ناصر الدِّين الألبانيّ -رحمه اللهُ عالِمًا ومُعلِّمًا وقُدْوَةً-. عاش حياتَه حَدِبًا على السُّنَّةِ، دَؤُوبًا على رعايتِها، مُحَقِّقًا ما يَأْمَلُهُ لِعُلُومِ الحديثِ مِن نَماءٍ وثَراءٍ، وحَيَوِيَّةٍ وازدهارٍ. ومِن اللَّطائفِ: أن يَصِيرَ إنسانٌ عَلَمًا على بلدِه؛ فإنْ قُلْنَا (الألباني) فلا يَخْطُرُ بِالبالِ إلا شخصٌ واحدٌ، هو الشَّيخُ محمد ناصر الدِّين الألبانيّ، مع أنّ أهلَ ألبانيا تَغَذَّوْا بلِبانِها، وتَرَبَّوْا تحت سقفِها، بل إنّ بعضَهم كانت لهم أمجادٌ وآثارٌ أَحْيَتِ اسْمَهُم، وخَلَّدَتْ ذِكْرَهُم، ومع هذا لَم يأخذ واحدٌ منهم لقبَ (الألباني)، فتَفرَّد الشَّيخُ الألبانيُّ بهذه النِّسبةِ عن غَيْرِه، وتَميَّز بها عمَّن سِوَاه؛ وهذا فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ. لذا فلا يَسُوغُ لنا أن نَمُرَّ على ألبانيا مُرُورَ الكرامِ بأن نَقُولَ -على عادةِ مَن تَرْجَمَ له-: وُلِدَ بها الشَّيخُ الألبانيُّ، وهاجر مع أبيه إلى بلادِ الشَّامِ في سِنٍّ صغيرةٍ! بل لا بُدَّ أن نُلقِيَ الضَّوءَ على ألبانيا، ومَعالِمِها، وطبيعةِ الحياةِ الإنسانيَّةِ فيها، وصِلَاتِ الأفرادِ والجماعاتِ، وحقيقةِ عَقائدِهم وضُرُوبِ مَذاهبِهم. فإذا نَظَرْنَا في مَسَارِ خريطةِ أوربّا، وَجَدْنَا في الجَنُوبِ الشَّرقيِّ منها منطقةً تُسمَّى منطقةَ البَلْقَانِ أو شِبْهَ جزيرةِ البَلْقَانِ، وهي منطقةٌ تَتكَوَّنُ مِن دُوَلٍ عديدةٍ، مُخْتَلَفٌ في عددِها لأسبابٍ جُيُوسِياسِيَّةٍ. والجُيُوسِياسِيَّةُ: مُصطلَحٌ وَضَعَهُ المُفَكِّرُ السُّويدِيُّ يوهان رودولف كجلين (1864 - 1922) في بداياتِ القرنِ الميلاديِّ الماضي، وجُيُو: معناها الأرضُ باليُونانيَّةِ، وتَتَعلَّقُ الجُيُوسياسِيَّةُ بدراسةِ تأثيرِ السُّلُوكِ السِّياسِيِّ في تغييرِ الأبعادِ الجُغرافيَّةِ لِلدَّوْلَةِ، ومدى تأثيرِه على السُّلُوكِ الدَّوْلِيِّ، وتَتحَكَّمُ في هذا بعضُ العواملِ الجُيُوسِياسِيَّةِ؛ مِثْلُ: المواردِ الطَّبيعيَّةِ، والحُدُودِ الجُغرافيَّةِ، والموقعِ الجُغرافيِّ الذي يُعَدُّ النُّقْطَةَ الفَاصِلةَ في التَّحَالُفَاتِ الدَّوْلِيَّةِ؛ فتَنظُرُ الدَّوْلَةُ مِن خلالِ هذا المُصطلَحِ إلى إمكانيَّةِ بَسْطِ نُفُوذِهَا على مساحةٍ كبيرةٍ مِن العالَمِ، مهما كانت الأغراضُ أو الدَّوَافِعُ التي تَدعُو إلى ذلك، بالإضافةِ إلى تفاصيلَ أخرى لا يَتَّسِعُ المَقامُ لِحَصْرِهَا وتَمَامِ ذِكْرِهَا. وهناك عَشْرُ دُوَلٍ تَقَعُ بِالكاملِ في منطقةِ البَلْقَانِ، أو تَقَعُ مساحةٌ واسعةٌ مِن أَرَاضِيهَا في هذه المنطقةِ؛ هي: ألبانيا، والبُوسنة والهِرْسِك، وبُلغاريا، وكُرْوَاتيا، وكُوسُوفُو، والجبلُ الأسود، ومَقْدُونيا الشَّماليَّة، ورُومَانْيا، وصِرْبِيا، وسُلُوفِينيا؛ وتَقَعُ أجزاءٌ مِن مِسَاحَاتِ اليُونانِ وتُرْكِيا في هذه المنطقةِ، وأيضًا جُزْءٌ صَغِيرٌ مِن مِسَاحَةِ إيطاليا. وتَقَعُ منطقةُ البَلْقَانِ في شرقِ إيطاليا ويَفْصِلُهَا عنها البحرُ الأدرياتِيكي، وتَطُلُّ على أجزاءٍ مِن البحرِ الأبيضِ المتوسطِ والبحرِ الأدرياتِيكي والبحرِ الأَيُونِي مِن النَّاحِيَةِ الغربيَّةِ، وتَطُلُّ على البحرِ الأسودِ مِن الشَّرقِ، وبحرِ إيجةَ مِن الجَنُوبِ بالإضافةِ إلى تُركِيا واليُونَانِ، ويَحُدُّهَا مِن الشَّمالِ النِّمْسَا وهُنْغَارْيَا (المَجَر)، ومِن الشَّمالِ الشَّرقيِّ مُولْدُوفَا وأوكرانيا. ونُكْمِلُ في المقالِ القادمِ -إن شاء الله-.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الألباني.. إمامُ الحديث في العصر الحديث (3) كتبه/ ساري مراجع الصنقري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتَقَعُ جُمْهُورِيَّةُ ألبانيا في غربِ منطقةِ البَلْقَانِ، على مَضِيقِ أُوتْرَانْتُو، في الجُزءِ الجَنُوبيِّ مِن أوربَّا، وتَحُدُّهَا مِن الشَّمالِ جمهوريَّةُ الجَبلِ الأسودِ، واليُونانُ مِن الجَنُوبِ، وكُوسُوفُو ومَقْدُونيا مِن الشَّرقِ، وتَطُلُّ سَواحِلُها على البحرِ الأَيُونِي والأَدْرِيَاتِيكِي. وكان أهلُ البَلْقَانِ يَدِينُونَ دِينَ النَّصَارَى الأَرْثُوذُكْسِ والكَاثُولِيكِ، ولمّا مَنَّ اللهُ بِفَتْحِ القُسطَنطِينيَّةِ (857 هـ - 1453 م) (إِسْطَنْبُولُ الآنَ) -التي كانت عاصمةَ الرُّومَانِ- على يدِ محمَّد الثَّاني أو محمَّد الفاتحِ، الذي كان له أكبرُ الأثرِ في الإمبراطوريَّةِ العُثْمَانِيَّةِ، وتَمَكَّنَتْ سُلْطَتُهُ في البَلْقَانِ لا سيَّما بعد أَنْ ضَرَبَ قَلْبَ الإمبراطوريَّةِ البِيزَنطِيَّةِ، إلى أنْ جاء عام 1912 م الذي تَوَحَّدَتْ فيه الجُهُودُ الحَرْبِيَّةُ بين قُوَّاتٍ مِن بُلْغاريا واليُونانِ وصِرْبِيا والجَبلِ الأسودِ لِهزيمةِ العُثْمَانِيِّينَ في حربِ البَلْقَانِ الأُولَى، التي انتهت عام 1913م بخَسارةِ العُثْمَانِيِّينَ نسبةً كبيرةً مِن أراضي البَلْقَانِ، وتوقيعِ اتِّفَاقِيَّةِ لَنْدَن. فحينما تَوَطَّدَتْ سُلْطَةُ محمَّد الفاتحِ في البَلْقَانِ، وفُتِحَ له شرقُ أوربَّا وجنوبُ شرقِها، انطلَقتْ سرايا الجهادِ العُثْمَانِيَّةُ لضم هذه البلاد إلى دولة الإسلام؛ فَأَسْلَمَ أكثرُ هذه البلادِ، ما عدا أكثرَ أهلِ اليُونانِ، الذين ظَلُّوا على عقيدتِهم النَّصْرَانِيَّةِ، وكذلك أهلُ صِرْبِيا، الذين ظَلُّوا على النَّصْرَانِيَّةِ أيضًا، لذلك لمّا قامت حربُ البُوسْنَةِ الأخيرةُ، كان الصِّرْبُ يُعَامِلُونَ أهلَ البُوسْنَةِ مُعَامَلَةً قَاسِيَةً جِدًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُمْ مُرْتَدِّينَ عن النَّصْرَانِيَّة، أمَّا ألبانيا فدخل أكثرُ أهلِها في الإسلامِ، ومِثْلُهَا البُوسْنَةُ، والبُوسْنَةُ أيضًا ألبانُ، ولُغَتُهُمْ ألبانيَّة. وقد كان هناك عَدَدٌ قَلِيلٌ مِن المُسلِمينَ في ألبانيا قَبْلَ وُصُولِ العُثْمَانِيِّينَ إليها، ودخلها الإسلامُ عن طريقِ التُّجَّارِ الألبانِ الذين كانوا يَذْهَبُونَ إلى صِقِلِّيَّةَ والأَنْدَلُسِ، وأيضًا عن طريقِ تُجَّارِ المَشْرِقِ العَرَبِيِّ الذين دَخَلُوهَا، وكان هذا قَبْلَ القَرْنِ الثَّامنِ بقليلٍ، ومِن الدَّلائلِ على هذا وُجُودُ المسجدِ الأحمرِ في قَلْعَةِ بِيرَاتَ، وكان تاريخُ بِنَائِه قَبْلَ وُصُولِ العُثْمَانِيِّينَ إلى ألبانيا. والعُنْصُرُ الرَّئِيسُ في ألبانيا هم الأَرْنَؤُوطُ؛ بالإضافةِ إلى وُجُودِ التُّرْكِ، والأَفْلَاقِ، والبُلْغَارِ، واليُونَانِ، والعَرَب، ويَتكلَّمُ الألبانُ اللُّغَةَ الآرِيَّةَ، بِلَهجتَينِ شَماليَّةٍ وجَنُوبيَّةٍ، مع كثرةِ المُفرَداتِ التُّرْكِيَّةِ، وبخاصَّةٍ في الشَّمَال. وأُطْلِقَ على الألبانِ عِدَّةُ أسماءٍ، أَشْهَرُهَا: ما أَطْلَقَهُ عليهم الأتراكُ والبُلغارُ والعَربُ، وهو اسْمُ (الأَرْنَؤُوط)، وقد أَطْلَقَ عليهم اليُونَانِيُّونَ اسْمَ (أَرْفَانِيت)، واليُوغُسْلَافِيُّونَ اسْمَ (أَرْبَانَاس)، والأُورُبِّيُّونَ اسْمَ (ألبانِيُّون)، وحديثًا أَطْلَقُوا هُمْ على أَنْفُسِهِمْ اسْمَ (شِتْشِيبْتَار). وكان يُطْلَقُ على الألبانِ قديمًا (الأَلِيرِيِّينَ)، نِسْبَةً إلى (أَلِيرْيَا)، وهو الاسْمُ القديمُ لِلْقِسْمِ الشَّمَالِيِّ والغَرْبِيِّ مِن شِبْهِ جَزِيرَةِ البَلْقَان. وكتابُ (الجُغرافيا) لِعالِمِ الفَلَكِ والجُغرافيا اليُونَانِيِّ كُلُودْيُوسَ بَطْلِيمُوس (100 – 170 م) هو أَقْدَمُ مَصْدَرٍ ذُكِرَ فيه الأَلْبَانِيُّونَ، وذلك في الجُزءِ الثَّالثِ منه، فقد جاء فيه النَّصُّ الآتي: (فِي أَرَاضِيَ الْأَلْبَانِيِّينَ تَقَعُ مَدِينَةُ أَلْبَانُوبُولِيس)، وعَزَا بَطْلِيمُوسُ أَصْلَهُمْ إلى القبائلِ الأَلِيرِيَّة. والأَلِيرِيُّونَ شَعْبٌ مُمْتَزِجٌ مِن العِرْقَيْنِ الهِنْدِيِّ والأُورُبِّيِّ، وتَعُودُ جُذُورُهُ إلى الألفِ الثَّالثِ قَبْلَ الميلادِ، ويَتَكَوَّنُ مِن عِدَّةِ قبائلَ تَخْضَعُ لِزَعِيمٍ مِن قبيلةٍ قَوِيَّةٍ فيها يُتَوَّجُ مَلِكًا عليها، وقد بَقِيَتْ هذه المَمْلَكَةُ لِعِدَّةِ حِقَبٍ وأجيالٍ، وتَعَاقَبَ على زَعَامَتِهَا عِدَّةُ مُلُوكٍ، آخِرُهُمْ المَلِكُ الأَلِيرِيُّ أَكْرُون، وكانت (شُكُودْرَا) عاصمةَ مَمْلَكَتِه، وهي مَسْقَطُ رَأْسِ الشَّيْخِ الألبانيِّ، وكانت عاصمةَ ألبانيا آنَذَاكَ، وهي تَقَعُ في شَمَالِ غَرْبِ ألبانيا. ونُكْمِلُ في المَقالِ القادمِ -إن شاء الله-.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الألباني.. إمامُ الحديث في العصر الحديث (4) كتبه/ ساري مراجع الصنقري فهو محمَّد ناصر الدِّين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودريّ الألبانيّ الأرنؤوطيّ. فقد وُلِدَ في سنة 1914م، بمدينةِ أَشْقُودْرَة، عاصمةِ ألبانيا آنَذَاكَ، وهي مدينةٌ تَقَعُ في شَمالِ غربِ ألبانيا، بالقُربِ مِن حُدودِ ألبانيا مع جُمهُوريَّةِ الجَبلِ الأَسْوَدِ، وتَطُلُّ على بُحيرةِ أشقودرةَ وجبالِ الأَلْبِ، ممَّا يَجعلُها مَزَارًا سياحيًّا جميلًا مُمْتِعًا. وفي بداياتِ القَرْنِ الماضي، وبعد سُقُوطِ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ، هَبَّتْ رياحُ التَّغريبِ على دُوَلِ منطقةِ البَلْقانِ، ومنها ألبانيا. وتَوَلَّى أحمد زوغو رِئاسةَ جُمهُوريَّةِ ألبانيا في عام 1925م، وكان قَبْلَهَا رئيسَ وُزَرَاءِ ألبانيا مِن عام 1922م حتَّى عام 1924م؛ واسْمُهُ أحمد مختار بيه زوغوللي، وفي عام 1922م غيَّر أحمد زوغللي اسْمَ العائلةِ رسميًّا مِن الاسْمِ التُّرْكِيِّ زوغللي إلى زوغو، ومعناها الطَّيْرُ بالألبانيَّة. وبعد أن حَثَّهُ الغَرْبُ على تحويلِ ألبانيا مِن جُمهُوريَّةٍ إلى مَمْلَكَةٍ، حتَّى يَبْقَى على عَرْشِهَا مدى الحياةِ، قام أحمد زوغو في عام 1928م بتحويلِ ألبانيا مِن جُمهُوريَّةٍ إلى مَمْلَكَةٍ، ونَصَّبَ نَفْسَهُ مَلِكًا عليها. وقد اتَّخَذَ الغَربُ أحمد زوغو دُمْيَةً لِنَشْرِ التَّغْرِيبِ في ألبانيا، وقد لَقَّنُوهُ حُجَّةً لِتَبْرِيرِ أفعالِه في سبيلِ تحقيقِ هذه الغايةِ المَنْشُودَةِ، وهي أنَّه لا يُمْكِنُ لِألبانيا أن تَلْحَقَ بِرَكْبِ التَّطَوُّرِ الحضاريِّ الماديِّ إلا إذا اتَّبعَت سبيلَ الغَربِ، وسلَكَت مَسَالِكَه! فسار أحمد زوغو في ألبانيا على خُطَى مصطفى أتاتورك في تركيا، فَأَوْقَفَ العملَ بِالشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، وعَمِلَ بالقوانينِ المَدَنِيَّةِ السُّويسرِيَّةِ، وحَظَرَ الحِجابَ، وقرَّر وُجُوبَ خُرُوجِ النِّساءِ سافراتٍ، وفَرَضَ على مُوَظَّفِي الدَّوْلةِ وطُلَّابِ المَدارسِ الثَّانويَّةِ لُبْسَ البُرْنَيْطَةِ، وأَلْغَى الدُّرُوسَ الدِّينيَّةَ التي كانت تُعْقَدُ في المساجدِ، وأَلْغَى أيضًا تدريسَ التَّرْبِيَةِ الإسلاميَّةِ في المَدارسِ. ومِن الطَّريفِ أنَّ هذا المَلِكَ كان صاحبَ الرَّقْمِ القِيَاسِيِّ -لا بين المُلُوكِ فَحَسْبُ، بل بين جميعِ رجالِ الحُكْمِ والسِّياسةِ في العالَمِ كُلِّه- بما قُذِفَ به مِن قَنَابِلَ وأُطْلِقَ عليه مِن رَصَاصٍ؛ فقد تَعَرَّضَ لِحَوادثِ اغتيالٍ بلَغَت خَمْسًا وخمسينَ حادثةً، ومِن أعجبِ هذه الحَوادثِ حادثة 21 فبراير لسنة 1931م، حينما كان يَزُورُ دارَ أوبرا فيينا، التي اشْتَبَكَ فيها بِنَفْسِهِ مع المُهاجِمِينَ، وتَبَادَلَ معهم إطلاقَ النَّارِ. ومِن القِصَصِ الطَّريفةِ في هذه الحَوادثِ: أنَّ الشَّعْبَ الألبانيَّ كان إذا عَلِمَ أنَّ أحمد زوغو يَعْزِمُ على الزَّوَاجِ بأجنبيَّةٍ مِن غَيْرِ شَعبِه عَمَدَ بعضُ الأشخاصِ المَجهُولِينَ منه إلى إلقاءِ قُنْبُلَةٍ عليه مِن إحدى نَوافِذِ قَصْرِهِ، أو إطلاقِ الرَّصَاصِ عليه في أثناءِ سَيْرِهِ في الطَّريقِ؛ فكم مِن مَرَّةٍ كان فيها مِن الموتِ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى! وله في ذلك قِصَصٌ عجيبةٌ، لا يَتَّسِعُ المَقَامُ لِحَصْرِهَا، وتَمَامِ ذِكْرِهَا. وقد ذكر الإمامُ الألبانيُّ شيئًا مِن حكايةِ أحمد زوغو فيما بَعْدُ، وكان يقول: "أَزَاغَ اللهُ قَلْبَه"؛ فقال في "سلسلةِ الأحاديثِ الصحيحةِ وشيءٍ مِن فِقْهِهَا وفوائدِها" (7 / 615 / 3203)، تحت حديثِ "سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ...": (وبهذه المُناسَبةِ يَحِقُّ لي أن أَقُولَ بيانًا لِلتَّاريخِ، وشُكْرًا لِوَالِدِي -رحمه الله تعالى-: وكذلك في الحديثِ بُشْرَى لنا آلِ الوَالِدِ، الذي هاجر بأهلِه مِن بلدِه (أشقودرة) عاصمةِ (ألبانيا) يومئذٍ، فِرَارًا بالدِّينِ مِن ثورةِ (أحمد زوغو) -أَزَاغَ اللهُ قَلْبَه-، الذي بدأ يَسِيرُ في المُسلِمِينَ الألبانِ مَسِيرَةَ سَلَفِهِ (أتاتورك) في الأتراكِ، فَجَنَيْتُ -بفضلِ اللهِ ورحمتِه- بسببِ هجرتِه هذه إلى (دمشقِ الشَّامِ) ما لا أستطيعُ أن أَقُومَ لِرَبِّي بِوَاجِبِ شُكْرِهِ، ولو عِشْتُ عُمْرَ نُوحٍ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-) (انتهى). ونُكْمِلُ الحكايةَ في المَقالِ القادمِ -إن شاء اللهُ-. واللهُ المُوَفِّقُ.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |