|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وصفة علاجية: كيف تطبب الآلام النفسية؟ نسمة السيد ممدوح في مجتمعنا العربي لا تزالُ موضوعاتُ الصحة النفسية، والثقافة الإنسانية، قاصرةً إلى حدٍّ كبير، ولا يزالُ مفهومُ المرض النفسي، والتوعُّك النفسي غيرَ واضحٍ لدى الأغلبية؛ ربما لقلّة ما هو مكتوبٌ عنه، أو ربما لكون ما هو مكتوبٌ يَعتبرُه القرَّاء نظريًّا فقط، وربما لأن ما هو مكتوب يخاطبُ مَن يعاني من الأزمة، وليس مَن يُحاوِلُ مساعدة شخص يعاني منها. على كلِّ حال، وأيًّا كان سببُ هذا القصور فهو موجود، من ملاحظاتي وتعاملي مع الآخرين أراه موجودًا وبوضوح أيضًا، ومن لم يستطِعْ مساعدةَ غيره فذلك لنقص وعيِه، وثقافته، وإدراكه؛ فهذا أمر يؤذيه ويزيد من آلامه ومتاعبه؛ لأجل هذا حررتُ قلمي اليومَ؛ ليكتب من واقع قراءاتي وملاحظاتي، وحسّي الخاص؛ علَّه يُقدِّم وصفةً علاجية بسيطة تفيد. التوعُّك النفسي حالةٌ طبيعية في حياة الفرد منا، فكما يعتلُّ الجسد - لأسباب يمكن التحكم فيها أو لا - كذلك تتوعَّكُ النفس، وتضطرب وتتألم، والحقيقة أن الكثير من قوانين المرض والصحة الجسدية تسري على النفسية أيضًا، ولكن هي بحاجة للتأمُّل؛ لفهم كيفية تطبيقِها والإفادة منها، فمَن يعاني من الزكام مثلاً أو آلام المعدة أو الظهر، يدرك حقًّا أنه يتألَّمُ، وأنه يعاني من توعُّكٍ أو مرض، وبالفعل يسعى لطلب المساعدة، ويُقبِلُ على تناول الدواء، ويساعده المحيطون به على تناول الدواء في مواعيده المقرَّرة، بل ويُهيِّئون له سبلَ الراحة؛ ليُشفَى سريعًا، أما مَن يُعاني من توعُّك نفسي، فهو في الأغلب يشعر بكونه في مشكلة وأزمة، يفقد سعادتَه، يُصبِحُ أكثرَ حساسيَّةً، وأقل إنتاجيَّةً، يَجِدُ صعوبةً في الابتسام والاندماج والتفاعل الاجتماعي، يُعاني من العُزلة الداخلية، وبالطبع هو يُعاني، وليس على ما يرام، ففي هذه الحالة قد يكون واعيًا لما يجب عليه فعلُه؛ ليتجاوز الأزمة، أو لا يكون، فإن كان واعيًا فاحتمال أن يواجه صعوبةً في تنفيذ المطلوب كبيرة جدًّا؛ لأنه ليس على ما يُرام، فهو يَعرِفُ ما يَجِبُ فعله، ولا يستطيع فعله، تنقصُه الطاقة، وتلك الطاقة لا تأتي من الغذاء بالطبع، وإنما تأتي من العاطفة، المقصودُ شحنةٌ عاطفية مُوجبة؛ تُحفِّزُه، وتساعده لاجتياز الأزمة. هنا نواجِهُ الأزمةَ الحقيقيَّة، فالكثيرون لا يعلمون كيف يُمدُّون غيرَهم بالشحنة العاطفية الموجبة، ويُقدِّمون نيابةً عنها شحنةً سلبيَّةً من اللوم والمواجهة، والنصائح المفرطة بنوايا صادقة للمساعدة، إلا أن النوايا مهما كانت جيدة فلن تُجديَ شيئًا في تلك الحالة، ولِتكونَ الصورةُ أكثرَ وضوحًا تصوَّرْ شخصًا يعاني من ألم الظهر، وحاوِلِ التخفيفَ عنه بتلك العبارات: "متى ستتعافى من آلامك؟ أنت على هذه الحالة منذ أسابيع، ما الحل؟ حاول أن تساعد نفسك، لِمَ لا تفكِّرُ بعقلك؟ هل من الممكن أن ينفعك المرض؟ أنت تخسر حياتك وصحتك ومَزاجك، حاول أن تُفكِّر!" بالطبع يبدو من غير المنطقي أن تواسيَ شخصًا بتلك العبارات القاسية، إلا أن ما يحدث هو كذلك، فالكثيرون يواسون مَن يعانون من آلام نفسية بتلك النصائح، ولا فرقَ في الحقيقة بين الألم الجسدي والنفسي، كلاهما ألمٌ، وكلاهما لا تجدي معه العقلانية المفرطة، البديل الحقيقي والمجدي هو التعاطفُ والدعم، اقرأ تلك العبارات: "لا تقلق؛ ستكون الأمور على ما يرام، أنا أتمنى أن تتعافى سريعًا؛ لأني أريدك في حياتي، أنا أثق في رحمة الله ثم في قدرتك، كن مطمئنًّا؛ فكلُّ شيء سيكون على ما يُرام" أضِفْ لمسةَ حبٍّ، وحنان احتضان أو قبلة هادئة، هذا هو المطلوب حقًّا، دَعْك من الأسئلة المتكررة، دَعْك من اللوم، فمن يعاني يعرف جيدًا أنه ليس في حالته الطبيعيَّة، ويعلم أنه غيرُ سعيد، وهو بالطبع يتألم فكفى! "المراقبة": تلك أخطر ما يمكن أن تقوم به لمساعدة شخصٍ يعاني، أنت تراقبُ بحبٍّ وهذا مفهوم ومُقدَّر أيضًا، ولكن اجعل مراقبتَك صامتةً وهادئة، لا تسأل كثيرًا: "متى ستعود لحالتك الطبيعية؟" عندما تجد تطورًا لا تُقدِّم تعليقات سريعة وفورية: "الحمد لله لقد بدأت بالابتسام" فقط راقب، وتتبع التطورات وعزِّزها، عندما يبتسم ابتسم أنت أيضًا، عندما يحاول الحديث - وإن بدا عصبيًّا وسيئ المِزاج - فتجاوب مع ما يقول، وانسَ كيف يقولُه، هذا إن أردت أن تُقدِّمَ دعمًا. "التعافي القهري": لا تدفع شخصًا يُعاني للتعافي قسرًا، فكما لا يُشفَى مريض الأنفلونزا في أقل من أسبوع، فالمتوعِّك نفسيًّا لن يُشفَى بسرعة فائقة مهما فعلت، وكما تحتاج الجروح لوقت كي تلتَئِمَ، فكذلك جروحُنا النفسية، عليك أن تمنح الوقت بحبٍّ، لا تدفع شخصًا لدفن آلامه فقط؛ لتكفَّ أنت عن محاولاتك لعلاجه، هذا يشبه بالضبط مَن يعاني من السُّعال ويمنع نفسه من السُّعال كي لا تلحظه العيون، ويُسأل: "ألم تتعافَ بعدُ؟" تخيَّل كم الضرر؟! "الاكتئاب": كلمة يَنزعِجُ منها الكثيرون، ولكن من الضروري أن تقرأ عن الاكتئاب؛ لأنه من الطبيعي أن تمرَّ به خلال حياتك - ولو مرةً واحدة - والاكتئاب مرضٌ كغيره من الأمراض له درجات ومراحل، فإن لم تَعرِفْ ماهيَّتَه وأعراضه، فقد تُصابُ به، وتَزِلُّ قدماك من اكتئاب بسيط إلى حادٍّ لا قدَّر الله والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يكونون أكثرَ عُزلةً وحساسية، وأقل قدرة على تذوق الحياة والشعور بالبهجة، وعندما يُحاوِلُ شخصٌ مكتئب ممارسةَ أنشطة متنوعة، فهذا يعني محاولتَه للخروج من الاكتئاب، ليس من الحتمي أن ينجح بمفرده، ويمكنك أن تمدَّ له يدَ المساعدة، ولكن كيف؟ هذا ما يجبُ أن تتعلَّمه حقًّا، عندما تَعرِفُ كيف يُفكِّرُ المكتئب يمكنك أن تتحدَّث إليه لتُعينَه على التعافي، هو يشعر بأن حياتَه بلا قيمة، يمكنك أن تَطلُبَ مساعدتَه لك، أو أن تُبدِيَ احتياجَك النفسي إليه، عندما تعرفُ أنه يفكِّر في مشكلته كثيرًا، وكلما فكَّر أكثرَ، غَرِق أكثر، فيُمكنُك أن تتحدَّث إليه عن موضوعات بعيدة كلَّ البعد عن مشكلته، لا تتحدثْ عن حالته، لا تتحدثْ عن مظاهر عزلته واكتئابه؛ كي لا تعزِّزها، وهكذا. والكلمة السحرية لعلاج المتاعب النفسية هي العاطفة، ثم العقل، لا العقل ثم العاطفة. مَن يتألَّمُ نفسيًّا لا يحتاجُ لمُفكر، وإنما يحتاج لتعاطفِ محبٍّ؛ كي يهدأ ويطمئن، ثم يأتي دور العقل.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |