|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أسباب الفلاح ووسائله في ظلال سورة المؤمنون أحمد رضوان محمد وزيري ما أسباب الفلاح؟ وما أسباب رفع البلاء؟ ما وسائل الاستقامة على الطاعة؟ ما عقبات الاستقامة؟ ومن قُطَّاعُ الطريق دونها؟ أسباب الفلاح: المفلحون هم المتبعون للمنهج، المعظِّمون للشريعة؛ فقد ذُكر الفلاح في السورة مرتين؛ مرة في بدايتها؛ حيث بشَّرهم الله بالفلاح لأنهم اتبعوا المنهج؛ وهو: • صحة الاعتقاد، بالإيمان وتحقيق أركانه. • والعبادة الخاشعة الخالصة لله تعالى، مع المحافظة عليها. • وحسن الأخلاق والمعاملات. وفي آخرها يوم القيامة عندما تُوزَنُ الأعمال، فمن اتبع المنهج، ثقُلتْ موازينه، وكان من المفلحين؛ وتفصيل ذلك بالدليل كالآتي: • التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة الخالصة سببٌ للنجاة في الدنيا، والفلاح والفوز في الآخرة، وقد افتُتِحتِ السورة بجملة نماذجَ من أجلِّ العبادات، شملتِ الدين كلَّه؛ عقيدةً كالإيمان: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1]، وعبادةً كالصلاة والزكاة أنموذجًا: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2]، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 4]، ومعاملة وأخلاقًا كحفظ اللسان: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، وكالعفة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5]، وكحفظ الأمانات والعهود: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، وإنك لَتعجبُ حين تجد تلك العبادات هي التي كانت سببًا في تحريك الصخور لثلاثة نفرٍ، كانوا متصفين بتلك الصفات، مستمسكين بتلك الأعمال: والقصة رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غارٍ في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرةٌ من الجبل، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالًا عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحتُ عليهم فحلبت، بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر، فما أتيتُ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغَون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله لهم فرجة حتى يَرَون منها السماء، وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عمٍّ أحبها كأشدِّ ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيَها بمائة دينار، فسعيتُ حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: يا عبدالله، اتقِ الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها، اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ، فلما قضى عمله، قال: أعطني حقي، فعرضت عليه حقه، فتركه ورغب عنه، فلم أزَلْ أزرعه، حتى جمعت منه بقرًا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني، وأعطني حقي، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها، فقال: اتقِ الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك، فخُذْ ذلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم)). أوجه الشبه بين الأعمال الواردة في الحديث النبوي، والمنهج الذي في صدر سورة المؤمنون: أما الرجل الأمين صاحب الأجير الذي ردَّ إليه أمانته مضاعفة؛ فدلَّ عليه قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]. وأما الرجل والمرأة اللذان خشيا الله فعفَّا عن الزنا؛ فدلَّ عليه قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5]. وأما البارُّ بوالديه فدلَّ عليه إشارةً قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، كيف ذلك؟ لأن الله لما بيَّن مظاهر البر بالوالدين في سورة الإسراء، ذكر منها النهيَ عن كل قول، ولو (أُفٍّ)، وحث على خطابهما بكل قول كريم؛ وبالتالي كان المُعْرِض عن اللغو أبعدَ الناس عن عقوق والديه، فلا يُتصور أن يمتنع عن إيذاء الغرباء، ثم يؤذي والديه قولًا أو فعلًا! بل لما كان معرضًا عن اللغو، كان المتوقع منه حسنُ القول للناس، وأولَى الناس بذلك هم والداه، وكذلك يشير إلى بر الوالدين قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 4]، فمن كان محسنًا إلى الخلق، كان إلى والديه أشد إحسانًا، فهم أولَى به؛ لأنهم سبقوه بالإحسان: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، كما يدلُّ على ذلك: الخشوع في الصلاة، مع المداومة عليها وحفظها، فمن أدى حق الله كان له عونًا على أداء حقوق العباد؛ ولهذا قالوا: من ترك الصلاة، فقد عقَّ ربه ونسيَ فضله؛ فلا تنتظر منه برًّا بأحد. قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11]، وقال تعالى في أواخر السورة: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 101، 102]، وقد اهتمت السورة ببيان الأمور التي تعين الإنسان على اتباع هذا المنهج الوارد في السورة، كما حذرته من عقبات وقُطَّاع الطرق. أما الأمور التي تعينك على الثبات على المنهج الذي جاء في مفتتح السورة وفي ثناياها، فهي إجمالًا كالآتي: أولًا: كثرة ذكر الموت والاستعداد له. ثانيًا: التفكر في خلق الله سبيلٌ لاتباع الحق، وطاعة الرب سبحانه، فالنفس جُبلت على حبِّ مَن أحسن إليها. ثالثًا: الاعتبار بمصارع الغابرين، فمن لم يُحرِّكْه تلك النعم السابقة، ومن لم تُرغِّبْه هذه العطايا والمنن الجليلة في التعرف على خالقه، فلينظر في عاقبة من كفر لعله يخشى، فمن لم يسُقْه الحبُّ والرغبة، فلينزجر بالرهبة والتخويف. رابعًا: الدعاء والتضرع لرب العالمين، والاستعاذة بالله سبحانه من همزات الشياطين، فالشيطان قاطعُ طريقٍ، فالحذرَ الحذرَ. والتفصيل بالدليل كالآتي: أولًا: كثرة ذكر الموت والاستعداد له؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 15، 16]. أعظم معين على فعل الطاعات: خشية رب الأرض والسماوات، وأعظم معين على خشية الله: التفكر في عظمته، مع الشوق للقائه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 - 62]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي المؤمنين أَكْيَس؟ قال: أكثَرُهم ذِكرًا للموت، وأشدُّهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياسُ))؛ [السلسلة الصحيحة]. كيف يكون حال وعاقبة من أنكر البعث ولم يتعظ بالموت؟ التكذيب والفساد، والإفساد والإعراض عن الحق واتباع الهوى. وأعظم برهان على أن ذكر الموت والإيمان بالبعث خيرُ سائقٍ ومعين على الاستقامة حالُ من أنكر البعث ومآلهم: ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 35 - 41]. ثانيًا: التفكر في خلق الله سبيل لاتباع الحق، وطاعة الرب سبحانه، فالنفس جُبلت على حبِّ مَن أحسن إليها؛ فتأمل تلك الآيات في الأنفس وفي الآفاق، لنتعرف على عظيم فضل الله علينا وعلى الناس: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ * وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 22]. ثالثًا: الاعتبار بمصارع الغابرين، فمن لم يحركه تلك النعم السابقة، ومن لم ترغِّبه هذه العطايا والمنن الجليلة في التعرف على خالقه، فلينظر في عاقبة من كفر لعله يخشى، فمن لم يسُقْهُ الحبُّ والرغبة، فلينزجر بالرهبة والتخويف، فاسمع تلك الأخبار: • قوم نوح لما كفروا وظلموا أغرقهم الله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [المؤمنون: 23 - 27]، ثم قال تعالى مبينًا أن الاعتبار بمصارع الغابرين آية وواعظ لمن أراد تذكرةً أو أراد شكورًا: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ [المؤمنون: 30]. • قوم هود (عاد) لما كفروا وانشغلوا بالترف عن يوم القيامة أخذتهم الصيحة: قال تعالى ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ * فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 31، 32]، إلى قوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 39 - 41]. • وكم من أممٍ وخلائقَ آخرين، كذبوا الرسل فحق عليهم الوعيد؛ كأقوام: لوط وشعيب وصالح صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ قال الله عنهم: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 42 - 44]. • وفرعون ومَلَؤه لما استكبروا وأفسدوا في الأرض أغرقهم الله: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾ [المؤمنون: 45 - 48]، فهلا سارعنا إلى الاهتداء بالآيات، وبعدما حذَّر الله المؤمنين عاقبةَ التكذيب، وما نزل بالمكذبين من هلاك، شرع في بيان أهمية اتباع الآيات التي تحتوي على المنهج الرباني؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [المؤمنون: 49]، ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ﴾ بعدما أهلك الله فرعون، وخلَّص الشعب الإسرائيلي مع موسى، وتمكن حينئذٍ من إقامة أمر الله فيهم، وإظهار شعائره، وعده الله أن ينزل عليه التوراة أربعين ليلة، فذهب لميقات ربه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 145]؛ ولهذا قال هنا: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾؛ أي: بمعرفة تفاصيل الأمر والنهي، والثواب والعقاب، ويعرفون ربهم بأسمائه وصفاته. قال تعالى في مَعرِض الثناء على المتبعين للآيات: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 58]، وقال تعالى موبِّخًا المعرضين عن الآيات الهاديات: ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ﴾ [المؤمنون: 66]، وقال تعالى موبخًا مَن حقت عليهم كلمة العذاب: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [المؤمنون: 105]، والإيمان بالمعجزات وسيلة للتعرف على الله الخالق الذي يخلق ما يشاء: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 11]، فخَلَقَ آدمَ بدون أبٍ ولا أم، وخلق الخلق جميعًا من أبٍ وأُمٍّ، ومن المعجزات ولادة عيسى عليه السلام من أُمٍّ دون أب: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ [المؤمنون: 50]، فالذي خلقنا من العدم هو الذي يميتنا ويبعثنا متى شاء سبحانه وتعالى. فالإيمان باليوم بالله واليوم الآخر صمام أمانٍ، فلا يعتَبِر بمصارع السابقين من كفر بالله واليوم الآخر: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [المؤمنون: 75 - 77]؛ قال ابن جريج: "﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ ﴾ يعني: في الدنيا، ﴿ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ﴾؛ أي: من قحط وجوع، ﴿ لَلَجُّوا ﴾؛ أي: لتمادَوا ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾، وضلالتهم وتجاوزهم الحد، ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾: يتذبذبون ويخبطون"؛ [القرطبي]. ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾: يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم بأنه لو أراح عِللهم وأفهمهم القرآن، لما انقادوا له، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 23]، وقال: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام: 27 - 29]، فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون، لو كان كيف يكون. وعن ابن عباس: "كل ما فيه (لو)، فهو مما لا يكون أبدًا"؛ [ابن كثير]. هذا بيان لشدة تمردهم وعنادهم، وأنهم إذا أصابهم الضر، دعَوا الله أن يكشف عنهم ليؤمنوا، أو ابتلاهم بذلك ليرجعوا إليه، إن الله إذا كشف الضر عنهم لجُّوا؛ أي: استمروا، في طغيانهم يعمهون؛ أي: يجولون في كفرهم، حائرين مترددين. كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك، وأنهم يدعون مخلصين له الدين، وينسَون ما يشركون به، فلما أنجاهم، إذا هم يبغون في الأرض بالشرك وغيره؛ [تفسير الشيخ السعدي]. فلا يستفيق هؤلاء من غفلاتهم إلا بعد فوات الأوان، عند معاينة الموت: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. رابعًا: الدعاء والتضرع لرب العالمين، والاستعاذة به سبحانه من همزات الشياطين. والدعاء الوارد في السورة نوعان: • دعاء نافع لصاحبه، وهو ما كان في دار الاختبار والعمل. • ودعاء لا ينفع صاحبه، وهو كان بعد فوات الأوان، عند الموت والغرغرة، أو عند معاينة النار أو دخولها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |