الزواج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4954 - عددالزوار : 2057008 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4529 - عددالزوار : 1325053 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52083 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45872 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64235 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155286 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-07-2021, 02:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي الزواج

الزواج


أ. مروة يوسف عاشور



السؤال
السَّلام عليْكم ورحمة الله وبركاته.
انصحوني في أمر الزَّواج.

تفْكيري سيئ نحوه، لا أسمع أن أحدًا تزوَّج إلاَّ يأْتني خوفٌ على نفسي فيما لو أتاني الدور!

ولا أدري ما سبب هذا الحزن، حيث تغيَّرت نظرتي فجأة مع كبر سني.

أنا حقيقة لا أدْري هل يُكتب لي الزَّواج أم لا؟ فهو في علم الغَيب، لكنَّني أُحاول أن أحسن أمر الزَّواج في ذهني؛ لأنَّني أعرف أنَّ تفكيري خطأ، فالزَّواج آية من آيات الله.

أعرف إيجابيَّاته ومع ذلك يسبِّب لي حزنًا؛ لأنَّني أنظر إليه في أكثر من جهة، لا أدْري هل لأنَّه سوف يكون هناك انفصال عاطفي عن مُحيط الأسرة، وانشغالي عنهم وعن همومهم ومشاركتهم؛ لانشغالي بالحياة الجديدة تدريجيًّا، كما أرى ذلك في إخوتي عندما تزوَّجوا، خاصَّة أنَّني أكثر واحدة أُخالط كلَّ فردٍ في الأسرة؟ أم لأنَّ الزَّواج حياة جديدة لا أدْري هل أكون فيها من السُّعداء أم من الأشقِياء؟

هل أفتن بنعيم وسرور وأنشغل عن صالح الأعمال، أم بنكدٍ ومشاكل؟

أم لأنَّني أفكّر بكلِّ مُشكلة أسريَّة أسمع بها وعلاقة الزَّوجين، فمَن حولي من المعارف لا أراهنَّ سعيدات، مع تلهُّفهنَّ قديمًا للزَّواج، حتَّى مَن هي في مقام الجَدَّة، تتمنَّى لو أنَّها لو لم تتزوَّج وما زالت فتاة في بيت أهلها؟

أستغرِب عندما تقول إحدى الفتيات خبرَ خطوبتِها أو زواجها وهي سعيدة وفرحانة، ما الَّذي يسعدها وهي مقبِلة على مسؤوليَّات جديدة، وتربية نشء في عصر الفتن، هل سعادتُهنَّ من أجل سنوات الدَّلال الأولى؟

ماذا بعد خمْس سنوات عندما تكبر الأسرة، ويوجد الأبناء، وعلاقات مع أهل الزَّوج، و و و ...

حاورْتُ عددًا من الأخوات اللاَّتي تزوَّجن، وأيضًا مَن لم تتزوَّج، ولم يستطِع أحدٌ أن يُقْنِعني.

هل الزَّواج يُنظر إليْه من جهة العفاف فقط؟ لا أقلِّل أهمّيَّة هذا الأمر فهو بالغ الأهميَّة، لكن حقيقة أنا أنظر نظرة شاملة لجميع الحياة الزوجيَّة، وهذا ما أتْعبني في تَحسين نظرة الزَّواج لديَّ، وهل أنا كفؤ لأُقْدِم عليه أم سوف أسجِّل تجربة فاشلة؟

لا تَحرموني من نصحِكم وإرْشادِكم، مَن يُجيب عليَّ يَعتبِرني كأقْرب قريبة له؛ فلا يَبخل عليَّ بشيءٍ من النُّصْح والتَّوجيه.

أُريد فيما لو كتب لي هذا الأمر أُقْدِم عليْه بكلِّ تفاؤل، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
وعليْكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.
حيَّاك الله أُختي الفاضلة، وشرح صدرَك وأرانا وإيَّاكِ الحقَّ حقًّا ورزَقَنا اتِّباعه.

في الحقيقة, لن أعُدَّك كأقرب قريبة لي, بل يشْهد الله أنِّي أضعُ نفسي تمامًا في مكان المستشير أو السَّائل, فلا أدَّخر ممَّا أعلم من النُّصح شيئًا, والعكس هو الَّذي يحدث معي؛ فعندما تمرّ بي مشكلة ولا أجدُ لها حلاًّ, أتخيَّل وكأنَّها استشارة أتتْني, وعندها يفتح الله عليَّ من الحلول والأفكار ما لم أكن أراه!

وثِقي أنَّ النُّصح صادرٌ من القلب, عسى أن يصِل - بإذْن الله - إلى القلْب.

السَّعادة والشَّقاء في الدُّنيا لا ترتبط بزواجٍ أو تخرُّج، أو التِحاق بوظيفة أو عمل معيَّن, قد تأتينا السَّعادة دون أن تتغيَّر أنْماط حياتنا, وقد يسيطر عليْنا الشَّقاء في لحظة واحدة.

قد يأتيك ما يشغلُك عن أهلِك وأنت قابعة في بيتِهم مستجيرة بجوارهم, محتمِية بظلِّهم, فقلبك وعقلك وجسدك مِلْك لله, قد تتبدَّل الأحوال ويتغيَّر المقال في لمْح البصَر, ولا يُعَدُّ الزَّواج السَّبب الوحيد لهذا التغيُّر الَّذي تَخافين.

من الجميل أن تشعُر الفتاة نحو أهلِها تلك المشاعر النَّبيلة, ومن الطَّبيعي أن تبقى مدَّة مرتبطة بهم؛ تفكِّر في مشكلاتِهم، تفرح لفرحِهم وتحزن لحزْنِهم, لكن أليس من العدْل أن تكون أكثر إيجابيَّة مع مَن تحبُّهم؟ ترفضين الزَّواج خشية أن يبعدك عنهم؟! فلماذا لا تفكرين في خوفهم عليْك ورغبتهم في الاطمِئْنان عليك؟

أنت يا عزيزتي لم تُدْركي ماذا يَعني قلب الأم, ولم تَستشْعري إحساس الأب، ليس من الضَّرورة أن يحدِّثوك عن مشاعرهم وقلقهم عليك، فهم مثلك أو أشدّ في مقابلة المحبَّة بمحبَّة والاهتمام باهتمام, فإلى متى تتركينهم يُعانون هذه الآلام ويُقاسون هذه المخاوف؟

أتعْلمين فيم يفكِّرون الآن؟

لعلَّ الكلام سيكون ثقيلاً على قلبك, مرفوضًا من مشاعرِك, لكن هذا ما يفكر فيه الوالدان.

أكثر ما يشغلهم على فلذة كبدِهم: كيف سيكون حالها من بعدنا؟

عذرًا، لا بدَّ أن أكون معك في منتهى الصَّراحة, تخيَّلي أنَّ الجميع تزوَّج, وبقيت أنت - بعد سنوات طويلة - في بيت الأهل وحْدك.

قد وَهن عظمُك وشاب شعرك, مَن سيكون أنيسَك؟

مَن سيقوم على حاجاتِك؟

نعم، أتوقَّعك تقولين الآن: هذه أمور غيبيَّة وعِلْمُها عند الله.

زادك الله إيمانًا ويقينًا, لكن تذكَّري أنَّ هذه سنَّة الحياة, وكما تتأمَّلين في أحوال المتزوِّجات -ولي عنهنَّ حديث - فتأمَّلي - إن كنت تعْرفين - حالَ مَن لم تتزوَّج وتَجاوزت عمر الزَّواج, كيف حالها الآن؟ وكيف سيكون بعد سنوات؟

أعلم بعض الفتيات في الخمْسين من عمرها, نعم تَجاوزتِ الخمسين, تَعيش على ذكريات الماضي المؤلِمة في بيت أهلها, تتذكَّر لحظات السَّعادة وأيَّام الهناء الَّتي ولَّت ولن تعود, بدا عليْها الكبر أضْعاف أضعاف ما بدا على أقرانِها ممَّن تزوَّجن.

تُقاسي ألم الفراق وشدَّة الوحدة في بيت كان يومًا مليئًا بالسَّعادة, يَمرح فيه الأطفال هنا وهناك, بيت يحمل عمرها كله, يَحمل ذكريات لو حُفر في قلبها بسكين حادّة فلن تكون أشدَّ ممَّا تفعل به تلك الذِّكْريات الآن.

في حين تحيا أخواتُها في بيوتهنَّ ينعمْنَ بمحبَّة أطفالهنَّ وأزواجهنَّ, قد تأتيهنَّ تلك الذكريات لتنغِّص عليهنَّ, لكنَّها سرعان ما تذبل ويَخبو وهجها مع ضجيج الأبْناء وواجبات الزَّواج.

هل الكلام قاسٍ عليك؟

أعتذر؛ فالواقع قد يكون أشدَّ قسوة!

أخيَّتي الكريمة, هل لك أن تعودي بالذَّاكرة إلى الوراء قليلاً؟

أُريدك أن تعودي أكثر, لو استطعتِ .. رجاءً.

عندما كنت في المدرسة الابتِدائيَّة, وانتقلت إلى المتوسِّطة، كيف كان شعورك؟

وكذلك عند الانتِقال من المتوسِّطة إلى الثَّانوية؟

وإلى الجامعة؟

فكِّري أيضًا في كلِّ أمر جديد أقبلتِ عليه, كيف كان شعورك؟

لا شكَّ أنَّه قد اعتراك خوفٌ وتملَّكتْك رهبة, ولو لم تعْرِفي لها سببًا, لكنَّها سيطرتْ على قلبك, دون استئذان.

فماذا حدث بعد ذلك؟ مرَّ الأمر بسلام وكأنَّ شيئًا لم يكن..

وهكذا كلّ شيء جديد, به من الأمور الغيبيَّة ما به, لا بدَّ وأن يعترينا خوف قبيل الإقدام عليه, ولا أظنّ الفتاة الَّتي لا يعرف الخوف طريقًا إلى قلبِها قبيل الزَّواج إلاَّ أنَّها مختلفة عن غيرها, فالخوف شعور طبيعي جدًّا في مثل هذه الأحوال.

لكن أن يتحوَّل الخوف إلى شبح أو كابوس يجعلُنا نغيِّر مسار حياتنا, أو يجعل الفتاة ترفض صاحب الخُلق والدِّين، فهذا ما لا نقبلُه.

وهنا عليك التَّفكير مع نفسِك: ما الأسباب التي سمحتْ للخوف أن يَصول ويجول داخل قلبك دون أن يجِدَ مَن يحجمه ويضعه في حجمه الطَّبيعي؟

الأمثلة مِنْ حولك؟

اعلمي - يا وجدان - أنَّ غالب النَّاس إمَّا أن يعيش في أحلام المستقْبل, أو على ذكريات الماضي, فيظنّ أنَّ المستقبل الجميل يَحمل له من المفاجآت ما يُنسيه حاضره, أو أنه يتمتَّع بمجرَّد التَّفكير في الماضي, ليس لشيء إلاَّ لأنَّه ذهب وولَّت أيَّامه, فيبقى يفكِّر كيف كان جميلاً؟ وكيف كانت أيَّام هناء وسعادة؟ وفي الحقيقة لا يُعير حاضره من الاهتمام شيئًا, في حين أنَّه كان يفكِّر فيه قبل يوم؛ لأنَّه كان مستقبلاً, وكذلك سيفكِّر فيه غدًا؛ لأنَّه سيصبح ماضيًا!

وهكذا طبيعة الكثير من النَّاس, يظنُّ أنَّ الحاضر أسوأُ ما يكون, ولا يُعيره أدْنى اهتمام إلاَّ قبل أن يأْتي أو بعد أن يولِّي, فمَن تشكو من حالِها بعد الزَّواج وتظنُّ أنَّ أيَّام الصِّبا كانت رائعة, لن تلبث أن تتغنَّى بجمال تلك الأيَّام بعد أن يتزوَّج الأبناء أو يتغيَّر الحال!

والآن, كيف يجِب أن تفكِّري, بعد أن تكفِّي عن استِجْواب النِّساء، ومَن لن يزيدَك إلا خوفًا، ولن يصدُق معك ولا مع نفسِه.

قلتِ: إنَّك تعْلمين أنَّ تفكيرَك قد جانب الصَّواب, وأنَّ الزَّواج آيةٌ من آيات الله, وهذه خطوة إيجابيَّة رائعة, لكن ما رأْيك أن نطوِّرها؟ ونَستزيد من المعلومات حولَها؟

موافقة؟ هيَّا إذًا.

يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم : 21].

قال صاحب "الظلال":
"والنَّاس قلَّما يتذكَّرون يد الله الَّتي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأوْدعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلتْ في تلك الصِّلة سكنًا للنَّفس والعصب، وراحةً للجِسْم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأُنسًا للأرْواح والضَّمائر، واطمِئْنانًا للرَّجُل والمرأة على السَّواء.

والتَّعبير القرآني اللَّطيف الرَّفيق يصوِّر هذه العلاقة تصويرًا موحيًا، وكأنَّما يلتقط الصورة من أعماق القلْب وأغوار الحسِّ: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾؛ فيُدركون حكمة الخالق في خلْق كلٍّ من الجنسَين على نحو يجعله موافقًا للآخر, ملبِّيًا لحاجته الفطريَّة، نفسيَّة وعقليَّة وجسديَّة, بحيث يجِد عنده الرَّاحة والطُّمَأنينة والاستقرار, ويجِدان في اجتماعِهِما السَّكن والاكتِفاء، والمودَّة والرحمة؛ لأنَّ تركيبَهما النَّفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلْبية رغائب كلٍّ منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النِّهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثَّل في جيل جديد". اهـ.

وهكذا أُريدُك أن تستزيدي من القراءة حول هذه الآيات لتُدركي هذه النعمة العظيمة, فتدبُّر كلام الله لن يعرِّفك فقط على تلك النعمة, بل ستعلمين أنَّ الأمر أبسط ممَّا يقول النَّاس.

جميلٌ أن يكون تفكيرك واقعيًّا, بعيدًا عن الأحلام والأوْهام الَّتي تعيشها الفتيات, فلا تُمنِّين نفسك بحياة رومانسية بعيدة عن الواقع, ولكن يجب ألا تبتعدي أيضًا عن واقعك في الاتِّجاه المعاكس, فلستُ أدري هل كلُّ القريبات والصديقات ممَّن تزوَّجن يقاسين مع أزواجهنَّ إلى هذا الحد؟ هل يعقل هذا يا عزيزتي؟!

للأسف, الكثير منَّا لا يشكر؛ ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

يُنعم الله عليها بزوج طيِّب, يُحسن معاملتها, ويكرمها, ثمَّ لا تجدينها تشكُر!

لماذا؟ لأنَّها تريد إنسانًا كاملاً, ونسيتْ أنَّ بها من العيوب ما قد يفوق عيوب زوجها, وأنَّها لم تحسن معاملته, فتَغَيَّرَ وانقلب عليْها, ولم تهتمَّ لأمره, فتَبَدَّلَ حالُه, رغم صبْرِه عليها, ثمَّ بعد كلِّ ذلك تشكو وتشكو, سبحان الله!

وصدقَ مَن لا ينطِق عن الهوى؛ إذ يقول: ((لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدَّهر, ثمَّ رأت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطّ))؛ متَّفق عليه.

تبقى المرأة تذْكُر أيَّامها في بيتِ أهلِها وتتغنَّى بتلك الذِّكْريات, ولعلَّ الكثير من شكايتِها يكون موجَّهًا إلى الزَّوج, وكأنَّه المسؤول عن حرمانِها تلك الأيَّام, وكأنَّه من سلبها سعادتها!

فكيف تظنِّين حياتَها معه بعد ذلك؟!

المرأة إن أحسنتْ معاملة زوجها وبالغتْ في التودُّد وأجادت التبعُّل له, فلن تجد عنده إلاَّ كلَّ إكرام - بصرْف النَّظر عن الحالات الشاذَّة - فلا تُصْغي لِمَن لا تشكر لزوجِها، أو تكره المسؤوليَّة وترغب في حياة خالية من الأكدار, وثِقي أنَّها تطلب المستحيل, الله - تعالى - يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4], فالحياة جُبِلت على الكدر, سواء تزوَّجْنا أم لم نتزوَّج, أنْجبْنا أم لم نُنجب, وصدق الإمام أحمد - رحِمه الله - في قولِه لمن سأله: متى الرَّاحة يا أبا عبدالله؟ فقال: مع أوَّل قدمٍ تضعُها في الجنَّة.

ولا أجد ما ينطبق على أولئِك النِّسوة إلاَّ قول الشَّاعر:

صَغِيرٌ يَشْتَهِي الكِبَرَا
وَشَيْخٌ وَدَّ لَوْ صَغُرَا

وَرَبُّ المَالِ فِي كَدَرٍ
وَفِي تَعَبٍ مَنِ افْتَقَرَا

وَخَالٍ يَبْتَغِي عَمَلاً
وَذُو عَمَلٍ بِهِ ضَجِرَا

وَيَشْقَى المَرْءُ مُنْهَزِمًا
وَلا يَرْتَاحُ مُنْتَصِرَا

عجيبة تلك العاطفة التي زرعها الله في نفسِ كلِّ أنثى, تُفكر في أبنائها قبل أن يُولَدوا, تَخشى عليهم الفِتَن وهي لا تعلم عنهم شيئًا!

لكن كيف يكون خوفها إيجابيًّا ونافعًا؟

الخوف الإيجابي هو الَّذي يَحملنا على تجنُّب ما نخاف.

تأمَّلي هذه الآيات عزيزتي وجدان:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ [الرعد: 23].

﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر: 8].

﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].

سُبحان الَّذي لا يضيع عنده مثقال ذرَّة من خير أو شرّ!

أتَمنَّى أن تقرئي تفسير تلك الآيات بنفْسِك من كتُب التَّفسير.

ثمَّ قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].

وكان بعض السَّلف يقول لولدِه: "والله، إنِّي أُطيل في صلاتي رجاءَ أن يحفظك الله".

لله درُّهم! ما أحسن فهْمَهم!

فلو وعتِ المرأة الدَّور الذي عليها نحو أبنائها, وأحسنت الظَّنَّ بربِّها وألحَّت على الله في الدُّعاء لهم وأن يجمعها بهم في الجنَّة, فإنَّ الله تعالى لا يخيِّب رجاءها, وفي الحديث: ((ثلاثُ دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده))؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.

أمَّا عن الانفِصال العاطفي فسأقوله على عجالة، فقد أطلْتُ عليكِ كثيرًا, فسامحيني.

لا يشترط أبدًا أن يحدُث ذلك الانفصال الذي تخشين.

ولعلَّه يحدث مع الذكور بشكل أكبر, أمَّا الفتاة, فالكثير منهنَّ تبقى الرَّوابط بينهنَّ وبين الأهل على ما كانت عليه قبل زواجها, وهذا يتوقَّف على طبيعة كلِّ فتاة, فهناك من الفتيات مَن قد مرَّ على زواجها أكثر من عشر سنوات, والتَّواصُل والتَّرابُط بينها وبين أهلها لم يتغيَّر منه شيء, تفكِّر في مشكلاتهم وتُعاونهم, وتتحدَّث إليهم, تتواصل معهم بشكل دائم, فالفتاة - يا وجدان - لديها القدرة على العطاء مهما زادت الأعباء, وهذه من نِعَم الله علينا.

ولن أذهب بك بعيدًا إن قلت لك: إني أعلم شخصيًّا أكثر من فتاة تزوَّجت، فأصبح زوجها خير معين لها على البرِّ بأهلها, حتَّى إنَّ والدتَها تقول: والله إني لأدْعو لزوْج ابنتي مع كلِّ مرَّة أدعو فيها لأبنائي, ولا يقلُّ حبّه في قلبي عنهم شيئًا.

هذا موجود في عصْرِنا ولله الحمد, وخزائن الله ملأى, لن يعجزه أن يرزُقَك بزوجٍ كهذا أو أفضل، فقط ثقي في قُدرتِه وأقبلي عليه بيقين وإخلاص؛ كما روي عن عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنْه -: "إني لا أحمل همَّ الإجابة, ولكن أحمل همَّ الدعاء"، فلديْه يقين أنَّه متى ما أُلهم الدعاء فإنَّ الإجابة على أثره.


في النهاية، أتمنَّى أن تقولي بعد مدَّة كما قال بعض الكتَّاب بعد ما تزوَّج:
"لقد وجدت الزَّواج مختلفًا تمامًا عمَّا فكرت أو تصوَّرت, فهو أحسن وأعمق وأكمل علاقة بين رجُل وامرأة متفاهِمَين ومتحابَّين".

وأحيطك علمًا بأنَّ هناك استشارة تنتظرُني الآن تسأل صاحبتُها نفسَ سؤالِك, وتخشى ما تخشَينه؛ فلستِ وحدك على الدَّرب.

وفَّقك الله ورزقك زوجًا صالحًا طيبًا تقيًّا, يكون أقدرَ منِّي على تَحسين صورة الزَّواج لديْك, ونسعد بالتَّواصل معك في كل وقت.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.82 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]