|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() اللغة والفكر أ.د. عبد الحميد النوري عبد الواحد اللغة في عرف اللسانيِّين والفلاسفة نظامٌ معقَّد يستعمله الإنسان للتواصل مع الآخرين، سمته البارزة الأصوات. وهذه الأصوات تأتلف فيما بينها لتنشئ الوحدات اللسانيّة الدالّة. وهذه الوحدات بدورها تتشكّل فيما بينها لتكوّن التراكيب. والتراكيب من جهتها تخضع لضوابط أو قوانين تتحكّم فيها حتّى يكون الكلام سليما ودالًّا. وبفضل الوحدات والتراكيب تنشأ المعاني المستفادة وتحقِّق اللغة وظيفتها. وأمّا الفكر فهو عمليّات ذهنيّة لحلّ المشكلات، أو أخذ القرارات، أو توضيح كلّ ما يتعلّق بأمور وجودنا وحياتنا. وهذه العمليّات الذهنيّة تحصل في الدماغ، حيث المراكز العصبيّة للفهم والحفظ والسمع والنظر والإدراك والكلام. والعلاقة بين الفكر واللغة غير خافية. إذ لا توجد لغة دون فكر، ولا يوجد فكر دون لغة. والأمران متلازمان. وأعتقد أنّه لا مانع من تشبيههما بوجهي الورقة الواحدة، مثلما قام بهذا دي سوسير في تبيان العلاقة المتينة بين الدالّ والمدلول. وهذان الوجهان أحدهما ملموس مدرك بالسمع أو النطق ألا وهو اللغة، والآخر مجرّد يحصل في العقل أو الذهن. وإنّه لمن الصعب إنكار هذه العلاقة لأنّنا لا نجد في الأصل تفكيراً مجرّداً بعيداً عن اللغة، حتّى وإن كان في عالم الرموز من نحو ما نجده في الرياضيّات أو المنطق. والدليل على إثبات هذه العلاقة المتينة، كوننا لا نستطيع أن نصوغ أفكارنا خارج نطاق اللغة، ولا أن نعبّر خارج نطاق اللغة، اللهمّ إلّا في الحديث، وفي ضرب من التوسّع، عن بعض الإبداعات الفنّيّة كالرسم.. والفكر الرائج في الأدبيّات العلميّة والإبداع الأدبيّ والفكريّ عموماً دليل على هذا، سواء كان بصورته المكتوبة أو المنطوقة. والتعبير باللغة عن فكر ما لا بدّ أن تصحبَه قدرة واضحة على البيان أو التبيين، وقدرة على تحليل الأمور وتقليبها على أوجهها المختلفة، وتوصيف الظواهر وتفسيرها أو تعليلها، مثلما تصحبه قدرة على طرح الأفكار والآراء ومناقشتها، وتقديم البرهان على صحّتها وسلامتها، أو دحضها والاستعاضة عنها بغيرها. وكلّ هذا بغاية بلورة الأفكار وتوضيحها من أجل تمريرها وإقناع الطرف المقابل بها. وممّا يدلّ على طبيعة هذه العلاقة أيضاً، أنّنا لا نستطيع أن نبدع في مستوى اللغة، إن كنّا لا نملك أفكاراً، أو أن يكون الجانب المعرفيّ ضعيفاً، أو أن يكون اطّلاعنا على موضوع ما في اختصاص ما دون المطلوب. فامتلاك الأفكار أو امتلاك المعرفة شرط للتفنّن في اللغة وحسن استعمالها، وتفجير طاقاتها. وفي المقابل حسن امتلاك اللغة من شأنه أن يساعدنا على تجلية أفكارنا، وإبرازها في حيّز الواقع، سواء كان في مستوى المنطوق أو المكتوب. إنّ الطفل في اكتسابه للغته الأمّ لَيُعتبر دليلاً عند بعض اللسانيّن على التضافر عنده بين اللغة والفكر. ذلك أنّ الطفل في أيّامه الأولى لا يفكّر ولا يتكلّم. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى ضعف مكوّناته الجسديّة، ومحدوديّة أجهزته أو أعضائه المختلفة، بما فيها المخّ والمراكز العصبيّة التي يتكوّن منها. وما أن ينشأ الطفل ويكبر شيئًا فشيئًا حتّى نتبيّن أنّ عمليّة الكلام عنده لا تنفصل عن الفكر أو التفكير. وبقدر ما تنمو الجوانب اللغويّة عنده تنمو الجوانب الفكريّة، ولعلّ العكس صحيح أيضا. فالطفل في مرحلة متقدّمة من عمره ينظر إلى كلّ الرجال على أنّهم كلّهم آباء له، أو على الأقل يُطلق عليهم "بَابَا". وهو ينظر إلى كلّ الأكل على أنّه "مَمَّة"، وعلى كلّ الشرب أنّه "بُوَّة"، مع الفارق في التعبير باللغات المختلفة بطبيعة الحال. وكلّما كبُر قليلاً إلّا وبدأ في التمييز بين الأشياء من حيث الإدراك ومن حيث التعبير في الآن نفسه. إنّ التعبير عن الأفكار باللغة لَأعقد ممّا نتصوّر. وموضوع اللغة ليس أمراً بسيطاً مثلما نتوهّم. وذلك بالرغم ممّا حظيت به اللغة من اهتمام على امتداد تاريخ البشريّة. فعالَم اللغة عالم عجيب، ولعلّ عالَم الفكر أعجب منه.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() اللغة والفكر (2) أ.د. عبد الحميد النوري عبد الواحد إنَّ الفكر مقوِّم من مقوِّمات حياة الإنسان، وهو يشغلنا جميعاً، وذلك بالنظر إلى الأشياء التي حولنا، والتي ندركها سواء بالحسّ أو بالعقل، والمشاعر التي نحيا بها، والتأمّلات التي نعيشها. وفي تعاملنا مع الواقع قد نُؤثر أن نعبّر عمّا نريد التعبير عنه بالكلام أو باللغة، أو نؤثر الصمت. وبالتالي فإنّنا وفي الحالتين، أي في حالة الصمت أو الكلام، يُعتبر الفكر قائماً فينا أو في عقولنا، وهو جزء لا ينفصل عن كياننا. ولا يمكن لأيٍّ كان أن يتجرّد من أفكاره أو يتخلّى عنها. وللغة بطبيعة الحال نصيب في الإفصاح عمّا نريد الإفصاح عنه. والإفصاح قد يكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة، أو أقرب إلى الكذب وأبعد ما يكون عن الصدق. والإفصاح قد يكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة أو المجاز. واللغة أو بالأحرى الكلام قد يكون واضحاً صريحاً أو غامضاً ملتبساً. والتباسه قد يكون بقصد أو دون قصد. والسياق من شأنه أن يوضّح المقاصد. ذلك أنّ اللغة لا بدّ لها من واقع حيّ ليعطي لدلالاتها أبعادها. وهذا الواقع الحيّ قد يفصل بين الجدّ والهزل، والحقيقة والخيال. والسؤال الذي يطرح في هذا المضمار، إلى أيّ مدى تكون اللغة قادرة على تبليغ المعاني، وتوضيح المقاصد؟ ألا يقول المتلقّي لمخاطبه في الكثير من الحالات: "ماذا تقصد؟" أو "هل تعني ما تقول" أو "بصراحة لم أفهمك" أو "هل أنت جادّ فيما تقول؟"، وغيرها من العبارات. ومثلما يشيع على لسان المتكلّم إزاء مخاطَبه "هل تفهمني" أو "أليس كذلك؟" أو "هل تدرك ما أعنيه؟". وكلّ هذه العبارات توحي بالتفاوت الموجود بين ما هو في الذهن وبين الاستعمال، أي استعمال اللغة. وحركة الفكر، إذا ما تأمّلناها، سريعة ولا حدود لها، بل لا ضابط لها. وتوارد الخواطر لا حدّ له، والتحوّل من تصوّر إلى آخر، عبر المسافات أو في الزمان والمكان، قد لا يعوقه عائق. والخلط بين الواقع والخيال، وبين الحقيقة والمجاز، ممّا لا يمكن أن ننكره، وممّا لا يمكن للغة أن تدركه. ولهذه الأسباب المشار إليها، قد نتلكّأ في الكثير من الأحيان في الكلام، وقد نجد صعوبة في إيجاد الكلمة المناسبة أو الملائمة لما نريد أن نعبّر عنه. وقد تخوننا اللغة في التعبير. وقد نفصح عمّا نريد الإفصاح عنه، وعمّا لا نريده أيضا. وقد نتدارك أمرنا في مرّات عديدة، ونقع في زلّات اللسان. وكلّ هذا من أجل البحث عن التوافق التامّ بين الفكر واللغة. ولهذه الأسباب أيضاً، قد نكثر عند التكلّم من حركة الجسم واليدين، ونعبّر بالوجه والنظرات والملامح. وقد يكون الحديث أفضل عندما نكون جلوساً لا واقفين. ونؤثر الحديث بعيداً عن الضجيج الذي من شأنه أن يعيق عمليّة التواصل. ونحبّذ أن يكون التواصل وجها لوجه، وأن يكون المتلقّي في مستوى الفهم والإدراك. وأن يكون بين الطرفين، أي الباثّ والمتقبّل، لغة مشتركة وثقافة مشتركة، وسجلّ لسانيّ مشترك. وفي الكثير من الحالات وبالرغم من الالتجاء إلى الإشارة أو الإيماءة فقد لا نحسن التعبير عمّا نريد التعبير عنه، وقد تخوننا العبارة كما يقولون. الأمر الذي يجعل الفرد يلتجئ إلى مواقف نفسيّة شتّى، سواء كان بوعي أو دون وعي، كالانفعال والتوتّر والفرح والضحك والبكاء وغيرها. فيتأثر المتكلّم بمضمون الحديث ومقاصده. وقد نرى التشنّج الواضح عند بعض المتكلّمين، واستعمال عبارات نابية أحياناً، وسبًّا وشتماً، أو ضحكاً واستهزاءً، أو بكاءً بل شهيقاً في حالات كثيرة. هذا في الحقيقة ما يغلب على الشفويّ المنطوق. بَيد أنّ المكتوب ليس ببعيد عن هذا، وذلك من نحو الكتابة والتشطيب وإعادة الكتابة، وتمزيق الورقة ومعاودة الكتابة، وإصلاح الخطأ، وتهذيب العبارة، وتحسين الأسلوب. ونظلّ نبحث أبداً عن العبارة المؤاتية، والكلمة المعبّرة، وكثيراً ما يخرج النصّ بما لا تهوى أنفسنا. وتبعاً لهذا فإنّ المقام له حضوره، ولكلّ مقام مقال. ولكلّ مقال أبعاده الفكريّة وأبعاده العمليّة الحياتيّة. وما الأفكار إلّا الخواطر التي تسكننا والتي نحيا بها، والاعتقادات التي نؤمن بها، والأيديولوجيات التي نختفي وراءها، والطموحات التي نأملها. واللغة قد تُحسن التعبير عن كلّ هذا أو لا تحسن، وذلك حسب قدرة المتكلّم على التصرّف فيها، ومدى اكتسابه لها.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |