|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أثر أمهات المؤمنين في الدعوة إلى الله عز وجل (1) أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال العهد المكي لقد ظهر أثر أمهات المؤمنين - رضوان الله تعالى عنهن - في نصرة الدعوة إبان العهد المكي ممثلا في السيدة خديجة - رضي الله عنها - التي اختصها الله بشرف صحبتها للنبي[ قبل البعثة وبعدها؛ حيث تحملت وبذلت في سبيل ذلك الغالي والرخيص ابتغاء مرضاة الله أولاً ورضا زوجها رسول الله[ ثانيا، وقد تمثل هذا الأثر الطيب فيما يلي: 1 - المؤازرة التامة والكاملة له[ قبل بعثته؛ حيث كانت نعم الزوجة لزوجها في الطاعة والبر والإحسان.2 - الإعانة التامة بالنفس والمال له[؛ حيث كانت توفر له كل ما يحتاج إليه في تعبده وخلوته في غار حراء. 3 - التصديق والتسليم له لما بدأه الله به من الوحي والنور، وتمثل ذلك في قولها: «كلا والله لا يخزنك الله أبدا، إنك لتصل الرحم..» الحديث(1). 4 - الثباتِ والثقةِ اللذين هيأتهما له - رضي الله عنها - حين أخذته إلى ورقة بن نوفل لتوضيح ما رآه وسمعه في الغار. 5 - الاستجابة للدعوة؛ حيث بدأت بنفسها(2) ثم بمن حولها من أهل بيتها. 6 - الوقوف التام والكامل معه[ في طريق الدعوة مع كل ما يعترض هذا الطريق من عقبات ونكبات، ولاسيما بعد الجهر بالدعوة. 7 - تحمل الأذى والصبر في طريق الدعوة إلى الله ابتغاء مرضاة الله أولاً، ثم حبا واتباعا وانقيادا له[؛ حيث دخلت أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - معه في شعب أبي طالب وقت المحاصرة والمعاهدة المشؤومة التي دامت ثلاث سنوات(3). 8 - التخفيف والتهوين عليه[ مما يلقاه من قومه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله وصدق محمدا[ فيما جاء به عن ربه وآزره على أمره؛ فكان لا يسمع من المشركين شيئا يكرهه من رد عليه أو تكذيب له إلا فرج الله عنه بها، تثبته وتصدقه وتخفف عنه، وتهون عليه ما يلقى من قومه(4). أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال العهد المدني اتسم دور أمهات المؤمنين - رضوان الله عنهن - في العهد المدني بالتلقي والحفظ للسنة المطهرة، القولية منها والفعلية لحياته الخاصة[؛ تنفيذا لقوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} (الأحزاب: 34)، وتمثل ذلك الأثر البارز والمهم في النقاط التالية: 1 - حفظهن واعتنائهن بالسنة القولية والفعلية لحياته[، ولاسيما ما كان منه داخل حجراته مع أهله. 2 - بثهن العلم الشرعي لكل ما تعلمنه منه[؛ حيث كن خير مبلغ لذلك الميراث النبوي العظيم للأمة. 3 - كن خير وسيط بينه[ وبين المؤمنات السائلات عن أمور دينهن، ولاسيما في توضيح بعض الأحكام التفصيلية الخاصة بالنساء(5). 4 - كن قدوة حسنة ومثلا أعلى للمرأة المسلمة في طريق الخير والدعوة إلى الله؛ وذلك في عفتهن وحيائهن وحسن تبعلهن له[. 5 - مشورته لهن[ في بعض الأمور المهمة تدل على عظم العمل الذي قمن به، رضوان الله تعالى عنهن(6). 6 - نزول كثير من الآيات القرآنية والأحكام الشرعية في شأنهن، ولا يخفى أثر ذلك وفائدته على الأمة، وذلك مثل نزول آية التيمم التي كانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - سببا فيها(7). 7 - ظهور فضلهن واصطفاء الله لهن حين اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا ومتاعها الزائل، وأثر ذلك واضح في التأييد والنصرة والثبات معه[ على طريق الإيمان والعمل الصالح(8). 8 - ظهور محبتهن لله ورسوله وتقديمهما على كل حبيب وقريب(9) له أثره البالغ في صرب الأمثلة للمرأة المسلمة في طريق الدعوة والهداية، ومن ذلك موقف أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - حين وهبت ليلتها لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - رغبة في البقاء تحت اسم أمهات المؤمنين(10). 9 - ظهور بركتهن وفضلهن على أقوامهن، وهذا له أثره الطيب في قبول الدعوة واستجابة الناس لها، اتضح ذلك عند بنائه[ بأم المؤمنين جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها - في غزوة بني المصطلق، فأعتق بسببها جميع الأسرى حرمة لمصاهرته[ لهم(11). 1 الهوامش - صحيح البخاري، حديث رقم: 3 ص 12، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله[. 2 - قال ابن عبدالبر: «هي أول من آمن بالله عز وجل ورسوله[، وهذا قول قتادة والزهري وعبدالله بن محمد بن عقيل، وابن إسحق وجماعة، وقالوا: خديجة أول من آمن بالله عز وجل من الرجال والنساء، ولم يستثنوا أحداً» الاستيعاب لابن عبدالبر 4/1820، ط. مطبعة نهضة مصر - القاهرة. 3 - قال ابن إسحق: «وقد كان أبو جهل بن هشام - فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن أسد معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة، وهي عند رسول الله[ ومعه في الشعب» سيرة ابن هشام 1/375 - 376. 4 - انظر الاستيعاب لابن عبدالبر 2/1820. 5 - انظر: صحيح البخاري: حديث رقم: 314 ص82، كتاب الحيض، باب: (دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل..). 6 - انظر: المصدر السابق، حديث رقم: 2731 - 2732، ص 571 - 574، كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، وفيه مشورة أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - على رسول الله[ وما كتب الله فيها من الخير على المسلمين. 7 - انظر: المصدر السابق، حديث رقم: 4583، ص 959، كتاب التفسير: باب: {وإن كنتم مرضى أو على سفر..} الآية. 8 - انظر المصدر السابق: حديث رقم: 4785 - 4786، ص 519 - 520، كتاب التفسير، باب: {قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها..} الآية، وباب: {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}. 9 - انظر: كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين، لابن عساكر، تحقيق محمد إبراهيم الدسوقي ص79، ونصه: «أن النبي[ سبى جويرية بنت الحارث، فجاء أبوها إلى النبي[ فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها وأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها، فقال: أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا؟ قال: بلى وأديت ما عليك، قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا! قالت: فإني قد اخترت رسول الله[، قال: والله فضحتنا» أخرجه ابن سعد في الطبقات: 8/118، وقال ابن حجر في الإصابة: وسنده صحيح، الإصابة 7/566، ط. دار نهضة مصر - القاهرة. 10 - انظر: فتح الباري للإمام ابن حجر 8/265 - 266، وانظر: الطبقات لابن سعد 8/53 - 54، ط. 1405هـ، دار بيروت للطباعة والنشر. 11 - انظر: سيرة ابن هشام: 3/329 - 340، والإصابة لابن حجر 7/565، والاستيعاب لابن عبدالبر 4/1804 - 1805، وطبقات ابن سعد 8/117. اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال عهد الخلفاء الراشدين (2) كانت هذه الفترة التاريخية من تاريخ الدعوة من أهم الفترات بعد عهد رسول الله [؛ لأنها كانت حلقة الوصل بينه وبين العهود التي تليها. وقد ظهر أثر أمهات المؤمنين في الدعوة خلال هذه الفترة فيما يلي: 1- حرصهن - رضوان الله تعالى عنهن - على نشر العلم بين المسلمين، فقد نهل المسلمون منهن كثيرا من تعاليم دينهم وخاصة ما كان من سنن نبيهم [ التي كان لا يطلع عليها إلا من كان في داخل بيته من أهله(1).2- كنّ مرجعا للرأي والمشورة للخلفاء الراشدين ولكثير من كبار الصحابة - رضوان الله تعالى عنهم أجمعين(2). 3- ضربن أروع الأمثلة في السير على ما كن عليه في حياته [ من الامتثال لأمر الله وطاعة رسوله [ في حياته وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام(3). 4- ظهرت مكانتهن - رضوان الله تعالى عنهن - في حفظهن لأعظم ميراث ورّثه [ للأمة. ألا وهو القرآن الكريم، وذلك في حفظ أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - للمصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر الصديق ](4). 5- كنَّ مرجعا لكثير من الأحكام الفقهية التي خفيت على كثير من علماء الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم(5). 6- كنَّ مرجعا لتفسير القرآن الكريم لكل من سألهن في ذلك من كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - وغيرهم(6). 7- وضّحن كثيرا من الأمور التي تمس العقيدة الصحيحة فكن خير مفسر وموضح لها - رضوان الله تعالى عنهن(7). 8- سطّرن أروع الأمثلة في الزهد والتقلل من الدنيا وعدم الركون إليها، وذلك عندما كان يأتيهن العطاء من الخلفاء نظرا لمكانتهن، فكنّ لا يبقين لأنفسهن من ذلك العطاء إلا القليل، بل إن بعضهن لا يمسي المساء وفي بيوتهن منه شيء(8). أثر أمهات المؤمنين في الدعوة في العهد الأموي 1- نصحهن وإرشادهن لكل من زارهن أو طلب إليهن رأيا أو مشورة سواء من عامة الأمة أم من علمائها وأمرائها(9). 2- لزومهن بيوتهن واستعدادهن الحثيث للتزود من التقوى والعمل الصالح استعدادا للدار الآخرة(10). 3- بذلهن وإنفاقهن في وجوه الخير كل ما تيسر لهن وقُسم لهن من عطاء كن يحصلن عليه برا بهن وصلة وحفظا لحق رسول الله[ فيهن(11). 4- استدراكهن في بعض الأقوال والأحكام التي قد تقع في زمانهن وتصل إليهن وتوضيحهن وبيانهن للعمل دون أي مجاملة أو وجل(12). 5- ثباتهن ولزومهن لأمر رسول الله [ في حياته وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى ومحبتهن التقيد بما كنَّ عليه معه [(13). 6- نباهتهن وقوة حجتهن وحسن استدلالهن بحديث المصطفى [ توضيحا لما خفي من بعض الأحكام الفقهية وتوضيحها للسائل(14). 7- تركهن أعظم الأثر في نفوس الأمة، ظهر ذلك من خلال أيام رحيلهن الواحدة تلو الأخرى إلى الدار الآخرة، وفزع المدينة بأكملها عند توديعهن ولحقوهن بالرفيق الأعلى ووصيتهن باتباع السنة ولزومها في جنائزهن - رضوان الله تعالى عنهن(15). منهج أمهات المؤمنين في خدمة القرآن وعلومه المنهج مأخوذ من النهج، وهو الوضوح والاستبانة والاستقامة في الطريق، تقول: نَهَج الطريقُ: بمعنى استقام ووضح واستبان، والمنهاج: الطريق الواضح. قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} (المائدة: 48). واستخدمت هذه الكلمة في الخطة المرسومة، أو المسلوكة في الدراسة والعلم، فقيل: منهاج الدراسة، ومنهاج التعليم، ومنهج البحث العلمي. 2- منهج أمهات المؤمنين رضوان الله عنهن في خدمة القرآن وعلومه: (أ) في تلقيه وأخذه عن النبي [. (ب) في حفظه وتلاوته. (ج) في تعلمه ومعرفة أحكامه. (د) في تعليمه وتبليغه للناس في حياته وبعد وفاته [. لقد عني النبي [ بإقراء أصحابه القرآن؛ومن باب أولى أهل بيته ومنهن أمهات المؤمنين، حيث كان ينزل عليه الوحي أحيانا في حجراتهن. فأخذن - رضوان الله تعالى عنهن - عن النبي [ ما تلقاه من أمين الوحي جبريل - عليه السلام - عن رب العالمين جل ثناؤه. وتمثلت عناية أمهات المؤمنين - رضوان الله تعالى عنهن - بالقرآن الكريم في حفظه والإكثار من تلاوته، وكن إلى جانب ذلك يحرصن على تعلم أحكامه ومعرفة حلاله وحرامه زيادة منهن في الخير وحرصا منهن على نيل الفضل والأجر والسبق في هذا المضمار، ثم بعد وفاته [ ضربن بسهم وافر في بذل الخير والعلم والفائدة للمسلمين، حيث قمن بواجب التبليغ لهذا الميراث النبوي الذي استأمنهن الله عز وجل عليه في قوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} (الأحزاب: 34). الهوامش (1) انظر: الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص68-71، ونصه: «عن عبيد بن رفاعة الأنصاري يقول: كنا في مجلس فيه زيد بن ثابت فتذاكروا الغسل من الإنزال قال زيد: ما على أحدكم إذا جامع فلم ينزل إلا أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة فقام رجل من أهل المجلس فأتى عمر فأخبره بذلك فقال عمر للرجل: اذهب أنت بنفسك فأتني به حتى تكون أنت الشاهد عليه، فذهب فجاء به وعند عمر ناس من أصحاب الرسول [ منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، فقال له عمر: أي عُدي نفسه تفتي الناس بهذا؟ فقال زيد: أما والله ما ابتدعته ولكن سمعته من أعمامي رفاعة بن رافع ومن أبي أيوب الأنصاري، فقال عمر لمن عنده من أصحاب رسول الله [: ما تقولون؟ فاختلفوا عليه فقال عمر: يا عباد الله قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار، فقال له علي: فأرسل إلى أزواج النبي [ فإنه إن كان شيء من ذلك ظهرن عليه، فأرسل إلى حفصة فسألها فقالت: لا علم لي بذلك، ثم أرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فقال عمر عند ذلك: لا أعلم أحدا فعله ثم لم يغتسل إلا جعلته نكالا». انتهى. وانظر: فتح الباري لابن حجر، باب إذا التقى الختانان (1/395). (2) انظر: الكامل لابن الأثير 3/251. والإجابة لا يراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي تحقيق: سعيد الأفغاني ص64، 67، 75، الطبعة الرابعة: 1405هـ، ط. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. (3) انظر: السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للإمام الطبري ص166، 167، تحقيق: محمد علي قطب، ط. دار الحديث، القاهرة - مصر والنظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/324)، الطبعة الثانية، ط. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ونصه: «عن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال لنسائه عام حجة الوداع: «هذه ثم ظهور الحصر». قال: فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، فكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله [. (4) انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/57)، ونصه: «فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر»، ط. عالم الكتب، بيروت - لبنان. (5) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (2/181، 182) ونصه: «عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، قال، قلنا له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد [ الأكابر يسألونها عن الفرائض» أخرجه الدارمي (2/342، 343). وابن سعد في الطبقات (8/66). والحاكم في المستدرك (4/11). وانظر: الإجابة للزركشي ص91 في استدراك عائشة - رضي الله عنها - على عبدالله بن عمر في عذاب الميت ببكاء أهله، وفي طيب المحرم، وفي عمرة رسول الله[ في رجب وغير ذلك. (6) انظر: صحيح البخاري، حديث رقم: (4574) ص956، كتاب التفسير، في سورة النساء، وذلك في سؤال عروة بن الزبير لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عند قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...} (الآية). (7) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الدمشقي، تحقيق: الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وشعيب الأرنؤوط ص222 - 225، الطبعة السادسة. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. وذلك في رؤية النبي [ لربه تبارك وتعالى، وبعض نصه ما يلي: «واتفقت الأمة على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينيه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا محمد [ خاصة، منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له [. وحكى القاضي عياض اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم في رؤيته[، وإنكار عائشة - رضي الله عنها - أن يكون[ رأى ربه بعين رأسه، وأنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه، فقد كذب، ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة - رضي الله عنها- وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة، واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين» انتهى من كتاب الشفاء (1/152-156)، الطبعة الأولى: 1416هـ. ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان. قلت: وهذه من المسائل المشتهرة في العقيدة والتي وضحت فيها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - معتقدا مهما للأمة من خلالها وقد أسهبت فيها كتب العقيدة والحديث والتفسير، وزيادة في التوضيح انظر: فتح الباري (8/606) الحديث رقم: (4855) والحديث رقم: (7380). والترمذي الحديث رقم: (3068) و(3278) والإجابة للزركشي ص84 إلى 89. وفيه كلام نفيس جدا للزركشي رحمه الله، وانظر معارج القبول للحكمي، تحقيق: عمر بن محمود (3/1068-1073). (8) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (2/186-187) ونصه: «أن معاوية] بعث مرة إلى عائشة - رضي الله عنها - بمائة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟ فقالت: ألا قلت لي» وانظر المستدرك للحاكم (4/13) ط. دار الفكر، بيروت - لبنان. (9) انظر: سنن الترمذي، كتاب الزهد، حديث رقم (2414) (4/609-610) ونصه: «أن معاوية] كتب إلى عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- أن اكتبي إلي كتابا ولا تكثري علي، فكتبت عائشة - رضي الله عنها - إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله [ يقول: (من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)، والسلام عليك». (10) انظر: أزواج النبي [ للصالحي، تحقيق: محمد نظام الدين الفتيح، في فضائل أم المؤمنين جويرية بنت الحارث وكثرة تسبيحها ص211. وفضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش ص188، الطبعة الأولى: 1413هـ، ط. دار ابن كثير، دمشق - بيروت. (11) انظر: الاستيعاب لابن عبدالبر (4/1812) في صدقة أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - وكرم أم المؤمنين زينب بنت جحش (4/1851). (12) انظر: صحيح البخاري، حديث رقم: (4827)، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {والذي قال لوالديه أف لكما...} الآية ونصه: «كان مروان على الحجاز استعمله معاوية - رضي الله عنه - فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أف لكما...} فقالت عائشة - رضي الله عنها: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري». (13) راجع حاشية (1) ص29. (14) انظر: الإجابة للزركشي ص128، ونصه: «عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أماه إن جابر بن عبدالله يقول: «الماء من الماء»، فقالت: «أخطأ، جابر أعلم مني برسول الله [؟ سمعت رسول الله [ يقول: «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل» أيوجب الرجم ولا يوجب الغسل؟». (15) انظر: الطبقات لابن سعد (8/77، 78) ونصه: «أوصت عائشة - رضي الله عنها - أن لا تتبعوا سريري بنار ولا تجعلوا تحتي قطيفة حمراء». «وأمرت أن تدفن من ليلتها فاجتمع الناس وحفروا فلم نر ليلة أكثر ناسا منها. نزل أهل العوالي فدفنت بالبقيع». اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أثر أمهات المؤمنين في خدمة القرآن الكريم وعلومه(3) كلّ الأوامر الواردة في الترغيب في تلاوة القرآن الكريم شاملة للرجال والنساء. وكذلك ما ورد في الحثّ على استظهاره والترغيب في تعلمه وتعليمه، يدخل في ذلك النساء، لهذا فقد عُني نساء المسلمين من الصدر الأول من الصحابيات وعلى رأسهن أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - بهذا الفضل العظيم. لذلك فقد تمثل اهتمامهن - رضوان الله عليهن - بكتاب الله عز وجل فيما يلي: المطلب الأول: الحفظ في الصدورلم يشتهر من نساء المسلمين قارئات ومتقنات لكتاب الله كما هو الحال في الرجال. وهذا لا يعني عدم وجود حافظات وقارئات لكتاب الله بدليل وجودهن في هذه الأزمنة المتأخرة بكثرة فكيف بالصدر الأول الذي كان فيه نساء المسلمين أحرص وأرغب في الخير من النساء في الوقت الحاضر. والذي يوضح عدم وجود أسماء للقارئات من الصدر الأول في كتب التراجم إلا نادرا - والعلم عند الله - هو عدم ظهورهن وتصدرهن للإقراء؛ إذ الأصل في المرأة المسلمة الستر والقرار في البيت، فإذا أُمرت بما هو أهم من القرآن وهو الصلاة بأن تكون في بيتها حيث إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، كذلك الشأن في قراءة القرآن، فلا يجوز لها أن تظهر أمام الناس وتجوِّد عليهم القرآن وتُسمعهم صوتها، وترتيلها بل تكون في بيتها وتسر قراءتها ولا تعلنها إلا عند بنات جنسها، أو مع الصبيان إن أرادت تعليمهم. ومع ذلك فقد ذكر أبوعبيد القاسم بن سلام القراء من أصحاب النبي [ فعدَّ من المهاجرين: الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبدالله بن السائب والعبادلة وعائشة وحفصة وأم سلمة، ومن الأنصار: عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة، ومجمع بن جارية، وفضالة بن عبيد، ومسلمة ابن مخلد، وصرح بأن بعضهم إنما كمله بعد النبي [ (1). وفي الرواية التي نقلها ابن الجزري عن المصدر نفسه قوله: «وذكر من الأنصار أبي ابن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد ابن ثابت، وأبا زيد، ومجمع بن جارية، وأنس ابن مالك - رضي الله عنهم أجمعين»(2). قلت: ومما يعين على توضيح الأمر هو قوله في الرواية الثانية: «وممن نقل عنهم شيء من وجوه القراءة من الصحابة وغيرهم فذكر من الصحابة أبا بكر...». وهذا يدل على أن بعضا ممن ورد ذكرهم رووا شيئا من وجوه القراءة، وهذا لا يختلف عليه أحد. فكتب الصحاح والسنن روت كثيرا من ذلك. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن من جمع القرآن من النساء قلة حتى أمهات المؤمنين، وهذا مع عنايتهن الفائقة بتلاوة القرآن وسماعه ونقله، ومما يدل على ذلك أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كان يؤمها عبد لها يكنى أبا عمرو، وفي رواية عن ابن أبي شيبة والبخاري معلقا أنه كان يؤمها في المصحف(3). وقد ورد أن أم ورقة بنت عبدالله بن نوفل - رضي الله عنها - جمعت القرآن الكريم كله. فقد أخرج أبوداود في سننه: أن النبي [ لما غزا بدرا قالت: قلت له يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك، أمرِّض مرضاكم، لعلَّ الله يرزقني شهادة، قال: (قَرِّي في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة)، فكانت تسمى الشهيدة. قال وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي [ أن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس، فقال: من كان عنده علم من أمر هذين فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة. وفي رواية قال: وكان رسول الله [ يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها(4). هذا وقد أفرد الترمذي - رحمه الله - في سننه كتابا سماه: كتاب القراءات وساق فيه روايات كثيرة روتها أم المؤمنين عائشة وأم سلمة - رضوان الله عليهما - توضح أوجها لقراءات القرآن في سورة هود والكهف وغيرها، تدل على عناية أمهات المؤمنين بحفظ كتاب الله ونقله كما سمعنه على تنوع قراءاته(5). المطلب الثاني: الحفظ في السطور: مما يدل على عناية أمهات المؤمنين - رضوان الله عنهن - بالقرآن الكريم، حرصهن على اتخاذ المصاحف والأمر بكتابتها لهن، فعن أبي يونس(6) مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (وصلاة العصر) وقوموا لله قانتين}، قالت عائشة سمعتها من رسول الله [(7): أما العطف الموجود فهو تفسيري، لأن القرن لا يثبت إلا بالتواتر إجماعا، قال الباجي: «وهذا يقتضي أن يكون بعد جمع القرآن في مصحف وقبل أن تجمع المصاحف على المصاحف التي كتبها عثمان ] وأنفذها إلى الأمصار؛ لأنه لم يكتب بعد ذلك في المصاحف إلا ما أُجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن». ثم عقب - رحمه الله - في شرحه لمعنى قولها - رضي الله عنها - «سمعتها من رسول الله [ قال: «يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت...، فلعل عائشة - رضي الله عنها - لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها [ على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها قرآنا فأرادت إثباتها في المصحف لذلك، أو أنها اعتقدت جواز إثبات غير القرآن معه على ما روي عن أبي وغيره من الصحابة أنهم جوزوا إثبات القنوت وبعض التفسير في المصحف وإن لم يعتقدوه قرآنا»(8). والشاهد في هذا الحديث السابق هو اهتمام أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بالمصحف وعنايتها به حفظا وكتابة حتى حملها ذلك على اتخاذ مصحف خاص بها يكون عندها للتلاوة والحفظ والتفسير والتدبر. هذا وقد وردت في الباب رواية أخرى لأم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - متشابهة بل هي مطابقة للرواية السابقة في أمرها - رضي الله عنها - بكتابة مصحف خاص لها، تدل على اهتمامها هي الأخرى بكتاب الله عز وجل. فقد روى الإمام مالك في الموطأ في باب الصلاة الوسطى عن عمرو بن رافع أنه قال: كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: {حافظوا على الصلوات الوسطى (وصلاة العصر) وقوموا لله قانتين}. وهذه الرواية المثبتة في الموطأ أشار إليها الترمذي - رحمه الله - بعد حديث عائشة - رضي الله عنها - السابق بقوله: «وفي الباب عن حفصة»(9). هذا ويكفي أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - شرفا أنها كانت هي الحافظة للمصحف الإمام الذي جمع وكتب أيام خلافة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق ] حيث كان عنده بقية حياته. ثم كان عند عمر بن الخطاب ] بقية حياته. ثم تركه عند حفصة - رضي الله عنها. وجاء اليوم الذي احتاجت إليه الأمة كلها. فعن أنس ]: أن حذيفة بن اليمان ] قدم على عثمان ] وكان يغازي أهل الشام في أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال عثمان ]: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتي إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة. وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف مما نسخوا. وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله [ يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف(11). قال الإمام ابن حجر -رحمه الله- عند قوله: حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة قال: «وعن عبدالله بن عمر قال: كان مروان يرسل إلى حفصة - يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية يسألها الصحف التي كُتب منها القرآن فتأبى أن تعطيه. قال سالم فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبدالله بن عمر ليرسلن إليه تلك الصحف. فأرسل بها إليه عبدالله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت. وقال: إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب»(12). المطلب الثالث: الخشوع والتدبر عند تلاوة كتاب الله لقد منَّ الله عز وجل على أمهات المؤمنين بكثرة الخشوع عند تلاوة القرآن الكريم مع حسن التدبر لما فيه من عبر وعظات وأحكام، كيف لا وقد أكرمهن الله ببيت النبوة، فهن زوجات رسول الله [ الذي هو أتقى الناس وأخشاهم لله، ويرينه[ صباح مساء، وهو يتلو آيات الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار. وأحيانا ينمن ويستيقظن على صوته [ وهو يناجي ربه بتلاوة كتابه. كلُّ ذلك أكسبهن فضيلة الخشوع والتدبر للقرآن الكريم والإقبال على عبادة الله رب العالمين. وما هذه الأحاديث التي رويت عن رسول الله [ في فضائل القرآن الكريم والحث على تدبره وتعلمه وتعليمه من لدن أمهات المؤمنين إلا أعظم شاهد على حرصهن وفضلهن في هذا الباب. وما هذا العلم الغزير الذي ورثته أمهات المؤمنين في الكتاب والسنة إلا نتيجة للتدبر والتفكر في كتاب الله وسنة رسول الله [. هذا ولقد عنيت أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن بكتاب الله عز وجل تلاوة وتدبرا أيما عناية. فلقد كانت الواحدة منهن مضرب مثل في العبادة وطول القنوت في الصلاة وتلاوة كتاب الله عز وجل وتدبره. فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبدالله بن أبي موسى. قال أرسلني مدرك إلى عائشة - رضي الله عنها - أسألها عن أشياء، قال: فأفتيتها، فإذا هي تصلي الضحى، فقلت: أقعد حتى تفرغ، فقالوا هيهات(13). وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشهد لأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها بالتقوى والصلاح(14) والصدق وصلة الرحم تنفيذا لآيات الله في محكم كتابه وعملا به وتدبرا وخشوعا عند تلاوته. وكذلك تشهد أم المؤمنين عائشة لأم المؤمنين سودة - رضي الله عنهما - بالصلاح والتقوى وتتمنى أن لو كانت في مسلاخها من فرط المحبة والسبق في الخير والصلاح، فتقول: «ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة»(15) وهذا كله من ثمرات العمل والتدبر لكتاب الله عز وجل. وهي ذاتها - رضي الله عنها- تشهد لأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - بالتقوى والصلاح، فتقول: «... أما إنها كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم»(16). وتعظم الشهادة لأمهات المؤمنين حين يشهد جبريل -عليه السلام- أمين الوحي لأم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - بأنها صوامة قوامة. فهذا من أقوى الأدلة الدالة على العلم والعمل وتدبر كتاب الله من لدن أمهات المؤمنين - رضوان الله تعالى عليهن أجمعين. الهوامش 1- انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/72). ومناهل العرفان للشيخ الزرقاني (1/242). (2) النشر في القراءات العشر للحافظ محمد بن الجزري (ت: 833) (1/6) ط. دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان. (3) انظر: التلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير (1/43)، ط. هاشم اليماني بالمدينة المنورة. (4) سنن أبي داود، باب إمامة النساء، الحديث رقم: (591)، (1/161)، والحديث حسنه الألباني - رحمه الله - كما في (ص87) ط. بيت الأفكار الدولية. قال السيوطي - رحمه الله - في الإتقان (1/72): «فائدة: ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك، فأخرج ابن سعد في الطبقات: أنبأنا الفضل بن دكين، قال ثنا الوليد بن عبدالله بن جميع.. ثم ساقا خبر أم ورقة». (5) من ذلك الأحاديث رقم: (2923، 2927، 2931، 2932، 2979) وهي من رواية أم سلمة - رضي الله عنها - والأحاديث رقم: (2924، 2938) من رواية أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - . انظر: جامع الترمذي، كتاب القراءات (5/185-196). (6) أبويونس مولى عائشة، ثقة من الثالثة. انظر: تحفة الأحوذي (8/326) وفي كتاب إسعاف المبطأ لرجال الموطأ للسيوطي (ص950) في «باب الكنى»، مراجعة وتنسيق فاروق سعيد، وهو من منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ونصه: «أبويونس روى عن مولاته عائشة وروى عنه القعقاع بن حكيم وغيره، وثقة ابن حبان» وقال الزرقاني في شرح الموطأ (1/283) قال: «هو من ثقات التابعين ولا يعرف اسمه». وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: «روى عن عائشة وروى عنه زيد بن أسلم وأبوطوالة الأنصاري والقعقاع بن حكيم ومحمد بن أبي عتيق، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدنيين». انظر: تهذيب التهذيب (12/283). (7) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، حديث رقم: (629). (8) شرح الرزقاني على موطأ الإمام مالك (1/283-284) ط. دار الفكر، بيروت - لبنان. (9) المصدر السابق (1/284)، سورة البقرة، الآية: (238). (10) سنن الترمذي، (5/217). (11) صحيح البخاري، حديث رقم: (4987) (1101)، كتاب فضائل القرآن، باب: جمع القرآن. (12) فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر (9/20). (13) مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/125)، الطبعة الثانية (1398 هـ- 1978م)، ط. المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان. ومعنى «هيهات» أي سيطول بك الانتظار لطول مقامها في الصلاة. وسند الحديث هو (قال الإمام أحمد - رحمه الله - حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال: سمعت عبدالله بن أبي موسى قال: أرسلني مدرك أو ابن مدرك إلى عائشة...) الحديث. قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: يزيد بن خمير صالح الحديث ثم قال: قال أبي (عبدالله بن أبي موسى هو خطأ أخطأ فيه شعبة، هو عبدالله بن أبي قيس). انظر بلوغ الأماني حاشية الفتح الرباني للشيخ أحمد بن عبدالرحمن البنا (22/128). (14) انظر حاشية رقم: (2) (ص65). (15) صحيح مسلم، حديث رقم: (1463) (ص583)، كتاب الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها. ومسلاخ الحية: جلدها. والسلخ بالكسر: الجلد. والمعنى: كأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/389). (16) انظر: المستدرك للحاكم (4/32) وصححه ووافقه الذهبي وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() أثر أمهات المؤمنين في خدمة السنة وعلومها (4) تمثل المنهج الذي سلكته أمهات المؤمنين - رضوان الله تعالى عنهن - في خدمة السنة وعلومها في الآتي: 1- تلقي السنة والحرص على تعلمها منه [. 2- كن خير وسيط في نقل بعض أحكامها بينه [ وبين السائلات من المؤمنات. 3- الحث على تعلم السنة والترغيب في ذلك. 4- القيام بواجب تبليغ السنة للناس في حياته وبعد وفاته [. 5- العناية بصحة نقل الرواية وضبطها. 6- الاستدراك على بعض الصحابة في تصحيح بعض الأحكام والاستنباطات من السنة المطهرة. 7- القيام بواجب النصح والإرشاد والتذكير بالسنة لبعض الخلفاء والولاة على أمور المسلمين. هذا ويتضح الحديث عن منهجهن - رضوان الله تعالى عنهن - في خدمة السنة وعلومها من خلال مباحث هذا الفصل. - سؤالهن النبي [ وسؤال الناس لهن في السنة أولا: أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة: لقد كثرت عناية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالسنة إلى حد فاقت فيه كثيرا من الصحابة - رضوان الله عليهم - والمتتبع لذلك الميراث الذي ورثته - رضي الله عنها - لا يكاد يحيط بكل رواياتها التي أفردها بعض المصنفين بكتب خاصة بها لعظم النفع الذي حصل للأمة من كثرتها وإتقانها - رضي الله عنها - في نقلها للسنة المطهرة. لذلك سيكون جل الاهتمام منصبا على بعض تلك المرويات الواردة عنها - رضي الله عنها -، والتي أتت على طريقة سؤالها للنبي [، وإجابة النبي [ لها، معتمدا في ذلك على الصحيح الثابت. مما ورد في صحيحي البخاري ومسلم ليكون أنموذجا حيا ودليلا واضحا على سعة علم أم المؤمنين - رضي الله عنها. ويكفي في ذلك العدد الذي بلغته رواياتها - رضي الله عنها - التي وصلت إلى (2210) أحاديث. اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين. ومن هذه الروايات الكثيرة أقتطف منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قال رسول الله [: البكر تستأذن، قلت: إن البكر تستحي، قال: إذنها صماتها». لقد اتضح من خلال سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أمر مهم كثير التردد والوقوع، ألا وهو ضرورة أخذ الإذن من البكر في النكاح والصورة التي يعرف بها إذن البكر دون الثيب. والذي يستخلص مما سبق هو ضرورة استئذان البكر عند إرادة تزويجها تطييبا لخاطرها. وأقل ما في ذلك هو الاستحباب، ومن أوصله إلى حد الوجوب فلا مأخذ عليه، نظرا للأمر الوارد في الحديث، ولتعلق تحقق النكاح به.. والله أعلم. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن علي أفلح فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ فقلت وكيف ذلك؟ فقال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فقالت: سألت عن ذلك رسول الله فقال: «صدق أفلح، ائذني له». وهذا الحديث من أقوى الأدلة عند الجمهور الذين قالوا إن لبن الفحل يحرم فتنشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه، وفيه خلاف قديم حُكي عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم، وعن ابن سيرين: نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه. وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا، وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وداود وأتباعه. وحجتهم في ذلك قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب. وأجيبوا بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة، واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنشر الحرمة إلى الرجل؟ والجواب: أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه. وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح. ومن الأحاديث الواردة في سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة في موضوع الرضاع كذلك، ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-: «أن رسول الله [ كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله: هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله [: أراه فلانا (لعم حفصة من الرضاعة) فقالت عائشة: يا رسول الله، لو كان فلان حيا (لعمها من الرضاعة) دخل عليّ؟ قال رسول الله [: نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة». عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أتتها بريرة تسألها في كتابتها، فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، وقال أهلها إن شئت أعطيتها ما بقي، وقال سفيان مرة: إن شئت أعتقتها ويكون الولاء لنا، فلما جاء رسول الله [ ذكرته ذلك، فقال: ابتاعيها فاعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق..». وقد وقع في رواية الإمام مالك - رحمه الله - وغيره بلفظ: «ذكرت ذلك لرسول الله [». وهذا على سبيل الاستفسار للعلم بالشيء. ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد أنها قالت: «استأذنت النبي [ في الجهاد. فقال: جهادكن الحج». والحديث يدل على رغبة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في المسارعة إلى الخيرات حيث سألت عن هذا الباب العظيم وهو الجهاد في سبيل الله رغبة منها في تحصيل الأجر والثواب. وقد ورد هذا الحديث بروايات متعددة في السنن وغيرها. فعن عائشة -رضي الله عنها- «قالت: «قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة». وفي لفظ آخر: «فسأله نساؤه عن الجهاد فقال: نعم الجهاد الحج». وقد زعم البعض أن هذه الأحاديث تقتضي حرمة السفر عليهن لغير الحج. وهذا الحديث يرد عليهم لأنه دل على أن لهن جهادا غير الحج والحج أفضل منه..، والمعنى أن الجهاد ليس بواجب عليكن كما وجب على الرجال. ولم يرد بذلك تحريمه عليهن. فقد ثبت في حديث أم سلمة أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج، وإباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال لتكرير الجهاد، وخص به عموم قوله [: «هذه ثم ظهور الحصر». ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد أنها قالت: «سألت رسول الله [ عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». قيل في معنى قوله [: (هو اختلاس) أي: اختطاف بسرعة.. وسمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة. وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في النهي عن الالتفات تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور على أنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة. ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد أنها قالت: «قلت يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا». ومعنى قوله [: «أقربهما» أي أشدهما قربا. «والحكمة فيه أن الأقرب بابا يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف له بخلاف الأبعد». ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد أنها قالت: كان رسول الله [ يكثر أن يقول قبل أن يموت «سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك»، قالت»: «قلت يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: «جُعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة». وأما العلامة التي وردت في الحديث فقد جاءت موضحة في الحديث الآخر المروي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله [ يكثر من قول (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه) قالت: فقتل: يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذاجاء نصر الله والفتح -فتح مكة- ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربح واستغفره إنه كان توابا}. ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد أنها قالت: «قلت يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟» قال: «انتظري فإذا تطهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي منه، ثم القينا عند كذا وكذا..» الحديث. والحديث ورد بروايات متعددة في الصحيحين وغيرهما. وسؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ وإلحاحها بإفراد العمرة لها كصاحباتها من أمهات المؤمنين رغبة منها في الخير واستكثارا للعمل الصالح قد فتح بابا في العلم واجتهادا لدى العلماء - رحمهم الله - في أصل النسك الذي أهلت به أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- هذا ولقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه المسألة وأوردها في معرض الحديث عن العمرة عقب الحج لكثرة ما يفعله الناس في هذا الزمان، فقال -رحمه الله: «فأما العمرة عقيب الحج من مكة كما يفعله كثير من الناس اليوم: فهذا لم يعرف على عهد السلف. ولا نقل عن أحد عن النبي [، ولا عن أحد من الذين حجوا معه أنهم فعلوا ذلك، إلا عائشة - رضي الله عنها - لأنها كانت قدمت متمتعة فحاضت، فأمرها النبي [ أن تحرم بالحج وتدع العمرة. فمذهب أحمد ومالك والشافعي أنها صارت قارنة، ولا يجب عليها قضاء تلك العمرة. لكن أحمد في إحدى الروايتين عنه جعل القضاء واجبا عليها لوجوب العمرة عنده في المشهور عنه. وكون عمرة القارن والعمرة من أدنى الحل لا يسقط وجوب العمرة عنده في إحدى الروايتين. ومذهب أبي حنيفة أن عائشة رفضت العمرة وأهلت بالحج فصارت مفردة، وعنده يجب عليها قضاء العمرة التي رفضتها. وبنى ذلك على أصله: في أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، فلم يكن في القران لها فائدة. وأما الجمهور فبنوه على أصولهم: في أن عمل القارن لا يزيد على عمل المفرد، قالوا: إن النبي [ إنما أعمر عائشة -رضي الله عنها- تطييبا لنفسها، لأنها قالت: «يذهب أصحابي بحجة وعمرة، وأذهب أنا بحجة»، فقال النبي: «يسعك طوافك بحجك وعمرتك» وفي رواية أهل السنن: «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك» فلما ألحت أعمرها تطييبا لنفسها». ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما روته: «أن رسول الله [ قال: ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قالت: فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله [ لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت». وهذا الحديث ورد بروايات عدة يفسر بعضها بعضا وبمجموعها تدل على رغبته [ في إرساء قواعد البيت على قواعد إبراهيم الخليل -عليه السلام- وتركه لذلك تقديرا للمفسدة الأعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا. ومعنى قوله [: «ألم تري» أي ألم تعرفي. ومعنى قوله: «اقتصروا عن قواعد إبراهيم» أي أن النفقة الطيبة التي أخرجوها قصرت بهم عن إتمامها على قواعد إبراهيم. ومعنى قوله «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» وفي رواية: «فأخاف أن تنكر قلوبهم» قيل: إن النفرة التي خشيها [ أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم». هذا ولقد استنبط النووي - رحمه الله - في شرحه للحديث فوائد وقواعد مهمة، منها: «إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بُدئ بالأهم، لأن النبي [ أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم [ مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما، فتركها [. ومنها فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا بالأمور الشرعية كأحذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك، ومنها تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وألا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق». ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما ورد: «أنها قالت لرسول الله [: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله [ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا». والحديث فيه من الدروس الدعوية والعظات والعبر الشيء الكثير فمنها على سبيل المثال لا الحصر: 1- عالمية الدعوة وأنها للناس كافة وليست قاصرة على أهل مكة دون غيرهم. 2- التضحية بالنفس والنفيس في سبيل نشر دين الله في الأرض. 3- بيان أصناف الناس ودرجات تفاوتهم في قبول الدعوة ورفضها، تمثل ذلك في موقف أهل الطائف برفضهم وإغراء سفهائهم به [. 4- اصطفاء الله لمن شاء من عباده، وكأن الرحلة إلى الطائف كانت لعداس وحده من البشر، ونفر من الجن الذين آمنوا واتبعوا كما ورد في سورة الأحقاف. 5- نصرة الله عز وجل لرسوله [ بإرسال ملك الجبال لاستئصال المكذبين. 6- بيان بشريته [ وأنه يناله ما ينال البشر من المصائب والمحن. 7- بيان أن طريق الدعوة والجهاد ليس مفروشا بالورود والرياحين. 8- شدة حزنه [ على عدم قبول الدعوة؛ حيث لم يستفق إلا في قرن الثعالب. 9- عدم اليأس في نشر الدعوة بعد عودته [ من الطائف. 10- بيان شفقة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- على النبي [ لما رأت حاله يوم أحد. وفي سؤال أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ عن حاله وما لاقاه من المشركين، باب خير وعلم علمته الأمة لتعلم تفاصيل رحلته [ إلى الطائف، وما عرض له من الأمور التي لا يطيقها إلا أولو العزم من الرسل. بل ولا يطيقها إلا إمام أولي العزم من الرسل عليه الصلاة والسلام. ذلك لأنه تمكن من رقاب أعدائه جميعا بعذاب الاستئصال، ولكنه حلم وصبر واحتسب، وقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. ومن أسئلة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- للنبي [ في السنة ما جاء عن عروة «أن عائشة زوج النبي [ حدثته، أن رسول الله [ خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ما لك يا عائشة! أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله [: أقد جاءك شيطانك؟ قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم». والحديث يدل على محبة أم المؤمنين - رضي الله عنها - للنبي [ وأنها لا ترضى أن تؤثر عليه أحدا، وفيه مداراته [ لنسائه ومراعاة حالهن، وذلك حين لاحظ تغير حال أم المؤمنين عن الحال التي تركها عليها. حيث بادرها [ بالسؤال عن حالها، ومع ما كانت عليه أم المؤمنين -رضي الله عنها- من حالة الغيرة الشديدة عليه [، فإنها أبت إلا أن تفيد الأمة بالأسئلة التي وجهتها للنبي [ عن القرين الملازم لجميع الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وفي هذا يقول النووي - رحمه الله - عند شرحه للحديث: «وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان». ثم أورد رحمه الله مسألة مهمة جدا، تهم كل مسلم وأنها مثار شبهة لو لم يُتفطن لها. وهي مدى تأثره [ بهذا القرين وهل هذا يؤدي إلى اللبس في الوحي الذي يبلغه لنا [، فقال رحمه الله: «... واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي [ من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه». وهذا علاوة عما أجاب به [ في نص الحديث، حيث قال [: «ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم». ثانيا: ومن أسئلة أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - للنبي[ في السنة: عن حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أن النبي[ أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع، فقالت حفصة: فما يمنعك؟ قال: «لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى آنحر هديي». وفي لفظ لمسلم: «أن حفصة زوج النبي[ قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر». وهذا الحديث الذي رواه الشيخان ورد ضمن أحاديث أوردها كل من البخاري ومسلم - رحمهما الله - لبيان النسك الذي حج به[. ثالثاً: أسئلة أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - للنبي[ في السنة: 1 - عن أم سلمة - رضي الله عنه - أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: «نعم، إذا رأت الماء» فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله[: «فبم يشبه الولد». قيل في معنى قول أم سليم - رضي الله عنه - أن الله لا يستحيي من الحق، هذا تمهيد لبسط عذرها في ذكرها ما تستحيي النساء من ذكره، ومعناه أن سنة الله وشرعه أن لا يستحى من الحق. ومعنى قولها: «احتلمت» الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، والمراد به أمر خاص منه وهو الجماع. ومعنى قوله: «إذا رأت الماء» أي: المعنى بعد الاستيقاظ. ومن الأحكام التي استنبطت من هذا الحديث: الدليل على وجوب الغسل بإنزال المرأة الماء، وفيه أن إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل، كإنزاله في حالة اليقظة، ومنها قوله[: «إذا رأت الماء» يرد به على من يزعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها بقوله: «إذا رأت الماء». وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - وفيه دليل على أن في النساء قابلية الاحتلام، وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال. اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() أثـر أمهــات المؤمنيــن في خدمة العقيدة (5) أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق لها الشيخان على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثا ومسلم بتسعة وستين حديثا. أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهابلغ عدد مروياتها ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثا، اتفق لها الشيخان على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة أحاديث، ومسلم بثلاثة عشر حديثا. أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها خمسة وستين حديثا، اتفق لها الشيخان على حديثين، وانفرد مسلم بحديثين. أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها ستين حديثا، اتفق لها الشيخان على أربعة أحاديث، وانفرد مسلم بستة أحاديث. أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها ثلاثة عشر حديثا، اتفق لها الشيخان على سبعة أحاديث، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بخمسة أحاديث. أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها أحد عشر حديثا، اتفق لها الشيخان على حديثين. أم المؤمنين صفية رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها عشرة أحاديث، اتفق لها الشيخان على حديث واحد منها. أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها سبعة أحاديث، انفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. أم المؤمنين سودة رضي الله عنها بلغ عدد مروياتها خمسة أحاديث، انفرد لها البخاري بحديث واحد. اهتمامهن بتعليم العقيدة إن الناظر في الميراث الذي وصل إلى الأمة عن طريق أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عنهن في مجال العقيدة الصحيحة، ليدرك مقدار الخير الذي لحق الأمة بتعلم العقيدة الصحيحة منهن رضوان الله تعالى عنهن. فهذه أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها تروي لنا حديثا من أحاديث المصطفى [ تعلمت منه الأمة الكثير من أمر العقيدة فيما يختص بخروج يأجوج ومأجوج، والأسباب التي توجب عذاب الله عز وجل وسخطه، فقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه بسنده إلى أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: «أن رسول الله [ دخل عليها يوما فزعا يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها»، قالت زينب ابنة جحش، فقلت: يارسول الله [! أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث». والحديث قرر وجود أمة يأجوج ومأجوج وأن خروجهما من أشراط الساعة وعلاماتها، وعلى كل مسلم الحذر من ذلك بكثرة العمل الصالح وسؤال الله السلامة من هذه الفتن التي تحدث في آخر الزمان؛ لأنه ورد في بعض الروايات أنه [: «خرج محمرا وجهه»، وفي رواية «استيقظ من نومه وهو يقول: لا إله إلا الله..» الحديث، وما ذاك إلا لخطورة الأمر وشدته وأنه باب من أبواب الفتن التي ستكون في آخر الزمان، وأما تخصيصه [ للعرب بالويل في قوله: «ويل للعرب من شر قد اقترب». قال ابن حجر - رحمه الله: «خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم»، وأما المراد بقوله: «من ردم يأجوج ومأجوج» المراد بالردم السدّ الذي بناه ذو القرنين». وأما استفسار أم المؤمنين رضي الله عنها عن أسباب النجاة وعدم الهلاك مع وجود الصالحين، فقد قال ابن حجر - رحمه الله: «كأنها أخذت ذلك من قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، والمراد بالخبث، فسروه بالزنا وبأولاد الزنا، وبالفسوق والفجور، وهو أولى لأنه قابله بالصلاح. «ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون». وهذا لا يعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستسلام لأهل الشر والفساد، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب دفع البلاء والعذاب، ويجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر القيام به عملا بقوله [. اعداد: د. خالد محمد الحافظ العلمي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |