|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() هل أُحكِّم عقلي أم أُحكِّم قلبي هذه المرة؟ أ. مروة يوسف عاشور السؤال أنا فتاة في العشرينيات من عُمري، جميلة جدًّا، مسالمة في طبعي، أكملت دراساتي العُليا بعد تخرُّجي، وحصَلْت على أعلى المراتب بفضْلٍ من الله ومِنَّة، تقدَّم لخِطبتي رجل يعمل طبيبًا، وكان معروفًا بذكائه وفِطنته - كما يزعم الناس - لَم يحرص أهلي على السؤال عنه؛ لأنهم كانوا يعرفون أهله، وكانوا مثالاً للأخلاق الحَسَنة، مدة الملكة كانت قليلة، لَم أحبَّه بل كنت أتحاشاه، ولكن ضغطتُ على نفسي؛ لأن صفاته - أقصد بذلك عمله وطموحه، ومستواه الاجتماعي والمادي - كانت ممتازة، تزوَّجت وصُدِمت بأنه مريضٌ نفسي، ومُتشدِّد وغيور جدًّا، فقد كان يتهمني كثيرًا بأني أختلس النظر للرجال، وأني أبحث عنهم، حتى وصل الأمر لدرجة أني أخرج من البيت أثناء نوْمه ثم أعود قبل أن يستيقظَ، كان همُّه وشُغله الشاغل أن يبحث ورائي؛ علَّه يجد ما يغذي اعتقاداته بأني أخونه، يعترف لي بحبِّه الشديد ويقول لي مرارًا: إنه يريد أن يُغلق عليّ قلبه؛ حتى لا يراني أحد. إذا ذهبتُ لزيارة أهلي يَبْقى هو خارجًا ولا يعود للمنزل؛ خوفًا من أن أخرج من عند أهلي لألتقي برجل، كانت الحياة معه لا تُطاق أبدًا، ناهيك عن الأمور الأخرى، لا ترتدي البنطال، لا ترتدي هذا، ولا ترتدي ذاك، فقد كان يمنعني من أشياء كنتُ قد اعتدتُها، طبعُه قَرَوي جدًّا وخَشِن. في النهاية كان الطلاق بعد أن اتَّهمني بشكلٍ مباشر، وأخَذ مني هاتفي الخلوي، بعد الطلاق أحسسْتُ أنَّ الحياة عادت لي، أحسسْت بأني منطلقة فَرِحة، اشتقتُ لنفسي كثيرًا، فأنا بطبعي منطلقة، لا أحب القيود، وليس هذا يعني أني أُخالف الشرع، لا أبدًا. بعدها تقدَّم لخِطبتي رجل آخر، مستواه التعليمي أقل مني، حاصل على الدبلوم، ومستواه الاجتماعي عادي جدًّا - على عكس الرجل السابق - كنت أكثر حَذَرًا هذه المرة، فقد طلبتُ مهاتفتَه قبل أن تتمَّ الملكة؛ كي أستطيع أن أعرفه، وحتى لا يحصل ما لا تُحمد عُقباه، هاتفتُه وكان رجلاً محترمًا، يعرف كيف يتعامل مع الأنثى، أحسست أني أنثى معه، فقد كان طبعه في الأصل ليِّنًا لكنه حازمٌ، أعجبتني شخصيَّته وأحببْته كثيرًا، وهو كذلك، لكنَّه صارَحني بأنه مُتشدِّد جدًّا من ناحية الحجاب الشرعي، حتى إنه يرفض النقاب - وهو في الأصل حلال - ووضَع قيودًا على ارتدائي للملابس، مع العلم أنه يحصل منه بعض التهاون، فهو مدخِّن، ويسمع الأغاني، فلا أعرف أهو دين أم تشدُّد؟ مع أن فيه نزعة دينيَّة واضحة، مشكلتي الآن بدأت بالمقارنات، ففي زواجي الأول لَم يكن طليقي يمنعني من النقاب، لكنَّ خطيبي الآن يمنعني منه، فهل هو أشدُّ من سابقه؟ المسألة ليستْ مسألة نقابٍ أو مسألة ارتداءِ ملابس بحدِّ ذاتها، لكني أخشى أن تتطوَّر أو أن يكون لها تبعات لا يمكنني إدراكُها في الوقت الراهن؛ لأني أحب خطيبي، كذلك أخشى من تضارُب الأفكار التي تُشعل شرارات في حياة المستقبل، فأنا لا أعلم هل أنا قادرة على تقديم تنازُلات لا أعرف مدى حجْمها ولا أعرف مسارها؟ فأنا صبور بطبعي، لكنِّي أتضايق كثيرًا إذا قدَّمت تنازُلات كثيرة ومُتتالية، خصوصًا إذا كان الشخص لا يُقدِّر ولا يستحق. في زواجي الأول جعلتُ عقلي يقرِّر؛ لأني لَم أتقبَّل الشخص أبدًا، لكن تقبَّلت مَركزه الاجتماعي - وظيفته وغيرها من الأمور - وفَشِل الزواج، هل أُحكِّم عقلي مرة أخرى؟ أم أُحكِّم قلبي هذه المرة؟ هل أستطيع بحبِّي له وحُبه لي أن أتجاوزَ كلَّ هذه الأمور؟ الجواب الأخت الفاضلة، سلام الله عليكِ ورحمته وبركاته. اختصَّ الله تعالى نفسه بعلْم الغيب؛ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران: 179]، وجعَله سرًّا من الأسرار التي لا يُتاح لبشرٍ أن يُحيط به علمًا، ولو كان نبيًّا مرسلاً؛ ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188]. فمَن حاوَل أن يُجهد نفسه في أمور غيبيَّة، ويُتعب عقله في أشياء قدريَّة، لَم ينلْ إلاَّ ما كتبَه الله له، وإن بذَل أقصى ما في وُسْعه؛ ليتجنَّب المشكلات، وينأى عن الآفات، فلن يَهرب من قدر الله إلاَّ إلى قدر الله، أو كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه. أيتها المتفائلة، تأمَّلي في حالكِ ومَن حولكِ، هل تجدين مَن ينعم بعيشٍ مع زوج، أو والد، أو والدة دونما خلافات وبعض المشاحنات؟ تلك طبيعة الأنفس البشرية، وهذا حالها، فمن المستحيل أن يجدَ الإنسان مَن يتوافق معه توافُقًا تامًّا، ولو حدَث لَمَا استقامَت الحياة، وما طاب العيش فيها! لا بد من القضاء على المقارنات نهائيًّا، وسحْقها بجرَّار الرضا، إلاَّ أن تكون مقارنات إيجابيَّة، أتدرين كيف تكون المقارنة إيجابيَّة؟ بالنظر في الجوانب المشرِقة في الوضع الحالي، وتجنُّب الجوانب المظلمة، وبالنظر إجمالاً إلى الحال، وأنه أفضلُ من سابقه. فعوضًا عن قول: "في زواجي الأوَّل لَم يكن زوجي يمنعني من النقاب، لكنَّ خطيبي الآن يمنعني منه"، بإمكانكِ أن تقولي: "كان زوجي الأوَّل خَشِنًا، ولا يُحسن التعامُل معي، وأمَّا خطيبي، فقد جمع بين اللين والحزْم، ويعرف كيف يتعامل معي"، وبدلاً من قول: "كان زوجي أحسنَ مكانةً، وأشدَّ ذكاءً من خاطبي"، تقولين: "لَم أحبَّ زوجي الأوَّل، لكن أشعر بالمحبَّة تُجاه خاطبي"، وهكذا. إنْ كنتِ تظنين أنَّكِ ستجمعين بين ميزات الزوج السابق، وميزات الخاطب الحالي، فقد جانَبكِ الصواب يا عزيزتي! لكلِّ إنسان منَّا نقائصُ ومحاسن، ولكلِّ واحد ما يُميزه عن غيره، والعاقل مَن نظَر إلى شريكه من جميع الجوانب، وحاوَل تغليب الحسنات على السيِّئات؛ حتى يتسنَّى له التعامل مع شريكه، واستشعار الرضا عنه، ومحبَّته بصدقٍ. تعالَي نعود بالعُمر قليلاً، ونلتقط صورًا من أحداث الماضي؛ علَّنا نَلْمس منه ما نلمس من عِبَر ودروسٍ، معتدلين غير مداهنين، مُنصفين غير جائرين. سنوات قضيتِها في حياة الشكِّ والقهر والبطش؛ اتِّهامات باطلة وأقاويل كاذبة، والحياة مع زوج لا يمنح زوجَه ثِقته لا تُطاق، كيف تحيا المرأة مع مَن يظن بها السوء، ويتَّهمها بالفُحش دونما قرينة واحدة؟! أيُّ مركز وأيُّ مكانة اجتماعيَّة، وأي شهادة تُغني عن قلب طيبٍ وخُلق حميد؟! للخاطب الحالي عيوب: سماع الأغاني والتدخين، وإن لَم تكن هيِّنة، لكن بإمكانكِ العمل على إصلاحها، ومناقشة ما يمكن مناقشته قبل إتمام الزواج، وضِّحي له خطورة التدخين وسوء أثره عليه وعلى أهْله، وخطورة الأغاني وحُرمتها، وأنَّكِ لا ترضين بها في بيتكِ، ولا تَرضين لزوجكِ أن يكون ممن يستمعون إليها، واحْتسبي الأجْر على الله في هدايته، والعمل على إصلاحه ما دام قلبكِ قد مال إليه، ورأيتِ فيه الرجل المناسب، وأسأل الله لكِ العون. بالنسبة لأسئلتكِ: هل أحكِّم عقلي مرة أخرى؟ أم أُحكِّم قلبي هذه المرة؟ لا أظنُّ أنَّ هناك ما يمنع من تحكيم العقل مع السماح للقلب بالبوح، والأخْذ بما يُمليه علينا ما لَم يكن مخالفةً صريحة للواقع، وما لَم ينأَ عن الحقِّ ويطوف في عالَم الخيال، ويَسبح في أنهار الأوهام، فالقلب قد يقول الحق أحيانًا، لكن يبقى صوتُه ضعيفًا ورنينه واهنًا؛ لأننا نظنُّ أنَّ قرار القلب هو الخطأ دائمًا، وكم من مرة يُثبت القلب صدقه، ويُضاهي العقل في الرجاحة والرَّزانة! هل أستطيع بحبي له وحبه لي أن أتجاوزَ كلَّ هذه الأمور؟ قد يتغلَّب الحبُّ على الكثير من العوائق، وقد يتصدى للأزمات، ويطفو بنقائه على وجْه الزبد، وقد يُشرق بضوئه على وجْه الأرض، فيحوِّل الحياة إلى جنة عذبة الأنهار، كم يلوذ الحبيب إلى حبيبه الصادق كلما عَثرتْ خُطواته، وكم يتنسَّم من أعطافه رائحةَ الهناء كلما ضاق ذرعًا باحتمال عذاب الدنيا، وألَمَّت به نوازلها، نعم قد يصنع الحب الكثير، لكنه رغم كلِّ ذلك ليس كافيًا! لا بد من وجود أرضيَّة صُلبة يقف عليها هذا الحبُّ؛ حتى يَثبت وتَقوى أواصره، لا بد من التأكُّد من وضْع هذا الحبِّ في موضعه قبل الخوض في بحاره العالية، وركوب أمواجه المتلاطمة، لا بد من السؤال عن الخاطب والتحرِّي حول أخلاقه وأهْله، والتأني قبل الإقدام على إتمام الزواج. ولا تنسي صلاة الاستخارة وفضْلها، وأهميَّة التوكُّل على الله، والدعاء أن يتخيَّر لكِ الأفضل، وينتقي لكِ الأنسب من عباده، ونسأل الله أن يرزقكِ سعادة الدارين، وأن يَجعلكِ قُرَّة عين لزوجكِ، ويجعله لكِ كذلك. وأن يَخلف عليكِ خيرًا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |