|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أضواء على المشير أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المصرية أثناء حرب أكتوبر 73 (1-2) كتبه/ علاء بكر فقد كان المشير أحمد إسماعيل يشغل منصب وزير الحربية والقائد العام للقوات المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، حيث قام بقيادة معركة العبور خلال تلك الأيام العصيبة من تاريخ مصر، وحقق مع قادة وضباط وجنود الجيش الانتصار العظيم. ورغم هذا المنصب وهذا الدور الكبير، فهناك الكثيرون مِن شبابنا مَن لا يعرف الرجل ودوره؛ خاصة وقد توفي المشير أحمد إسماعيل في العام التالي للحرب، في أواخر عام 1974، مما يستدعي إلقاء بعض الأضواء على حياة الرجل العسكرية ودوره في الحرب؛ خاصة وأنه قد ترك لنا مذكراته التي كتبها بنفسه قبل رحيله، والتي نُشِرت في الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر في عام 2013، أي: بعد وفاة الرجل بتسعة وثلاثين عامًا. وُلِد المشير أحمد إسماعيل في 14 أكتوبر 1917، في حي شبرا بالقاهرة. كان والده ضابط شرطة خدم في العديد من محافظات مصر حتى ترقَّى لرتبة مأمور في عام 1914، حيث استقر به المقام في القاهرة. وكانت والدته ربة بيت لا تختلف صورتها عن صورة الأم المصرية المحبة لزوجها وأولادها. كان ترتيب أحمد إسماعيل السابع بين أخواته؛ إذ سبقه ستة كلهن إناث. وقد توفيت والدته وهو في الثانية عشرة من عمره، ليتولى والده مهمة تربيته، حيث عهد لشقيقته الكبرى مسئولية متابعته في الدراسة، فنمَّت فيه حب القراءة، فكان حتى حصوله على شهادة الثانوية العامة يقرأ كل ما تقع عليه عيناه من كتب؛ خاصة تلك التي تروي قصص وحياة القادة العسكريين وتاريخ الحروب؛ لذا سعى للالتحاق بالكلية لحربية، ولكنه رُفِض قبوله في الكلية لكونه من عامة الشعب، فالتحق بكلية التجارة، وعندما أصدر الملك فؤاد الأول في عام 1936 قرارًا بقبول الطلاب من عامة الشعب في الكلية الحربية، تقدَّم مع غيره بأوراقه إليها وتم قبول أوراقه فيها. تخرج أحمد إسماعيل من الكلية الحربية برتبة ملازم ثان حيث التحق كضابط استطلاع وقائد فصيلة في الكتيبة الرابعة مشاة في (منقباد)، حيث شاركه العمل في تلك الفترة زميله محمد أنور السادات، فنشأت ونمت بينهما أواصر الصداقة. بعد ترقيته لرتبة ملازم أول بأشهر أسندت إليه مهمة قيادة سرية بلواء (الأساس)، ثم عمل بعدها مدرسًا بمدرسة الأسلحة والذخيرة، ومنح في سبتمبر 1942 رتبة (يوزباشي). واختير عام 1947 مدرسًا بمدرسة المشاة، ثم رقي لرتبة (صاغ) في يوليو 1948. تزوج أحمد إسماعيل من صديقة لشقيقته الكبرى رشحتها له، وقد رزق منها بأبنائه الخمسة، وقد تولت هي تربيتهم وإدارة شئون البيت؛ نظرًا لانشغاله الشديد في العمل الذي يتطلب منه التغيب كثيرًا عن البيت. شارك أحمد إسماعيل في حرب 1948، حيث كان متواجدًا بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية، فأقام خطًّا دفاعيًّا حصينًا في منطقة رفح. وبعد انتهاء الحرب التحق بكلية أركان الحرب، وتخرج منها عام 1950، وكان ترتيبه الأول بين طلبة الماجستير في العلوم العسكرية. وفي فبراير 1951 حصل على رتبة (البكباشي)، وعمل مدرسًا بكلية أركان الحرب. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 تم اختياره من رجال الثورة مراقبًا على الصحف، ثم تولى بعدها في أغسطس 1952 أركان حرب فرقة مشاة، ثم عاد للتدريس في كلية أركان حرب. وفي العام التالي 1953 أسندت إليه قيادة الكتيبة السابعة مشاة. ومن خلال هذا الموقع شارك ضمن أعضاء المفاوضات العسكرية مع بريطانيا عام 1954، وشارك في إتمام صفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955، وتم اختياره لتدريب الضباط والجنود في الجيش المصري على هذه الأسلحة الجديدة. وتمت ترقيته إلى رتبة عقيد في الأول من يناير 1955، وقد قام في نفس العام بإنشاء نواة للصاعقة المصرية من عددٍ من أبرز الضباط تفوقًا في العلوم العسكرية، والتي نفذت في نفس العام أول عملياتها القتالية بتخطيط من العقيد أحمد إسماعيل. بدأ العدوان الثلاثي المشترك من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر في يوم 29 أكتوبر عام 1956 ردًّا على قرار الرئيس عبد الناصر وقتها بتأميم شركة قناة السويس، بعد أن رفضت أمريكا تمويل مشروع بناء السد العالي في أسوان، كما امتنع البنك الدولي أيضًا عن التمويل. وقد شاركت فرنسا في العدوان ردًّا على دعم مصر للثوار الجزائريين في مقاومتهم للاحتلال الفرنسي للجزائر، والذي تجاوز قرنًا وربع قرن من الزمان! أما إسرائيل فقد أزعجها حصول مصر على أسلحة روسية من الكتلة الشرقية، وبالتالي تغلبها على احتكار بريطانيا لتوريد السلاح للجيش المصري؛ خاصة بعد رفض أمريكا وقتها تزويد مصر بالسلاح، فكان حصول مصر وقتها على السلاح الروسي يعني إيجاد مصدر جديد للحصول على السلاح بعيدًا عن احتكار الغرب؛ لذا كان قرارها بالمشاركة في العدوان. بدأ العدوان بقصف جوي من طائرات الدول المعتدية على مصر، ثم بدأت محاولة احتلال قناة السويس ومدنها، ومحاصرة الجيش المصري شرق القناة، وكان أحمد إسماعيل وقتها قائدًا للواء الثالث مشاة برتبة عقيد، وكان مقر تواجده شرق قناة السويس - في القنطرة شرق تحديدًا -، فكانت مهمته وقتها الدفاع عن مدينة بورسعيد ومنع قوات الدول المعتدية من القيام بأي عملية إنزال بالمدينة سواء كان جوًّا أو برًّا أو بحرًا فيها، كما كلف بالتعامل مع القوات الإسرائيلية التي تم إنزالها جوا عند ممر (متلا) بسيناء، فكان الاشتباك مع القوات الإسرائيلية في عدة معارك، ثم كانت الأوامر بالانسحاب إلى غرب القناة لإفشال خطط القوات البريطانية في محاصرة الجيش المصري في سيناء، ثم كانت أعمال المقاومة ضد القوات البريطانية بعد احتلالها لمدينة بورسعيد، حتى تم تحرير المدينة، وتم الانسحاب الكامل للقوات البريطانية منها في يوم 23 ديسمبر عام 1956، والذي يحتفل بذكراه سنويًّا في 23 ديسمبر باسم: (عيد النصر). وقد شاركت فرقة الصاعقة التي كان قد أنشأها العقيد أحمد إسماعيل في عمليات التصدي للعدوان الثلاثي. وفي آخر عام 1956 التحق أحمد إسماعيل ببعثة إلى أكاديمية (فرونز) العسكرية في روسيا للتدريب مع ثمانية من ضباط الجيش المصري، فلما عاد عمل بالتدريس في ثلاث مدارس (الأسلحة والذخيرة) و(كلية أركان حرب) و(المشاة)، ثم تولى بالنيابة رئاسة أركان حرب المنطقة العسكرية الشرقية، ومنح في عام 1962 رتبة لواء. وعُيِّن في نفس العام 1962 قائدًا عامًّا للفرقة الثانية مشاة، حيث أعاد تشكيل الفرقة على أحدث الأساليب العسكرية. هزيمة يونيو 1967 المؤلمة: شهد أحمد إسماعيل هزيمة حرب يونيو 1967، وقد كتب في مذكراته عن أحداث يوم الخامس من يونيو، فقال: (بالنسبة لي فقد استقبلت يوم 5 يونيو عام 1967 وأنا بصحبة الفريق أول عبد المحسن مرتجي قائد جبهة سيناء، وكنت وقتها رئيس أركانه، كنا نقف في الثامنة والنصف صباحًا في مطار (تمادا) العسكري في انتظار وصول طائرة المشير عبد الحكيم عامر لتفقد أحوال الجبهة. كان قادة التشكيلات العسكرية بسيناء متواجدين في المطار معنا ليكونوا في استقبال المشير عامر الذي لم يأتِ، وبدلًا من هبوط طائرته فوجئنا بالطائرات الإسرائيلية تدك المطار على ارتفاعات منخفضة، بينما مدافع الطائرات المصرية لا تستطيع دفع أي شيء عن المطار حيث إن أوامر كانت قد صدرت لها منذ الصباح الباكر بتقييد نيرانها انتظارًا لطائرة المشير! وهكذا سارع كل القادة المحتشدين بالهرب من نيران الطائرات والقاذفات الإسرائيلية والذهاب إلى مقار قيادتهم، وسارعت أنا بالعودة إلى مقري في جبل (الميثان) بوسط سيناء، وأنا أراجع أحداث الأشهر القليلة السابقة على ذلك اليوم الذي تتابعت نكباته، وأدركت صدق حدسي في السابق من أننا اندفعنا في مغامرة عسكرية وسياسية غير محسوبة وغير متوازنة، وأنها لم تبنَ على معلومات وخطط دقيقة، والأكثر كارثية أنه لم يكن هناك تكامل بين الرؤيتين العسكرية والسياسية! لقد كان كل منهما يسير في اتجاه رغم الدفع بالحشود العسكرية لسيناء، ولكم أن تتخيلوا حجم الغموض والكارثية حينما أعترف أنني كرئيس أركان لقوات جبهة سيناء لم أكن أعلم على وجه اليقين مهام القوات التي تم حشدها في سيناء! وهل ستقوم بالدفاع أو الهجوم؟! ووجدتُ أننا لم نبدأ الضربة القتالية في ساحة المعركة العسكرية، لكننا كنا البادئين سياسيًّا، وبشكل يوحي لإسرائيل والعالم أننا بصدد المبادرة بتوجيه ضربة عسكرية لها، وذلك باتجاه عدد من القرارات، ومنها قرار جمال عبد الناصر لقوات الطوارئ الدولية بترك المنطقة العازلة بيننا وبين إسرائيل منذ عام 1956 في الوقت الذي لم تحل محلها قوات عسكرية مصرية. وبين المشهد السياسي المندفع في قراراته وبين المشهد العسكري المرتبك في رؤيته وأهدافه، تعرَّض المقاتل المصري لأسوأ عملية عسكرية، لم تتح له فيها فرصة الدفاع عن نفسه وسمعته القتالية، والدليل ما قامت به القوات العسكرية بالعريش، لم تتوقف عن قتال العدو إلا بعد صدور الأمر السياسي لها من القاهرة بالانسحاب أثناء عملية القتال). وأضاف: (كان الانسحاب نفسه كارثة أخرى، فقد أصدر المشير عبد الحكيم عامر قرارًا بانسحاب القوات دون توفير حماية جوية تضمن سلامتها أثناء عملية الانسحاب، التي صدر القرار بها في الثانية صباحًا يوم السادس من يونيو. وكان على القوات المصرية السير مسافة 200 كيلو متر بدون أي خطة معدة سلفًا لتنظيم عملية الانسحاب. انسحبت القوات المصرية من صحراء سيناء إلى خط المياه عند الضفة الغربية للقناة دون أي نظام، حيث رفضت كل اقتراحات قادة الجيش التي قدموها للمشير بأن يتم الانسحاب خلال 72 ساعة. فسارت القوات شاردة في كلِّ اتجاه، لا هدف للجميع سوى الوصول للضفة الغربية للقناة للابتعاد عن ضربات العدو الإسرائيلي) (راجع كتاب: مشير النصر، مذكرات أحمد إسماعيل وزير الحربية في معركة أكتوبر 1973، إعداد مجدي الجلاد – ط. دار نهضة مصر – ط. أولى أكتوبر 2013، ص 46 - 47). بعد هزيمة 1967 تولى أحمد إسماعيل رئاسة هيئة التدريب، حيث أنشأ ما عرف بـ(مدارس المعركة المتحركة) التي تم من خلالها إرسال ضباط وفنيين من إدارة التدريب المركزية إلى الجبهة لتدريب الضباط وضباط الصف في فِرَق تعليمية قصيرة مركزة، وكان لهذه المدارس المتحركة دور كبير في ذلك الوقت؛ لأن الظروف لم تكن تسمح بعودة الضباط وضباط الصف للتدريب في القاهرة وتغيبهم عن مواقعهم، وقام بعمل أول خط دفاعي، وإعادة تنظيم القوات وتسكينها غرب القناة وتدريبها وتسليحها. وفي الأول من يوليو 1967 تم تعيينه قائدًا للجبهة، فاختار اللواء محمد عبد الغني الجمسي، والعميد حسن الجريدلي ليتحملا معه مسئولية إعادة تنظيم الجبهة؛ قال أحمد إسماعيل في مذكراته: (انشغلتُ في تلك الفترة بإجراء تقدير موقف سريع ووضعت لنفسي أهدافًا محددة، أهمها: إعادة تنظيم القوات وشئونها الإدارية وتدريبها، وإعادة الضبط والربط إليها، وإعادة الثقة في نفوس الأفراد، وبث الروح القتالية، والمحافظة على أمن القوات، ومنع العدو بجميع الوسائل والإمكانات المتيسرة من عبور قناة السويس، والرد بعنف على اشتباكات العدو الخاطفة. وطوال الشهور الثلاثة التالية عملت على رفع الروح المعنوية للقوات من خلال بعض الإجراءات والعمليات، كان أهمها: معركة رأس العش، وتدمير المدمرة إيلات وإغراقها، وتسلم الأسلحة والذخائر والمعدات الجديدة وتكثيف الفرق التعليمية، وإعطاء الثقة للجنود والضباط في أسلحتهم، والمرور على الوحدات يوميًّا (المصدر السابق، ص 52). وأضاف: (كنا كلنا في الجيش المصري عقب نكسة يونيو 1967 نعلم -قادة وجنودًا- أن يوم الثأر آتٍ لا ريب فيه؛ ولذا كان كلٌّ منا يعلم مهمته ويسارع لأدائها. وضعنا خطة دفاعية عن جبهة القناة، وعملنا تجهيزات دفاعية مماثلة، في حفر الخنادق والمواقع الدفاعية، وزدنا من ساعات التدريب الشرس بما هو موجود بالفعل بين أيدينا. وازدادت مدفعيتنا قوة وثباتًا فأصدرتُ أوامري بإلحاق خسائر بالعدو عبر توجيه ضربات مباشرة له، وكان ذلك في سبتمبر من عام 1968، فدمرنا بطاريات الصواريخ الإسرائيلية أرض / أرض التي كان العدو يقصف بها مدينة الإسماعيلية. ولعل ما قمنا به في تلك الفترة كان الدافع الأساسي للعدو للبدء في إنشاء خط تحصينات قوي يغطي خط المواجهة بأكمله، فكان خط (بارليف) (المصدر السابق، ص 56). بعد هزيمة 1967 وعودة عبد المنعم رياض من الأردن، وتوليه رئاسة أركان القوات المسلحة ربطتْ بينه وبين أحمد إسماعيل، الذي كان قائدًا للجبهة، صداقة عمل قوية. ولما استشهد عبد المنعم رياض صباح يوم 9 مارس 1969 وهو في المواقع الأمامية للجبهة يشاهد بنفسه نتائج القصف المدفعي للدشم الحصينة للعدو في اليوم التالي تم تعيين أحمد إسماعيل، وكان وقتها على رتبة لواء رئيسًا لأركان القوات المسلحة خلفًا له. عملية الزعفرانة: وفي يوم 11 سبتمبر عام 1969 وخلال حرب الاستنزاف وفي إطار عمليات المواجهة بين مصر وإسرائيل، قامت قوات العدو بإنزال سرية من عشر دبابات على الشاطئ الغربي لخليج السويس في منطقة صحراوية خالية من القوات المصرية، حيث اتجهت القوة برًّا في اتجاه الزعفرانة، فقتلت خمسة أفراد كانوا في نقطة لأفراد الحدود، وقامت بتدمير موقع رادار على بعد مائة كيلو متر جنوب السويس، ثم أغارت على الضفة الغربية لخليج السويس تحت حماية كتيبة من السلاح الجوي الإسرائيلي الذي كان يقدم لها المعاونة الجوية، ثم أغارت على الشاطئ الشرقي لخليج السويس. وكانت هناك مجموعة من الضفادع البشرية الإسرائيلية قد مهدت لتلك العملية بإغراق لنشي طوربيد على الشاطئ الغربي لخليج السويس لتأمين الممر الملاحي للقوة الإسرائيلية أثناء تنفيذ العملية، وقد تقرَّر عقب تلك العملية إجراء تحقيقات لمعرفة سبب عدم اكتشاف القوة المغيرة على الزعفرانة وعدم القيام بإجراء إيجابي لمواجهتها بعد نزولها على الشاطئ ولعدة ساعات، ولكن في اليوم التالي 12 سبتمبر 1969 قام عبد الناصر بإعفاء اللواء أحمد إسماعيل من منصبه وإحالته للتقاعد، وقد رأى أحمد إسماعيل وقتها أن هذا القرار كان بإيعاز من رجال المشير الباقين حول عبد الناصر لإبعاده عن الجيش. وفي مايو 1971 قام أنور السادات، الذي تولى رئاسة مصر بعد وفاة عبد الناصر، وخلال صراعه مع مراكز القوى والقضاء عليهم، فيما عرف بثورة التصحيح أو ثورة 15 مايو 1971، قام بإعادة أحمد إسماعيل للخدمة من جديد حيث ولَّاه منصب رئاسة المخابرات العامة المصرية في يوم 14 مايو 1971، وكان له سابق معرفة عمل وصداقة بينهما. شهدت فترة العمل في رئاسة المخابرات على قصرها -والتي استمرت قرابة عام ونصف عام- قضايا مهمة تتعلَّق بمحاولات تجنيد مصريين للتجسس لحساب العدو، مِن أشهرها: القبض على الجاسوسة هبة سليم، والتي كان لها داخل الجيش مصدر مهم للحصول على معلومات على مستوى عالٍ جدًّا من السرية والأهمية تضر البلاد غاية الضرر. ومنها قضية (راندوبولو) الذي كان يقيم في مصر، ويعمل مديرًا لشركة الكروم (جاناكليس) بالإسكندرية، والذي جنَّدته المخابرات الأمريكية للعمل لحسابها من خلال علاقاته العامة الواسعة، حيث كان يمدها بكلِّ أوجه النشاط السوفيتي في القاعدة الجوية السوفيتية التي تتولى الدفاع عن الأسطول السوفيتي في البحر المتوسط وتتولى حماية المواقع المصرية في العمق، حيث حامت حول (راندوبولو) الشبهات، وبدأت عملية مراقبته حتى التقطت له ثلاث رسائل مكتوبة بالحبر السري تتضمن معلومات عن القاعدة الجوية فألقي القبض عليه. وفي المقابل كانت هناك محاولات لتجنيد عملاء داخل إسرائيل للعمل لحساب مصر؛ قال أحمد إسماعيل في مذكراته التي كتبها بنفسه: (كان رجال المخابرات يسابقون الزمن لا لكشف عمليات التجسس التي تحاول إسرائيل من خلالها اختراق الجبهة المصرية -سياسيًّا وعسكريًّا- وحسب، ولكن أيضًا كانوا يواصلون الليل بالنهار لجمع أكبر كم من المعلومات عن العدو وتحركاته وعتاده الحربي، والموقف على الجبهة الداخلية له؛ ولذا أنشأنا في جهاز المخابرات إدارة أطلقنا عليها اسم: (إدارة الخداع)، كانت مهمتها تزويد العدو بمعلومات مضللة عن مصر عبر عملائنا المنتشرين على خط المواجهة. وربما لن أكشف سرًّا إن قلتُ: إنه كان لدينا قبل نشوب حرب أكتوبر أكثر من عشرة عملاء نجحنا في تجنيدهم من بين القوات الإسرائيلية المتمركزة في خط (بارليف)، ولم يستطع (الشين بيت) أو إدارة الأمن العام المختصة بمكافحة التجسس داخل إسرائيل اكتشافهم أو معرفة أن من بين جنودها وضباط جيش دفاعها في حصون بارليف مَن يتجسس لصالح مصر. ولا أخفي سرًّا آخر إن قلتُ: إن نحو 85 % مما حصلتْ عليه إسرائيل من معلومات عسكرية وسياسية عن مصر تم تسريبه لها من جهاز المخابرات العامة. كنا نعلم أنه وبعد نكسة يونيو 1967 قد وقع في يد إسرائيل الكثير من الخرائط والمعلومات والبيانات عن وحدات قواتنا المسلحة، وكان ذلك نتيجة الانسحاب المتسرع غير المخطط له؛ ولذا كان علينا مضاعفة المجهود المخابراتي لجعل تلك المعلومات لا قيمة لها، أو على الأقل تقليل أثرها. لقد حصلت المخابرات المصرية على معلومات عبر عملائنا على الجانب الإسرائيلي في غاية الخطورة، منها: خرائط حقول الألغام التي زرعتها القوات الإسرائيلية حول مواقع المدافع الثقيلة ومرابض الدبابات، وخرائط أخرى سرية لمولدات الكهرباء في خط بارليف، وأماكن خزانات النابالم، ومواقع فِرَق الضباط والجنود في خط بارليف، ونظام الحراسات الليلية على الجبهة الشرقية للقناة، وأنواع الذخائر وخرائط مخازنها في سيناء، وغيرها من المعلومات التي ساعدت في الإعداد للحرب) (المصدر السابق، ص 120 -121). وفي 26 أكتوبر 1972 أصدر السادات قراره بتعيين أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية وقائدًا عامًّا للقوات المسلحة المصرية، ليتولى قيادة الجيش المصري في مرحلةٍ مِن أدقِّ مراحله ويخوض به حرب التحرير في أكتوبر عام 1973. وقد عينته هيئة (مجلس الدفاع العربي) في 28 يناير 1973 قائدًا عامًّا للجبهات الثلاث: المصرية والسورية والأردنية. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أضواء على المشير أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المصرية في حرب أكتوبر 1973م (2-2) كتبه/ علاء بكر فقد كان الرئيس السادات مهمومًا ببدء الحرب ضد إسرائيل لتحرير سيناء، وقد قبل السادات في بادئ الأمر مبادرة روجرز -وزير الخارجية الأمريكية- لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة 90 يومًا، ودخول مصر وإسرائيل خلال تلك المدة في مفاوضات غير مباشرة يتولاها مبعوث الأمم المتحدة (يارنج) بشأن تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242. كان بدء تطبيق المبادرة في أغسطس عام 1970، ولكن المبادرة لم تسفر عن جديد، فمع استجابة الطرفان لوقف إطلاق النار، فإن إسرائيل لم تفِ بالشرط الثاني، ولم تمارس أمريكا أي ضغط على إسرائيل للاستجابة للمفاوضات طبقًا لمبادرة روجرز، فما كان من السادات بعد انتهاء مدة المبادرة -الشهور الثلاثة-؛ إلا أن رفض مد وقف إطلاق النار أكثر من تلك المدة رفضًا لسياسة فرض الواقع؛ هذا رغم أن السادات لم تكن لديه حلول نهائية، فالجيش غير مستعد لشن حرب تحرير شاملة يحرر بها أرض سيناء بالكامل، مع صعوبة العودة لمواصلة حرب الاستنزاف مرة أخرى، فهي وإن كانت مكلفة ومرهقة لإسرائيل فهي أيضًا مكلفة لمصر، وبقاء الوضع على اللا حرب واللا سلم كما تريده أمريكا وإسرائيل كذلك أمر مرفوض. ورغم عدم وضوح الرؤية كانت توجيهات السادات لوزير الحربية وقتها الفريق محمد صادق بالإعداد للحرب. أما أحمد إسماعيل فإنه كان أيضًا مهمومًا بهذا الأمر خلال فترة إحالته للتقاعد، والتي بدأت من 12 سبتمبر 1969 واستمرت قرابة عام ونصف عام، فرغم إحساسه بالظلم والحزن لقرار إبعاده عن الجيش فقد استغل هذا الوقت في المزيد من القراءة في العلوم العسكرية الحديثة، وفي النظر والتأمل في أمر النزاع مع إسرائيل، ودراسة الأوضاع العالمية وأوضاع الجيش. وقد كون لنفسه رؤية وقناعة لحل النزاع مبنية على: - إنه لا سلام مع إسرائيل بعد هزيمة يونيو 1967 إلا بعد حرب جديدة يغسل فيها الجندي المصري عار الهزيمة. - إن الانتظار لتحقيق التفوق العسكري على إسرائيل قبل دخول هذه المعركة أمر غير وارد، فهذا يحتاج لوقت طويل، وهذا الانتظار الطويل ليس في صالح مصر، فيجب أن نحارب بما لدينا من سلاح مع الاستفادة من عناصر القوة الموجودة لدينا، ومن عناصر الضعف الموجودة لدى العدو بعد دراسة وعلم. - في ظل التفوق الإسرائيلي عسكريًّا ومعطيات الموقف السياسي يجب أن يكون تحرير سيناء على مراحل، لا من خلال حرب شاملة؛ تبدأ المرحلة الأولى بما لدينا من سلاح وإمكانيات حالية، وتتضمن عبور القناة وإقامة رؤوس كباري وتدمير الساتر الترابي، واقتحام خط بارليف والاستيلاء على مواقعه الحصينة، ثم التشبث بالأرض والمحافظة على الجيش المصري لاستكمال عملية تحرير سيناء بالكامل على مراحل. كانت الأفكار تتوارد على خاطره وتؤرقه: - فتفوق العدو الجوي وضرباته الجوية شبه اليومية والتي قد تستمر لفترات طويلة دون التمكن من الرد عليها بنفس القوة وتكبيد العدو الخسائر المناسبة، ستؤثر على معنويات القوات المسلحة والشعب تدريجيًّا. - لذا لا بد من التحرك المحسوب بما يتناسب مع إمكانياتنا وقدراتنا للرد على العدو، ومن ذلك: استخدام أسلحتنا التي تتفوق على العدو على نطاق واسع، وهي المدفعية والقوات الخاصة. - الحاجة إلى دفع النطاق الدفاعي لقواتنا إلى شرق القناة، بعد عملية عبور وإنشاء رؤوس كباري والتشبث بها؛ خاصة وأن العدو قد سحب قواته الرئيسية في سيناء للخلف مما جعلها خارج نطاق نيران المدفعية وأسلحة الضرب المباشر؛ بالإضافة إلى وجود قناة السويس التي تعد عقبة في حرية العمل ضد العدو، فوجود قواتنا في مواجهة مباشرة مع قوات العدو تمكننا من الاستفادة من أسلحتنا التي تتفوق على العدو بكفاءة وتأثير متمثلة في المدفعية والقوات الخاصة، وفي وجودنا في مواجهة مباشرة مع العدو وتحسين مواقعنا تدريجيًّا شرق القناة بعمليات متتابعة يجبر العدو على حشد أعداد كبيرة من قواته في سيناء في مواجهة قواتنا مما يرهق العدو عسكريًّا واقتصاديًّا. - الحاجة إلى فترة تدريب تتراوح بين 3 إلى 4 شهور يتم فيها تدريب القوات كلٌّ على واجبه فقط، مع التركيز على أعمال الاستطلاع للحصول على معلومات دقيقة حول أوضاع دفاعات العدو، على أن يتم حشد القوات وأدوات العبور والمدافع تدريجيًّا بشكل لا يلفت النظر؛ لتبدو كما لو كانت تحسين لمستوى الدفاع. - ضرورة دفع الدول الكبرى لوضع حل عادل للموقف بصورة جدية، ونكون به في وضع مشرف لنا سياسيًّا وعسكريًّا (راجع في ذلك: مشير النصر: مذكرات أحمد إسماعيل وزير الحربية في معركة أكتوبر 1973، إعداد مجدي الجلاد: 10، ص 82 - 87). وفي صباح يوم 14 مايو 1971 قرر السادات خلال صراعه مع مراكز القوى عودة أحمد إسماعيل للعمل من جديد، وتعيينه رئيسًا للمخابرات العامة، وكانت تربط الرجلين صداقة قديمة بدأت عام 1938 عقب التخرج من الكلية الحربية، والعمل معًا في الكتيبة الرابعة مشاة، فكانا ينامان في حجرة واحدة في أحد ثكنات الكتيبة، وكان السادات يقدر تمامًا كفاءة الرجل وخبراته العسكرية. قال أحمد إسماعيل عن فترة العمل في المخابرات: (الواقع إن مسئولية إدارة جهاز المخابرات المصرية جعلتني غير بعيد، بل ربما قربتني جدًّا من القوات المسلحة ورفاق السلاح والعمر، لكنني رغم تلك المشاركة والاقتراب المباشر من القوات المسلحة لم أتوقع أن يجيء اليوم الذي أعود فيه إلى القوات المسلحة مرة ثانية، وإلى صفوف الجيش) (المصدر السابق، ص 121). وأضاف في موضع آخر: (كثيرًا ما ألمح إلي مراقبون سياسيون أن اختيار السادات لي لرئاسة المخابرات العامة ما هو إلا تمهيد لتولي أمور القوات المسلحة، لكن بعد أن تتهيأ الأمور، وكان هذا صحيحًا فيما بعد، وعلمت أن السادات كان ينوي أن يعهد إليَّ بمهمة قيادة القوات المسلحة من البداية، ولكن لحكمته لم يفعل ذلك مباشرة، وجعل من محطة المخابرات الخطة الأولى لهدفه. وكنت لذلك الرجل العسكري الوحيد الذي رافق الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء المصري إلى موسكو بينما بقي وزير الحربية في القاهرة) (المصدر السابق). كان أحمد إسماعيل بحكم عمله رئيسًا للمخابرات العامة يقابل السادات بشكل مستمر، وكان السادات يتناقش معه في أمر الحرب مع إسرائيل من وقت لآخر؛ خاصة وأن السادات كان قد أعلن أن هذه السنة هي سنة الحسم، وخلال تلك المقابلات أدرك أحمد إسماعيل أن السادات لديه نية قوية لإعلان الحرب على إسرائيل، فانتهز الفرصة وعرض عليه رؤيته وخطته للحرب وتحرير سيناء على مراحل، تبدأ بالحصول على الضفة الشرقية للقناة أو جزء منها. تولي وزارة الحربية: قال المشير في مذكراته: (كان اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24 أكتوبر 1972 الذي انعقد في مكتب الرئيس بالجيزة في الساعة التاسعة من المساء، واستمر ثلاث ساعات وربع الساعة يعتبر أخطر اجتماع تاريخي إذا أردنا أن نقيم الوثائق العسكرية لحرب أكتوبر. لقد حدَّد الرئيس السادات في هذا الاجتماع الموقف الحاسم دون أن يسمح بأي تراجع أو تشكيك؛ الموقف هو الحرب، وتحريك القضية عسكريًّا. وأعلن للقادة في هذا الاجتماع أنه ليس الرجل الذي يناور لكي يحتفظ بكرسي الرئاسة، وأعلن أنه لن يستسلم، وأن الموت في سبيل الأرض أشرف من هذه الحياة المهينة. وقال لأعضاء المجلس الأعلى: إنه يستدعيهم ليبلغهم هذا القرار المصيري، لا مناقشة في قرار الحرب، ولكن يجب الاستعداد بالتخطيط والدراسة، والاعتماد على ما نملك من تسليح... وعلينا أن نعوض التفوق الإسرائيلي بروح العسكرية المصرية، بروح المقاتل المصري، بشجاعة الإنسان المصري. وفي هذا الاجتماع اتضح أن بعض القادة لا يريدون الحرب، وقد كونوا تفكيرهم على أن إسرائيل ستنتصر وتضرب في الأعماق، وستكون النتيجة خرابًا... وذلك بسبب موقف الاتحاد السوفيتي من ناحية التسليح). وذلك لأن الاتحاد السوفيتي كان يتعنت في إمداد مصر بما تحتاجه وتطلبه من السلاح؛ خاصة بعد طرد السادات للخبراء السوفييت من مصر، بل كان يرفض على الدوام مد مصر بأسلحة هجومية مقتصرًا على مدها بالأسلحة الدفاعية وفي حدود (وغضب أنور السادات في هذا الاجتماع، وأصر على قرار الحرب، وأعلن أنه مؤمن بالعسكرية المصرية، وإذا كانت إسرائيل متفوقة في الجو... فلن تتفوق أبدًا على الأرض، وأنه علينا أن نواجه قدرنا ومصيرنا بشجاعة... إن الاتحاد السوفيتي لن يحارب من أجلنا، ونحن نرفض أن يحارب أحد من أجلنا، هذه معركتنا، إما أن نكون أو لا نكون، هذا قدرنا التاريخي، ويجب أن نواجهه. كانت جلسة عاصفة، ولكن غالبية أعضاء المجلس الأعلى أعلنوا أنهم مصرون على المعركة ومستعدون للتضحية، وبعد هذه الجلسة صدرت قرارات الرئيس بإعفاء الفريق صادق وزير الحربية، واللواء عبد القادر مساعد وزير الحربية) (المصدر السابق، ص 127 - 128 بتصرفٍ). وفي 26 أكتوبر 1972 م الموافق 19 رمضان 1392 هـ، عين الرئيس السادات أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية وقائدًا عامًّا للقوات المصرية، وكلفه بإعداد القوات المسلحة للقتال بخطة مصرية خالصة. كانت أول جلسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة -أي: مع قادة الجيش- تعقد برئاسة أحمد إسماعيل بعد 48 ساعة من توليه الوزارة -أي: في 28 أكتوبر- فكانت توجيهاته: - أن القضية لن تحل سلميًّا، ومهمتنا تحرير الأرض بالقتال، والسبيل لتحرير الأرض هو القوات المسلحة. - المهم أولًا التأكد وفورًا من كفاءة الخطة الدفاعية عن الدولة. - يجب أن تشعر إسرائيل أننا قادرون وبشتى الوسائل على استرداد الأرض وتكبيدها خسائر لا تتحملها. - من اليوم حتى بدء القتال يجب أن يستغل الوقت المتيسر وبجدية كاملة في سبيل المعركة، وهذا يتطلب إتقان كل فرد عمله، مع الجدية في التدريب، والمحافظة على السلاح، وتكاتف الجميع كفريق واحد يعمل لهدف واحد هو المعركة. وفي الاجتماع الثاني في الشهر الثاني من تولي القيادة كانت العجلة على الجبهة تدور بجدية، وأكد أحمد إسماعيل على: - وجوب الاقتناع الكامل بأنه لا يوجد حل سلمي، وأننا عسكريون لا دخل لنا بالسياسة. - لا بد من المعركة لحل القضية، وسنقاتل -بإذن الله-. - إن المعركة ستكون شرسة، فلا بد من الاستعداد لها تمامًا. - إن المعركة ستكون بإمكانياتنا المتيسرة، وبحسابات دقيقة دون تهور، وفي الوقت نفسه دون تخاذل. - إننا لسنا وحدنا في المعركة، فبعد الزيارة لسوريا تأكد إمكانية التنسيق معها، وستكون له نتائج حاسمة -بمشيئة الله-. وبنى أحمد إسماعيل العمل على مراحل ثلاثة: الأولى: الاطمئنان التام على الخطة الدفاعية الموضوعة ومراجعتها بواسطة القادة على كافة المستويات، واستكمال مسرح العمليات بما يؤمن الخطة الدفاعية ويخدم المعركة الهجومية، وتجهيز الردع، والتدريب المتواصل والشاق ليل نهار لإعداد القوات لمهامها. الثانية: إعداد الخطة الهجومية، واستكمال تجهيز مسرح العمليات للهجوم. الثالث: استكمال إعداد القوات للهجوم، وانتظار القرار السياسي لبدء العمليات وبكل جدية، مع التأكيد على الابتكار وعدم النمطية والعناية الكاملة بالأسلحة والمعدات. التنسيق مع سوريا وتوريد صفقة الأسلحة الروسية: قال أحمد إسماعيل في مذكراته: (كان الإعداد للحرب يتطلب مني أداء مهمتين: الأولى: التنسيق مع سوريا في سرية تامة للدخول في الحرب، بعد أن طلب الرئيس أنور السادات مني بدء الاستعداد للحرب فعليًّا، وهو ما استدعى سفري إلى سوريا يوم 10 نوفمبر عام 1972. وكان معي اللواء محمد عبد الغني الجمصي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، واللواء حسن الجريدلي سكرتير عام وزارة الحربية، وسكرتيري العسكري حمدي الجندي. وقضينا في سوريا 3 أيام، اجتمعت فيها مع الرئيس حافظ الأسد لمدة 3 ساعات منفردين، وطلب حافظ الأسد أن نكون بمفردنا، وأمر الجميع أن يتركوا المكتب، بمَن فيهم وزير الدفاع السوري، وتحدث معي عن الحرب التي كنا نخطط لها. وبعد هذه المقابلة وافق الأسد على دخول سوريا الحرب مع مصر، وظللنا خلال ثلاث ساعات نتناقش في كيفية التنسيق بين البلدين، وعدم تخلي أي منهما عن الآخر في الحرب، واتفقت معه على ذلك، وهو ما يفسر تطوير مصر للهجوم على إسرائيل أثناء الحرب يوم 14 أكتوبر عام 1973 لتخفيف الضغط على الجبهة السورية التي كانت إسرائيل قاربت السيطرة عليها. أما المهمة الثانية: فكانت صفقة أسلحة الاتحاد السوفيتي، التي تعتبر من أهم المهام التي قمت بها، رغم أنها شديدة الصعوبة بعد ترحيل الخبراء الروس من مصر عام 1972؛ وقتها كانت العلاقات سيئة بين مصر وروسيا، وعندما سافرت إلى روسيا استطعت إبرام اتفاق معهم بشكل شخصي لتوريد صفقة الأسلحة لمصر تقديرًا من الروس لقدرتي العلمية والعملية ولارتباطهم بي بشكل شخصي، وتعتبر الصفقة من أكبر الصفقات التي قامت بها مصر مع روسيا بشكل مباشر عبر مدير المخابرات الروسي وقتها (أندروا بوف)، وكان صديقًا شخصيًّا لي، وكان لـ(بوف) سلطة قوية في الاتحاد السوفيتي، وعن طريقه استطعت إتمام الصفقة. وكان الاستعداد للحرب يجري على قدم وساق، كنا نسابق الزمن ونقص الإمكانيات، ونعالج كل ما يصادفنا من عوائق) (المصدر السابق، ص 137- 138). وخلال الفترة من تعيين أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية في أكتوبر عام 1972 وبدء الحرب في أكتوبر عام 73 زار أحمد إسماعيل سوريا 5 مرات لتنسيق جهود القوات المسلحة في البلدين للقيام بعمل عسكري مشترك في إطار الاتفاق السياسي بين كلٍّ من الرئيس أنور السادات والرئيس حافظ الأسد، كانت الزيارة الأولى بعد التعيين وزيرًا للحربية بنحو أسبوعين، كانت في الفترة من 10 إلى 13 فبراير 1972، وكان هدفها مراجعة الخطة والتخطيط والإعداد لعمليات هجومية مشتركة. وفيها تبادل وجهات النظر في الموقف مع الرئيس الأسد، وتبادل الآراء مع وزير الدفاع السوري اللواء مصطفى الطلاس والقادة العسكريين السوريين، في ضوء الاقتناع الكامل بعدم جدية الحل السلمي، وتوجيه القوات المسلحة السورية لنفس المهام التي صدرت بها الأوامر للقوات المسلحة المصرية. وكانت الزيارة الخامسة والأخيرة في الأسبوع السابق للحرب في يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 1973، كان الذهاب وكانت العودة في نفس اليوم، وكانت لتحديد ساعة الصفر والاتفاق النهائي عليها. دعم الروح المعنوية: قال المشير: (كان لا بد من دعم الروح المعنوية لدى قوات الجيش المصري، وما أكدت عليه هو أنني لم أغير من هؤلاء الرجال أو أبدلهم تبديلًا، وكل ما فعلته إذا كان لي فضل أني هيأت لهم المناخ الطيب والظروف الجيدة، وهنا تأججت نفوسهم وتوهج تحت النيران جوهرهم الأصيل. كانت مهمتي في سبيل ذلك -وكحلول عاجلة- أن أعيد الثقة للرجال برفع روحهم المعنوية. وإذا كانت الحرب امتدادًا للعمل السياسي، أو هي كما يقولون سياسة بالنار، فليس معنى ذلك خلطًا بين الاثنين، للسياسة رجالها وللقتال رجاله، ومِن ثَمَّ فنحن عسكريون لنا واجب وأمامنا مهمة، ومهارتنا تتمثل في كيف نرفع من درجة استعدادنا وكفاءتنا القتالية، لا أن نتحدث بالسياسة، وعبرة التاريخ أمامنا شاهد يقول: إن السياسة عندما تدخل الجيوش تفسدها) (المصدر السابق، ص 137). وأضاف المشير: (لقد كنت مقتنعًا طوال فترة خدمتي العسكرية أن الرجل لا السلاح هو الذي ينتصر، فالنصر يكون أولًا في قلوب الرجال ثم يكتسبه الرجال في ساحة القتال، وعلى هذا لا يمكن للمقاتل مهما تكن رتبته أو درجته ومهما تعطه من سلاح أن ينجح أو ينتصر إلا إذا وثق في نفسه أساسًا، ووثق في قادته وسلاحه، وفي عدالة قضيته؛ كل هذا إلى جانب إيمانه أولًا وأخيرًا بالله) (المصدر السابق، ص 166). ولقد كانت من سمات المشير أحمد إسماعيل التي انفرد بها عمن سبقه في وزارة الحربية وقيادة القوات المسلحة، وساهمت في تحقيق النصر: أنه نأى بنفسه عن الخوض في أمور السياسة والتنافس فيها، فأخلص نيته لحرب التحرير، وركز كل جهوده على الإعداد للمعركة الحتمية المرتقبة، فصنع في خلال عام ما لم يفعله غيره في سنوات. صيحة: (الله أكبر): قال المشير في مذكراته: (وقد ظن الكثيرون أن صيحة (الله أكبر) التي دوت في سماء المعركة منطلقة من قلوب جنود مصر قبل حناجرهم كانت صيحة متفقًا عليها، ولكن حقيقة الأمر لم تكن كذلك. ففي العام 1970 اقترحت الشئون المعنوية جعل صيحة (الله أكبر) هي الهتاف الذي يردده الجنود أثناء التدريب بدلًا من صيحة (ها) المعتادة، ولكن مع زحام الإعداد للحرب والغوص في التفاصيل نسينا الأمر حتى كانت حرب أكتوبر حينما بدأ الجنود العبور للضفة الشرقية، فانطلقت الصيحة مدوية بعفوية تامة ودونما إعداد مسبق. لقد كان ذكر الله -عز وجل- حاضرًا في المعركة في قلوب وأذهان الجنود، كانوا يعلمون أنه معهم وهم يدافعون عن الحق والوطن). وأضاف: (أتذكر هنا مقولة رددها رئيس الأركان الإسرائيلي (دافيد إليعازر) بعد حرب أكتوبر حينما قال: (كانت أكبر مفاجأة لنا في هذه الحرب كفاءة الجندي المصري وإصراره... واستعداده للتضحية بروحه لتحقيق هدفه) (المصدر السابق، ص 183- 184). زوجة المشير في لندن للعلاج: كانت زوجة المشير قد اشتكت من ورم في يدها، واحتاجت إلى السفر إلى لندن لعمل فحص شامل عند طبيب مختص، وكان أحمد إسماعيل رافضًا لفكرة السفر دون أن يبدي سبب الرفض، وهو التحسب لاندلاع الحرب، ومع إصرار الزوجة على السفر، وهي لا تعلم سبب رفض السفر، ولحاجتها للعلاج وافق المشير على سفرها للعلاج شريطة أن تعود في أسرع وقت بمجرد انتهاء العملية الجراحية المنتظرة. سافرت الزوجة مع ابنتيها إلى لندن وقامت بالفحوصات اللازمة وأجرت العملية المطلوبة، واحتاجت إلى البقاء في المستشفى يومين أو ثلاثة بعد العملية، لكن السادات أرسل إليها في لندن مدير مكتب المشير ليطلب منها سرعة العودة لمصر دون إخبارها شيئًا عن قرار الحرب. واستجابت لطلب العودة وتركت الزوجة المستشفى دون أن تخبر الطبيب المعالج لها، ولكن نتيجة عطل بالطائرة يحتاج لإصلاح تأخر سفر الطائرة إلى اليوم التالي، وفي اليوم التالي كانت المفاجأة أن الحرب بين مصر وإسرائيل قد اندلعت وبالتالي تعذر السفر، وخوفًا على الزوجة وابنتيها من تعرض حياتهن للخطر إذا علمت إسرائيل بوجودهن في لندن كانت الأوامر للسفير المصري في لندن بالتحفظ على الزوجة وابنتيها في أحد الفنادق في لندن تحت الحراسة، حتى يأتي السماح لهن بالسفر، وهو ما حدث، حتى نجحن بعد ذلك في العودة لمصر عن طريق السفر إلى ليبيا، ومنها كانت العودة لمصر عبر الحدود الليبية (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 144- 145). تكريم البطل: منح السادات رتبة المشير للفريق أول أحمد إسماعيل في فبراير 1974 اعتبارًا من السادس من أكتوبر 1973، ليكون بذلك ثاني ضابط مصري يصل إلى هذه الرتبة بعد المشير عبد الحكيم عامر. كما حصل المشير أيضًا على وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى، وتم تعيينه في 26 أبريل 1974 نائبًا لرئيس الوزراء. نهاية حياة مليئة بالكفاح: في 25 ديسمبر عام 1974م الموافق ثاني أيام عيد الأضحى 1494 هـ توفي المشير أحمد إسماعيل في أحد مستشفيات لندن، بعد إصابته بمرض سرطان الغدد الليمفاوية، وذلك عن عمر يناهز 57 عامًا، كان ذلك بعد أيام من اختيار مجلة الجيش الأمريكي له كواحد من ضمن أكثر 50 شخصية عسكرية أضافت للحرب تكتيكًا جديدًا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |