وبكى الجميع دون سؤال...خطبة للشيخ العالم عبد الكريم الكحلوت

[ضرار الأقصى]

وبكى الجميع دونسؤال ... !! أ.د. منذر سليم عبد اللطيف
التاريخ: 2007-06-02 07:09:13

شاء المولى عز وجل أن أؤدي صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير بمدينة غزة ؛ وسعدت عندما سمعت صوت الشيخ عبد الكريم الكحلوت (حفظه الله) عندما سلم على جموع المصلين بعد صعوده المنبر. ولعل سبب سعادتي أنني سأستمع الى أحد علماء هذا البلد ؛ الذي بلغ من العمر ما لن يطلب معه حطاماً من هذه الدنيا أو رضى هذه الجهة أو تلك. سعدت لأنني – ولم يخب ظني – سأستمع الى خطبة الجمعة بما فيها من موعظة وعبرة دون سب أو شتم أو اتهام لهذا الحزب أو ذاك. خطبة وموعظة كما أرادها الله ورسوله تأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ؛ وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ؛ وقد كان لي ما أردت.

لقد استهل الشيخ خطبته بالآية الكريمة " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " وبيَن فضيلته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مثالاً واقعياً يُحتذى به وأسوة للمؤمنين ؛ صبر على ظلم ذوي القربى وأذاهم ومن ثم حصارهم له ولأصحابه في مكة. كما صبر على جهاد المشركين وقتالهم الى أن مكنه الله عز وجل من رقابهم " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً " وكذلك قوله تعالى " وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديراً " وأشار فضيلته أن هذه دائماً هي نتيجة الصبر.

ثم تابع فضيلته الحديث عن أخلاق رسولنا الكريم فذكر أنه أنه كان رحيماً حتى بأعدائه فمدحه الله تبارك وتعالى في كتابه حيث قال " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ؛ فهاهم أهل مكة لما اشتد بهم العنت والضنك والشقاء يناشدونه صلى الله عليه وسلم بالله والرحم أن يقف الى جوارهم ويعينهم في شدتهم ؛ فيستجيب لهم. كيف لا وهو القائل " دخلت إمرأة النار في هرة حبستها ؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " ؛ فإذا كان موت قطة من الجوع يُدخل المتسبب في ذلك النار ؛ فما بالنا بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق!!!! كما أكد الشيخ على أن الرحم من أهم ما يجب على المسلم مراعاته بكل ما يستطيع وتحت كل الظروف. فإذا كانت الجاهلية الكافرة تراعي الرحم وتقوم بواجبه فما بالنا بأمة الإسلام الذين أمرهم الله بذلك حيث قال تبارك وتعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " فإذا كان قطع الرحم مفسدة في الأرض فكيف بقتله؟
ثم ناشد فضيلته قادة وزعماء الشعب الفلسطيني والأمة أن يتقوا الله في شعبهم وألا يستبيحوا دماء وأعراض المستضعفين من أبناء وطنهم ؛ وألا يذيقوهم الذل في لقمة عيشهم وقوت صغارهم ؛ وسألهم بالله والرحم أن يرحمونا عسى الله أن يرحمهم. كما ذكَر الشيخ جموع المصلين كيف كان المسلمون في عهد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز ؛ حيث لم يجد من المسلمين من يقبل الزكاة نظراً لاغتناء الجميع. وقارن فضيلته بين حالنا هذه الأيام وحال سلفنا فأشار – وقلبه يتفطر حزناً – الى مدى الذلة والهوان الذي حل بشعبنا بحيث أصبحنا نستجدي لقمة عيشنا من أعدائنا ؛ بالرغم مما وهب الله لأمة الإسلام من الخيرات والكنوز التي تغنينا لو تمسكنا بديننا وأحسنا استغلالها.
وبعد ذلك توجه فضيلته بالمناشدة الى الفصائل الفلسطينية بأن يتقوا الله عز وجل في هذا الشعب وأبنائه المستضعفين ؛ وتساءل: هل يقتل المسلم أخاه أو يستبيح دمه وعرضه وماله؟ وأجاب: لا والله ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم علمنا أن كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه. كما أن الله عز وجل يقول " إنما المؤمنون اخوة ... " فلا يمكن للأخ أن يقتل أخاه المسلم ولا أن يستبيح حرمته ويترصد له بالشر والمكيدة ؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره.
كما أعلن فضيلته وبوضوح أن المسلمين في هذا البلد لن يسامحوا قياداتهم وزعاماتهم على ما ألحقوه بهم من الذلة والمهانة ؛ وأن المسلمين سيحاججونهم أمام الله في حقوقهم التي انتهكوها وضيعوها ؛ وفي الظلم الذي اقترفوه بحقهم ؛ كما دعاهم مرة أخرى أن يتقوا الله فيما استرعاهم عليه ويصلحوا ما أفسدوه وألا يعودوا لمثله أبداً.

وبعد أن دعا فضيلته الله أن يصلح قادتنا وزعاماتنا وأحوالنا وأن يعيننا على تجاوز محنتنا ؛ ختم خطبته بما دار بينه وبين طفل لم يتجاوز السبعة أعوام حيث اتصل الطفل سائلاً: أأنت الشيخ؟ فأجابه الشيخ نعم ؛ ولأنه استشعر صغر سن الطفل سأله الشيخ في أي صف أنت "يا شاطر"؟ فأجابه الطفل: في الصف الأول وسأنتقل الى الصف الثاني ؛ ثم تابع قائلاً: أريد أن أسألك سؤالاً. قال له الشيخ تفضل ؛ فسأل الطفل: يا شيخ هل يمكنني أن ألحق بأبي الى الجنة؟ وعندها سأل الشيخ الطفل ولماذا تريد اللحاق بأبيك الى الجنة؟ أجاب الطفل: لقد قتلوا أبي في الأحداث الأخيرة ولا يوجد من يحضر لنا الطعام. وهنا لم يتمالك الشيخ نفسه وأجهش بالبكاء وبكت معه جموع المصلين الحاضرين من كافة أطياف المجتمع الفلسطيني. والملفت أن الجميع قد بكى وحزن لما أصاب هذا الطفل وعائلته دون أن يهتم أحد بمن هو والد هذا الطفل وهل هو من فتح أم من حماس. هذا السؤال لم يبد مهماً على الإطلاق بالنسبة للنتيجة المؤلمة التي دفعت بهذا الطفل البريء وأشقائه أن يعيشوا أيتاماً يتكففون الناس ويواجهون أمواج الواقع المتلاطمة والقوية وحدهم ؛ بعد أن فقدوا أباهم وبعد أن نعموا بالحياة الهنية لبرهة من الزمن.
وأتساءل بدوري ويتساءل معي كل العقلاء ولا أعتقد أن أحداً في هذا العالم يمكنه أن يجيب على السؤال: لماذا يحدث ذلك في مجتمعنا؟ وما ذنب الأبناء والأمهات والزوجات وحتى المجتمع؟ هل فكر من أطلق الرصاص على والد هذا الطفل أنه الى جانب الوالد إنما يقتل أسرة أو ربما أسراً بأكملها؟ يقتل فيهم الأمل وحب الحياة والناس والمجتمع ويزرع في نفوسهم الكراهية والحقد والضغينة. أيها العقلاء ... أيها المناضلون ... أيها القادة ... أيتها الزعامات ... أترضونه لأنفسكم وأبنائكم ونسائكم وأمهاتكم؟ إذا كانت الإجابة بالنفي فعاهدوا الله عز وجل أن لا تعودوا لمثله أبداً ولنتعاون على إصلاح ما أفسدناه عسى الله أن ينظر الينا بعين رحمته.

[ضرار الأقصى]

ارجو منكم اضافة تعليق على الموضوع

[درة الأقصى]

مشكور أخي على الخطبة الاكثر من رائعة
وبارك الله في شيخنا الكبير (عبد الكريم الكحلوت)
اما بالنسبة للطفل
والله لأعجز عن التعليق
فما ذنبه هذا البريء من كل الذي يحصل
ما ذنب غيره من الاطفال الذين راحوا ضحية تلك المناوشات
حسبي الله ونعم الوكيل

[ضرار الأقصى]

بوركتي اخيتي درة القسام على مرورك الجيد ومتابعتك للمواضيع بأهمية