حياتي الجديدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1384 - عددالزوار : 140118 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-11-2021, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,158
الدولة : Egypt
افتراضي حياتي الجديدة

حياتي الجديدة


أ. مروة يوسف عاشور


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكتبُ إليكم بعد أنْ أعجبَتْنِي آراؤكم في بعض المشكلات؛ فتوسَّمت أنْ أجدَ عندَكم المساعدة.

أنا سيِّدة مُتزوجة في العقد الخامس، تزوَّجت زواجًا تقليديًّا، سافرتُ مع زوجي لدولةٍ عربيَّةٍ لتكوين أنفسنا ماديًّا، أمورُه الماديَّة لم تكن من المُغرِيات للمُوافقة على الارتِباط به، ولكن هو كشخصٍ أحسَستُ وقتَها أنِّي سأجدُ فيه ما يُعوِّضني بحنانِه كزوجٍ عن الأب الذي حُرِمتُ منه، سافرتُ معه وأنا كلِّي أملٌ أنْ أعيشَ حياةً سعيدة وأبذلَ كلَّ ما أستطيعُ لإنجاح حياتي، لم أُقصر - واللهُ خيرُ شاهدٍ - وحتى زوجي نفسه يشهدُ بذلك إلى الآن.
مرَّت الحياة كما تمرُّ على جميع الأزواج والزوجات بحلوِها ومرِّها، وعندما كانت تشتدُّ الأزمات كنت أُذكِّر نفسي بالأولاد، وأنِّي عائشةٌ حاليًّا لهم، ولكي أنسى الإساءةَ من قِبَلِ زوجي كنتُ دائمًا أقول: لا تُفكِّري فيها، وضَعِيها في صندوقٍ وأحكِمي إغلاقَها؛ حتى تمرَّ الحياة، وأقول: الكمال لله وحدَه، ركِّزي على الإيجابيَّات، وسبب نهجي لهذا عَدَمُ الجدوى من مُحاسَبة زوجي أو مُعاتَبته، كان يصرُّ على تصرُّفاته؛ مثال: بعد سنةٍ من زواجي سمعتُه يتكلَّم في الخفاءِ مع امرأةٍ، وعندما واجهتُه اعتذرَ ووعَد بعدم تكرارها، ويمكن أنْ تقولوا: إنَّ هذه كانت البداية.
وللتوضيح ليس إلا: لم أُقصِّر في طلباته أبدًا، مهما تعدَّدت وفي أيِّ وقتٍ طُلِبت، كان كثيرَ الاستظراف مع السيِّدات، وكنت أُوضِّح له أنَّ هذا يُؤذي مشاعري، ولكنَّه كان يعتذرُ ويُواصِل، كان يرفُض دائمًا نصيحتي على الرغم من أنَّه يعترف بعدَ الموقف أنَّ رأيي كان الأصوب، وفي محادثةٍ بيننا مرَّةً من المرَّات التي أصرَّ فيها على رأيه قال لي: "إنها أموالي، وأفعلُ فيها ما أريدُ، وإذا لم يُعجِبْك فاذهَبِي لأهلك"، (لأنَّنا كُنَّا نعيشُ في هذه الدولة العربيَّة)، بكيت وبكيت وبكيت، بُكائي لم يكن لما قالَه فقط، بل كان لمعرفتي أنِّي لن أستطيعَ أنْ آخُذَ قَرارَ الفراقِ بسبب أولادي!
استمرَّتِ الحياة وتطاوَلَ في إهانتي، (وقد أرادَ الله أنْ يُسمِعني هذا الكلام وأُقسم بالله أنِّي لم أكُنْ أسترقُ السمع) أمامَ أخواته، وحلف أنِّي لا أكفيه، وأنَّه إذا جاءَتْه الفرصةُ سوف يتزوَّج عليَّ، ولم أفتحْ معه الموضوع، وكنت كلَّما زاد في هذا النوع من الكلام كنت أزيد من اهتمامي به؛ ظنًّا منِّي أنَّه يتدلَّل عليَّ لنيل اهتمامٍ أكثر، خصوصًا أنَّه لم يُفصِحْ لي ولا مرَّة عن رغبتِه في الزواج من غيري.
وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على زواجنا، علمتُ قَدَرًا ودون ترتيبٍ أنَّه يستعدُّ للزواج، وعندما واجهتُه اعتذَرَ وقال: هذه غلطة، في ذلك اليوم قرَّرت أنْ أتكلَّم بصَراحةٍ معه، وقُلت له: ليس لديَّ الآن أكثر ممَّا أعطيتُ، وإذا كان يودُّ الزواج ويخشى من أهلي أو أهلِه، أكتب له إقرارًا بأنِّي موافقةٌ على زواجه، وأنِّي لن أسمحَ لأحدٍ أنْ يُعاتِبَه، وبكَى وترجَّى لتستمرَّ الحياةُ، ونظَرت لأولادي الذين لم يشعُرْ منهم أحدٌ بما أمرُّ به في حياتي أنا وأبوهم؛ وذلك لحِرصي على ذلك، وقرَّرتُ الاستمرارَ مُنكسِرةً، لكنِّي لم أُقصِّرْ في شيء، ويمكن أنْ تقولوا: إنِّي ناضلتُ رغم انكساري؛ لأنَّ زادي هو أنَّ عمَلِي لن يُضيِّعَه الرحمن الرحيم.
مرَّت الحياة وكان لا بُدَّ من أن يستمرَّ زوجي في الخارج؛ ليُلبِّي طلَبات أسرتِنا الكبيرة، وأنا أظلُّ مع أولادي أُتابِعُ أمورَهم في بلدي، كنتُ أذهبُ أنا والأولاد لزيارته في جميع الإجازات، كان داخلي يقينٌ أنَّ هناك شيئًا خاطئًا كان يقومُ به زوجي، ولكنِّي كنت أتغافل كما نصحتُم في إحدى رسائلكم، وكنتُ أتوجَّه إلى الله بالدعاء وألِحُّ في طلب الهداية لزوجي.
من سنةٍ تقريبًا جاء زوجي في زيارةٍ لنا في بلدنا، ثم قال: إنَّه مسافرٌ تبعًا للعمل إلى دولة آسيوية، ثم جاءت إجازةُ الصيف، وذهبنا أنا والأولاد لقضاء الإجازة معه في الدولة العربيَّة التي يعملُ بها، وتزامن مع زيارتنا له ضرورةُ سفرِه لتلك الدولة مرَّةً أخرى، وانتظَرْناه في هذا البلد العربي حتى عودته لنقضيَ معه ما تبقَّى من الإجازة، وعند عودتِه شعرتُ بالغُربة على الرغم من وجودِه، عندما سألتُه عن هذا التغيُّر تعلَّل بكثرة الشغل، لكن أنا كنت مُتأكِّدةً أنَّه شيءٌ آخَر لا أفهمه، وبقدَرِ الله - والله خيرُ شاهدٍ على صِدق كلامي - علمتُ أنَّه متزوجٌ امرأةً من تلك الدولة، وأنَّ زياراته لهذه البلد لم تكن للعمل وإنما لزوجته الثانية، وعندما سألتُه أقرَّ بأنَّه مُتزوِّجٌ، وأنَّه لم يعمل شيئًا يشينُه، وعندما تناقشتُ معه وقلت: لماذا لم تخبرني لكي نبحثَ عن حلٍّ لهذا الموضوع؟ اتَّضح لي في النهاية أنَّه أرادَ أنْ يحلَّ هذه المشكلة ولكن دُون تَدخُّلي؛ بمعنى أدق: أراد استِبدالي؛ لأنَّ - وهذا كلامه - الحياة صغيرة، ويريد أنْ يتمتَّع بها، أولادي أصرُّوا على نزولي معهم إلى بلدنا، ولكن أنا أصررت على البَقاء معه لفترةٍ أكثر؛ أمَلاً منِّي أنْ أنقذَ عائلتي، وعَد الأولاد بأنَّه سوف يُطلِّقها؛ لأنَّه مهما تزوَّجَ لن يجدَ مثلي (هذا كلامه).
نزل الأولاد إلى بلدنا، وبقيتُ أنا معه أقومُ بواجبي، على الرغم ممَّا أراه في عينه وكأنَّه يقول لي: ليس هناك فائدةٌ ممَّا تقومين به، سوف أتزوَّجُ إذا سنحتْ لي الفُرصة، وطلَّقَها فعلاً ورأيتُه يبكي على هذا الطلاق، ولكنِّي تغافَلتُ، وفي أثناء مُحاوَلاتي لإنجاح حَياتي وأسرتي أتى لي خَبَرُ وفاة أحد أبنائنا في حادث سيارة، لا يمكن أنْ أصفَ ما أشعُر به، وسوف أترُكُ لكم تخيُّل ما أنا به الآن، نزلنا على الفور، وبعد ثلاثة أيام رأيتُه جالسًا على الحاسوب يتحدَّث مع مَن كان طلَّقها! يفعل هذا بعد ثلاثة أيام فقط على وفاة ابني!! هل يمكن أنْ تتخيَّلوا ذلك؟! بدلاً من أنْ يحتضنَ أسرتَه ويحنوَ عليهم لنمرَّ بهذه المصيبةِ مُتَماسِكين، ترَكَنا ورحَلَ لعمَلِه بعد عشرة أيَّام ليُعاوِدَ التأكيد على أنَّه سيتزوَّج امرأةً جديدة، طلبتُ الطلاق، وبعد مُناقشاتٍ بيني وبينه، وبينه وبين أهلي، وبعد أنِ استشرتُ دار الإفتاء - وصلتُ لقرارٍ نهائي بالانفصال؛ بمعنى: أنْ أظلَّ في بلدي مع أبنائي أُواصِلُ تحمُّل مسؤوليَّاتهم، ويرسل أبوهم مصاريفهم، وهو يتزوَّج في البلد العربي وألا يطلب منِّي أيَّ مطالب شرعيَّة، وقد وافَق هو على ذلك، أنا أبكي أثناءَ كتابةِ هذه الرسالة، لا يعلم أحدٌ كيف أُعانِي نفسيًّا، يعودُ أبو الأولاد الآن ويطلب منِّي حقوقَه الشرعيَّة وأنا أرفُض بشدَّةٍ.
أستاذي أو أستاذتي، مَن يقرأ رسالتي، بيتي انهارَ، واحترامي لزوجي اختفَى، كلَّمَا رأيتُه شاهدتُ على وجهِه كلمة (مخادع وكذاب)، يتكلَّم عن الحلال والحرام ثم يسمحُ لنفسِه أنْ يتحدَّث في الخَفاء؛ سواء على الإنترنت أو على الهاتف بأرخص الكلام مع البنات، تركَنِي وأنا في أشدِّ الحاجة إليه وقتَ وفاة ابني، وأنا لم أتخلَّ عنه في الضَّرَّاء قبل السَّرَّاء، هل هذه هي المودَّة والرحمة التي ذكَرَها القُرآن؟!
ابنتي الكبيرة تقول لي: "كفى هذا، لا نطلبُ منك أنْ تتنازَلِي أكثرَ من ذلك"، أنا أصرُّ وأتمسَّك بحقِّي في حياتي الجديدة، كان هناك بيننا عقدٌ وهو أخلَّ به، ومن حقي أنا الأخرى أنْ أخلَّ به، ولكن دُون أنانية؛ لأنَّ عندي أولادًا، إذا كان أبو الأولاد قد أعطى الكثير فهو قد أخَذَ زهرةَ شَبابي ثم يريدُ الآن أنْ يتخلَّص منها؛ لأنها ليست كافيةً، هل لهذا أباحَ الله التعدُّد؟ وأنا الزوجةُ التي تغاضَتْ عن أشياء لا يمكن ذِكرُها لأنها شخصيَّة جدًّا وارتضيتُ به زوجًا، وتنازَلتُ عن أحلامي التي لم يستطعْ هو تحقيقَها؛ مستندةً على أنَّه قدري، ولا بُدَّ لي من الرضا به.
أنا أعيش الآن على منهجٍ أعلم أنَّه ليس سهلاً، ولكنَّ ربي الوحيد الذي يعلمُ صِدقَ توكُّلي عليه وحُسن ظنِّي به، منهجي هو أنَّ العيشَ هو عيش الآخِرة وأنَّ الحياةَ في سبيل الله أصعبُ من الموت في سبيل الله، أريد أنْ أتأكَّد أنَّ اختياري بالانفِصال لن يُغضِبَ الله - سبحانه وتعالى – منِّي؛ قال: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾[البقرة: 233]، نفسي تأبى مُواصَلةَ الحياة معه، أشعُر بل عندي يقينٌ أنِّي إذا فرضتُ على نفسي الاستمرارَ معه سوف أصبحُ مريضةً نفسيًّا.

أرجو المساعدة العاجلة، أشكُركم مقدَّمًا على تحمُّلكم طول الرسالة وأتمنَّى منكم سرعةَ الإجابة.


الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ما أجملَ التضحيةَ والتحمُّل لأجل الأبناء الأعزَّاء! وما أعظم نفس الأمِّ وأرقَّ قلبها يفيضُ عطفًا وحَنانًا على فلذات كبدِها، ينبضُ بحبِّهم ويهتفُ بأسمائهم! ولكن لا أوافق أنْ يكون شيء من ذلك على حِساب ما هو أهم منه؛ فقولكِ: إنَّك تعيشين حاليًّا لأجل الأبناء ولأجلِهم فقط، فيه من الغلوِّ ما قد يُؤدِّي إلى إهمال حقِّكِ والتغافُل عنه بصورةٍ غير مقبولة، ولا أستبعد أنْ يكون ذلك من عوامل نُفور الزوج وهربه إلى عالمٍ آخَر يشعُر فيه بامرأةٍ تعيشُ كامرأةٍ كلها أنوثة وحيويَّة، ولئنْ نصَحْنا في استشارات قرأتِها بالتغافُل عن بعض عيوب الزوج، فلا أعتقدُ أنَّ أحدَنا قد نصَح بإهمال كامل حقِّ النفس والتغاضي عن كلِّ مشكلةٍ في سبيل رضا الأبناء!
الزوج يا عزيزتي رجلٌ له احتياجاتٌ قد تعلَمِينها وقد تعجزين عن فهمِها أحيانًا، لكنَّه ليس معقدًا إلى الحدِّ الذي يُعيِي المرأة لأكثر من عشرين سنةً!
أنتِ أمٌّ مثاليَّة، وربما امرأةٌ رائعة؛ تقومُ بما عليها من واجبات، وتؤدِّي حقوقَ زوجها وأبنائها، وتسعى لإرضاء الجميع، وتحرصُ كلَّ الحرصِ على رتْق كلِّ ثقبٍ يشقُّ جدار بيتِها، وتردمُ كلَّ بئر يُعكِّر نهر حَياتها، تتحمَّل الآلام حِرصًا على البيت الذي يجبُ أنْ يظلَّ قويًّا ويبدو مُتماسكًا رغم كلِّ الضغوط، تُواري عن الأبناء ما قد يُؤثِّرُ عليهم أو يغيرُ صورةَ والدهم في نظرِهم، لكنَّكِ نسيتِ العنايةَ بربيع عُمركِ وزهرةِ شَبابكِ التي لم يفنِها زوجكِ كما تَظُنِّين، وإنما أهدرتِها وأهملتِها بعطاءٍ غير محدودٍ بلا قيودٍ وبلا تعقُّل، عطاء تشوبُه الشوائب وتعكرُه المنغِّصات، أجل؛ فحتى العطاء يحتاجُ منَّا إلى تعقُّل، ولا يُطفئ مصباح العقل إلا عَواصف العاطفة؛ فالعاطفة نهرٌ مُتدفِّق قد يُجبر العقل على السير في طريقٍ يعلمُ نهايتَه ويدركُ خطَأَه، لكن لا يَقوَى على مُقاوَمة تلك العواصف العاتية والرياح القويَّة تقفُ في وجهِه فتصده عن الصواب وتعميه عن الأخْيَر والأنسب!
تشكِين إهمال زوجكِ وعدم تقديره لكِ ولجهودكِ وصبركِ عليه، وقد يكونُ لذلك نسبةٌ عالية من الصحَّة، وإنما أسألكِ وكلَّ مَن تشكو شكاتكِ هذا السؤال: لماذا حصَرتِ سعادةَ الدنيا على الزوج والحياة الزوجيَّة؟ لماذا حصَرتِ شبابَكِ على رأيه وقبوله؟ فإنْ لم يرضَ فقد ذهَب الشباب وولَّى العُمر، وإنْ رضي فلا تأسَفِين على عُمرٍ ولا حياة!
أليس كلُّ عملٍ يُكتَب في كتابٍ لا يُغيَّر ولا يُبدَّل عند الملك العدل؟! أليس الله بمطَّلعٍ على أعمالنا ويُجازينا بالقسطِ عليها؟! فعلامَ التحسُّر على ظُلم المخلوقين؟! وعلامَ انتظارُ الأجر والشُّكر منهم؟!
ما هكذا تورد الإبل أختنا الكريمة!
نحن نحيا لأجْلِ الله ولنيلِ رضاه، رضِي مَن حولَنا أو سخطوا، قبلوا بنا أو ولَّوا ظُهورَهم، نحيا لأسبابٍ عديدةٍ ليست محصورةً في شخصٍ بعينِه ولا عدَّة أشخاص، بصرفِ النظَر عن أهميَّتهم في حياتنا.

تعالَيْ نقفُ على بعض ما ورَد في رسالتِك لنكتشفَ مَكامِن الخطأ فيها إنْ وُجد:
- عندما ابتُلِيتِ بزوجٍ يُحادِثُ النساءَ ويقيمُ العلاقات معهنَّ كان علاجك هادئًا ولطيفًا، ولكنَّه لم يعتمدْ إلا على المصالح الشخصيَّة؛ "وكنت أُوضِّح له أنَّ هذا يؤذي مشاعري ولكن كان يعتذر ويواصل، كان يرفض دائمًا نصيحتي"، لا شكَّ أنَّ علاقات الزوج المحرَّمة تُؤذِي مشاعر كلِّ امرأة، لكنَّ النصحَ لأجلِ المشاعر قليلاً ما يجدُ قبولاً لدى هذا النوع من الرجال، فالأَوْلَى أنْ يكون النُّصح لأجله وتوضيح خُطورة ذلك عليه، والتحذير من غضب الله والتعرُّض لعَذابه، هذا أفضلُ من استِخدام الأسلوب العاطفي، والذي لا يزيدُه إلا تماديًا في طريق السوء، وقد أُمِرنا أنْ نُغيِّر المنكر قدرَ استطاعتنا، سواء تأذَّت مشاعرنا أو لم تتأذَّ، ولتكن النصيحةُ لله قبل أنْ تكونَ لمصالحنا، حتى إن لم تجدْ قبولاً وجَدْنا نحن أجرَها والمثوبةَ عليها.
- أراكِ تخلطين بين التعدُّد وبين الوقوع فيما حَرَّمَ الله من ناحيةٍ، وتخلطين بين التعدُّد واستبدال الزوج من ناحيةٍ أخرى؛ فمُواجَهته ليعترفَ أنها غلطةٌ؛ "وعندما واجهتُه اعتذر وقال: هذه غلطة"، "كان داخلي يقين أنَّ هناك شيئًا خاطئًا كان يقومُ به زوجي"، وقبولكِ لفكرة التعدُّد ثم طلبه أنْ تستمرَّ الحياة لا أفهمُه؛ ما دمتِ قبلتِ بالتعدُّد فما الذي سيمنع الحياة أنْ تستمرَّ؟ ثم قولكِ - حفظكِ الله - عندما تناقشتِ معه: "لماذا لم تخبرني لكي نبحثَ عن حلٍّ لهذا الموضوع؟" يدلُّ على أنَّكِ غير مقتنعةٍ، ولم تقبَلِي بالتعدُّد كما أشرتِ قبلَ ذلك، وإلا فأيَّ غلطة وأيَّ حلٍّ تريدينَ البحث عنه؟ كلُّ هذا خلطٌ بين التعدُّد وارتِكاب المنكر!
التعدُّد مباحٌ للرجلِ؛ سواء رضي عن زوجِه أم سخط، سواء كانت أجملَ وأتقى الزوجات أم أقلهنَّ من جميع النَّواحي، ولا يُعدُّ مشكلةً تحتاجُ للبحث عن حُلولٍ لها!
لا أخالفُ أنَّه ابتلاءٌ وألَمٌ نفسيٌّ لكلِّ امرأةٍ، ولا أُنكر ضررَه عليها، ولا تُمنَع من الحزن على ما لا حيلةَ لها فيه، لكن علينا ألا نخلطَ بين أحزاننا وشرعيَّةِ الأمور، فتنبَّهي - بارك الله فيك - وإيَّاكِ أنْ تدخُلي في قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا تسألُ المرأة طلاقَ أختِها لتَستَكفِئَ إناءَها))، فإنِ ابتُلِيت بزواجه فلا يكن همُّكِ أنْ يُطلِّقها؛ فقد صارَ لها من الحقوق مثلُ ما لكِ، وعليكِ ألا تحُضِّيه على طلاقها أو ظُلمها؛ فالظُّلم ظلماتٌ يوم القيامة، ولا يرضاه الله.
- تنظُر المرأة إلى واجبِها نحو زوجها بمنظارٍ غير الذي ينظر به الزوج، ولعلَّ هذه واحدة من المشكلات الاجتماعيَّة في التعامُل بين البشَر أجمعين، وليس خاصَّة بالحياة الزوجيَّة، فكلُّ إنسان يرى أعماله وتقديمه للتنازُلات، وتقديم العونِ والعطاء لمن حولَه، يرى كلَّ ذلك بمنظارٍ له عدسةٌ مُكبِّرة، وكأنَّه يضعُ الجسم أقرب إلى البُعْدِ البُؤري؛ فتظهَرُ الصورة: "تقديريَّة معتدلة مُكبَّرة"، بينما ينظرُ مَن حوله إلى تلك الأفعال وكأنهم يستَخدِمون العدسةَ المُحدبة، واضِعين الجسم على بُعْدٍ كبيرٍ؛ فتظهرُ الصورة: "حقيقيَّة مقلوبة مُصغَّرة جدًّا"، بكلِّ أَسَفٍ يتعامَلُ الناس بهذا القانون الفيزيائي المُجحِف، فلا يرى كلُّ واحدٍ إلا ما يُقدِّم، ولا يتذكَّر إلا إحسانه، ففي الوقت الذي تُقرِّين فيه بشدَّة عنايتكِ وعدم تقصيركِ في حقِّه يقسمُ هو أنَّكِ غير كافيةٍ، فعلينا أنْ ننظُر من نفس الموضع الذي ينظُر منه مَن نسعى لفهمِه وامتلاك مفتاح قلبِه.
التقصير لا يمكن الحكمُ عليه من وجهة نظَرِكِ الخاصَّة، ولا يعدُّ اهتمامكِ حقيقيًّا إلا أنْ يُحقِّق مآربَه ويُلبِّي مطالبَه، وإلا فما ترَيْنَه كمالاً قد ينظُر إليه وكأنَّه قمَّة النقص ومُنتَهى التقصير!
- عظَّم الله أجرَكِ وجبر كسَر قلبِكِ على فقدان ولدكِ، واللهَ أسألُ أنْ يجعَلَه من أهل الجنَّة، وأنْ يجعلكِ ممَّن قال الله - تعالى - فيهم: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قَبضتُ صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسَبَه إلا الجنَّة"، فلا تنتَظِري المواساة من أحد، ولتتَذكَّري أجرَ الصبر؛ فهو خيرُ تسليةٍ عن مصائبنا، وخير مُكَفكِفٍ لدموعنا، وخيرُ مُخفِّفٍ لأحزان قلوبنا.
- إذا كان همُّكِ الآخرة، ورضا الله مطلبكِ الأوحد، فعلامَ تطلُبين الطلاقَ حالَ زواجه؟! ليتزوَّج إنْ شاء أنْ يتزوَّج، ولكنَّ العدل شرطٌ أساس لذلك، فإنْ قدر عليه لا أنصَحْكِ بطلب الطلاق والتفكير في الفراق، وإنْ لم يقدر فقد أدخَلَ نفسه في وعيدٍ لا يقدرُ عليه؛ عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا كان عندَ الرجلِ امرأتان فلم يعدلْ بينهما، جاء يومَ القيامة وشقُّه ساقطٌ))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.

أيَّتها العزيزة:
حياتكِ لم تذهبْ سُدًى، وشبابكِ لم يفنَ، ولن أخدعَكِ أو أُجامِلَكِ إنْ قلت لكِ: إنَّكِ ما زلت صغيرةً على إصدار هذا التحسُّر على العُمر، اعتَنِ بنفسكِ وصحَّتكِ، واستَمتِعي بأبنائكِ، وأكثِري من الدعاء أنْ يحفَظَهم الله، ويُبارك فيهم، ويجعلهم قرَّةَ عينٍ لكِ في الدُّنيا والآخِرة، والزَمِي طاعةَ الله، وتواصَلِي مع الناس من حولكِ، وأعطي كلَّ أمرٍ في حياتكِ ما يستحقُّ من مساحة؛ لتسعَدِي بحياتكِ، وتهنَئِي بعالمكِ، وثِقِي أنَّ في القُرب من الله الغنى عن سائر البشَر، وأنَّ السعادة الحق هي سَعادة الآخِرة، جعَلَنا الله وإيَّاكِ من أهل السَّعادة الحقيقيَّة والفوز العظيم؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71].

جعَلَكِ الله من سُعداء الدارين، وفرَّج كربَكِ وأقرَّ عينكِ بما تُحبِّين، ونسعدُ بالتواصُل معكِ في أيِّ وقتٍ؛ فلا تتردَّدي في مُراسَلتنا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.82 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]