|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سُورَة ُالفَجْرِ يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف سُورَةُ الْفَجْرِ: سورَةٌ مَكِّيَّةٌ[1]، وَآيُهَا ثَلاثُونَ آيَةً. الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ: حَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ[2]: • تَسْلِيَةُ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم بِضَرْبِ الْمَثَلِ لِمُشْركِيْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي إِعْراضِهِمْ عَنْ قَبُولِ رِسَالَةِ رَبِّهِمْ بِمِثْلِ عَادٍ وَثَمودَ وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ. • إِبْطالُ غُرُورِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعيمِ عَلَامَةٌ عَلَى أنَّ اللهَ أَكْرَمَهُمْ، وَأَنَّ مَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْخَصاصَةِ عَلَامَةٌ عَلى أَنَّ اللهَ أَهَانَهُمْ. • حُصولُ النَّدَمِ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِمَنْ لَمْ يُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَعْمالِ مَا يَنْتَفِعونَ بِهِ. شَرْحُ الْآيَاتِ: قَوْلُهُ: ﴿ وَالْفَجْر ﴾، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالْفَجْرِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ[3]. قَوْلُهُ: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْر ﴾، أَيْ: عَشْر ذِيْ الْحِجَّةِ[4]. وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ: الْأَيَّامُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذي عَلَيْهِ جُمْهورُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ[5]، بِدَلِيْلِ: حَديثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوِتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ»[6]. قَوْلُهُ: ﴿ وَالشَّفْعِ ﴾، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِكُلِّ مَا هُوَ زَوْجِيُّ الْعَدَدِ، كَيَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ الْيَوْمُ العَاشِرُ[7]، ﴿ وَالْوَتْر ﴾، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِكُلِّ مَا هُوَ فَرْدِيُّ الْعَدَدِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ الَّذي هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ[8]. وَقالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: ﴿ وَالْوَتْر ﴾: هُوَ اللهُ تَعَالَى؛ لِحَديثِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»[9]، ﴿ وَالشَّفْعِ ﴾: الْمَخْلُوقَات كُلّهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴾ [سورة الذاريات:49][10]. قَوْلُهُ:﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر ﴾،أَيْ: إِذَا يَمْضِي[11]، كَقَوْلِهِ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر ﴾ [سورة المدثر:33]، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس ﴾ [سورة التكوير:17][12]. قَوْلُهُ:﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ ﴾، اِسْمُ الْإِشارَةِ يَعُودُ إِلى تِلْكَ الْأَشْياءِ الَّتِي أَقْسمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا، وَالْمَعْنَى: أَلَيْسَ فِيهَا مَقْنَعٌ وَمُكْتَفًى[13]، ﴿ قَسَمٌ لِّذِي حِجْر ﴾، أَيْ:لِصَاحِبِ عَقْلٍ؛ وَسُمِّيَ بِذَلكَ لِأَنَّهُ يَحْجُرُ صاحِبَهُ، وَيَمْنَعُهُ عَنِ ارْتِكابِ مَا لَا يَنْبَغِيْ، كَمَا سُمِّيَ عَقْلًا لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنِ ارْتِكَابِ السَّيِّئاتِ[14]. وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ: مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيْرُهُ: لَتُعَذَّبُنَّ، بِدَلِيْلِ قَوْلِهِ: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد ﴾وَالتَّقْدِيْرُ: وَحَقّ هَذِهِ الْمَخْلُوْقَاتِ لَتُعَذَّبُنُّ -أَيُّهَا الْكَافِرُوْنَ- كَمَا عُذِّبَ الذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ، مِثْلُ عَادٍ وَثَمُوْدَ وَفِرْعَوْنَ[15]. قَوْلُهُ: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾، أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ يا مُحَمَّدُ[16]، ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد ﴾وَهُمْ قَوْمُ نَبِيِّ اللهِ هُودٍ عليه السلام ؛ سُمُّوْا بِاسْمِ أَبِيْهِمْ كَمَا سُمِّيَ بَنُوْ هَاشِمٍ بِاسْمِهِ[17]. قَوْلُهُ: ﴿ إِرَمَ ﴾[18]، هِيَ قَبيلَةُ عَادٍ؛ سُمِّيَتْ بِاسْمِ أَحَدِ أَجْدَادِهَا[19]، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ بَلْدَةِ عَادٍ[20]، ﴿ ذَاتِ الْعِمَاد ﴾، أَيْ: صَاحِبَةِ الْخِيامِ الَّتِي تُرْفَعُ بِالْأَعْمِدَةِ الشِّدَادِ[21]. قَوْلُهُ: ﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَد ﴾،الضَّمِيْرُ فِيْ قَوْلِهِ: (مِثْلِهَا) يَعُوْدُ عَلَىْ عَادٍ، أَيْ: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُ عَادٍ في قُوَّتِهِمْ، وَطُولِ أَجْسَامِهِمْ[22]. قَوْلُهُ: ﴿ وَثَمُودَ ﴾، وَهُمْ قَوْمُ نَبِيِّ اللهِ صَالِحٍ عليه السلام،﴿ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ ﴾، أَيْ:قَطَعُوا الصَّخْرَ -جَمْعُ صَخْرَةٍ- وَاتَّخَذُوهَا بُيُوتًا[23]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾ [سورة الشعراء:149][24]،﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَاد ﴾هُوَوَادِيْ الْقُرَىْ شَمَالَ غَرْبِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ[25]. قَوْلُهُ: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد ﴾، أَيْ: صَاحِبَ الْأَوْتادِ، والأَوْتَادُ: جَمْعُ وَتَدٍ، وَهُوَ الْحَبْلُ، أيْ: صَاحِب الْحِبَال الَّتِي يُعَذِّبُ بِهَا النَّاسَ، وَيُعَلِّقُهُمْ بِها وَيَشُدُّهُمْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ يَمُوتُوا، وَقيلَ: الْأَوْتادِ: جُنُودُهُ الَّتي تُعَضِّدُهُ وَتَشُدُّ مُلْكَهُ[26]، وَالْمَعْنى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَد ﴾أَيْ: الذِيْنَتَجَاوَزُوْا الْحَدَّ في الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فِيْ الْبِلَادِ[27]. قَوْلُهُ:﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد ﴾، أَيْ: بِالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي[28]. قَوْلُهُ:﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ ﴾، أيْ: أَنْزَلَ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِمْ، ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب ﴾أَيْ: نَصِيْبًا مِنَ الْعذَابِ، هُوَ غَايَةُ الْعَذَابِ وَشِّدّتهِ[29]. قَوْلُهُ:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ﴾،أَيْ: يَرْقُبُ الْعَاصِينَ، ويرْصُدُ أَعْمَالَهُمْ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَيُمْهِلُهُمْ ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ أَخْذَ عَزيزٍ مُقْتَدِرٍ[30]. قَوْلُهُ:﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ ﴾، أَيْ: فَإِنَّ مِنْ طَبْعِهِ وَسَجِيَّتِهِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَبَرَهُ رَبُّهُ بِالْغِنَى وَالْيُسْر، ﴿ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾، أَيْ: بِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالصِّحَةِ، ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن ﴾، أَيْ: فَضَّلَنِيْ بِمَا أَعْطَانِيْ[31]. قَوْلُهُ:﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾، أَيْ:فَضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، ﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن ﴾،فَهُوَ يَرَى أَنَّ الْهَوَانَ في قِلَّةِ حَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَالْكَرامَةُ عِنْدَهُ أَنْ يُكْرِمَهُ اللهُ بِطَاعَتِهِ، وَالْهَوانُ أَنْ يُهِينَهُ بِمَعْصِيَتِهِ[32]. قَوْلُهُ:﴿ كَلاَّ ﴾: كَلِمَةُ رَدْعٍ لِلْإنْسانِ عَنْ تِلْكَ الْمَقالَةِ[33]، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمَ بِكَثْرَةِ الرِّزْقِ، وَلَا يُهِيْنُ منْ أَهَانَ بِتَضْيِيقِهِ، وَإِنَّمَا الْإِكْرامُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَالْإِهَانَةُ بِمَعْصِيتِهِ[34]. ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَعْضَ أَفْعالِ الْكُفَّارِ، وَهِيَ: قَوْلُهُ: ﴿ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيم ﴾ أَيْ: بَلْ هُنَاكَ شَرٌّ مِن هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَهُوَ أَنَّكُمْ لَا تُحْسِنُونَ إِلَى الْيَتيمِ، وَلا تُعْطونَهُ حَقَّهُ معَ غِناكُمْ[35]. قَوْلُهُ: ﴿ وَلاَ تَحَاضُّونَ ﴾،أَيْ: وَلَا يَحُثُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا،[36].﴿ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين ﴾ قَوْلُهُ: ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ﴾، أَيْ: الْمِيرَاثَ،﴿ أَكْلاً لَّمًّا ﴾، أَيْ: شَدِيدًا بِنَهَمٍ وَشَرَهٍ، فَلا تَسْأَلونَ عَنْهُ أَحَلالٌ هُوَ أَمْ حَرامٌ[37]. قَوْلُهُ: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾، أَيْ: كَثِيرًا عَظِيمًا[38]. قَوْلُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾: رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَإنْكارٌ لِفِعْلِهِمْ، أَيْ: لَا ينْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالُكُم كَمَا ذُكِرَ،﴿ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ ﴾،أَيْ: حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَديدَةً، وَزُلْزِلَتْ زِلْزَالًا قَوِيًّا[39]، حَتَّى تَهَدَّمَ كُلُّ بِنَاءٍ عَلَيْهَا[40]، وَسُوِّيَتْ وَبُسِطَتْ[41]، كَمَا قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة ﴾ [سورة الحاقة:14]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً ﴾ [سورة المزمل:14]. ﴿ دَكًّا دَكًّا ﴾، أَيْ: حَصَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ[42]، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ إِلَّا دُكَّ حَتَّى صَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا[43]. قَوْلُهُ: ﴿ وَجَاء رَبُّكَ ﴾للْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ[44]،﴿ وَالْمَلَكُ ﴾، أَيْ: الْمَلائِكَةُ،﴿ ﳏ ﳐﳑ ﴾، ﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾أَيْ: صُفُوفًا كَثِيرَةً، لَا يَتَكَلَّمُونَ في هَذا الْمَوْقِفِ الْعَظيمِ؛ إِجْلالًا للهِ تَعَالَى وَخَوْفًا مِنْهُ وَخُضُوعًا لَهُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ اللهُ تَعَالَى، كَمَا قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [سورة النبأ:38]. قَوْلُهُ: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾، كَمَا في حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَىْ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها»[45][46]. ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾، أَيْ: يَوْمَ يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ، ﴿ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ ﴾،أَيْ: يَتَذَكَّرُ مَعَاصِيَهُ فَيَنْدَمُ عَلَيْها، وَلَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ[47]، بِدَلِيلِ:﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾اِسْتِفْهامٌ بِمَعْنى النَّفْي، أَيْ: لَا يَنْفَعُهُ تَذَكُّرُهُ ذَلِكَ[48]؛ لِأَنَّ هَذَا التَّذَكُّرَ فَاتَ أَوَانُهُ وَذَهَبَ زَمَانُهُ[49]، وَهَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْجَزاءِ وَالْحِسَابِ عَلَىْ الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ يَوْمَ التَّذَكُّرِ وَالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ. قَوْلُهُ: ﴿ يَقُولُ ﴾مَعَ تَذَكُّرِهِ نَادِمًا مُتَحَسِّرًا عَلَىْ تَفْريطِهِ فِيْ طَاعَةِ اللهِ،﴿ يَالَيْتَنِي ﴾لِلتَّنْبِيهِ، ﴿ قَدَّمْتُ ﴾في الدُّنْيا أَعْمَالًا صِالحَةً، ﴿ ﱏﱐ ﴾ ﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾البَاقِيَةِ فِي الْآخِرَةِ[50]. قَوْلُهُ: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ ﴾،أَيْ: في يَوْمِ الْقِيامَةِ، ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد ﴾أَيْ: لَا يُعَذِّبُ أَحَدٌ كَتَعْذِيْبِ اللهِ[51]. قَوْلُهُ: ﴿ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَد ﴾، أَيْ: وَلَا يُقَيِّدُ بالسَّلاسِلِ وَالْأَغْلالِ لِلْعَذَابِ أَحَدٌ كَتَقْييدِ اللهِ تَعَالَى[52]. قَوْلُهُ: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ﴾، أَيْ: الْمُطْمَئِنَّة بِالْإِيمَانِ، الْمُصَدِّقَةُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ[53]. قَوْلُهُ: ﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ ﴾، أَيْ: إِلى جِوَارِ اللهِ وَجَنَّتِهِ وَنَعيمِهِ الَّذِي أَعْلَاهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَريِمِ[54]، ﴿ رَاضِيَةً ﴾بِمَا آتَاهَا اللهُ تَعَالَى،﴿ مَّرْضِيَّة ﴾ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى[55]. قَوْلُهُ: ﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾، أَيْ: فِي جُمْلَةِ عِبادِي الصَّالِحِينَ[56]. قَوْلُهُ: ﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾، وَالَّتِيْ أَعْدَدْتُهَا لَهُمْ، وَفي إِضَافَتِهَا إِلَيْهِ تَعَالَى تَشْريفٌ وَتَعْظيمٌ لَهَا[57]. بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ: فَضْلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْر ﴾: بَيَانُ فَضْلِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: الأوَّل: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِها فَقَالَ: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْر ﴾، وَلَا يُقْسِمُ تَعَالَى إِلَّا بِعَظيمٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ لَا يُقْسِمُ إِلَّا بِأَعْظَمِ الْمَخْلوقَاتِ، كَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَا يُقْسِمُ إِلَّا بِأَعْظَمِ الْأَزْمانِ كَالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَا يُقْسِمُ إِلَّا بأَعْظَمِ الْأَمْكِنَةِ، كَالْقَسَمِ بِمَكَّةَ، وَلَهُ أَنْ يُقْسِمَ مِنَ خَلْقِهِ بِما يَشَاءُ، وَلا يَجوزُ لِخَلْقِهِ أَنْ يُقْسِمُوا إِلَّا بِهِ، فَالْقَسَمُ بِهَا يَدُلُّ عَلَىْ عَظَمَتِهَا، وَرِفْعَةِ مَكَانَتِهَا، وَتَعْظيمِ اللهِ لَهَا. الثاني: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَرَنَهَا بِأَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ، وَالْقَرِيْنُ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِيْ، فَقَدْ قَرَنَهَا بِالْفَجْرِ وَبِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَبِاللَّيْلِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ:مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»[58]، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»[59]، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَىْ عِنْدَ اللَّهِعزوجل وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى...»[60]. فَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي عَشْرِ الْحِجَّةِ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا[61]. تَوْجِيهُ كَثْرَةِ الْإِقْسَامِ بِاللَّيْلِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر ﴾ [سورة الفجر:4]: أَقْسَمَ اللهُ بِاللَّيْلِ كَثِيرًا؛ لِعِدَّةِ أُمُورٍ، مِنْهَا: الأول: أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ إِلَّا اللهُعزوجل، كَمَا قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُون ﴾ [سورة القصص:71]. الثاني: أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ؛ مِثْلُ: إِمْسَاكِ الصَّائِمِ، وَدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ عَظِيمَانِ، وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَهَمُّ، أَيْ: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ نُرَاعِيَ الْفَجْرَ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا نُرَاعِيهِ مِنْ أَجْلِ الْإِمْسَاكِ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّنَا في الْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ فِي الصِّيَامِ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّنَا أَخْطَأْنَا فَإِنَّنَا بَنَيْنَا عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، لَكِنْ فِي الصَّلاةِ لَوْ أَخْطَأْنَا وَصَلَّيْنَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ نَكُنْ بَنَيْنَا عَلَى أَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَعَدَمُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِدَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَلَاتُهُ نَفْلٌ، وَلَا تَبْرَأُ بِهَا ذِمَّتُهُ. الثالث: لِمَا في اللَّيْلِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ، إِذْ هُوَ أَفْضَلُ وَقْتٍ لِصَلاةِ النَّافِلَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلى الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ خُلْوَةٍ وَانْفِرَادٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلى مُرَاقَبَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، إِذْ لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ وَلَا يَعْلَمُ بِحَالِهِ إِلَّا اللهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَىْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَإِلَىْ إِعْطَاءِ السُّؤَالِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، إِذْ يَقُولُ الرَّبُّ في آخِرِهِ: «هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَىْ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟»[62]. اتِّعَاظُ أَصْحَابِ الْعُقُولِ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الرَّبَّانِيَّةِ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْر ﴾ [سورة الفجر:5]: دِلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَىْ أَنَّ أَصْحَابَ الْعُقُوْلِ النَّيِّرَةِ وَالْفِطَرِ السَّلِيْمَةِ يَقْتَنِعُوْنَ وَيَكْتَفُوْنَ بِمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَعْدِلُونَ عَنْهُمَا، وَأَنَّ صَاحِبَ الْعَقْلِ السَّلِيمِ يَفْهَمُ كَلَامَ اللهِ وَيَعْلَمُ مُرَادَهُ. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |