تغير تعامل زوجتي

[ابوالوليد المسلم]

تغير تعامل زوجتي
د. صلاح بن محمد الشيخ

السؤال:
♦ الملخص:
رجل متزوج منذ خمس عشرة سنة، يشكو جمودًا عاطفيًّا من زوجته، ولا سيما بعد أزمته المالية، ويريد أن يطلِّقها، ويسأل: ما النصيحة؟

♦ تفاصيل السؤال:
أنا متزوج منذ خمس عشرة سنة، لي ثلاثة من الأولاد، زوجتي لا تتأثر بكلامي العاطفي ومدحي لها وما أفعله من إثبات حبي لها، فمشاعرها نحوي جامدة، وتقول لي: أنت غير رومانسي، وأيضًا ألحظ تأثرها بكلام أمها عن الرجال الناجحين غيري، رغم اختلافها عن أمها؛ فأمها ذات شخصية قوية، في حين أن زوجتي طيبة القلب، وبعد تعرضي لأزمة مالية، أصبحت أرى من زوجتي حدة في الكلام، وأسمع منها كلامًا غير لائق، صدمني الأمر؛ إذ اتضحت صورتها الحقيقية عندي، وتأكد لي بأنها لن تتغير في المستقبل؛ فأصبحت لا أطيق الحياة، بعد أن فعلت كل ما فعلت لتكوين أسرة،؛ ففكرت في الزواج بامرأة أخرى، ولما علمت نيتي، رفضت ووضعت العراقيل أمام زواجي الثاني، وقررت البقاء عند أمها في مدينة بعيدة عن مكان عملي، ورفضت القدوم معي، فماذا أفعل؟ مع العلم أن قوانين الزواج ترفض الزواج الثاني بغير موافقة الزوجة الأولى، فهل أطلقها؟ أنا في حيرة من أمري، وأرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:
ملخص المشكلة:
متزوج منذ خمس عشرة سنة، ولك ثلاثة أولاد، مشكلتك مع زوجتك منذ ثلاث سنوات؛ حيث تشعر أنها لا تتأثر بكلامك العاطفي، وتتهمك بأنك غير رومانسي، ذكرت بأن شخصية أمها قوية، على العكس من زوجتك فهي طيبة القلب، لكنها تتأثر بأمها، مرَّت عليك أزمة مالية، فتغير أسلوب زوجتك؛ حِدِّة في الكلام وكلام لا يليق، وتخشى أو تعتقد أن هذا الأسلوب سيستمر في حياتك معها في المستقبل، تعتقد أن من عوامل تفاقم المشكلة سكنها مع أمها، ومن الإجراءات التي فعلتها لحل المشكلة الزواج بالثانية، ورفضتْ عندما علمت بنيتك، كما أنها رفضت الذهاب معك لمكان عملك، وتطلب الاستشارة في طلاقها مع وجود الأولاد، وأيضًا إقناعها بالموافقة على زواجك الثاني.

مناقشة المشكلة:
١- احمدِ الله تعالى على أن رزقَك زوجةً طيبة القلب، ولعلها من الصالحات، ورُزقتَ منها ثلاثة أولاد، وعشت معها خمس عشرة سنة، وهذه المدة ليست بالقصيرة، والمشكلة ما بدت إلا قبل ثلاث سنوات.

٢- عليك أن تسترجع تاريخ السنوات الماضية، وأنتما تعيشان معًا في راحة وسعادة بال، ماذا حصل لتتغير الزوجة بهذا الأسلوب؟ هل ناحية مادية، أو أسلوب تعامل، أو مؤثر خارجي؟ وبالإمكان أن تناقشها في ذلك وتفهم منها السبب، وتعمل على تلافيه بقدر الإمكان، وإن صعُبَ، فلتتحاور معها لتجاوز هذا المؤثر بما يرضي الطرفين.

٣- ذكرتَ أنها لا تتأثر بكلامك العاطفي، ومدحك وبيان حبك لها، وهذا غريب؛ لأن المرأة عادة تحب المدح والثناء والكلام العاطفي الجميل، هنا لا بد من مراجعة أسلوبك في الكلام العاطفي، ربما لا يكون عاطفيًّا وتحسبه كذلك، أو يقال في مواقف يُفهم منها السخرية والاستهزاء، وربما يكون مدحك ليس مدحًا، إنما يقال عَرَضًا دون استشعار لغة الجسد، والكلام الرومانسي؛ لذا أفصحت بأنك غير رومانسي في أسلوبك وكلامك، فلا بد أن تعيد النظر في هذا الأسلوب ليكون مقبولًا.

٤- قضية أن الحل لديك بداية وهو الزواج من الثانية، هذا تصور في غير محله، فلا بد من استنفاد كل السبل لإعادة المياه لمجاريها، فهي زوجتك وأم أولادك، ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]، ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، واعلم أن الكمال عزيز في البشر، فلا بد من وجود خُلق محبوب في المرأة، والتوجيه النبوي بيَّن ذلك؛ فمن حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر))؛ [رواه مسلم].

٥- قوِّ علاقتك مع أم زوجتك، وانظر ما الأمر الذي يستميل قلبها، وحاول أن تكون لها مثل الابن البار، منها تؤجر ومنها تكون سندًا ومعينًا على استقرار حياتك مع زوجتك، فالغالب أن المرأة تريد سعادة ابنتها وراحتها واستقرارها مع أولادها، فلا تفوِّتْ أي فرصة تراها تُرضِي أم زوجتك.

٦- اجلب لزوجتك وأولادك الهدايا، وأشعرهم بأنهم أغلى ما عندك في الحياة، وأن لهم منزلة كبيرة في قلبك، كيف لا وأولادك بَضعة منك، وبينك وبين زوجتك عشرة عمر ليس باليسير؟

٧- حاول أن تأخذ زوجتك إلى مكان جميل، تتناولان العَشاء - إن رضيت – معًا، أو ائتِ بالعشاء إلى منزلهم، وجددوا لقمة العيش معًا.

٨- بعد كل هذا البرنامج التأليفي للقلوب حاول أن تفتح معها نقاشًا وحوارًا هادئًا، تطويان فيه صفحة الماضي، وتبدأان صفحة جديدة لحياة ملؤها الحب والعطف والرحمة.

٩- هذه محاولات فردية من قبلك، إذا لم يقبلوا منك، اعمد إلى أقاربهم ممن ترى فيه الصلاح والاستقامة والفقه، ليصلح بينكم، وإذا أخلصت النية، فسوف تُعان من الله تعالى.

١٠- لا تظن أن أسلوب زوجتك في حدة كلامها وغضبها يستمر على هذا، إذا توفرت لديها سبل الراحة والاطمئنان، والحب الصادق، والمعاملة الحسنة، إنما هو عارض لموقف مؤثر جعلها تتصرف بهذا الأسلوب، والشاهد عشرتكم سنوات طويلة، لم يحدث منها هذا، فلا تَدَعْ للشك والظنون ونزغات الشيطان على فكرك سبيلًا.

١١- لا تفكر بأن الحل هو الطلاق، ما دام الكثير من مقومات الحياة الزوجية متحققة، حاول أن تعزز الإيجابيات، وتتغافل عن السلبيات، وتسعى لاستبدال الإيجابيات بالسلبيات.

١٢- حاول تجدد حياتك الزوجية، بأسلوب جديد، وخاصة في العلاقة الحميمة، لا بد أن تكون على دراية تامة بأن زوجتك تستمع بالعلاقة الحميمة، والفراش الزوجي، مثلك تمامًا، ولا مانع من المصارحة بينكما فيما تحب وما تكره، بغية أن يكون الانسجام مشتركًا، والمتعة والسعادة متبادلة.

١٣- الحفاظ على الكيان الأسري، والقرب من الأبناء مطلب، وخاصة في هذا الزمن، ونحن نلمس المتغيرات السلوكية والاجتماعية، والمشاركة في التربية مما يُشاهد ويُبث على مسامعهم، من قنوات وبرامج، والتي تجمع بين الغث والسمين، والأسرة إن لم يكن لها قائد قريب منهم يوجه ويحذر، ويبين الضار من النافع، ربما تقع في شراك الانحراف حال تشتتها، وفقد الأب أو الأم، أو كليهما، فتكون فريسة سهلة، لمن أراد انحراف الأسرة المسلمة.

١٤- الالتزام بشرع الله تعالى وطاعته وطاعة رسوله، والمحافظة على الصلاة والأذكار والدعاء، كلها عوامل وقاية من الشيطان والحاسدين وأهل الزيغ والفساد، فمطلب تربية الأبناء والزوجة على شرع الله وتعاليمه.

١٥- الإكثار من مهارة التغافل، والعفو والتسامح، والحكمة والموعظة الحسنة، والرحمة واللطف، وكل ما يؤلف القلوب ويقربها من بعضها.

١٦- الإنفاق على الأسرة، وعدم البخل فيما تحتاجه، بلا إسراف ولا تبذير: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

أسأل الله أن يؤلف بين قلوبكم، ويجمعكم على الحق، ويصلح شأنكم ويكفيكم شر أنفسكم والشيطان، وتعيشوا في سعادة وراحة بال.