حقوق النبي المصطفى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 913 - عددالزوار : 120488 )           »          قواعد مهمة في التعامل مع العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تخريج حديث: أو قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من أسباب المغفرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القوي، المتين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مسألة تلبّس الجانّ بالإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2957 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-02-2025, 11:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,358
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق النبي المصطفى

حقوق النبي المصطفى (1)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الذي دل عباده على طاعته للفوز بجنته، وحذّرهم من معصيته للنجاة من ناره، وأقام لهم الحجة وأوضح لهم المحجة بإنزال كتبه وإرسال رسله، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي دل أمته على خير ما يعلمه لهم وحذرهم من شر ما يعلمه لهم.
وبعد:
سيكون الحديث مع حقوق الحبيب محمد، صلى الله وعليه وسلم.

منزلة النبي صلى الله وعليه وسلم
إن شأن المصطفى - صلى الله وعليه وسلم - عند الله عظيم، وإن قدر الحبيب عند ربه لكريم، فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولى العزم الخمسة، نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا- صلوات الله عليهم جميعا- واصطفى من أولى العزم الخمسة الخليلين الحبيبين إبراهيم ومحمدًا واصطفى محمدًا على جميع خلقه، فشرح له صدره ورفع له ذكره وأعلى له قدره ووضع عنه وزره، وزكاه في كل شيء.

زكاه في عقله فقال سبحانه: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، وزكّاه في صدقه فقال سبحانه: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، وزكّاه في فؤاده فقال سبحانه: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ، وزكّاه في بصره فقال سبحانه: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ، وزكّاه في صدره فقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وزكّاه في ذكره فقال سبحانه ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ، وزكاه كله فقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:5]، بأبي هو وأمي.

صلى عليه رب العباد ما أمطرت سحبٌ وسال واد

ويتجلى تكريم الرب العلى لحبيبنا النبي - صلى الله وعليه وسلم - في قسَم الله جل وعلا بعمر المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -، بحياة المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: والله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غير محمد فقال جل وعلا: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]، أقسم الله بحياة حبيبه المصطفى فيقول ربه له: وحياتك يا محمد.


معنى الآية وحياتك يا محمد إن أهل الشرك إن أهل الكفر لفي ضلالهم يترددون ويتخطفون ويتحيرون: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ.

بل لم يقسم الله جل وعلا لنبي من أنبيائه بصفة الرسالة إلا لحبيبنا المصطفى فقال جل وعلا: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، بل وأقسم الله بالضحى: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أنه ما أهمل محمدًا وما قلاه بعدما اختاره واصطفاه واجتباه وأن ما أعده له في الآخرة خير له من كل ما أعطاه في دنياه، وقد جمع الله له الكرامة والسعادة في الدارين مع الزيادة فقال جل في علاه: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

تدبر معي أيها المحب للحبيب محمد لتقف على قدر حبيبك عند ربه جل وعلا فوالله لقد خاطب الله جميع الأنبياء والمرسلين بأسمائهم مجردة إلا المصطفى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [سورة البقرة: 35]. ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا [ هود: 48]، ﴿ ونَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [(104، 105) سورة الصافات]، ﴿ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [(11، 12) سورة طـه]، ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [ آل عمران: 55] ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ ص: 26]، ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا [ مريم: 7]، ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [ مريم: 12]، ﴿ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ، أما المصطفى - صلى الله وعليه وسلم - فنادى عليه ربه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [ الأحزاب: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [ الأحزاب: 45]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [ المائدة: 41]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا [(1، 2) سورة المزمل].

وتدبر معي هذه الكرامة فإن الله جل وعلا قد خاطب حبيبه - صلى الله وعليه وسلم - فأخبره بالعفو عنه قبل الفعل الذي فعله قال سبحانه: ﴿ عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [ التوبة: 43]، وخصه تبارك وتعالى بالشفاعة العظمى في الآخرة وهى المقام المحمود الذي قال عنه جل وعلا: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا [الإسراء: 79].

رسول الله في ذلك الموقف العظيم والجمع العميم يوم يجمع الله الأولين والآخرين سيكون الشافع المشفع، حين يقول أولياء الله المصطفون: نفسي نفسي، فيقول عليه الصلاة والسلام: "أنا لها". فأي شرف بعد هذا؟! وأي كرامة فوق هذ؟!.

ويخر ساجدًا تحت عرش الرحمن عزوجل ويثنى على الله سبحانه وتعالى بمحامد لم يفتح الله به على أحد من قبله فينادي عليه ربه ويقول: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيقول المصطفى: "يا رب..أمتي، أمتي، أمتي".

وخصّه الله جل وعلا بالوسيلة، والوسيلة هي أعلى منزلة في الجنة كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغى إلا لعبد، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له شفاعتي».


وخصه الله بالكوثر هل تعلمون ما الكوثر؟ حوض أو نهر في الجنة ماءه أشد بياضًا من الثلج، وأحلى مذاقا من العسل، وطينه- أو طيبه، كالمسك الأذفر وعدد آنيته بعدد نجوم السماء قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 1 - 3]. وفي الصحيحين من حديث أنس واللفظ للبخاري أن الحبيب النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه= شاطئاه- قباب الدر المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال جبريل: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك عزوجل » يقول الحبيب - صلى الله وعليه وسلم -: فإذا طيبه- أو طينه- مسك أذفر».

وفى رواية مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -: «حوضي أشد بياضًا من الثلج وأحلى من اللين بالعسل عدد آنيته أكثر من نجوم السماء وإني لأرد الناس عنه يوم القيامة- أي: من غير المؤمنين، أي من غير الموحدين-كما يرد الرجل إيله عن حوضه»، فقالوا: وهل تعرفنا يومئذ يا رسول الله؟ هل تعرف أمتك من بين سبعين أمة في أرض المحشر هل تعرفنا يومئذ يا رسول الله؟ فقال المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -: «نعم إن لكم يومئذ سيما» أي: علامة تختلفون بها عن كل الأمم « تأتوني أو تردون على غرًا محجلين من أثر الوضوء».
ثم أخذ الله الميثاق على جميع النبيين والمرسلين إن بعث فيهم محمد - صلى الله وعليه وسلم - أن يؤمنوا به وأن ينصروه قال جل وعلا: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ آل عمران: 81].

هذه مكانة النبي الأمين - صلى الله وعليه وسلم - عند رب العالمين،، يبين لنا هو مكانته عند ربه فيقول - صلى الله وعليه وسلم - كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه -: « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر وأنا أول شافع وأول مشفع».

صلوا على من تدخلون بهديه
دار السلام وتبلغون المطلبا




وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: «فُضّلت على الأنبياء بست – أي بست خصال - فُضّلت على الأنبياء بست: أوتيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون».

وفى الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: لما أتى للنبي - صلى الله وعليه وسلم - ليلة الإسراء بالبراق استصعب البراق على النبي - صلى الله وعليه وسلم - - أي: انتفض البراق، ولم يتمكن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أول الأمر من ركوبه فقال جبريل للبراق: بمحمد تفعل هذا- فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله من محمد فارفض البراق عرقًا.

محمد صلى الله وعليه وسلم: هذا الاسم الذي يتردد صداه في كل ثانية مع كل أذان في صحراء جزيرة العرب، وفي أدغال إفريقيا، وفي ثلوج سيبيريا، وفي هضاب الصين، وبين ناطحات سحاب باريس ولندن، وعند شواطئ إندونيسيا، لهجاتهم كلهم تختلف، ولكنها تلتقي وتتقارب عند ذكر اسم محمد.

صلى عليه وذو الجلال وصحبه وحزبه والآل


وفى صحيح مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: "آتى باب الجنة - إن أول من يفتح باب الجنة يوم القيامة هو نبينا، إن الله حرم الجنة على أي مخلوق أن يدخلها قبل المصطفى - صلى الله وعليه وسلم - لا يدخل الجنة أحد قبل الحبيب محمد - صلى الله وعليه وسلم - آتى باب الجنة فأستفتح فيقول لي خازن الجنان: من أنت، فأقول: محمد، فيقول الخازن: بك أُمرت ألا أفتح لأحد قبلك».

والله لا يعرف قدر النبي - صلى الله وعليه وسلم - إلا الرب العلى، ولم لا؟! وهو سبحانه وتعالى الذي أكمل خلقه، منّ الله عليه بجمال الصورة واستواء البدن ووضاءة الوجه، وقوّة الفكر والعقل ودقة الفهم وسلامة القلب وكرم النسب وشرف الأصل.

وبالنظر إلى مجموع الروايات الصحيحة التي وصفت خُلق الحبيب المصطفى كما في الكتاب الماتع للإمام الترمذي في كتابه الشمائل المحمدية، يتبين لنا من خلال هذه الآثار والأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - كان أحسن الناس وجهًا إذا سُر استنار وجهه كأنه فلقة قمر. كان كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير، إن تكلم كأن نورًا يخرج من بين ثناياه، وما أحلى وأرق وأجمل ما وصفته به أم معبد الخزاعية حين قالت لزوجها، وهى تصف له نبيها - صلى الله وعليه وسلم - ورسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: قالت: إنه رجل ظاهر الوضاءة، مليح الوجه، حسن الخلق، أبهى الناس وأجملهم من بعيد، وأحلى الناس وأحسنهم من قريب، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا.

ثم زيّن الله هذا الخلق البشرى بكل سمات الكمال الُخلُقي في بشر زيّن الله هذا الخلق بالحلم والعلم والرحمة والإنابة والتواضع، والزهد، والكرم، والحياء، والمروءة، والشجاعة، والرجولة، والعفة، والعفو، والسخاء، والدين، والعبودية.

بل وجمع له كل الصفات الحميدة وأثنى عليه في آيةٍ واحدة محكمة جامعة مانعة، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .

وعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، فقلت: حدثني عن صفة رسول الله في التوراة، فقال عبد الله بن عمرو: والله إنه لموصوف في التوراة ببعض ما وصف به في القرآن قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [ الأحزاب: 45]. وفى التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه حتى يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا".

ومن أحلى وأرق ما وصفه به خادمه أنس - رضي الله عنه -. يقول أنس- والحديث في الصحيحين: خدمت رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - عشر سنين- فوالله ما قال لي: أُفٍ قط ولا قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟.

يقول أنس: وكان أحسن صلى الله وعليه وسلم الناس خلقًا ووالله ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله، ولا شممت مسكًا ولا عنبرًا أطيب من عرق رسول الله صلى الله وعلى آله وصحبه.

وفى الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله هل مر عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟

تعلمون أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - في أُحد قد شج وجهه وكسرت رباعيته ونزف الدم الشريف من جسده الطاهر، وانتشر في أرض المعركة أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قد قُتل ونزف الدم الشريف من جسده الطاهر، وانتشر في أرض المعركة أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قد قُتل فعائشة الفقيهة تقول للحبيب - صلى الله وعليه وسلم -: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ فقال الحبيب - صلى الله وعليه وسلم -: « لقد لقيت من قومك ما لقيت يا عائشة وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، يوم عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال وهو من أشراف أهل الطائف، فلما لم يجبني إلى ما أردت انطلقت على وجهي وأنا مهموم على وجهي ولم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب».

تعلمون ماذا فعل بالنبي - صلى الله وعليه وسلم - يوم الطائف، والله ما ذهب إليهم رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يطلب مالًا ولا جاهًا ولا وجاهة، بل ذهب إلى الطائف على قدميه المتعبتين الدائبتين لم يجد بعيرًا ولا حمارًا، سار على قدميه قرابة قرابة السبعين كيلو متر على قدميه المتعبتين تحت حرارة الشمس، التي تصهر الجبال وتذيب الحديد، على رمال انعكست عليها أشعة الشمس، فكادت أن تأخذ الأبصار. ذهب الحبيب المختار إلى أهل الطائف ليقول لهم قولوا: لا إله الله تفلحوا في الدنيا والآخرة، فماذا فعل به أهل الطائف؟ رموه بالحجارة بأبي هو وأمي طردوه لم يقدموا له طعامًا، ولا شرابًا باستثناء عداس - رضي الله عنه -، وأرضاه ذلكم الخادم الذي أسلم ومنّ الله عليه بالإيمان في هذه الرحلة.

فلم يرجع النبي - صلى الله وعليه وسلم - من هذه الرحلة الشاقة إلا بموّحد واحد وعاد النبي - صلى الله وعليه وسلم - والدماء تنزف من قدمية يقول: «فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ولم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب» أي في مكان بين مكة والطائف يقول: فنظرت فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل»، والحديث في الصحيحين « فنادى على جبريل وقال: يا رسول الله إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك وقد أرسل الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم يا رسول الله» قال الحبيب: " فنادى على ملك الجبال وقال: يا رسول الله لقد أرسلني الله إليك فمرني بما شئت فيهم» ثم قال ملك الجبال" قال: لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت". والأخشبان جبلان عظيمان بمكة.

والله لو أمر النبي - صلى الله وعليه وسلم - ملك الجبال لحطم ملك الجبال تلك الجماجم الصلدة، وتلك الرؤوس العنيدة ولسالت دماء من الطائف بحورًا وأنهارًا، ليراها أهل مكة بمكة، ولكن نهر الرحمة وينبوع الحنان ولكن الرحمة المهداة والنعمة المسداة ما خرج إلا لله فما انتقم لنفسه أبدًا وما غضب لنفسه أبدًا، والله ما غضب إلا لله، لا زالت الدماء تنزف من قدميه المتعبتين ومع ذلك يرد نبي الرحمة على ملك الجبال ويقول: « لا يا ملك الجبال، بل إني أرجو الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله جل وعلا». من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، صدق الله القائل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [ الأنبياء: 107].

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: رسول الله رحمةٌ للفاجر والبر فمن آمن به فقد رُحم في الدنيا والآخرة ومن كفر به، فقد رُحم في الدنيا وأُجّل له العذاب في الآخرة لقول الله لنبيه: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33].

وأختم هذا الحديث الرائع الرقراق عن الخلق العالي الرفيع لنبينا - صلى الله وعليه وسلم - بمشهد رواه الإمام مسلممن حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: صليت يوما مع رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فعطس أحد القوم في الصلاة فقلت له: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: وأثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى؟! يقول: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم يسكتونني فلما علمت أنهم يسكتونني سكت.

يقول: ولما أنهى النبي صلاته فبأبي هو وأمي والله ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن منه والله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» وصدق ربى إذ يقول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ آل عمران: 159].

وثبت في الحديث الصحيح أن أعرابيًا دخل مسجد رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فبال في ناحية منه فقام إليه الصحابة ليزجروه فمنعهم النبي - صلى الله وعليه وسلم - وقال لهم: «لا تزرموه» أي لا تفزعوه ولا تهيجوه فلما فرغ الأعرابي من بوله أمر النبي - صلى الله وعليه وسلم - بذنوب أو بسجل أو بدلو من ماء فاهرق على بوله ثم قال للأعرابي: «إن هذه المساجد لا تصلح شيء من هذا إنما هي لذكر الله والصلاة». وفي رواية أن الأعرابي قال: اللهم ارحمني وارحم محمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. فتبسم النبي - صلى الله وعليه وسلم - وقال له: «لقد حجّرت واسعًا». فرحمة الله واسعة وسعت الخلق أجمعين.

هذا اللين وهذا الرفق العجيب كان خُلق رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - وعادته ودأبه دائمًا في دعوته وفي تعليمه للناس، والرفق واللين هما من أحسن أساليب الدعوة والتعليم ما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا دخل العنف في شيء إلا شانه.


لما حضرت الوفاة ابن سلول إذا بأبنه يأتي إلى الرسول - صلى الله وعليه وسلم - يقول: يا رسول الله إن أبي قد حضرته الوفاة وأريد قميصك لأكفنه فيه، عسى الله أن يخفف ما نزل به، وأعطاه النبي - صلى الله وعليه وسلم - قميصه الطاهر، ومات عبد الله بن أُبي، كبير المنافقين، وإذا بابنه يأتي إلى الرسول - صلى الله وعليه وسلم - ويقول: يا رسول الله إن أبي قد مات، فقم لتصلي عليه، وقام الرسول عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه، وإذا بالفاروق عمر يقف أمام وجه رسول الله يقول: يا رسول الله إنه منافق، فلا تصل عليه، فيقول عليه الصلاة والسلام: «لم يأمرني الله كما قلتَ يا عمر» فصلى الرسول عليه ودفنه وقام على قبره، وإذا بالوحي ينزل على نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَـاسِقُونَ[التوبة: 84].

إنه النبي الرؤوف الرحيم، قال الله عنه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

وأخيرًا: هل عرفت الأمة قدر نبيها؟

إن ادعت الأمة أنها عرفت قدر نبيها، فأين اتباعها له وطاعتها له، وتطبيق سنته، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ آل عمران: 31].

من يدعى حب النبي ولم
يفد من هديه فسفاهة وهراء
فالحب أول شرطه وفروضه
إن كان صدقًا طاعة ووفاء


إن ادعت الأمة أنها عرفت قدر نبيها - صلى الله وعليه وسلم -، فلماذا نحّت شريعته وأخرت سنته، وقدمت القوانين الوضعية البشرية وحكّمتها في الأعراض والأموال والدماء والفروج والله جل وعلا يقول: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ النساء: 65].

إن ادعت الأمة أنها عرفت قدر نبيها، فلماذا نسمع ونرى من يعتدي على صحابته صلى الله وعليه وسلم.

ونسمع من يدّعي الدين ويسب عائشة أم المؤمنين ويعتدي على عرض نبينا وحبيبنا صلى الله وعليه وسلم.

ونسمع من يرفض سنته، ويقول يكفينا القرآن.

اللهم رُدنا إلى دينك وسنة نبيك ردًا جميلًا برحمتك يارب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-02-2025, 09:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,358
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق النبي المصطفى

حقوق النبي المصطفى (2)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله علاّم الغيوب، المطلع على أسرار القلوب، المتجاوز - بمشيئته ورحمته - عن كبائر الذنوب، البصير بسرائر النيات، وخفايا الطويَّات، الذي لا يقبل من الأعمال إلا ما كمل - في الشروط - ووفى، وخلُص عن شوائب الرياء والشرك وصفا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالملكوت والملك، فهو أغنى الأغنياء عن الشرك، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المبرئين من الخيانة والإفك، وسلم تسليما كثيرا.

وبعد:
فما زلنا وإياكم مع الحبيب المصطفى والرسول المقتفى، مع معلم الإنسانية وقائد المسلمين الأعظم، وصاحب الرسالة العصماء سيدنا محمد صلى الله وعليه وسلم.

ما زلنا وإياكم مع حقوق النبي صلى الله وعليه وسلم على أمته.

حقوق النبي صلى الله وعليه وسلم على أمته كثيرة أولها:
الحق الأول: الإيمان بنبوته والتصديق برسالته واعتقاد نسخ رسالته لجميع الرسالات السابقة.

فمن آمن بنبوته وصدق برسالته عليه: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله وعليه وسلم.

وقد دلّت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة. قال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ [التغابن: 8]. وقال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]. وقال عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136].

فالإيمان به صلى الله وعليه وسلم وبرسالته وبكل ما أخبر به من الأمور التي وقعت، والتي لم تقع مما أطلعه الله عليه، الإيمان بذلك كله واجب حتى يكمل إيمان المرء، ولقد بشر النبي صلى الله وعليه وسلم من آمن به ولم يره بشره بطوبى، وهي شجرة في الجنة، فقال صلى الله وعليه وسلم: «طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع (مرات)». [السلسلة الصحيحة 3/45].

فالإيمان به صلى الله وعليه وسلم وبرسالته وبكل ما أخبر واجب حتى يكتمل إيمان العبد، ولقد بشر النبي صلى الله وعليه وسلم من آمن به ولم يره بشره بطوبى، وهي شجرة في الجنة، فقال صلى الله وعليه وسلم: «طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع (مرات)». [السلسلة الصحيحة 3 /45].

فمن شك في نبوته أو رسالته فهو كافر.

الحق الثاني من حقوق النبي على أمته: طاعته واتباعه:
فمن آمن بنبوته وصدق برسالته عليه: تصديقُه فيما أخبر، وطاعتُه فيما أمر، واجتنابُ ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله وعليه وسلم.

فطاعته صلى الله وعليه وسلم واجبة بكتاب الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20].

وقال عز وجل: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

وتدبر معي قول الله تبارك وتعالى وهو يبين هذين الحقين العظيمين للرسول صلى الله وعليه وسلم في آية واحدة جامعة، فيأمر الله سبحانه وتعالى ويقول: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ أمر، وهذا حجة على من ينكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: نحن يجب علينا أن نكتفي بالقرآن، ها هو القرآن يأمر الجميع أن يرجع إلى النبي صلى الله وعليه وسلم وإلى امتثال أمره: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7] أمر من الله سبحانه وتعالى، فالرسول عليه الصلاة والسلام له أمر وله نهي، وأمر الله سبحانه وتعالى أهل الإسلام وأهل الإيمان أن يمتثلوا أمر النبي صلى الله وعليه وسلم، وأن يجتنبوا نهيه، وأن يقفوا عند الحدود التي حدها -بأبي هو وأمي صلى الله وعليه وسلم فقال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].

فطاعة النبي صلى الله وعليه وسلم طاعة لربه العلي، ومعصية النبي صلى الله وعليه وسلم معصية لله، واقرأ معي قول الله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ هكذا، من يطع الرسول فقد أطاع الله، آية حاسمة: ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80]، وقال جل وعلا: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [المائدة: 92] ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ﴾ أي: احذروا أن لا تطيعوا أمره، واحذروا أن تخالفوه.

ويقول ربنا وتعالى في آية جميلة يلخص فيها ثمرة الطاعة لحبيبه صلى الله وعليه وسلم: ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 71].

ومن أرق ما ثبت من الأحاديث الصحيحة ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله وعليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، فهل يوجد أناس يكرهون دخول الجنة؟ نعم بنص الحديث: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، (قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟!) فقال صلى الله وعليه وسلم: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

المؤمن الصادق لا يتفلسف ولا يتحذلق ولا يأخذ ولا يعطي، إن جاءه الأمر من رسول الله صلى الله وعليه وسلم امتثل الأمر، وإن جاءه النهي من رسول الله صلى الله وعليه وسلم اجتنب النهي، وتدبر القرآن -ويا ليتنا نفهم القرآن ونعيش مع القرآن- يقول الله تبارك وتعالى في حق المؤمنين: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 51-52]، وهذا هو شعار المؤمن، أن يقول: سمعنا وأطعنا دون نقاش ولا حرج في أن يطلب من أهل العلم أن يفهموه وأن يعلموه، لكن لا يجوز له ألبتة أن ينكر وأن يرد الأمر والنهي بدعوى أنه لا يفهمه، لا.

وروى أحمد في مسنده وأبو داوود في سننه أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»، وقال صلى الله وعليه وسلم: «ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، ويقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتهم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» [أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح].

وعن أبي داود وابن ماجة بسندٍ صحيح، قال صلى الله وعليه وسلم: «لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه».

إنها معجزة ونبوة للنبي صلى الله وعليه وسلم أنه سيظهر من أمته من ينكرون السنة ويقولون نكتفي بالقرآن فقط وهذه معصية واضحة للنبي صلى الله وعليه وسلم.

ولابد من الحذر كل الحذر من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وعدم معصيته لأن ذلك مما يحبط الأعمال ويوجب النيران، فقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

و تَوَعَّدَ الله المعْرِضِينَ عَنْ هَدْيِ رَسُولِه الْـمُخَالِفِينَ أَمْرَهُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فَقَالَ: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[النور: 63].

عباد الله:
اتِّبَاعُ النَّبِيِّصلى الله وعليه وسلم هُوَ الْبُرْهَانُ الْـحَقِيقِيُّ عَلَى من ادعى حب الله، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].

وَقَدْ بيَّن اللهُ تَعالَى أَنَّ رَحمَتَهُ لَا ينالها إِلا أَهْلَ الِاتِّبَاعِ وَالِانْقِيَادِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ﴾ [الأعراف: 156، 157].

الحق الثالث للنبي صلى الله وعليه وسلم على أمته:
وجوب الإيمان بأنه صلى الله وعليه وسلم بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، فما من خير إلا ودل الأمة عليه ورغبها فيه، وما من شر إلا ونهى الأمة عنه وحذرها منه. قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله وعليه وسلم أنه قال: «وأيمُ الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» [سنن ابن ماجه]. وقد شهد للنبي صلى الله وعليه وسلم بالبلاغ أصحابه في أكبر مجمع لهم يوم أن خطبهم في حجة الوداع خطبته البليغة فبين لهم ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم وأوصاهم بكتاب الله إلى أن قال لهم: «وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون». قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات» [أخرجه مسلم ]. وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: (لقد تركنا محمد صلى الله وعليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما) [أخرجه أحمد في المسند].
في مدحه تتنافس الأقلامُ ‍
وبذكره تتشرَّف الأقوام
أنا إن كتبتُ الشعرَ أمدح سيدي ‍
طه فهذا الفخرُ والإكرامُ
فَلَكَ المهابةُ في القلوب جميعِها ‍
واليك يا خيرَ الأنامِ سلام


الحق الرابع: من حقوقه صلى الله وعليه وسلم محبته صلى الله وعليه وسلم وتقديم محبته على النفس وسائر الخلق.

محبة المصطفى أصلٌ إيماني وواجب شرعي، وبغضه ناقضٌ إيماني وفسادٌ اعتقادي كمال حبه من كمال الإيمان ونقصه من نقص الإيمان.

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله وعليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

ولذا وجب أن تكون محبته مقدمة على محبة الناس كلهم من الأبناء والآباء وسائر الأقارب بل مقدمة على محبة المرء لنفسه. قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]. فقرن الله محبة رسوله صلى الله وعليه وسلم بمحبته عز وجل وتوعد من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله - توعدهم بقوله: ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.

وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله وعليه وسلم: يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله وعليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك». ففكر عمر وفكر من هو الشافع والمشفع الرحمة المهداة، ومن سيكون سبب لنجاته بعد الله، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله وعليه وسلم: «الآن يا عمر» [رواه البخاري من حديث عبد الله بن هشام برقم (6632) ].

والله ما محبته صلى الله وعليه وسلم كلماتٍ تقال ولا قصص تثار، ولا أبيات تُقرأ ولا احتفالات ولا مهرجانات تُقام، إنها عملٌ قلبي من أجّل أعمال القلوب، وعاطفة يجدها المحب في قلبه تدفع لإتباعه وطاعته، وتمثل سنته وأخلاقه وسيرته.

يخرج أهل مكة من الحرم ليقتلوا أسيرًا مسلمًا محبًا صادقًا ويُرفع علي الخشبة مصلوبا ثم يُقال له: "ننشدك الله أتحبُّ أن محمدًا مكانك تُضربُ عنقه وانت آمنٌ في أهلك فقال: "والله الذي لا إله إلا هو ما أُحِبُّ أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي".

أبو بكرٍ رضي الله عنه سحابةٌ من حبٍّ تظل رسول الله صلى الله وعليه وسلم في طريقه إلي الغار جعل من جسده درعًا يحمي به رسول الله صلى الله وعليه وسلميتذكر أن فتيان قريش تلحقهم فيمشي بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله يقلّب عينيه خوفا عليه صلى الله وعليه وسلم لمحهُ صلى الله وعليه وسلمفقال: "يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني"، قال: نعم والذي بعثك بالحق".

ذاك جسد المحب أما ماله فمنثور بين يدي رسول الله حمله أبو بكرٍ كله: "ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر" قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

لما اجتمع أصحاب رسول الله فكانوا ثمانية وثلاثين رجلا الح أبو بكر على رسول الله في الظهور فقال: "يا أبا بكر إنا قليل" فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وقام الصديق خطيبا بلا إله إلا الله، كان أول خطيبٍ دعا إلى الله في أهل مكة؛ فثار عليه المشركون وضربوه ضربًا شديدًا غيَّر ملامحَ وجهه حتى ما يُعرف وجهه من أنفه، ثم حُمل إلي بيته في ثوب فاقد الوعي لا يُشك في موته. فما تكلم إلا آخر النهار تُري ما أولُ ما قال؟ لقد قال: "ما فعل رسولُ اللهصلى الله وعليه وسلم؟ يا الله رجلٌ بين الحياة والموت ينسى نفسه، وتغيب آلامٍ تنهش جسده ليذكر شيئًا واحدًا وهو السؤال عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم يُعرض عليه الطعام فيأبي ويقول: "إن لله عليَّ أن لا أذوق طعامًا أو أشرب شرابًا حتي أري رسول الله صلى الله وعليه وسلمما فعلَ رسول الله صلى الله وعليه وسلم" فلم يهدأ حتي حُمل يتهادى بين أمه وأم جميل بنت الخطاب فرأى رسول الله صلى الله وعليه وسلم سالمًا قام إليه المصطفى فقبّله ورق له رسول الله رقةً شديدة؛ فقال أبو بكر: "بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي من بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي"، لقد كان يشعر رضي الله عنه بأن حياته وكل ما يملكه لا يساوي شيئًا أمام سلامة رسول الله صلى الله وعليه وسلم.

من أحب المصطفى كانت له هذه ثمرات منها:
أولها: الشعورُ بحلاوة الإيمان تلذذًا بالطاعات وتحملًا للمشقات وإيثاراُ لذلك على جميع أعراض وأغراض الحياة، ثبت أن رسول صلى الله وعليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: ذكر منها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،» [البخاري].

وللإيمان حلاوة في القلب لا يعبر عنها إلا من ذاقها فاللهم لا تحرمناها.

ثانيًا: أن مُحب المصطفى سيكون معه في الآخرة، وكفي بها من ثمرة عالية ها هو أحدهم يأتي رسولَ اللهصلى الله وعليه وسلم ذات يومٍ وقد تغيَّر لونه يُعْرَفُ الحزن في وجهه فقال له رسول الله ما بك؟ فقال يا رسول الله ما بي من شيء إلا أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتي ألقاك ثم أني إذا ذكرتُ الآخرة أخافُ ألا أراك، إن دخلت الجنة كنتُ في منزلة دون منزلتك، وإن لم أدخلها لم أرك أبدًا فتكفل الله بالجواب لينزل جبريل بالوحي فصمت رسول الله صلى الله وعليه وسلم يوحى إليه ثم قال: قال الله ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69] فلا تسأل عن حاله نطقت مدامِعّه بما في قلبه، وعن الجواب لسانه لا ينطق. في الصحيحين عن ابن مسعود ا- قال: جاء رجل إلي رسول الله صلى الله وعليه وسلم فقال:"يا رسول الله كيف تقولُ في رجلٍ أحبَّ قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: "المرءُ مع من أحب" وقال لآخر "أنت مع من أحببت"..

فما فرح الصحابة بشيءٍ فرحهم بذلك يقولُ أنسٌ رضي الله عنه-:"فأنا أحب النبي وأبو بكر وعمر وأرجوا أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم
إني أري حبَّ النبي عبادةً ‍
ينجوا بها يوم الحساب المسلم
لكن إذا سلك المحبُ سبيلهُ ‍
متأسيًا ولهدية يترسم


عبد الله:
إن أردت اللحاق بمحمد وآله وصحبه فأحبهم واسلك طريقهم، وأبذل غاية جهدك، واستفرغ وسعك إن فعلت كنت معهم ولو لم تبلغ عملهم.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحشرنا في زمرة محمدٍ وصحبه إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-02-2025, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,358
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق النبي المصطفى

حقوق النبي المصطفى (3)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم، أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم، والخير العميم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

هذا هو اللقاء، الثالث مع حقوق النبي المصطفى والرسول المجتبى على امته، ووقفنا مع أربع منها في اللقاء الماضي:
الحق الأول: الإيمان بنبوته والتصديق برسالته، قال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [التغابن: 8].

الحق الثاني: طاعته واتباعه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].

الحق الثالث: الإيمان بأنه بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وقد شهد له بذلك الصحابة الكرام في أكبر مجمع لهم في حجة الوداع أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ونحن بعد أربعة عشر قرن نشهد أنه بلغ وأدى ونصح فاللهم اشهد.

الحق الرابع: محبته وتقديم محبته على النفس، والمال والولد فهو القائل – بأبي هو وأمي-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

الحق الخامس: الانْتِصَارُ لَهُ صلى الله وعليه وسلم: وَهُوَ مِنْ آكَدِ حُقُوقِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَأَمَّا فِي حَيَاتِه فَقَدْ قَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ- صلى الله وعليه وسلم -بِهَذِهِ المهِمَّةِ خَيرَ قِيامٍ.

وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالذَّب والدفاع يَكُونُ عَنْ سُنَّتِه إِذَا تَعَرَّضَتْ لِطعنِ الطَّاعِنِينَ وَتحرِيفِ الجَاهِلِينَ وَانْتِحَالِ المبْطِلِينَ.

وَيَكُونُ الذَّبُّ كَذلِكَ عَنْ شَخْصِهِ الْكَرِيمِ إِذَا تَنَاوَلَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ أَوْ سُخْرِيَةٍ، أَوْ وَصَفَهُ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ بِمَقَامِهِ الْكَرِيمِ - صلى الله وعليه وسلم -.

ولنعلم علم اليقين أن السخرية من رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -لا تضيره في قليل ولا كثير، ولا قبيل ولا دبير، لأن الله رفع قدره وأعلى ذكره.

أيها المؤمنون: إن أمة يُطعن في نبيها ويُسخر من رسولها جهارا علانية في وقاحة وسفاهة وحماقة، ثم تصمت أو تدافع على استحياء وخورٍ وضعف أمة لا تستحق الحياة.
ماذا سيبقى من كرامة ديننا إن سكتنا وصمتنا حين يهان نبينا.
فيا موت زُر إن الحياة ذميمةٌ
ويا نفس جدى إن دهرك هازلُ




نقول لمن يتجرأ على نبينا إنا نعرفُ قدر نبينا، ونحنُ له فدا، ومعه علي الهدى ولو في سمِّ الخياط، أو على مثل حدِّ الصراط، كلماتٍ عبَّر عنها أولنا ويقولها أخرنا وماتَ عليها سلفنا، ويبقى عليها خلَفنا بإذن ربنا وحسان إمامنا:
فإن أبي ووالدَهُ وعرضي
لعرضِ محمدٍ منكم وقاء





يا خاتمًا للمرسلينَ ورحمةً
للعالمينَ وخيرَ من وطئَ الثرى
نالوكَ بالفعلِ المشينِ واكثروا
زورًا وبهتانًا وقولًا مفترى
بل أنت عند الله أشرفُ خلقهِ
خير ُالخلائق من قلاكَ تعثرا
يامن تمادى في مهانة أحمد
أنت الحقير وسيدي نور سرى
يا فاسقًا يبغي الرسول بشينةٍ
أنت الصغير وهو الكبير بلا مرا
يا نابحا يبغي السباب لأحمدٍ
إلا رسول الله يا كلب القرى
يا جاهلًا فضلَ النبي وآلهِ
اسمع لفصلِ القولِ ثمَّ تدبرا
هذا رسول الله هذا حبهُ
من أم كل المرسلينَ وكبرا


الحق السادس من حقوقه - صلى الله وعليه وسلم - على أمته الاقتداء به صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، فقد أمر الله - جل وعلا- نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والرسل. وأمرنا نحن باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. أي إن لكم فيه صلى الله عليه وسلم قدوة صالحة في أفعاله وأقواله فاقتدوا به، فمن اقتدى به صلى الله عليه وسلم وتأسى به سلك الطريق الموصل إلى كرامة الله وهو الصراط المستقيم فهو - عليه الصلاة والسلام - الأسوة الحسنة التي يوفق للاقتداء بها من كان يرجو الله واليوم الآخر، لما يرجو من ثواب ربه، وما يخشاه من عقابه وعذابه.

كل ذلك حاث وحافز ودافع للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله.

الحق السابع للنبي صلى الله وعليه وسلم نَشْرُ دَعْوَتِه وِ تبليغ رسالته وسنته؛ فإِنَّ مِنَ الوَفَاءِ لِرسُولِ اللهِ أَنْ نَقُومَ بِنَشْرِ الْإِسْلامِ، وَتَبْلِيغِ الدَّعْوةِ فِي كَافَّة أَصْقَاعِ الْأَرْضِ، فَقَدْ قَالَ النبيُّ - صلى الله وعليه وسلم -: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيةً"، [رواه البخاريُّ]، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمرِ النَّعَمِ" [متفق عليه] والدعوة إلى الله أشرف مقام وأعلى وسام، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

وهِيَ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ، قالَ تعالى ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108].وأبشروا فإن هناك دراسات علمية حديثة تثبت أن الإسلام في ازدياد مهول في أوروبا وأمريكا، وأنه سيكون منافسا على المرتبة الأولى بين الأديان هناك، وصدق الله القائل: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].

الحق الثامن للنبي - صلى الله وعليه وسلم - تعظيمه وتوقيره وإجلاله. فإن هذا من حقوق النبي - صلى الله وعليه وسلم - التي أوجبها الله في كتابه. قال تعالى: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9]. وقال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. قال ابن عباس: " تعزروه: تجلوه. وتوقروه: تعظموه ". وقال قتادة: " تعزروه: تنصروه. ". وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]. وقال عزوجل: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63]. قال مجاهد: " أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا يا محمد في تجهم ". وقد ضرب أصحاب النبي - صلى الله وعليه وسلم - أروع الأمثال في تعظيم النبي - صلى الله وعليه وسلم -.

قال أسامة بن شريك: " أتيت النبي - صلى الله وعليه وسلم - وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير ". وتعظيم النبي - صلى الله وعليه وسلم - واجب بعد موته كتعظيمه في حياته. قال القاضي عياض: " واعلم أن حرمة النبي - صلى الله وعليه وسلم - بعد موته، وتوقيره وتعظيمه، لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره - صلى الله وعليه وسلم -، وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته ".

الحق التاسع للنبي - صلى الله وعليه وسلم - الصلاة والسلام عليه والإكثار من ذلك كما أمر الله بذلك. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. قال المبرد: " أصل الصلاة: الترحم. فهي من الله رحمة. ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله ". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أنه قال: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» [رواه مسلم برقم (384)].

وهناك مواطن حثنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
1- وهو أهمها وأكبرها وقد أجمع المسلمون على مشروعيته وذلك في التشهد الأخير في الصلاة، وهي ركن من أركان الصلاة الأربعة عشر، من تركها متعمدًا بطلت صلاته، فقد أخرج البيهقي بسند قوي عن الشعبي -وهو من كبار التابعين- قال: «من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته».
2- في صلاة الجنازة، بعد التكبيرة الثانية، ورد في السنة، أنه بعد التكبيرة الأولى: يقرأ الفاتحة، و بعد التكبيرة الثانية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد التكبيرة الثالثة: يدعو للميت، وبعد التكبيرة الرابعة: ينتظر قليلًا ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه.

3- في الخطب: كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.

4- بعد إجابة المؤذن، لما روى الإمام أحمد - / -عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم مؤذنًا فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى عليَّ صلى الله عليه بها عشرًا..» [رواه البخاري (1/93،121) ومسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي والبيهقي والسراج، إرواء الغليل (1/316)].

5- عند ذكره صلى الله عليه وسلم أو كتابته، لقوله صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذُكرت عنده فلم يصل علي» [الترمذي وهو حسن صحيح]، وذكر ابن حجر في فتح الباري، من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من ذُكرت عنده ولم يصل عليَّ فمات فدخل النار فأبعده الله» [الترمذي وصححه الحاكم وله شواهد].

6- يوم الجمعة وليلتها، فعن أوس بن أوس - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ» قالوا: يا رسول الله: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -أي بليت- قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام» [النسائي وصححه الألباني].

7- عند دخول المسجد والخروج منه، عن فاطمة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: «رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك» وإذا خرج قال: «رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

8- قبل الدعاء وبعده، فالداعي يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ثم يختم دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لما ورد: «الدعاء بين الصلاتين عليّ لا يرد» [أورده القاضي عياض بن موسى بن عياض في كتاب الشفا]. ولقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئًا فليبدأ بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قال - صلى الله وعليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله - عزوجل - والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء» [حديث صحيح رواه الحاكم وغيره].

الحق العاشر للنبي - صلى الله وعليه وسلم - الإقرار له بما ثبت في حقه من المناقب الجليلة والخصائص السامية والدرجات العالية الرفيعة والمعجزات المباركة كتكثير الطعام بين يديه ونبع الماء من بين أصابعه وانشقاق القمر وغيرها من المعجزات النبوية، والتصديق بكل ذلك والثناء عليه به ونشره في الناس، وتعليمه للصغار وتنشئتهم على محبته وتعظيمه ومعرفة قدره الجليل عند ربه عزوجل.

الحق الحادي عشر من حقوقه - صلى الله وعليه وسلم - تجنب الغلو فيه والحذر من ذلك فإن في ذلك أعظم الأذية له - صلى الله وعليه وسلم -. قال تعالى آمرًا نبيه - صلى الله وعليه وسلم - أن يخاطب الأمة بقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. وبقوله: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إلّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].

فأمر اللهّ نبيه - صلى الله وعليه وسلم - أن يقرر للأمة أنه مرسل من الله ليس له من مقام الربوبية شيء وليس هو بمَلَك إنما يتبع أمر ربه ووحيه. كما حذر النبي - صلى الله وعليه وسلم - أمته من الغلو فيه والتجاوز في إطرائه ومدحه. ففي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» [صحيح البخاري]. والإطراء: هو المدح بالباطل ومجاوزة الحد في المدح ذكره ابن الأثير. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله وعليه وسلم - فراجعه في بعض الكلام فقال: ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «أجعلتني لله ندًّا بل ما شاء الله وحده» [رواه الإمام أحمد في المسند]. فالغلو في النبي - صلى الله وعليه وسلم - محرم بشتى صوره وأشكاله.

ومن صور الغلو في النبي - صلى الله وعليه وسلم -التي تصل إلى حدّ الشرك، التوجه له بالدعاء فيقول القائل: يا رسول الله افعل لي كذا وكذا. فإن هذا دعاء والدعاء عبادة لا يصح صرفها لغير الله. ومن صور الغلو فيه - صلى الله وعليه وسلم - الذبح له أو النذر له أو الطواف بقبره أو استقبال قبره بصلاة أو عبادة فكل هذا محرم لأنه عبادة وقد نهى الله عن صرف شيء من أنواع العبادة لأحد من المخلوقين فقال عزوجل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

إذا كان الغلو في النبي المصطفى محرم فكيف بمن يغالي في علي - رضي الله عنه - أو الحسين - رضي الله عنه - ويرفعهم إلى منزلة فوق النبيين والمرسلين بل فوق الملائكة.

إذا كان دعاء النبي - صلى الله وعليه وسلم - حرام فكيف بمن يدعون الحسين - رضي الله عنه -من دون الله.

بل وصل الحال بأقوام يدعون محبة النبي - صلى الله وعليه وسلم - أن قالوا أن زيارة إلى قبر الحسين تعدل ثمانين حجة إلى بيت الله الحرام.

الحق الثاني عشر من حقوق النبي - صلى الله وعليه وسلم - محبة أصحابه وأهل بيته وأزواجه وموالاتهم جميعًا والحذر من تنقصهم أو سبهم أو الطعن فيهم بشيء فإن الله قد أوجب على هذه الأمة موالاة أصحاب نبيه وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم وسؤال الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم. فقال بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]. وقال تعالى في حق قرابة رسوله - صلى الله وعليه وسلم -وأهل بيته: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]. جاء في تفسير الآية: " قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرًا إلا أن تودوا قرابتي ". وأخرج مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قام خطيبًا في الناس فقال: «أما بعد ألا أيها الناس. فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به». فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أُذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» [صحيح مسلم برقم (2408)]. فأمر النبي - صلى الله وعليه وسلم - بالإحسان إلى أهل بيته وأن يعرف لهم قدرهم وحقهم، لقربهم منه وشرفهم. كما أوصى النبي - صلى الله وعليه وسلم - بأصحابه خيرًا ونهى عن سبّهم وتنقصهم فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» [صحيح البخاري].
وقد كان من أعظم أصول أهل السنة التي اجتمعت عليه كلمتهم محبة أصحاب رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - وقرابته وأزواجه وما كانوا يعدون الطعن فيهم إلا علامة الزيغ والضلال. قال أبو زرعة: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق». وقال الإمام أحمد: «إذا رأيت رجلًا يذكر أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - (أي بسوء) فاتهمه على الإسلام».


أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته،، إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على الرسول وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 117.06 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]