|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تعقيبات الأمر بالتقوى في القرآن الكريم "نظرة تدبرية" عبدالله بن عبده نعمان العواضي التقوى وصية الله تعالى لعباده عمومهم وخصوصهم، وأمرُه الدائم لهم في جميع أحوالهم، وهي كلمة جامعة لخصال الخير، آتية من فعل المأمور: واجبة ومستحبة، وترك المحظور: محرمة ومكروهة، وترك الشبهات خشية الوقوع في المحرمات، وكل امرئ نصيبه منها بقدر وفائه بهذا الوصف الجامع لها. وقد كثُر ورودها في القرآن الكريم؛ أمرًا بها، وحثًّا عليها، وبيانًا لثمراتها، وصفات أهلها، وحسن جزائهم بها عند الله تعالى. كما أن الأمر بها كثيرًا ما يرد في القرآن تعقيبًا على أدب أو حكم واجب فعله أو تركه؛ لتكون تقوى الله هي الحاملة على امتثال المأمور به، وترك المنهي عنه. إن من يقرأ في سورة البقرة أو يسمعها متأملًا سيجد في أكثر من ستة مواضع يأتي الأمر بالتقوى، مذيلًا بما يرغب في لزومها، أو يرهب من تركها، أو يبين ثمرتها لمن تحلى بها. وفي سورة الحجرات - على قصرها - فيها ثلاثة مواضع من ذلك، ومن المعلوم أن سورة البقرة كثيرة الأحكام، وسورة الحجرات كثيرة الآداب، فجاء التعقيب لأحكام سورة البقرة وآداب سورة الحجرات بالأمر بالتقوى المعلَّل أو المرغَب أو المرهَب به؛ ليكون دافعًا للعمل بتلك الأحكام والآداب، فليس أحسن في دفع النفس لامتثال الأوامر واجتناب النواهي مثل ملازمة تقوى الله تعالى. فدعاني هذا إلى تتبع هذه الظاهرة القرآنية في القرآن كله، فوجدت مواضع كثيرة على هذا النمط الذي يدعو إلى التحلي بالتقوى، ويحذر من التخلي عنها. صور التعقيب على الأمر بالتقوى في القرآن: جاء التعقيب على الأمر بالتقوى في القرآن الكريم في الصور الآتية: 1-تعقيب الأمر بالتقوى بما يبين ثمرتها لمن اتصف بها. فمن تلك الثمرات: أ- نيل الفلاح: 1- قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة:189]. قال ابن كثير: "أي: اتقوا الله، فافعلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه؛ لعلكم تفلحون غدًا إذا وقفتهم بين يديه فيجازيكم على التمام والكمال"[1]. وقال ابن عاشور: "﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي: تظفرون بمطلبكم من البر؛ فإن البر في اتباع الشرع"[2]. وقال سيد طنطاوي: "أي: افعلوا ما أمركم الله به، واجتنبوا ما نهاكم عنه؛ لتكونوا من المفلحين، وهم الفائزون بالحياة المطمئنة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة"[3]. 2- وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:130]. قال أبو حيان: "لَما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا، أمر بتقوى الله؛ إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهى الشرع عنه، ثم ذكر أن التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز، وأمر بها مطلقًا لا مقيدًا بفعل الربا؛ لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى، فلم يأت ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في أكل الربا، بل أمروا بالتقوى، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة"[4]. 3- وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200]. قال ابن القيم: "... فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها"[5]. ب- الظفر بمعية الله تعالى: قال تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة:194]. قال ابن عاشور: "وقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ افتتاح الكلام بكلمة "اعلم" إيذان بالاهتمام بما سيقوله، فإن قولك في الخطاب: "اعلم" إنباءً بأهمية ما سيلقى للمخاطب"[6]. وقال أبو حيان: "﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ بالنصرة والتمكين والتأييد، وجاء بلفظ "مع" الدالة على الصحبة والملازمة؛ حضًّا على الناس بالتقوى دائمًا؛ إذ من كان الله معه فهو الغالب المنتصر، ألا ترى إلى ما جاء في الحديث: (ارموا، وأنا مع بني فلان) فأمسكوا، فقال: (ارموا وأنا معكم كلكم) [7]، وكذلك قوله لحسان: (اهجهم وروح القدس معك) [8]"[9]. وقال أبو السعود: "﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ فيحرُسُهم ويصلح شئونهم بالنصر والتمكين"[10]. ج- الوصول إلى أداء شكر الله تعالى: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[آل عمران:123]. قال الواحدي: "﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أَيْ: فاتقونِ؛ فإنه شكر نعمتي"[11]. وقال السعدي: "لأن من اتقى ربه فقد شكره، ومن ترك التقوى فلم يشكره"[12]. وقال أبو زهرة: "أي: اتقوا الله تعالى وهابوه، وأقرُّوا بأن الكبرياء له وحده في السماوات والأرض، رجاء أن تشكروه بهذه التقوى، والرجاء من العبيد لا من الله تعالى، فهو الغني الحميد، فالتقوى هي في الحقيقة شكر الله