|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في التشدُّد والتفلّت منذ قرأت العبارة الحكيمة التي ذكرها الإمام سفيان الثوري ، وهو يضع الضوابط بين التشدّد والتفلّت … وأنا أزداد إعجاباً بها ، لأنها تلخص واحدة من نظريات الإسلام في السلوك المعتدل . العبارة تقول : " التشدّد كل الناس تُحْسِنُه ، ولكن العلم رخصةٌ من عالِم " . نعم ، بإمكان أي واحد من طلاب العلم ، فضلاً عن المتقدّمين فيه ، أن يوسِّعوا من دائرة الحرام ليُدْخلوا فيه ما ليس منه ، وتكون حجّتُهم في ذلك مفهومة ، ودافعهم نبيلاً ، فباسْم الورع وسد الذرائع واتّقاء الشبهات … يُدخلون كثيراً من الحلال في دائرة الحرام . ولو أنّهم ميّزوا الحرام من الحلال ، والبيّنات من الشبهات ، والمتّفق عليه من المختلف فيه … فشدَّدوا حيث يحسُن التشديد ، وندبوا حيث يحسن الندب ، وشحذوا العزائم للترقّي في مدارج التقوى ، وعرفوا ما له أولوية فقدَّموه ، وما ليس كذلك فأخّروه … لو أنّهم فعلوا ذلك لقدّموا لأبناء الإسلام خيراً عظيماً ، ولاستثاروا في نفوسهم أنبل المشاعر ، واستخرجوا عظيم الطاقات … من غير أن يحرجوهم ويحدثوا شرخاً بين السابق بالخيرات والمقتصد فيها . وبالمقابل فإن أناساً استهواهم الترخُّص والتيسير … وكان زادهم من العلم محدوداً ، وبضاعتهم مزجاة … فصار كل شيء عندهم مباحاً ، أو كاد ، واقتنصوا الحجج لها يحسبونه تيسيراً ، من أحاديث واهية مردودة ، أو أقوال شاذّة وزلات لبعض العلماء ، ولكل عالم زلّة ، والمعصوم من عصمَه الله . ولو أن هؤلاء تزوّدوا بالعلم الشرعي الرصين لعلموا حدود كل قول ، ومكانته بين أقوال العلماء ، ولعرفوا ما هو رخصة شرعية ، وما هو انفلات من قيود الشرع . من هنا ندرك أهميّة الكلمة التي نقلناها عن الإمام الثوري ، رحمه الله . فليس الخير في التشدّد ، ولكن الرخصة تؤخذ من أهل العلم الراسخين . ومن هنا كذلك ندرك فداحة الأمر حين نجد مسلماً يشنّع على مسلمين وهم يعملون أعمالاً لها وجه شرعيّ ، قد يكون ( هذا الوجه ) في قوة الوجه الشرعي التي يدعو هو إليه ، أو أقوى منه … في الوقت يغفل هذا المسلم وكثير من المسلمين عن كبائر ترتكب في المجتمع ، أجمع العلماء على تحريمها ، ويسكت عن مخاطر تحيق بعقيدة الأمة وقيَمها ومقدّساتها … وحين ننظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه الشريفة نلاحظ كم كان صلى الله عليه وسلم ييسّر على أصحابه في كثير من أمورهم اليومية ، ويشتدّ غضبه حين تنتهك حرمة من حرمات الله ، أو حين يجد من يميل إلى التشدّد فيما لم يشدِّد به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومع أن الشواهد على هذا وذاك كثيرة متداولة معروفة ، فمن الخير أن نذكر للقارئ نماذج منها : 1. " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا " رواه الإمامان أحمد ومسلم . 2. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " … إن الدين يُسْرٌ ، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبهُ ، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا " رواه البخاري وغيره . 3. عن عروة بن الزبير رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه . وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها . رواه البخاري وغيره . 4. عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال … " وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش : صبَّحَكُم مَسَّاكم … " رواه الإمام أحمد . 5. ومن ذلك مثلاً : ما جاء عن غُضيف بن الحارث قال : ( قلت لعائشة رضي الله عنها : أرأيتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره ؟ قالت : ربّما اغتسل في أول الليل أو في آخره . قلتُ : الله أكبر ، الحمد لله ، الذي جعل في الأمر سَعَة … قلت : أرأيتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُوْتِر أول الليل أم في آخره ؟ قالت : ربما أوتر في أول الليل ، وربما أوتر في آخره . قلتُ : الله أكبر ، الحمد لله ، الذي جعل في الأمر سعة … قلتُ : أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفُت به ؟ قالت : ربما جهر به ، وربما خَفَتَ . قلتُ : الله أكبر ، الحمد لله ، الذي جعل في الأمر سعة ) رواه أبو داود .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |