في ظلال أول بيت وضع للناس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل كريمة الشوكولاتة المنزلية.. طعم غني بلمسة طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          5 أسباب لظهور فقاعات في طلاء الحائط ونصائح لتجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          وصفات طبيعية لتوريد الشفاه وترطيبها في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          5 خطوات لحماية شعرك في المصيف من المياه المالحة.. استمتعي بأمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          طريقة عمل مسقعة بالبشاميل والدجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          5 أكلات غنية بالكولاجين الطبيعى لنضارة البشرة وترطيبها من الداخل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتهدئة الحبوب الملتهبة في الحر.. بدون مواد كيميائية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          5 تقنيات وحيل للحصول على مكياج احترافى على الطريقة الكورية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          مشكلة إجازة الصيف.. 5 خطوات تساعد أولادك يناموا بدري ويقللوا السهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          طريقة عمل مشروب الخيار والنعناع للترطيب عشان يهون موجة الحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2022, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي في ظلال أول بيت وضع للناس

في ظلال أول بيت وضع للناس
د. حيدر الغدير






هُناكَ وفي ظِلالِ أوَّلِ بيتٍ وُضِعَ للناسِ بمكةَ المكرمةِ مباركًا وهُدًى للعالمين، وفي مَهْدِ الإسلامِ الأوَّلِ، تُشرِق على قلبِ المؤمنِ نفحاتٌ عاطرةٌ طاهرةٌ، هي العَذْبُ الزُّلالُ وأطْيَبُ، والمِسْكُ الذَّكِيُّ وأضْوَعُ، وتُغاديه ذكرياتٌ كريمةٌ هي الضِّياءُ في الظلامِ المحْلولَكِ، وتُباكره آمالٌ عِذاب تنفي عنه اليأسَ، وتبُثُّ فيه القوةَ والعزيمةَ والرجاءَ. وإنَّ المؤمن لَيَسْتَشْعِرُ ذلك أعْمَقَ ما يكونُ خاصةً في هذه الأيامِ الطاهراتِ التي تتوالى فيها حشودُ الحجيجِ قادمةً من كُلِّ فَجٍّ عميقٍ، وهي تُردِّد: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ)).







يستشعِر المؤمنُ ذلك، ويعظُم إحساسُه به، كلما وقَف على مَشْهدِ هؤلاءِ الحُجاجِ دارسًا فاحصًا، غائصًا على المعاني والعِبَر والأسرار، مُدْرِكًا لسَعةِ النُّقْلة المؤمنة التي تُحْدِثها فيهم رحلةُ الحَجِّ، وتُوقِد فيهم نيرانَها المَشْبُوبةَ، وأشواقَها المتدفِّقةَ، أصداءُ الصيحةِ الربانيةِ التي تملأ السَّهْلَ والجبلَ، والبحرَ والجوَّ: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)).







وإنَّ نظرةً واحدةً إلى ضيوف الرحمن كافيةٌ أن تُشْعِرَ المَرْءَ بالتغيُّر الذي أحدثَتْه فيهم استجابتُهم لنداءِ الحَجِّ، وبإمكانية استمرار هذا التغيُّر، بعد إذ يؤوبون إلى بلادهم في نهاية الرحلة المؤمنة الكريمة. وانظُر إليهم، وقِفْ على أحوالهم تجدْ ذلك أجْلى ما يكونُ وأروعَ ما يكونُ.







عيونُهم باكيةٌ، وألسِنتُهم ذاكرةٌ، ووجوهُهم خاشعةٌ، وجوارحُهم مُخْبِتةٌ، وقلوبُهم منيبةٌ، وسرائرُهم صافيةٌ، وأجسادُهم متطهِّرةٌ، جباهُهم ساجدةٌ، ونفوسُهم كريمةٌ، وملامحُهم تنطِقُ بالخيرِ والبِّرِ والبِشْرِ، والمَرْحمةِ والتعاونِ، والإيثارِ والجُودِ، وهَجْرِ السُّوءِ والآثامِ، والمبادرةِ إلى ما يطيبُ ويزكُو، ويكرُمُ ويسمُو، كيف لا وهم ضيوفُ الرحمن وفَدُوا إلى بيتِه العتيقِ طائعينَ تائبينَ، أحرارًا مختارينَ، مُلبِّينَ ذاكرينَ؟!







إنهم تائبون متطهِّرون، متوادُّون متراحمون، مَثَلُهم كمَثَلِ الجسدِ الواحدِ، تكامُلًا وتواصُلًا بالخير والصلاح. إنَّهم راجون مؤمِّلون لأنفسهم وذَوِيْهم، وأُمَّتِهم وبلادِهم وللمسلمين جميعًا، أن تتداركَهم رحمةُ الله عز وجل، فتعفُو عن التقصير، وتغفِر الزَّلَّةَ، وتمحو الإثمَ، وتجعلهم من أهل الفوز والنعيم العظيم المقيم.







لقد انحصَرَتْ آمالُهم وتركَّزَتْ؛ فإذا هي تتَّجه جميعًا صَوْبَ المغفرةِ، والنجاةِ من النار، وإدراكِ الجنة، وما أعظمَها من آمال! وما أجملَها من أمنيات!







إنهم يطوفون حولَ البيتِ العتيقِ، لا يذكرون إلا الله عز وجل، ولا يفخرون بِعَرَضٍ من الدنيا فانٍ زائلٍ.







ويقِفُون على صعيد عرفة فلا يسألون إلا اللهَ عز وجل، ولا يعتمدون على أحدٍ سواه، ويذهبون إلى مِنى يرجُمُون الشيطانَ، ويفرَحون بالأضاحي يذبَحُونها خالصةً لوجه الله الكريم، كيف لا وهم ضيوفُ الرحمن، وفَدُوا إلى بيته العتيق متطوِّعين مُختارين، خاشعين تائبين، ذاكرين مُلبِّين؟!







لقد سافَرُوا في رِضا الله، ونفَرُوا في سبيل الله، واجتمعوا على محبة الله، وتعاهدوا على طاعة الله، والتَقَوا على ذكْرِ الله.







شكَوا ذنوبَهم للهِ وإليه أنابُوا، وألقَوا أحزانَهم وأشجانَهم، وهمومَهم وآمالَهم بين يديه، فوَّضُوا أمورَهم جميعًا إليه، ونادَوا بما يخافون وبما يُؤمِّلون، وَوَكَلُوا كُلَّ ذلك إليه، تجمَّعُوا وبُلْدانُهم بعيدةٌ، وديارُهم نائيةٌ، ولهجاتُهم مختلفةٌ، وأنسابُهم متباينةٌ، وأشكالُهم متباعدةٌ، وألوانُهم متنوعةٌ، وأعمارُهم متفاوتةٌ، وآمالُهم متعددةٌ وأمزجتُهم وعاداتُهم شتَّى.







فيهم الغنيُّ والفقيرُ، والحاكمُ والمحكومُ، والعالِمُ والجاهلُ، والذكيُّ وغيرُ الذكيِّ، والشرقيُّ والغربيُّ، والعربيُّ والأعجميُّ، والطويلُ والقصيرُ، فيهم الخاملُ والمشهورُ، والمعروفُ والمجهولُ، والكبيرُ والصغيرُ، والمرأةُ والرجلُ، والراشدُ والقاصرُ، والطفلُ والبالغُ، والسقيمُ والمعافَى، والعابدُ والزاهدُ، والغافلُ والناسي، كُلُّهم تجمَّعُوا، وكُلُّهم تعارفُوا، وكُلُّهم وصَلُوا قلوبَهم بالله عز وجل، كيف لا وهم ضيوف الرحمن، وفَدوا إلى بيته العتيق متطوِّعين مُختارين، خاشعين تائبين، ذاكرين مُلبِّين؟!








ها هم أولاءِ جميعًا في زيٍّ واحدٍ، إن هذا يعني فيما يعنيه أنهم جميعًا أمامَ اللهِ سواء، جاؤوا إليه متساوين، تمامًا كما وُلِدوا متساوين، وكما سيخرجون من الدنيا متساوين. جاؤوا إلى هذه الدنيا عَرايا فلفَّتْهم أمهاتُهم في ثيابٍ بِيضٍ، وسيخرجون منها ملفوفةً أجسادُهم في ثيابٍ بِيضٍ، ولعلَّهم الآنَ في ثيابِ الإحرامِ يستعيدون هذين المشهدين: مشهدَ الدخولِ، ومشهدَ الخروجِ، وملابسُ الإحرامِ أقربُ ما تكونُ إلى ملابسِ هذين المشهدين.







فها هم أولاءِ قد نفضُوا أيديَهم من الدنيا، وهُرِعُوا إلى الله مُتجرِّدين من كُلِّ زينتِها وبهجتها، متوجِّهين إليه بقلوبهم وأرواحهم وأجسادهم شُعْثًا غُبْرًا، قد خلعوا ثيابَهم إلَّا ما لا بد منه، مُعلنين أنهم جاؤوا إلى بيتِ اللهِ الحرامِ، وأرضِ الرسولِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم، خالعين الدنيا بما فيها وما عليها، فلا سبيلَ لها على قلوبِهم وأرواحِهم، وكأنَّهم بملابسِ إحرامِهم يستعيدون صورةَ الخروجِ الأخيرِ من الدنيا، فهذه الملابسُ هي الأكفانُ أو كأنَّها الأكفانُ، فتهُون الدنيا عليهم بذلك، ويعرِفُون قِلَّتَها وقِصَرَها وانقطاعَها، ويعُودون من الحجِّ وقد عَزَموا على أن يقطعوا ما بقي لهم من الحياة فيها، مستقيمينَ على أمْرِ اللهِ عز وجل، عاملينَ لمرضاته، ساعينَ لإعلاء مَجْدِ الإسلام.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-07-2022, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: في ظلال أول بيت وضع للناس

في ظلال أول بيت وضع للناس (2)
د. حيدر الغدير

هناك في مهد الإسلام الأول، وفي ظلال البيت العتيق، وحيث حشود الحجيج يحدوها النداء الرباني الخالد: "لبيك اللهم لبيك" - مشهد حافل عجيب، لا مثيلَ له قطُّ في الدنيا كلها، مشهد رباني سامٍ كريم ننفرد به وحدنا نحن المسلمين عن أديان الناس جميعًا وعقائدهم، واحتفالاتهم وتجمعاتهم، وعن هذا المشهد العجب يحلو الحديث ويزكو، ويكرُم ويطيب، ويخصُب ويتنوع.

هناك حيث القلوبُ الخاشعة، والدموع المرسَلَة، والتوبة النصوح، والأكفُّ الضارعة، هناك حيث الأوزار تُلقَى، والآثام تتلاشى وتبِيد، والخطايا تُعفى بالتوبة الصادقة، والأوبة الواثقة، يستيقظ الشعور المؤمن في الحاجِّ الوافد، فيهيب به أن يحذر الغفلة والكسل، والعودة إلى الإثم من جديد، ويطلب إليه أن يستأنف الطريق السويَّ المستقيم بعد عودته من رحلة الحج، الطريق الراشد المبارك، الذي يبدأ بطاعة الله تعالى وامتثال أمره، وينتهي بجنة عرضها السماوات والأرض أُعِدت للمتقين.

هناك وفي ظلال أول بيت وضع للناس بمكة المكرمة مباركًا وهدًى للعالمين، وفي مهد الإسلام الأول، تُشرِق على قلب المؤمن نفحاتٍ عاطرة طاهرة، هي العذْبُ الزُّلال وأطيبُ، والمسك الذكي وأضوع، وتُغاديه ذكريات كريمة هي الضياء، في الظلام المُحْلَوْلِكِ، وتباكره آمال عِذَابٌ تنفي عنه اليأس، وتبث فيه القوة والعزيمة والرجاء.

هؤلاء هم ضيوف الرحمن، وفدوا إلى البيت بيتِه العتيق من كل حَدَبٍ وصوب، يحدوهم يقين راسخ، وإيمان عميق، ورجاء لا يبلَى، ها هم أولاء يغدون ويروحون، إنهم في الجو يطيرون، وفي البحر يسرعون، وعلى أثباج البحار يركبون، وفي البَرِّ يرمُلون على كل ضامر، رجالًا وركبانًا، من كل فجِّ عميق يقدُمون.

هجروا الأهل والولد، والوطن والعشيرة، وتركوا رفاهية الحياة ومتاعها، وفارقوا منازلهم ومتاجرهم، وأموالهم ومرابعهم، تخففوا من الهموم والأعباء، والمشكلات والمتاعب، ومن التنافس المتصل في طلب الرزق، وتجردوا من المطامع والأهواء، ونجَوا من النفاق والرياء، واطَّرَحُوا الترف والرخاء، وأخلصوا النية لله جل جلاله، كيف لا وهم ضيوف الرحمن وفدوا إلى بيته العتيق، متطوعين مختارين، ملبِّين ذاكرين، خاشعين تائبين؟!

لقد لبسوا الخفيف من الثياب الذي لا بد منه، فكأنهم خلعوا الدنيا مرتين؛ خلعوها عن نفوسهم واهتماماتهم حين تركوا كل شيء، وأقبلوا على ربهم تائبين مستغفرين، وخلعوها عن أجسادهم حين لم يُبْقوا من دنياهم عليها سوى ملابس الإحرام التي لا يحتاج المرء إلا لمثلها حين يودع الحياة، ويوارَى في التراب.

تواضَعَ ضيوف الرحمن فما ثمة علوٌّ ولا كبرياء، ولا ادعاء ولا خُيَلاء، وتصافحوا فما ثمة عداوة ولا شحناء، وتساوَوا فما ثمة أغنياء ولا فقراء، وابتسموا سعداء هانئين، فما ثمة هموم تسحقُهم، ولا أحزان تطحنهم، واتقَوا فما ثمة رَفَثٌ ولا عصيان، ولا لغوٌ ولا بهتان، ولا زُور ولا عدوان، وتعارفوا فما ثمة تقاطع ولا هِجران، ولا حسد ولا بغضاء، ولا تنافس ولا تسابق، أمَلُوا أن يفوزوا بالمثوبة والمغفرة والقبول والإجابة، فما ثمة يأس ولا قنوط، كيف لا، وهم ضيوف الرحمن وفدوا إلى بيته العتيق خاشعين تائبين، ملبين ذاكرين؟!


"لبيك اللهم لبيك"... هي النداء الرباني الذي اجتمع عليه هؤلاء الضيوف، وهم مختلفون في اللغة واللون، والسَّحَنَةِ والزِّيِّ، والعِرْق والعادة، والأرض والمِزاج، مختلفون في كل شيء إلا في الإيمان الذي جمعهم اليوم على هذه التلبية الربانية، فإذا بهم تنقُلهم نُقلة ضخمة، شاسعةً واسعةً بعيدة، وبهذه النقلة المؤمنة تعارفوا وتآلفوا، وتحابوا وتوادوا، وتعاونوا وتراحموا.

سقطت بينهم جميع العصبيات المقيتة، والعنصريات الكريهة، والقوميات الضيقة، والوطنيات المحدودة، وجَمَعَهم أنهم كلهم يشهدون بصحة الإسلام وعظمته، وصِدْقِ القرآن وخلوده، وأنهم يشهدون بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وأنهم جميعًا يرددون تلبيةً واحدة بلغة واحدة هي الهتاف الذي يعلو ليصل أهل الأرض بهدْيِ السماء.

ألا ما أعظم ما صنع الإيمان بضيوف الرحمن! وما أكرم عطايا التلبية الربانية المباركة "لبيك اللهم لبيك"!

لقد غدت قلوبُ الحجيج بها نقية كقلوب الأطفال، صافية كقلوب الطير، حانية كقلوب الأمهات، وغدت أعمالهم أبرَّ وأصدق، وأقوالهم أعفَّ وأنظف، وسرائرهم أصفى وأزكى، وعلانيتهم أرضى وأسمى، أما أرواحهم فسمَتْ وزكَتْ، وأما أخلاقهم، فكرُمَتْ وطابت، واستبشرت نفوسهم، وأشرقت وجوههم، كيف لا، وهم ضيوف الرحمن، وفدوا إلى بيته العتيق ملبين ذاكرين، متطوعين مختارين، خاشعين تائبين؟!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-07-2022, 06:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: في ظلال أول بيت وضع للناس

في ظلال أول بيت وضع للناس (3)
د. حيدر الغدير

هناك وفي ظلالِ البيت الطاهر العتيق، وفي هذه الأيام المباركة من هذا العام ومن كل عام، ترى صورةً عجيبةً للأمةِ المسلمة، ترى الأمة الهادية الوسطَ الشهيدةَ على الناس، التي انْتُدِبَتْ بحكم إيمانها فقط لا لأيِّ اعتبارٍ آخر، لتكونَ الوصيةَ على البشرية القاصرة، الموجِّهةَ لها، الساعية لهدايتها وإخراجها من الظلمات إلى النور.

الأمةُ المسلمة الوسط، الهادية المهديةُ تظهرُ على حقيقتِها، وعلى الشكلِ الذي يريده لها خالقُها في ظلالِ البيت العتيق وحولَه وفي رحابِه، فهنا تتبدى مَنْ هي، وهنا تَعْرِفُ مَنْ تكون.

هنا أمةُ الإسلام، حاملةُ رايةِ القرآن، والحاميةُ الساهرة، المبلِّغةُ الحفيظة، على إرث الإيمان من لدن آدم عليه الصلاة والسلام حتى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.

هنا أمة الأمر بالمعروف، والنهيِ عن المنكر، وصاحبة الرسالة الإلهية الأخيرة للناس كل الناس، في الأرض كل الأرض، هنا أمة الجهاد لسانًا وقولًا وأداءً وإبلاغًا، وهنا أمة الجهاد يدًا وسيفًا، وطائرةً وقنبلة.

هنا الأمة الطاهرة التي هي خلاصة الأمم ولُبابُها الأفضلُ التي بيَّضت ذاتَ يومٍ صفحة التاريخ والحضارة، وشادت منهما أكرمَ بناء، وصاغت للإنسانية المثلَ العليا، النموذجيةَ العملية، الحقيقية الكريمة، الجديرةَ بالتأسي والاقتداء، وفي الحج تجديدٌ لهذه الأمة، وصقلٌ لجوهرها، وتذكيرٌ بالعهد، ومطالبةٌ بالوفاء بمستلزماتِ الأمانة، وواجباتِ الرسالة، ومسؤولياتِ القوامة على الناس.

فالحج يجدِّد لهذه الأمة معناها الحقيقي، ودورها الرياديَّ، ومهمتها الطليعية، إذا تاهت عنها، ونسيتها، وتجاهلتها، وخانتها، وضلَّت وحادت، وضاعت وانحرفت، والحج يطالبها - ويجدد مطالبتَها كلَّ عام - بأن تكونَ على المستوى المطلوب، وإلَّا حلَّت بها عقوبة الاستبدال، وهو يوحِّد خُطاها على طريق مهمتها، وينأى بها عن الفُرقةِ والشتات، ويحمي مسيرتها أن تكون نَهْبًا لكل عابثٍ أو فاجرٍ أو مضلِّلٍ يريدُ قيادتها نحو الدمار.

وهو تذكيرٌ لها بهذا التوحيد المرجوِّ، نحو الغاية المرجوَّة، وهو كذلك تعليم عملي لها أنَّ وَحْدَتَها إنما الطريقُ إليها هو طريقُ الإيمان، وسَلْ شواهدَ التاريخ عن ذلك، وسَلْ عبرة الحج عن ذلك؛ حيثُ قَدِمَ أبناءُ هذه الأمة من كل مكان في وحدةٍ عميقة، من حيث العقيدة والهدف، ومن حيث الخُطى والمسعى، ومن حيث المظهر والزي، وهم يرددون من الأعماق: الله أكبر! وهم يرفعون من الأعماق: لبيك اللهم لبيك! وقد وَحَّدَ بينهم الدينُ العظيم الذي يُكرِّمُ الإنسانَ لأنه إنسان، والذي يعلو على كل الفوارق الزائفة التي تقسِّمُ الناسَ مِزَقًا شتى بسبب الأعراق والألوان، واللغات والأشكال، والحدود والتضاريس وما إلى ذلك من عصبياتٍ ضالةٍ جاهلةٍ متخلِّفة.

وإذًا، فيمكن أن يُقال: إن الحج رحلةٌ فاصلة، وبدايةٌ جديدة، وميلادٌ جديد، لحقيقة الإنسان المسلم ودوره ومسؤوليته، ولحقيقةِ الأمة المسلمة ودورها ومسؤوليتها كذلك.

ولعل وقفةً قصيرة عند المؤهلات المطلوبة من الحاج تكشفُ ذلك بجلاء، فلا بد أولًا من أن يكون مسلمًا؛ لأن التائهَ عن حقيقة الحقائق وهي الإسلام، لا مجالَ له في هذا الأمر العظيم.

ولا بد من البلوغ؛ لأن الصغارَ أقلُّ استعدادًا للولوج فيه؛ حيث لا يستطيعون وعيَ حقائقه، واحتمالَ مسؤولياته.

ولا بد من العقل، فللمجانين أمكنةٌ أخرى، لأن لهذا المكان مستوًى من حسن الفهم لا يستطيعه إلا عاقلٌ راشد.

ولا بد أيضًا من الحرية، وهي شرطٌ للقدرةِ على الأداء؛ لأن ناقصَ الحرية ليسَ في الموقع الذي يتيحُ له احتمال المسؤولية، والنهوضَ بها.

ولا بد من الاستطاعة في المال والنفس والطريق وما إلى ذلك؛ لأن مَنْ تتجاوزُه حدود الاستطاعة يَعْسُرُ عليه الوفاءُ بالمسؤوليات الجِسام، ويشقُّ عليها أن ينهضَ بواجباتِها الكبار.

وتأمَّلْ في هذه المؤهلات الكريمة: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة - تَرَ أن تحققها في المسلم القادم إلى الحج، واجتماعَها معًا فيه، يجعلُه أهلًا بحق لحمل الرسالة والوفاء بمسؤولية الأمانة، قادرًا على احتمالِ تكاليفها، وفهمِ أبعادها، وإدراكِ مراميها، أما حين يغيبُ شيءٌ من هذه المؤهلات المطلوبة؛ فإن المرءَ تصبح فيه ثغرةٌ معيبةٌ مُخِلَّة، تجعله عاجزًا عن القيام بواجباته ومسؤولياته، وحين يبدو هذا الأمر واضحًا بشكل جيِّد، ويستقرُّ ويتحقق، يمكن لك بالضرورة أن تَمُدَّ نطاقَه، وتتوسعَ فيه لتجعله ينطبق على الأمة المسلمة كلها.

فالأمة المسلمة كي تعيَ دورَها بحق، وتفهمَ حقيقتَه وأبعاده وأمداءه، وكي تملك المقدرة العقلية والنفسية، والروحية والجسدية، للقيام بأعباء هذا الدور والوفاء به، لا بد لها من امتلاكِ مؤهلاتٍ تستطيعُ معها تحقيقَ ذلك، وهذه المؤهلاتُ المطلوبة منها، هي المؤهلاتُ المطلوبة من الفرد، وكلَّما تكاملت كانت أقدرَ على الأداء المطلوب، وكلَّما وُجِدَتْ فيها ثغرةٌ من الثغرات، ظهر القصورُ واضحًا في الأداء، حتى إذا تجاوزتْ هذه الثغرة، تجاوزتْ ما ترتَّبَ عليها من قصور.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-07-2022, 06:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,855
الدولة : Egypt
افتراضي رد: في ظلال أول بيت وضع للناس

في ظلال أول بيت وضع للناس (4)
د. حيدر الغدير


حولَ البيت العتيق تدور حياةُ المسلم في هذه الدنيا، فهو في صلاته يتجه إليه؛ لأنه القبلة التي اختارها الله لعباده المؤمنين، وقبلة الله هي القبلة التي ليس فوقها شيء، وهي المركز المحوري الذي ترتبط به عقيدةُ المسلم، وعقيدة المسلم هي محور حياته الذي ينطلق كلُّ شيء منه ويعود إليه؛ لذلك لا غرابةَ أن يمتلئ قلب المؤمن إحساسًا بمهابة البيت وقداسة مكانته.

وهو يُجِلُّ هذا البيت، ويرى في هذا الإجلال سعادةً لا حدَّ لها؛ لارتباطه بحقيقة التوحيد أكبر حقائق الإسلام وأولها، وهنا يرجع المؤمن بذاكرته إلى التاريخ البعيد، تاريخ التوحيد في هذه الديار، وتاريخ أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، باني هذا البيت العتيق الحبيب، يرجع بذاكرته ليشهد البيت يومَ أُسِّس في مكانٍ قَفْرٍ، ووادٍ غير ذي زَرْعٍ، فيرى في ذلك صورةً حبيبةً كلُّها جِدٌّ وجهادٌ، وحب وحنان، وتضحية وفداء، وانقياد لأمر الله عز وجل.

يرى صورةَ المؤمن الصادقِ في دعواه، الباحثِ عن ضالَّتِه، الجادِّ في الوصول إلى الهداية.. يسعى وراءها في وحشة الصحراء، وظلمة الليل، غير مُبالٍ بما قد يصيبه من أذًى، أو يصيب أهله وولده الصغير من عناء، ذلك أنه منتدبٌ لما هو أهمُّ من الألم والأذى، مُكَلَّفٌ بهداية الناس وقيادتهم نحو ما يسعدهم في دينهم ودنياهم.

لذلك فالحَجُّ عَرْضٌ رائعٌ لقصة الإيمان والحنان، تتمثل فيه العبودية بأتم معانيها، ويتبين فيه الإخلاص والتفاني في سبيل الغاية المُثْلى بأكمل لوازمها، وتنجو فيها الحياةُ من الأشكال المتكلّفة، والمظاهر الجوفاء، والتقسيمات الصناعية، وتذوب فيه جميعُ الفروق الزائفة بين الناس، والتوزيع القائم على أساس اللون والجنس واللغة والبلد مما لا يُقِرُّه منطق الشريعة والإيمان، والفطرة السليمة، والنفس السوية، والعقل الذكي الحصيف.


وإذا كان ذلك كلُّه خيرًا عميمًا، وكسبًا كبيرًا للمؤمن، فإن في الحصيلة النهائية التي ينبغي أن يعود بها من رحلته إلى الحج، ما يؤكِّد ذلك الكسب ويُعمِّقه، ويمنحه الصياغة العملية في واجبه الدنيوي ومسؤوليته الخاصة إزاءَ دينه، وهو أن يستقيم عليه، ويمنحه وحده كُلَّ ولائه، ويجاهد في سبيله فيما بقي من أيامه في رحلة الحياة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.29 كيلو بايت... تم توفير 3.06 كيلو بايت...بمعدل (4.00%)]