تعالى؛ لأنه سبحانه هو المنعم وهو المتفضل في كل ما يتعلق بالإنسان من نعم هذا الوجود، وشكره أن تعرف حق ما أسدى، وما تدل عليه النعم من جلال الله وعظمته، فاللهم وفِّقنا لتقواك ليتحقق منا شكرك، إنك أنت العلي الوهاب"[13]. د- الفوز برحمة الله تعالى: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:10]. قال أبو السعود: "﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ راجينَ أنْ ترحمُوا عَلى تقواكم"[14]. وقال ابن عاشور: "ومعنى ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾: ترجى لكم الرحمة من الله فتجري أحوالكم على استقامة وصلاح، وإنما اختيرت الرحمة؛ لأن الأمر بالتقوى واقع إثر تقرير حقيقة الأخوة بين المؤمنين، وشأن تعامل الإخوة الرحمة، فيكون الجزاء عليها من جنسها"[15]. وقال أبو زهرة: "الآية فيها بيان أن الرحمة هي الغاية المرجوة للاتباع والتقوى"[16]. 2- تعقيب الأمر بالتقوى بما يرهب من ترك الاتصاف بها: وقد جاء ذلك على النحو الآتي: أ- التهديد بشدة عقاب الله تعالى: 1- قال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة:196]. قال أبو السعود: "﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ لمن لم يَتَّقْهِ؛ كي يصُدَّكم العلمُ به عن العِصيان. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمار؛ لتربية المهابةِ وإدخالِ الرَّوْعة"[17]. وقال السعدي: "﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ أي: لمن عصاه، وهذا هو الموجب للتقوى؛ فإن من خاف عقاب الله، انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب، ولم يرج الثواب، اقتحم المحارم، وتجرأ على ترك الواجبات"[18]. وقال ابن عاشور: "وصاية بالتقوى بعد بيان الأحكام التي لا تخلو عن مشقة للتحذير من التهاون بها، فالأمر بالتقوى عام، وكون الحج من جملة ذلك هو من جملة العموم وهو أجدر أفراد العموم؛ لأن الكلام فيه. وقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ افتتح بقوله: "واعلموا"؛ اهتمامًا بالخبر، فلم يقتصر بأن يقال: واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب؛ فإنه لو اقتصر عليه لحصل العلم المطلوب؛ لأن العلم يحصل من الخبر، لكن لما أريد تحقيق الخبر افتتح بالأمر بالعلم؛ لأنه في معنى تحقيق الخبر، كأنه يقول: لا تشكوا في ذلك، فأفاد مفاد إنَّ"[19]. وقال أبو زهرة: "ختم الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة التي كانت فيها الإشارة إلى أعمال الحج ونسكه وشعائره بالأمر بتقواه؛ للإشارة إلى أن الاعتبار في أعمال الحج لَا يكون لما تعمله الجوارح، وما تقوم به من أفعال، إنما العبرة في ذلك إلى أثرها في القلوب؛ فإن أوجدت رحمة بالعباد، ورهبة من الخلاق، وتقوى من الله، فقد أديت على وجهها إذ خلصت النية، واستقامت الإرادة؛ وإن لم تؤد إلى تقوى الله والرحمة بعباده فقد خالطها رياء ولم تخلص النية، وحق العقاب، ولذا قال سبحانه: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾؛ ليلقي في نفوس الناس الرهبة من عقابه حال رجاء ثوابه، والناس يصلحون بالثواب والعقاب، حتى إذا علت المدارك وقويت الروح كان الثواب رضا الرحمن"[20]. 2- وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة:2]. قال الطبري: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، وهذا وعيد من الله جل ثناؤه وتهديد لمن اعتدى حده وتجاوز أمره؛ يقول عز ذكره: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ يعني: واحذروا الله أيها المؤمنون أن تلقوه في معادكم وقد اعتديتم حده فيما حد لكم، وخالفتم أمره فيما أمركم به أو نهيه فيما نهاكم عنه, فتستوجبوا عقابه وتستحقوا أليم عذابه، ثم وصف عقابه بالشدة, فقال عز ذكره: إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من خلقه؛ لأنها نار لا يُطفأ حرُّها, ولا يَخمُد جَمرُها, ولا يسكن لهبها"[21]. وقال الرازي: "والمراد منه التهديد والوعيد، يعني: اتقوا الله ولا تستحلوا شيئًا من محارمه، إن الله شديد العقاب، لا يطيق أحد عقابه"[22]. وقال أبو حيان: "أمر بالتقوى مطلقة، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيدًا لأمرها، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب، فيجب أن يتقى، وشدة عقابه بكونه لا يطيقه أحد، ولاستمراره، فإن عقاب الدنيا منقض"[23]. 3- وقال تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[الحشر:7]. قال أبو السعود: "﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾فيعاقبُ مَنْ يخالفُ أمرَهُ ونهيَهُ"[24]. ب- الترهيب بأن العباد محشورون إلى الله تعالى، وهذا يلقي في نفوسهم الهيبة من ترك تقواه: 1- قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾[البقرة:203]. قال أبو السعود: "﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾؛ أي: للجزاء على أعمالكم بعد الإحياءِ والبعث، وأصلُ الحشر الجمع وضم المتفرِّق، وهو تأكيدٌ للأمر بالتقوى وموجب للامتثال به؛ فإن من علِم بالحشر والمحاسبة والجزاءِ كان ذلك من أَقْوى الدَّواعي إلى ملازمة التقوى"[25]. وقال السعدي: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾، فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه وجد جزاء التقوى عنده، ومن لم يتقه عاقبه أشد العقوبة، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله، فلهذا حث تعالى على العلم بذلك"[26]. وقال أبو زهرة: "﴿ وَاتَقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ ختم الله سبحانه وتعالى آيات الحج التي أشار فيها إلى مناسكه، وذكر فيها بعض أعمال الحجيج الواجبة فيها بهذه الجملة السامية، وبذلك الأمر الجازم القاطع، وهو الأمر المكون من عنصرين أحدهما: تقوى الله، وثانيهما: العلم اليقيني بالحشر، وأنه سيكون إلى رب العالمين، وفي هذا إشارة إلى خلاصة التدين وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها، فإن لم تؤد أية عبادة إلى هذين الأمرين، فهي صورة لَا روح فيها، وشكل لا ثمرة منه"[27]. 2- وقال سبحانه: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة:96]. قال أبو حيان: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾، هذا فيه تنبيه وتهديد، وجاء عقيب تحليل وتحريم، وذكر الحشر؛ إذ فيه يظهر من أطاع وعصى"[28]. وقال ابن عاشور: "وذيل ذلك بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾، وفي إجراء الوصف بالموصول وتلك الصلة تذكير بأن المرجع إلى الله؛ ليعد الناس ما استطاعوا من الطاعة لذلك اللقاء"[29]. 3- وقال سبحانه: ﴿ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام:72]. قال أبو السعود: "﴿ وَهُوَ الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ موجِبةٌ للامتثال بما أُمر به من الأمور الثلاثة"[30]. 4- وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾[المجادلة:9]. قال الطبري: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ يقول: وخافوا الله الذي إليه مصيركم، وعنده مجتمعكم في تضييع فرائضه، والتقدُّم على معاصيه أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه"[31]. وقال ابن عاشور: "وفي قوله: ﴿ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ تذكير بيوم الجزاء، فالمعنى: الذي إليه تحشرون فيجازيكم"[32]. ج- الترهيب بكون الناس سيلاقون ربهم ليحاسبهم على ما قدموا: قال تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة:223]. قال الرازي: "قوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ﴾، وفيه إشارة إلى أني إنما كلفتكم بتحمل المشقة في فعل الطاعات، وترك المحظورات لأجل يوم البعث والنشور والحساب، فلولا ذلك اليوم لكان تحمل المشقة في فعل الطاعات وترك المحظورات عبثًا"[33]. وقال ابن عاشور: "وقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ﴾ يجمع التحذير والترغيب، أي: فلاقوه بما يرضى به عنكم؛ كقوله: ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ ﴾ [النور: 39]، وإنما أمرهم الله بعلم أنهم ملاقوه مع أن المسلمين يعلمون ذلك تنزيلًا لعلمهم منزلة العدم في هذا الشأن؛ ليزاد من تعليمهم اهتمامًا بهذا المعلوم وتنافسًا فيه"[34]. وقال أبو زهرة: "قوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ ﴾ الإيمان بلقاء الله تعالى هو الذي يربي النفس على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، وهو الذي يجعل الإنسان يطمئن إلى فعل الخير؛ إذ يعلم أن فيه رضوان الله، وهو سيلقاه، ويجنب نفسه فعل الشر؛ لأن فيه غضب الله وسيلقاه، وسيجزيه الجزاء الأوفى، سيجزيه على الإحسان إحسانًا، وعلى السوء سوءًا"[35]. د- التهديد بأن الله سميع وعليم وخبير بكل شيء، ومطلع على ما في القلوب، فليحذروا ترك تقواه: 1- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات:1]. قال أبو السعود: "﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في كلِّ ما تأتُون وما تذرُون مِن الأقوالِ والأفعالِ التي من جملتها ما نحنُ فيهِ، ﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ ﴾ لأقوالِكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بأفعالِكم، فمِنْ حَقِّه أنْ يُتقَّى ويراقب"[36]. وقال ابن عاشور: "وجملة ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ في موضع العلة للنهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، وللأمر بتقوى الله"[37]. 2- وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[البقرة:231]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |