|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() علاقة محمد صلى الله عليه وسلم، بجبريل عليه السلام فاطمة بيهردي ارتبط ذكر الأنبياء، وفي مقدمتهم جبريل عليه السلام بالأنبياء جميعا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وسأتعرض في هذا البحث للعلاقة التي جمعت محمد صلى الله عليه وسلم بجبريل، وذلك عبر المحاور التالية: تعريف بجبريل عليه السلام: • مكانته عند الله تعالى. • أول لقاء للنبي صلى الله عليه وسلم بجبريل. • صُور لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل. • جبريل معلِّم النبي صلى الله عليه وسلم ومعلِّم الناس. • علاقة الوِد بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل. • خلاصة. وفيما يلي عرض وتحليل لهذه المحاور: 1- تعريف بجبريل عليه السلام: أ- اسمه: جبريل اسم عِبراني للملَك المرسل من الله تعالى بالوحي لرسله. وفيه لغات أشهرها جبريل كقِطمير، وهي لغة أهل الحجاز، وبها قرأ الجمهور.. وجَبرَئيل بفتح الجيم أيضا وفتح الراء، وبين الراء والياء همزة مكسورة، وهي لغة تميم وقيس، وبعض أهل نجد، وقرأ بها حمزة والكِسائي. وهو اسم مركب من كلِمتين: كلمة جبر وكلمة إيل، فأما كلمة جبر فمعناها نقلا عن العبرانية: عبد، وأما كلمة ايل فهي اسم من أسماء الله تعالى.[1] ومن أسماء جبريل "الناموس"[2]. وورد ذلك في حديث بدء الوحي، حيث قال ورقة بن نوفل قريب خديجة عن الحالة التي عرضت للنبي صلى الله عليه وسلم بغار حِراء: "هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى" وقال الهروي: " سُمِّي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي".[3] ب- صفاته: اتصف جبريل عليه السلام في القرآن الكريم بعدة صفات منها: ♦ رُوح: قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]، وقال عز وجل: ﴿ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 87]. وإنما لُقِّب جبريل بالروح؛ لأن الملائكة مجردات من عالم الروحانيات. وقد كوَّنه الله تعالى روحا من عنده من غير ولادة والد، كما سمى الله تعالى عيسى بن مريم روحا لولادته من غير والد[4]. وقد وُصف جبريل في الآية الأولى بالروح الأمين؛ لأن الله تعالى أمَّنه على الوحي، فهو لا يزيد فيه ولا ينقص، في حين وُصف في الآية الثانية بروح القدس أي الطهر. ♦ ذو القوة: ورد هذا الوصف في قوله تعالى: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [التكوير: 20]، كما ورد في قوله تعالى: ﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ [النجم: 6]؛ حيث "ذو مِرَّة" معناه: ذو القوة[5]. ومعنى "ذو القوة" أي شديد المقدرة على أداء ما كُلف به، حيث أعطاه الله تعالى مقدرة تُخوِّله أن يقوم بعظيم ما يُوكله الله به مما هو محتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير[6]؛ فهو أقوى الملائكة على الإطلاق وأفضلهم. فلجبريل عليه السلام استطاعة تنفيذ ما أمر الله به من الأعمال العظيمة العقلية والجسمانية، "وتخصيص جبريل بوصف "شديد القُوى" يُشعر بأنه الملك الذي ينزل بفيوضات الحكمة على الرسل والأنبياء، ولذلك لما ناول المَلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء كأس لبن وكأس خمر، فاختار اللبن، قال له جبريل: اخترت الفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمتك "[7]. ولجبريل -إلى جانب قوته الجسمانية- قوة مجازية تتمثل في الثبات في أداء ما أرسل به، كما يظهر في قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5]. لأن المناسب لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم قوة النفس[8]؛ فجبريل" قوي على إيصال الوحي الى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه"[9]، وهذا كله من باب حفظ الوحي وتبليغه كاملا إلى البشرية. ♦ كريم: وقد وُصف جبريل بهذا الوصف في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [التكوير: 19]، ومعناه: النفيس في نوعه[10]، وكثير الأخلاق الحميدة، فهو أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه[11]. ♦ مُطاع: وقد ورد في قوله عز وجل في سورة التكوير: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21]. ومعناه أن الملائكة تطيعه في الملأ الأعلى كطاعة الجند للقائد. ♦ أمين: وقد ورد في نفس الآيات السابقة: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ ومعنى الأمانة: حفظ ما عُهد له به حتى يؤديه دون نقص ولا تغيير، فهو أمين السماء كما أن نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أمين الأرض. 2- مكانة جبريل عند المولى عز وجل: وُصف جبريل عليه السلام بقوله تعالى: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [التكوير: 20]، و " المكين: فعيل صفة مشبهة من مكُن بضم الكاف مكانة: إذا علت رتبته عند غيره، قال تعالى في قصة يوسف مع الملِك: ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يوسف: 54]"[12]، فجبريل عليه السلام علت مكانته عند الله تعالى؛ فهو بمنزلة رفيعة فوق منازل الملائكة كلهم، والعندية في قوله تعالى: ﴿ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ ﴾" عندية تعظيم وعناية ف ﴿ عِنْدَ ﴾ للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزلفى)[13] 3- أول لقاء للنبي صلى الله عليه وسلم بجبريل: أول لقاء بين النبي صلى الله عليه وسلم و جبريل عليه السلام كان في غار حِراء عند بداية نزول الوحي[14]، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ. فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ، (وَهُوَ التَّعَبُّدُ) اللَّيَالِيَ أُولاَتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ" قَالَ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ. ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: "أَيْ خَدِيجَةُ! مَا لِي" وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَالَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"[15]. فهذا اللقاء المباغت والقوي بجبريل عليه السلام جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فَرقا وخوفا، لأن جبريل عليه السلام غطَّه أي عصره وضمّه حتى بلغ الجهد من النبي صلى الله عليه وسلم غايته ومبلغه[16]، فخاف النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: " لقد خشيت على نفسي"[17]، وذهب إلى خديجة رضي الله عنها يقول: " زملوني زمِّلوني فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع"، فكان موقف خديجة رضي الله عنها موقف الزوجة المساندة لزوجها، حيث ثبتته وطمْأنته بقولها: "كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، فلما أخبره بالخبر، قال: " هذا الناموس الذي نزل الله على موسى"، وإنما أدرك ورقة كون جبريل عليه السلام هو من نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه متمكن من معرفة دين النصارى؛" بحيث أنه صار يتصرف في الإنجيل، فيكتب أي موضع شاء منه بالعبرانية إن شاء والعربية إن شاء"[18]، فقد جاء في صحيح البخاري:" فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب"[19]، وجاء في صحيح مسلم: " وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله تعالى أن يكتب"[20]. 4- صور لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل مرتين على صورته الحقيقية، ورآه مرات بصورة بشرية، وغالبا ما كان يأتي بصورة الصحابي الجليل دِحية الكلبي. أولا: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورته الحقيقية: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية مرتين؛ مرة في أجياد، ومرة عند سِدرة المنتهى عند عروجه إلى السماء. وقد ورد ذلك في صحيح مسلم، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: (ولقد رآه بالأفق المُبين) التكوير 23و (لقد رآه نزلة أخرى) النجم 13، فقال: " إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا( أي مالئا) عظم خلقه ما بين السماء والأرض"[21]. وفيما يلي تفصيل لكلا الرؤيتين: الرؤية الأولى: وكانت عندما فتر الوحي؛ ففي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يُحدِّث عن فترة الوحي: "فبينما أنا أمشي سمِعت صوتا من السماء فرفعت رأسي، فإذا المَلك الذي جاءني بِحراء جالِسا بين السماء والأرض... فجُئِثت[22] منه فَرقا، فرجعت فقلت: زمِّلوني زملوني، فدثروني فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر) قال: ثم تتابع الوحي"[23]. وقد وردت هذه الرؤية في قوله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾ [التكوير: 23]. وذهب المفسرون إلى أن وصف الأفق بالمبين أي الواضح البين للدلالة على أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام رؤية حقيقية وليست خيالا[24]. كما قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ست مائة جناح قد سد الأفق، وذلك بمكة من جهة جبل أجياد[25] من شرقيه[26]. وقد تكرر ذكر هذه الرؤية في قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [النجم: 5 - 9]. ومعنى الدنو والتدلي في الآية: " أن جبريل عليه السلام مع عِظم خلقه وكثرة أجزائه دنا من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدنو"[27]. الرؤية الثانية: كانت ليلة الإسراء والمعراج، وذُكرت في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 13، 14]، وجاء عن ابن مسعود أنه قال: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: " رأيت جبريل له ستمائة جناح ينتثِر من ريشه التهاويل: الدر والياقوت "[28]. وعن عبد الله قال: "رأى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم"[29]. ثانيا: تمثُّل جبريل على الصورة البشرية: كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب الحالات على الصورة البشرية[30]، فهو يأتي على صورة دِحية بن خليفة وهو الأغلب، وقد جاء مرة على صورة أعرابي من الجُفاة، وذلك في الحديث المشهور الذي علّم فيه الصحابة أركان الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة. وفيما يلي تفصيل لهذه الحالات: أ. جبريل في صورة دِحية: شبّه النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بدحية بن خليفة، فقال عليه الصلاة والسلام: "عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ. فَإِذَا مُوسَىٰ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ. كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ. وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ. فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَها دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ[31]". قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة دحية بن خليفة الكلبي: (كان يُضرب به المثل في حُسن الصورة، وكان جبريل ينزل على صورته)[32]. ولقد رآى الصحابة رضوان الله عليهم جبريل في صورة دحية، وممن رآه أم سلمة رضي الله عنها، فعن سلمان قال: أُنبئت أن جبريل عليه السلام أتى بيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، قال: فجعل يتحدث، ثم قام، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: من هذا؟ أو كما قال، قالت: هذا دحية، قال: فقالت أم سلمة: أيم الله ما حسِبته إلا إياه حتى سمعت خُطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم يُخبر خبرنا أو كما قال)[33]. وورد في مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها في قصة الخندق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة، فوضع السلاح وأمر بقُبة من أدم فضُرِبت على سعد في المسجد، قال: فجاءه جبريل عليه السلام، وإن على ثناياه لنقع الغبار، فقال: أقد وضعت السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعدُ السلاح، أُخرُج إلى بني قريضة فقاتلهم، قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنْم، وهم جيران المسجد حوله، فقال: من مرّبكم؟ فقالوا: مرّ بنا دِحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسُنة وجهه جبريل عليه السلام)[34]. ب. جبريل في صورة أعرابي مجهول: جاء جبريل في صورة أعرابي مجهول، وذلك في الحديث الذي جاء عن أركان الإيمان والإسلام والإحسان؛ فقد ورد عند مسلم من حديث عمر رضي الله عنه: (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ...)[35]. فقد جاء جبريل عليه السلام على صورة أعرابي من جُفاة الأعراب مبالغة في تعمية أمره، ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وورد في رواية أنه لم يُسلِّم بل قال: يا محمد. وقد استغرب الصحابة صنيعه هذا، حيث لم يكن من أهل البلد وليس عليه أثر السفر.[36] ولما ولَّى جبريل ولم يُدركه الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله هذا جبريل جاء لِيعَلِّم الناس دينهم، والذي نفس محمد بيده، ما جاءني قط إلا وأنا أعرِفه إلاّ أن تكون هذه المرة"[37] ج- جبريل في صورة مُقاتل: ورد ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص، قال: (رأيت عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم وعن شِماله يوم أحد رَجُلين عليهما ثياب بيض، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام)[38] وفي الأحاديث السافة الذكر عن تمَثُل جبريل بالصورة البشرية عدة معاني، بيّنَها العلماء، منها: • أن الملائكة يُمكن أن تتصور على صورة الآدميين، فيَراهم الناس ويَسمعون كلامهم، ولكنهم لا يستطيعون رؤيتهم على صُورِهم الحقيقية لِضُعف القِوى البشرية، يقول القاضي عياض تعليقا على حديث أم سلمة: " ورؤية أم سلمة جبريل في صورة دحية الكلبي دليل على جواز رؤية بعض البشر للملائكة... ولكن لا يعلمون حينئذ أنهم الملائكة؛ إذ لا تحتمِل القِوى البشرية الضعيفة غالبا رُؤيتهم على غير ذلك، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ﴾ [الأنعام: 9]...وفيه أن الملائكة يجبل الله خلقها متى شاء في أي صورة شاء، وأَّن لهم في ذاتهم صُورا خلقهم الله عليها"[39]. • في الأحاديث مَنقبة للصحابة الذين رأوا الملائكة، ومنهم أم سلمة -وسعد بن أبي وقاص- عِمران بن حصين- عائشة رضي الله عنها- عمر بن الخطاب وغيرهم...يقول النووي تعليقا على حديث سعد بن أبي وقاص: (إن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم الصحابة والأولياء)[40] 5- جبريل مُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم ومُعلِّم الناس: كان جبريل عليه السلام مُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم، ومُعلِّم الأنبياء قبله؛ فهو المُكلف بالوحي، وهو " الذي ينزل بفُيوضات الحكمة على الرسل والأنبياء" [41] وقد تميز جبريل بصفات تُؤهله لعملية التعليم ومنها: • القوة: وهي واردة في قوله تعالى: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ [التكوير: 20]، وفي قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5]. ومعنى القوة هنا: قوة النفس والثبات في أداء ما أُرسل به[42]. أي " القوة على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه"[43]. فإلى جانب قوة الذات يتميز جبريل بالقوة المعنوية، وهي متانة العقل وأصالته، وهو ما يُحتاج إليه في تعليم الأنبياء، وإيصال الوحي إليهم. • الأمانة: ومعناها أن الله عز وجل أمَّن جبريل على الوحي، فهو " يحفظ ما عُهد له به حتى يُؤديه دون نقص ولا تغيير"[44]. وقد علَّم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوحي كما علَّمه الدين وأوقات الصلوات، وفيما يلي عرض لكل ذلك على حدة: أ. تعليم الوحي: جبريل هو معلِّم الوحي ومُلقِّنه للنبي صلى الله عليه وسلم، يظهر ذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 4، 5]، فالتلقي في الحقيقة هو عن الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6]، إلا أن الواسطة هو جبريل عليه السلام، الذي كان يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال، قال عز وجل: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]. وقد تميَّز نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بالشِّدة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، قال ابن عباس: " كان يُعالج من التنزيل شِدَّة"[45]. وقد ظهرت هذه الشِدَّة من أول لقاء بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين جبريل؛ حيث جاء في الحديث: (فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني)[46]، فدلَّت طريقة نزول أول آيات من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم على ما سيُكابده بعد ذلك من جهد ومشقة في تلقي الوحي. وكان جبريل يُدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن خاصة في رمضان وعارضه إياه في السنة الأخيرة مرتين، فكان ربما عرض جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع،، كما جاء في حديث فاطمة رضي الله عنها تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن جبريل يعارض بالقرآن في كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين"[47]، وفي رواية: " إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلِخ فيعرض عليه القرآن" والمعنى: (يستعرِضه ما أقرأه إياه)[48] ، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعرِض القرآن على جبريل أي ما نزل منه، يدل على ذلك رواية ابن عباس:" كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير، وأجود ما يكون في رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلِخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن"[49]. فطريقة النبي صلى الله عليه وسلم في تلقي القرآن هي ما يُسمى بالعرض والسماع[50]، أي كلا منهما يعرِض على الآخر القرآن، وهو معنى كلمة "المدارسة" الواردة في حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المُرسلة) [51]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |