|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قراء القرآن عطاءات العلم تمهيد: قُراء القرآن هم الذين كانوا يحفظون القرآن[1]، والمتقنين له غيبًا عن ظهر قلب، مع حسن الأداء وجودة التلاوة[2]، وقد بلغت القراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كثرة غامرة، وتخصصوا في دقائقه النطقية حتى تنازعوا في بعض الأمور التي اختلفوا فيها، ومن أشهر أئمة الإقراء من الصحابة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيده وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن العاص غيرهم[3]، وكثر حفظة القرآن بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ عدد التلاميذ من حفاظ القرآن في البصرة وحدها من تلاميذ أبي موسى الأشعري قريبًا من ثلاثمائة، وكانت هيئة الإقراء في عهده صلى الله عليه وسلم في أربعة: عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة[4][5][6][7]. التعريف المركب: قُراء القرآن: هم الذين كانوا يحفظون القرآن[8]، والمتقنين له غيبًا عن ظهر قلب، مع حسن الأداء وجودة التلاوة[9]. قُراء القرآن في العهد النبوي: ومن المؤشرات التي تدل على كثرة هؤلاء القراء، قصة بئر معونة فعن أنس قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة كانوا يدعون القراء[10]، والقراء هنا هم "الذين كانوا يحفظون القرآن"[11]، ومما يدل على هذه الكثرة أيضا كثرة من قتل من القراء في وقعة اليمامة كما قال الشاطبي[12]: إن اليمامة أهواها مسيلمة ال ![]() كذاب في زمن الصديق إذ خسرا ![]() وبعد بأس شديد حان مصرعه ![]() وكان بأسًا على القراء مستعرا ![]() وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال[13]: أرسل إلي أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله؟ قال هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾[14]، حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها[15][16]، وهذا يدل على انتشار القراء في المواطن والثغور، وأقل ما قيل في عدد من قتل من القراء أنهم سبعون قارئًا ولم نعرف أكثرهم باسمه على ما هو معلوم[17]. وقد بلغت القراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كثرة غامرة، وتخصصوا في دقائقه النطقية حتى تنازعوا في بعض الأمور التي اختلفوا فيها، وكان منهم الأعرابي والأعجمي، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يقرؤون القرآن، قال جابر بن عبد الله وفينا الأعرابي والأعجمي فقال «اقرؤوا فكل كتاب الله من قبل أن يأتي قوم يقومونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه»[18][19]. وقد أخذ هؤلاء دورهم في قراءة القرآن على المسلمين والكفار كما اتضح من واقعة بئر معونة؛ إذ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم القراء إلى القبائل لنشر القرآن، وقد كثرت قراءة الأصحاب القرآن على المسلمين والكفار، حتى أنزل الله في سماع الكفار آيات تدل على ردود الفعل الهائجة أمام تأثير القرآن كقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِير ﴾[20]، أي أن أثر الإنكار من الكراهة وتعبيس الوجوه معروف عندهم ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ ﴾[21]، أي يبطشون ويوقعون بمن يتلو عليهم القرآن من شدة الغيظ[22][23]. أشهر أئمة الإقراء من الصحابة رضوان الله عليهم: 1) أبو بكر الصديق. 2) عمر بن الخطاب. 3) عثمان بن عفان. 4) علي بن ابي طالب. 5) عبد الله بن مسعود. 6) أبي بن كعب. 7) أبو عبيدة بن الجراح. 8) عبد الرحمن بن عوف. 9) سالم مولى أبي حذيفة. 10) عبد الله بن عمرو بن العاص. 11) أبو موسى الأشعري. 12) أبو أيوب الأنصاري. 13) عبادة بن الصامت. 14) أبو الدرداء. 15) معاذ بن جبل. 16) خباب بن الارت. 17) أسيد بن حضير. 18) مصعب بن عمير. 19) عبد الله بن ام مكتوم. 20) عثمان بن العاص[24]. قُراء القرآن في عهد الصحابة: وقد كثر حفظة القرآن كثرة عظيمة بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي مؤشرًا على ذلك أن يعلم أن عدد التلاميذ من حفاظ القرآن الذين كانوا في البصرة وحدها، من تلاميذ أبي موسى الأشعري كانوا قد بلغوا قريبًا من ثلاثمائة، فعن معاوية بن قرة رضي الله عنه أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جمع الذين قرؤوا القرآن فإذا هم قريب من ثلاثمائة فعظم القرآن وقال إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا، وكائن عليكم وزرًا، فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فانه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن تبعه القرآن زخ في قفاه فقذفه في النار[25][26][27][28]، وأما تلاميذ أبي الدرداء فبلغوا ألفا وستمائة ونيفا يقرئهم جميعًا في يوم واحد بطريقة فذة، كأنه أسس بها جامعة قرآنية[29][30]. ويدل على كثرتهم ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم على عمر رجل فجعل عمر يسأله عن الناس فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس رضي الله عنه فقلت والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال فزبرني عمر ثم قال مه، قال فانطلقت إلى أهلي مكتئبًا حزينًا، فقلت قد كنت نزلت من هذا الرجل منزلةً فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه، قال فرجعت إلى منزلي فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، وما هو إلا الذي تقبلني به عمر، قال فبينا أنا على ذلك، أتاني رجل فقال أجب أمير المؤمنين، قال خرجت فإذا هو قائم ينتظرني، قال فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال ما الذي كرهت مما قال الرجل انفا؟ قال فقلت يا أمير المؤمنين! إن كنت أسأت فإني استغفر الله وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت، قال لتحدثني بالذي كرهت مما قال الرجل، فقلت يا أمير المؤمنين! متى ما تسارعوا هذه المسارعة، يحيفوا ومتى ما يحيفوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، فقال عمر لله أبوك لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها[31]. وقد خرج على علي رضي الله عنه ثمانية الاف من قراء الناس، ولما طلبهم قيل لا يدخل إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأ الدار من القراء.... الحديث[32][33][34][35][36]. هيئة الإقراء في عهده صلى الله عليه وسلم: وعلى الرغم من هذه الكثرة إلا أن المقرئين المتخصصين في إقراء الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أناس معروفون قد حددهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فشكلوا مثل هيئة إقراء، ويدل على هذا حديث بئر معونة، كما يدل عليه قصة إسلام عدد من الصحابة الذين ورد فيهم التصريح بتعليمهم القرآن دلالة على أن ذلك دأب وعادة كما في قصة إسلام عمير بن وهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس نواسك، وقال علموا أخاكم القرآن، وأطلق له أسيره[37][38]. وبذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اصطفى من أصحابه رضي الله عنهم نخبة أقرأهم القرآن، كله أو بعضه، حتى أتقنوا صفة أدائه وهيئة قراءته، وأقبلت الأمة على هؤلاء فتلقت القرآن عنهم مشافهة، ونوه بهم في حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة[39][40][41][42]، وسيتم تناول هذه الأسماء بنوع من التفصيل كما يلي: أولًا: الصحابيّ: عبد الله بن مسعود: هو صحابي جليل، من السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بالقرآن بمكة، وكان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه نعله ويمشي معه وأمامه إذا سار، ويلج داره بلا حجاب، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد المشاهد مع رسول الله[43]. وقد روى عن ابن مسعود كثيرون، لكن تتبعهم العلماء بالنقد والتجريح ومن أشهر الطرق إلى ابن مسعود: 1) طريق الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق عن ابن مسعود وهي أصح الطرق اليه. 2) طريق مجاهد عن أبى معمر عن ابن مسعود وهذه أيضا طريق صحيحة. 3) طريق الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود وهي مثل سابقتها. 4) طريق أبى روق عن الضحاك عن ابن مسعود، وهي غير مرضية لأن الضحاك لم يلق ابن مسعود طريق منقطعة[44][45]. ومن ما روي عن فضل قراءته للقرآن مال يلي: •كان ابن مسعود من أحفظ الصحابة لكتاب الله، وقد أخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال: والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟، وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته[46][47]. • وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أي القراءتين تعدون أولى؟ قال: قلنا قراءة عبد الله فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يعرض عليه القرآن في كل رمضان مرة، إلا العام الذي قبض فيه فإنه عرض عليه مرتين، فحضره عبد الله بن مسعود فشهد ما نسخ منه وما بدل. •وروى أبو معاوية الضرير، قال أخبرنا الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله أخذت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعًا وسبعين سورة[48]. •وروى وهب بن جرير بن حازم قال: أخبرنا شعبة عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم عن عبد الله وأخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم، أخبرنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقلت كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب! وقال وهب في حديثه: إني أشتهى أن أسمعه من غيرى! قال فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت قوله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا ﴾[49]، قال أبو نعيم في حديثه فقال لي حسبك! وقالا جميعا فنظرت إليه وقد اغرورقت عينا النبي صلى الله عليه وسلم وقال من سره أن يقرأ القرآن غضًا كما نزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد[50]. •وروى عبد الله بن نمير، أخبرنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروى الرجل والإخاذ يروى الرجلين والإخاذ يروى العشرة والإخاذ يروى المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ[51]. •وروى عفان بن مسلم، أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا سليمان الأعمش عن مالك بن الحارث عن أبي الأحوص قال: كان نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قال عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبى موسى يعرضون مصحفًا قال فقام عبد الله فخرج، فقال أبو مسعود هذا أعلم من بقي بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وفى موضع آخر قال: فقال أبو موسى إن يكن كذلك فقد كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا. •وروى وكيع بن الجراح عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني قال: قال أبو موسى الأشعري لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم، يعني ابن مسعود[52]. •وروى هشام أبو الوليد الطيالسي، أخبرنا شريك عن أبي حصين عن أبي عطية الهمداني قال: كنت جالسًا عند عبد الله بن مسعود، فأتاه رجل فسأل عن مسألة فقال: هل سألت عنها أحدا غيرى؟ قال: نعم سألت أبا موسى، وأخبره بقوله، فخالفه عبد الله ثم قام فقال: لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم[53]. •وروى يحيى بن عباد، أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد[54]. •وروى عفان بن مسلم، قال أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمه قال: خطبنا عبد الله بن مسعود حين أمر في المصاحف بما أمر، قال فذكر الغلول فقال إنه ﴿ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾[55]، فغلوا المصاحف، فلأن أقرأ على قراءة من أحب، أحب إلى من أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، فوالذي لا إله غيره لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، وزيد بن ثابت غلام له ذؤابتان يلعب مع الغلمان، ثم قال والذى لا إله غيره لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منى تبلغه الإبل لأتيته، قال ثم ذهب عبد الله، قال فقال شقيق فقعدت في الحلق وفيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم فما سمعت أحدًا رد عليه ما قال[56]. •وروى أبو معاوية الضرير وعبد الله بن نمير قالا: أخبرنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس، فلما رآه مقبلًا قال كنيف ملئ فقهًا، وربما قال الأعمش علمًا[57]. • وروى معن بن عيسى قال، أخبرنا معاوية بن صالح عن أسد بن وداعة: أن عمر ذكر ابن مسعود فقال: كنيف ملئ علمًا آثرت به أهل القادسية[58]. ثانيًا: الصحابيّ: معاذ ابن جبل: وهو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن المدني، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جابر، وابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وكان أحد الأربعة من الأنصار الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عمر لولا معاذ هلك عمر[59]. وكان معاذ بن جبل كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عبيد الله بن معاذ بن معاذ حدثنا أبي عن شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد رحمهم الله[60][61][62][63][64]. ومن ما روي في فضل قراءته للقرآن: •روى مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وعبد الله بن قيس وهو أبو موسى، فقال معاذ لأبي موسى ما فعلت بالقرآن؟ قال مالك أراهم شغلوا بتعليم الناس، فقال أبو موسى أما أنا فأتفوق القرآن تفوقًا ماشيًا وراكبًا وقاعدًا، فقال معاذ أما أنا فأنام أول الليل وأقوم أخره وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، قال وسمعت مالكا يقول بلغني أن معاذ ابن جبل إمام العلماء بربوه[65]. •روى محمد بن عمر، عن سليمان بن بلال والنعمان بن عمارة بن غزية عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي معاذ بن جبل يوم القيامة أمام العلماء برتوة[66]. •روى أبو معاوية الضرير عن أبي إسحاق يعني الشيباني، عن أبي عون قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بين يدي العلماء يوم القيامة برتوة. •روى إسحاق بن يوسف الأزرق عن هشام يعني بن حسان، عن الحسن وأخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل له نبذة بين يدي العلماء يوم القيامة[67]. •روى أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني، حدثني سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن معاذ بن جبل أمام العلماء رتوة. •روى عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل[68]. •روى يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة بن الحجاج عن أبي عون محمد بن عبيد الله عن الحارث بن عمرو الثقفي بن أخي المغيرة، أخبرنا أصحابنا عن معاذ بن جبل قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال لي: بم تقضي إن عرض قضاء؟ قال قلت أقضي بما في كتاب الله؛ قال فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال قلت أقضي بما قضى به الرسول قال فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟ قال قلت أجتهد رأيي ولا آلو! قال فضرب صدري وقال الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله![69]. •روى محمد بن عمر، أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن مجاهد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف معاذ بن جبل بمكة حين وجه إلى حنين يفقه أهل مكة ويقرئهم القرآن[70]. •روى محمد بن عمر قال، أخبرنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: خطب عمر بن الخطاب بالجابية فقال من كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل[71]. •روى محمد بن عمر، أخبرنا أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال: كان عمر بن الخطاب يقول حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر، رحمه الله، أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى علي وقال: رجل أراد وجها يريد الشهادة فلا أحبسه! فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى عن مصره! قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر[72]. • روى عبد الله بن نمير قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن شهر بن حوشب قال: قال عمر إن العلماء إذا حضروا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قذفة بحجر[73]. •روى إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي، حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال بن مسعود إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين! فقلت غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا وما كان من المشركين، فأعادها علي فقال: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، فعرفت أنه تعمد الأمر تعمدا فسكت فقال: أتدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم! فقال: الأمة الذي يعلم الناس الخير، والقانت المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان معاذ، كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعًا لله ولرسوله[74]. •روى سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق قالا: كنا عند بن مسعود فقال: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله حنيفا! قال له فروة بن نوفل: نسي أبو عبد الرحمن، إبراهيم تعني؟ قال: وهل سمعتني ذكرت إبراهيم؟ إنا كنا نشبه معاذا بإبراهيم أو كان يشبه به، قال: وقال له رجل: ما الأمة؟ فقال: الذي يعلم الناس الخير، والقانت الذي يطيع الله ورسوله. •أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص قال: بينما بن مسعود يحدث أصحابه ذات يوم إذ قال: إن معاذا كان أمة قانتًا لله حنيفا ولم يك من المشركين! قال فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن إن إبراهيم كان أمة قانتًا: وظن الرجل أن بن مسعود أوهم، فقال بن مسعود: هل تدرون ما الأمة؟ قالوا: ما الأمة؟ قال: الذي يعلم الناس الخير، ثم قال: هل تدرون ما القانت؟ قالوا لا، قال القانت المطيع لله. •روى محمد بن الفضيل بن غزوان الضبي عن بيان عن عامر قال: قال بن مسعود إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، قال: فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن نسيتها؟ قال: لا ولكنا كنا نشبهه بإبراهيم، والأمة الذي يعلم الناس الخير، والقانت المطيع[75]. • روى قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان عن ثور عن خالد بن معدان قال: كان عبد الله بن عمرو يقول حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء[76]. •روى أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا أبو شهاب عن الأعمش قال: قال معاذ خذ العلم أنى أتاك[77]. ثالثًا: الصحابيّ: أُبيّ بن كعب: كان الصحابيّ أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أَحسنُ الصحابة قراءةً للقرآن، وكان اصطفاؤه لهذه المرتبة ربّانيًا توفيقيًا من عند الله عز وجل، ومما لا شك فيه أن الصحابة جميعهم مميّزون بنصرِهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم، إلّا أن أُبيًّا رضي الله عنه كان من القلّة الذين سمّاهم الله، وليس هذا بالشيء اليسير[78]، فقد نال أبي بن كعب رضي الله عنه هذا الشرف لِما أفناه من جهدٍ في تعلّم علوم الكتاب الكريم والحرصِ على تبليغه للناس، ليضع بين أيدينا أنموذجًا فذًّا وفرديًا في التفوّق والتفاني يشهد له بذلك كل من عاصره[79][80]. وتَقَدّمَ أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه في قراءة القرآن، وكان من أوائل كَتَبَةِ الوحي في المدينة وأشهرهم، كما تميّز في حفظه للقرآن وفهمه للآيات وترتيلها، حتى اكتسبَ مرتبةً رفيعة بين الصحابة وقُربًا ملحوظًا من النبي صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يشيد به و يقدّمه على القرّاء، ومما أخرجه الترمذي في سنَنِهِ قوله صلى الله عليه وسلم عن الصحابة: أَقْرَؤُهُمْ لِكتابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كعبٍ[81]، وإنّه ليُشاع صيته في المدينة حتى شهدوا له فيها على ذلك؛ فهذا ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أقْرَؤُنَا أُبَيٌّ[82][83]، ولمّا كانت له هذه المكانة العالية في علم القرآن، وملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم، وإحاطته بأسباب النزول، وعلوم القرآن الأخرى؛ أُعتُبر أُبيّ بن كعب رضي الله عنه من الصحابة المكثرين من التفسير، المعتمد عليهم في فهم كتاب الله و شرح معانيه، حتى أنّه كثُرت وتعدّدت طرق الرواية عنه في التفاسير، وكان من أصحّها: • الطريق الأول: طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه. • الطريق الثاني: طريق وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الفضيل بن أُبيّ بن كعب عن أبيه رضي الله عنهما[84]. ومن ما روي في فضل قراءته للقرآن: •روى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"[85]. •روى البخاري في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لأُبَيّ بن كعب، رضي الله عنه إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أقْرَأَ عَلَيْكَ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾[86]، قالَ وسَمَّانِي؟ قالَ نَعَمْ، فَبَكَى[87]. •وروى همام بن يحيى عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: أمرت أن أعرض عليك القرآن، وقال بعضهم سورة كذا وكذا، قال: قلت وقد ذكرت هناك، وقال بعضهم: سمانى الله لك؟ فقال: نعم! فذرفت عيناه! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، قال عفان في حديثه عن همام عن قتادة عن أنس: وأنبئت أنه قرأ عليه ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾[88][89]. •وروى أبى عن السائب بن يزيد قال: لما أنزل الله على رسوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق ﴾[90]، جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب فقال: إن جبريل أمرني أن آتيك حتى تأخذها وستظهرها! فقال أبي بن كعب: يا رسول الله سمانى الله؟ قال: نعم![91]. •وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقرأ أمتي أبي بن كعب[92]. •وروى المعلى بن أسد، أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا أبو فروة سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: قال عمر بن الخطاب: أبي أقرؤنا[93][94][95][96]. رابعًا: الصحابيّ: سالم مولى أبي حذيفة: هو سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، عاش في المدينة المنورة، وقتل يوم اليمامة، وكان فيمن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبدًا رقيقا، رفع الاسلام من شأنه حتى جعل منه ابنًا لواحد من كبار المسلمين، وكان قبل اسلامه شريفًا من أشراف قريش، وزعيمًا من زعمائها. قال السيوطي: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن أشته في كتاب المصاحف عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في المصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه، وعلى تقدير أن يكون محفوظًا فمراده بجمعه حفظه في صدره، كما قاله ابن أبي داود وابن حجر[97][98][99]. ولما أبطل الاسلام عادة التبني، صار أخًا ورفيقا، ومولى للذي كان يتبناه وهو الصحابي أبو حذيفة بن عتبة، وبفضل من الله ونعمة على سالم بلغ بين المسلمين شأوًا رفيعًا وعاليًا، أهلته له فضائل روحه، وسلوكه وتقواه، وعرف الصحابي بهذه التسمية سالم مولى أبي حذيفة، ذلك أنه كان رقيقًا وأعتق، وآمن باله ايمانًا مبكرًا، وأخذ مكانه بين السابقين الأولين، وتبنى أبو حذيفة سالمًا بعد عتقه، وصار يدعى بسالم بن أبي حذيفة[100]. ومن ما روي عن فضل قراءته للقرآن: •وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أبطأت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء ثم جئت فقال: " أين كنت؟ " قلت كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إلي فقال "هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا"[101][102][103]. •روى عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالمًا مولى أبي حذيفة، قيل له يومئذ في اللواء يعني يوم اليمامة، أي تحفظ به فقال غيره، أتخشى من نفسك شيئًا فتولى اللواء غيرك؟ فقال بئس حامل القرآن أنا، إذا فقطعت يمينه فأخذ اللواء بيساره فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين ﴾[104][105][106]. •روى عبدة ابن أبي لبابة قال: بلغني عن سالم مولى أبي حذيفة قال كانت لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، قال فقعدت في المسجد أنظر هل تخرج؟ فخرج، قال فخرجت إليه فوجدته قد كبر، قال فتقدمت قريبًا منه فقرأ بسورة البقرة وبسورة النساء وبسورة المائدة وبسورة الأنعام، قال ثم ركع، قال: فسمعته يقول "سبحان ربي العظيم" ثم قام فسجد فسمعته يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثًا في كل ركعة[107].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |