خطبة عيد الأضحى (1445 هـ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 671 - عددالزوار : 140359 )           »          حياة القلوب - قلوب الصائمين انموذجا**** يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 49 )           »          حقوق العمالة وواجباتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طهر قلبك من الحسد! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          البرنامج التأصيلي العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 10179 )           »          من يحمي المجتمع من عدوى الإعلانات؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مُثُــــل علـيـا في السلـوك الإداري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مساجد غزة الأثرية.. معالم حضارية تقاوم محاولات طمس هويتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1393 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-06-2024, 12:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,612
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عيد الأضحى (1445 هـ)

خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى (1445هـ)

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.
الْحَمْدُ للهِ، الْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وسُبْحَانَ اَللَّهِ بِكُرَةٍ وَأَصِيلاً، واللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا.

اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا صَلَّى مُؤْمِنٌ وَأَنَابَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَجَعَ مُذْنِبٌ وَتَابَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا عَادَ الْعِيدُ وَآبَ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَرَدَّدَ التَّكْبِيرُ لِلَّهِ فِي طُولِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَعُرْضِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا كَانَ عِيدٌ، وَمَا كَانَتْ أُضْحِيَّةٌ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا كَانَتْ ذِكرَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَتَجَدَّدُ كُلَّ عَامِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. وَأُمَّةُ وَرَسُولُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى النَّاسُ بِدِينِهِ؛ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، ﴿ ‌مَا ‌كَانَ ‌إِبْرَاهِيمُ ‌يَهُودِيًّا ‌وَلَا ‌نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 67-68].

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ حَقٍّ، قَامَ بِهَا الْقَلْبُ صِدْقًا، وَأَفْصَحَ بِهَا اللِّسَانُ نُطْقًا، وَاسْتَقَامَتْ لَهَا الْجَوَارِحُ وَخَضَعَتْ لَهَا الْأَرْكَانُ.

وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، النَّبِيُّ الْكَرِيمُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿ ‌وَمَا ‌أَرْسَلْنَاكَ ‌إِلَّا ‌رَحْمَةً ‌لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بُعْدُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: فَاتُّقُوا اللَّه عِبَادَ اللهِ. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ‌قَوْلًا ‌سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71]، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لاَتُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى يَزِدْكُمْ ﴿ ‌وَإِذْ ‌تَأَذَّنَ ‌رَبُّكُمْ ‌لَئِنْ ‌شَكَرْتُمْ ‌لَأَزِيدَنَّكُمْ ‌وَلَئِنْ ‌كَفَرْتُمْ ‌إِنَّ ‌عَذَابِي ‌لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

اللَّهُ أَكْبَرُ، كُلَّمَا أَهْلَّ عَلَيْنَا عِيدُ الْأَضْحَى الْمُبَارَكِ بِذِكْرَيَاتِهِ، وَمَوَاعِظِهِ، وَمَقَاصِدِهِ، وَأَهْدَافِهِ الْعُلْيَ. فَمِنْ مَقَاصِدِهِ؛ إِقَامَةَ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ ‌وَيَذْكُرُوا ‌اسْمَ ‌اللَّهِ ‌فِي ‌أَيَّامٍ ‌مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ ‌وَاذْكُرُوا ‌اللَّهَ ‌فِي ‌أَيَّامٍ ‌مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]. وَمِنْ مَقَاصِدِهِ؛ اِتِّبَاعَ سُنَّةَ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَكَانَ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ وَاضِعًا عَلَى صِفَاحِهِمَا قَدَمَهُ"[1].

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَمِنْ مَقَاصِدِهِ؛ إِحْيَاءُ ذِكْرَى الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُ اِبْنَهُ الْبِكْرُ مِنْ هَاجَرَ- وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَوَحْيٌ- فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَاهُ وَقَالَ: ﴿ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ‌مَاذَا ‌تَرَى ﴾ [الصافات: 102]، وَرَدَّ الْوَلَدُ بِلَهْجَةِ الصَّابِرِ الْمُحْتَسِبِ الْمُطَمْئِنِ الْمُؤْمِنِ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَقَالَ: ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، فَأَسْلَمَ رَقَبَتَهُ لِأَبِيهِ، وَأَمْسَكَ الْأَبُ بِالسِّكِّينِ تَنْفِيذًا لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَتَضْحِيَةً بِفَلَذَّةِ كَبِدِهِ، فَلَمَّا نَجَحَ الْأَبُ وَالِابْنُ فِي الِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ، نَادَاهُ مَوْلَاهُ ﴿ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * ‌قَدْ ‌صَدَّقْتَ ‌الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 104-111]. هَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الْحَقِيقِيُّ؛ عِلْمٌ وَعَمِلَ، وَهَذِهِ هِيَ التَّضْحِيَةُ الْحَقِيقِيَّةُ نَتَعَلَّمُ مِنْهَا التَّضْحِيَةَ بِالْغَالِي وَالنَّفِيسِ، التَّضْحِيَةَ بِالنَّفْسِ وَاسْتِرْخَاصِ الْأَرْوَاحِ، التَّضْحِيَةَ بِالْوَقْتِ وَالْمَالِ، مِنْ أَجْلِ هَذَا الدِّينِ وَنَشْرِهِ فِي اَلْآفَاقِ. كُلٌّ مِنْ مَوْقِعِهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ الْإِسْلَامَ؛ فِي عِلْمٍ يُتْقِنُهُ وَيَنْشُرُهُ أَوْ لُغَةً يُتْقِنُهَا وَيَدْعُو بِهَا أَوْ مِهْنَةً أَوْ صَنْعَةً يَمْهَرُ فِيهَا أَوْ خِبْرَةً يُعَلِّمُهَا، قَالَصلى الله عليه وسلم" لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا"[2]. وَهَكَذَا كَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم وَالْمُجَاهِدُونَ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﴿ ‌فَمَا ‌وَهَنُوا ‌لِمَا ‌أَصَابَهُمْ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ ‌وَمَا ‌ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، وَقَالَ اللهُ فِي حَقِّهِمْ: ﴿ ‌مِنَ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌رِجَالٌ ‌صَدَقُوا ‌مَا ‌عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 23-24]. فَعَلَيْنَا عِبَادَ اللَّهِ إِحْيَاءَ سُنَّةَ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ بِالتَّضْحِيَةِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، حَتَّى نَسْتَحِقَّ أَنْ نَكُونَ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ. قَالَصلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"[3]. وَعَلَيْنَا إِحْيَاءَ سُنَّةَ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِالْبَرِّ بِالْفُقَرَاءِ، وَحُبِّهِمْ، وَالْحِرْصِ عَلَيْهِمْ، وَتَوْثِيقِ عُرَى الْمَحَبَّةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا فَضْلَ لِأَبْيَضِهِمْ عَلَى أَسْودِهِمْ، وَلَا لِغَنِيِّهِمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَلَا لِسَيِّدِهِمْ عَلَى وَضِيعِهِمْ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ‌أَتْقَاكُمْ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌عَلِيمٌ ‌خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفَرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

اللَّهُ أَكْبَرُ مَا اِجْتَمَعْنَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَحُبِّهِ وَطَاعَتِهِ إِيمَانًا بِهِ، وَاحْتِسَابًا لِوَجْهِهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا هَوَتِ الْقُلُوبُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَأَتَاهُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ ‌مِنْ ‌كُلِّ ‌فَجٍّ ‌عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 27-28]. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا طَافَ طَائِفٌ حَوْلَ الْبَيْتِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا سَعَى سَاعٍ بَيْنَ الصَّفَا وَاَلْمَرْوَةَ ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَاَوَقَفَ وَاقِفٌ عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ يَتَذَكَّرُونَ الْوُقُوفَ الْأَعْظَمَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا نَحَرَ الْمُسْلِمُونَ أَضَاحِيَّهُمْ طَاعَةً لِرَبِّهِمْ وَإِحْيَاءً لِشَعَائِرِهِ، ﴿ ‌ذَلِكَ ‌وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ ‌شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَزَاوَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْكَرِيمِ وَقَدَّمَ غَنِيُّهُمْ لِفَقِيرِهِمْ، وَصَحِيحُهُمْ لِمَرِيضِهِمْ، وَقَوِيُّهُمْ لِضَعِيفِهِمْ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ وَيَصْلُحُ بِهِ بَالُهُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَدَاءِ صَلَاةِ عِيدِكُمْ مِنْ وَاجِبَاتِ وَآدَابِ وَسُنَنِ يَوْمِكُمْ هَذَا: أَوَّلاً؛ التَّهْنِئَةُ: تُهَنِّئْ إِخْوَانَكَ بِالْعِيدِ بِأَيِّ صِيغَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَمِنْهَا: " تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ"[4]. ثَانِيَّاً؛ مُخَالَفَةُ الطَّريقِ: عِندَ رُجُوعِكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ"[5]. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [6]. وَمِنَ الْحِكَمِ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَشْهَدَ لَهُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، أَوْ أَنْ يُلَاقِيَ الْإِخْوَةَ لِلتَّهْنِئَةِ وَالصِّلَةِ وَغَيْرِهَا. ثَالثَاً؛ التَّفَرُّغُ لِنَحْرِ أَضَاحِيكُمْ: لِقَوْلِهِصلى الله عليه وسلم: " مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فإنَّما ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، ومَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ"[7]. وَاسْتَحْضَرُوا الْإِخْلَاصَ وَإِرَادَةَ وَجْهِ اللَّهِ بِذَبِيحَتِكُمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ ‌وَمَمَاتِي ‌لِلَّهِ ‌رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، وَقَالَ: ﴿ ‌فَصَلِّ ‌لِرَبِّكَ ‌وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]. وَاسْتَحْضَرُوا آدَابَ اَلذَّبْحِ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِالْيُمْنَى وَبِآلَةٍ حَادَّةٍ، وَإِحْدَادُ السِّكِّينِ بَعِيدًا عَنْ أَعْيُنِ الْبَهِيمَةِ، وَأَنْ تَسُوقَ الذَّبِيحَةَ إِلَى مَذْبَحِهَا بِرِفْقٍ؛ وَتَجَنُّبِ جَرِّهَا بِالْعُنْفِ، أَوِ الضَّرْبِ، وَأَنْ تَعَرِضَ عَلَيْهَا الْمَاءَ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ عَطْشَانَةً فَتَشَرَبَ، وَأَنْ تُضْجِعَهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْمَنِ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَأَنْ تُسَمِّيَ اللهَ قَبْلَ الذَّبْحِ، قَالَ تَعاَلَى: ﴿ ‌فَكُلُوا ‌مِمَّا ‌ذُكِرَ ‌اسْمُ ‌اللَّهِ ‌عَلَيْهِ ‌إِنْ ‌كُنْتُمْ ‌بِآيَاتِهِ ‌مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 118]، مَاذَا أَقُولُ؟ أَقُولُ: " بِسْمِ اللَّه ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، هَذَا عَنِّي". وَإِذَا وَكَلّكَ شَخْصٌ؛ فَقَلْ: " هَذَا عَنْ فُلَانٍ"، وَإِذَا لَمْ تَقُلْ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي. وَمِنَ الْآدَابِ أَلَّا تَقْطَعَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَبْرُدَ، وَتُزْهَقَ رُوحُهَا. وَأَلَّا تَذْبَحَ بَهِيمَةً أَمَامَ أُخْرَى. وَمِنْ الْآدَابِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا الثُّلْثَ، وَأَنْ تَهْدِيَ الثُّلْثَ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَأَنْ تُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ الثُّلْثَ؛ وَأُخِذَ هَذَا اَلْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ‌فَكُلُوا ‌مِنْهَا ‌وَأَطْعِمُوا ‌الْقَانِعَ ‌وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]، فَقَولُهُ: ﴿ ‌فَكُلُوا ‌مِنْهَا ﴾، أَيْ: يَأْكُلَ جُزْءًا مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: ﴿ ‌وَأَطْعِمُوا ‌الْقَانِعَ ﴾ وَهُوَ الْمِسْكِينُ السَّائِلُ، وَهَذَا جُزْءٌ ثَانٍ، وَقَولُهُ: ﴿ ‌وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]، أَيْ: الَّذِي لَمْ يَسْأَلْ فَتَهْدِي إِلَيْهِ، فَجَعَلَهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَ لَا تُشْتَرَطُ الْقِسْمَةُ الثُلَاثِيَّةُ بِالْعَدْلِ، فَقَدْ يَقِلُّ نَصِيبُكَ وَتَتَصَدَّقُ بِأَكْثَر، وَقَدْ يَكُونُ الْعَكْسُ. وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ فَبِإِمْكَانِكَ: أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا كُلُّهَا، وَبِإِمْكَانِكَ أَنْ تَدَّخِرَ مِنْهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى يُسْرِ الْإِسْلَامِ. وَنُنَبِّهُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِعْطَاءِ الْجَازِرِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، عَلَى أَسَاسِ ثَمَنِ الْخِدْمَةِ، وَلَا بَيْعَ جُلُودِ الْأَضَاحِيِّ، لِنَهْيِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ، عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: " أَمَرَنِي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ علَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا[8]، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الجَزَّارَ منها، قالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِن عِندِنَا"[9]. اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

رَابِعَاً؛ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ: وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ مَعَ اِحْتِرَامِ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ. خَامِسَاً؛ صِلَةُ الأَرْحَامِ: يَجِبُ اسْتِغْلَالُ فُرْصَةَ الْعِيدِ لِصِلَةِ الْأَقَارِبِ وَالِاتِّصَالِ بِهِمْ سَوَاءٌ بِالزِّيَارَةِ الْمُبَاشِرَةِ أَوِ الِاتِّصَالِ بِالْهَاتِفِ وَغَيْرِهِ مِنْ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ الْحَدِيثَةِ، لِمَا وَرَدَ مِنْ فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي قَطْعِهَا.


عِبَادَ اللهِ: فِي غَمْرَةِ فَرَحِكُمْ بِيَوْمِ عِيدِكُمْ، لَا تَنْسْوَا إِخْوَانَكُمْ فِي فِلَسْطِينَ مِنْ دُعَائِكُمْ وَتَضَامُنِكُمْ، وَتَعْرِيفِ الْأَجْيَالِ بِعَدَالَةِ قَضِيَّتِهِمْ فَقَدْ سُفِكَتْ مِنْهُمُ الدِّمَاءُ، وَأَثْقَلَتْهُمُ الْجِرَاحُ، وَهَدَّهُمُ الْجُوعُ، وَتَخَلَّى عَنْهُمُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ ‌إِنَّمَا ‌الْمُؤْمِنُونَ ‌إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] وَقَالَصلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[10]، فَوَجَبَ عَلَيْنَا لَهُمْ حَقُّ النُّصْرَةِ كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَوُسْعِهِ.


فاللَّهُمَّ فَرِّج عَنْ إِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ وَلِيَّاً وَنَصِيرَاً، وَسَنَداً وَظَهِيرَاً، وَمُعِينَاً وَمُجِيرَاً، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّهَايِنَةِ الْمُعْتَدِينَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَكَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، ونَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، ونَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، ونَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، ونَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

(تتمة الدعاء).


[1] واه أحمد في المسند، رقم: 11960.
[2] رواه مسلم، رقم: 2626.
[3] رواه الترمذي، رقم: 2682.

[4] رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم: 6294.

[5] رواه البخاري، رقم: 986.

[6] بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1/233.

[7]رواه البخاري، رقم: 5546.

[8] وَأَجِلَّتِهَا: ما يُطرح على ظهر البَعير من كساء ونحوه.

[9] رواه مسلم، برقم: 1317.

[10] رواه مسلم، رقم: 6462.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.57 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]