|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أحكام الحِجْر د. محمود بن أحمد الدوسري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: في هذا البحث ست مسائل: المسألة الأولى: الحِجْر وأسماؤه. المسألة الثانية: تحديد الحِجْر وقياسه. المسألة الثالثة: الصلاة والدعاء والجلوس في الحِجْر. المسألة الرابعة: الصلاة في مقدَّم الحِجْر. المسألة الخامسة: استقبال الحِجْر وهوائه في الصلاة. المسألة السادسة: الطواف من داخل الحِجْر. المسألة الأولى: الحِجْر وأسماؤه: ♦ تعريف الحِجْر: الحِجْر - بكسر الحاء، وإسكان الجيم - هو المكان المعروف المشهور بجانب الكعبة زادها الله شرفاً، مما يلي الميزاب شمالي الكعبة، وهو حائط مدوَّر على شكل نصف دائرة، وله فتحتان من طرفيه، للدخول إليه، والخروج منه[1]. ♦ أسماء الحِجْر ومعانيها: سُمِّي الحِجْر بهذا الاسم لاستدارته[2]، أو لأنه حُجِر من البيت، أي: مُنِعَ منه[3]، وكل بناء بنيته فحجرت عليه من الأرض، يسمَّى حِجْراً، وهو مثل حِجْر الإنسان[4]، أي: حضنه، أو لتحجيره بالجدار ليطاف من ورائه، وهي معانٍ متقاربة[5]. وللحِجْر أسماءٌ متعدِّدة، من أهمها وأشهرها: الحَطِيم، وَسُمِّيَ حَطِيمًا؛ لأَنَّهُ حُطِمَ من الْبَيْتِ، أَيْ: كُسِرَ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَقَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُول. وقيل: لأنَّ البيت رُفِعَ وتُرك هو محطوماً[6]. ويشهد له ما جاء عن مَالِكِ بن صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عن لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قال: (بَيْنَمَا أنا في الْحَطِيمِ - وَرُبَّمَا قال في الْحِجْرِ - مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ...)[7]. ويُسمَّى أيضاً: الجَدْر، وهو بمعنى الجدار، أي: الذي اقتطع من جهته حجر الكعبة. ويشهد له ما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سَأَلْتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هو؟ قال ![]() ♦ لا يصحُّ تسميتُه بحِجْر إسماعيل: وقد اشتُهر في العصور المتأخرة تسمية الحِجْر (بحِجْر إسماعيل)؛ اعتماداً على أن الحِجْر كان زَرْباً[9] لِغَنَمِ إسماعيل[10]، وهو تعليل غير صحيح؛ لأن الحِجْر ما وُجِد إلاَّ بعد موت إسماعيل عليه السلام، ولم يُعرف آنذاك؛ لأن البيت كان كاملاً في عهده، ولم يوجد الحِجْر إلاَّ بعد بناء قريش للكعبة لَمَّا قصَّرت بهم النفقة عن إكمال قواعد إبراهيم عليه السلام[11]. كما لا يصِحُّ تسميتُه (بحِجْرِ إسماعيل)؛ اعتماداً على أنه دُفِن مع أُمِّه هاجر في الحِجْر، بل لا يثبت أنَّ أحداً من الأنبياء عليهم السلام مات بجوار الكعبة، أو دُفِن فيها، وممن نبَّه على ذلك: 1- الألباني رحمه الله حيث قال: (لم يثبت في حديثٍ مرفوعٍ أنَّ إسماعيلَ عليه السلام أو غيرَه من الأنبياء الكرام دُفِنوا في المسجد الحرام، ولم يرد شيءٌ من ذلك في كتابٍ من كتب السُّنَّة المعتمدة؛ كالكتب السِّتة، ومسند أحمد، ومعاجم الطبراني الثلاثة، وغيرها، وما ورد في ذلك ضعيفٌ بل موضوعٌ عند بعض المُحقِّقين[12]، وغاية ما وري في ذلك من آثارٍ معضلاتٍ، بأسانيدَ واهياتٍ، موقوفاتٍ، أخرجها الأزرقي في "أخبار مكة" (ص39 و219 و220) فلا يُلتفت إليها، وإنْ ساقَها بعضُ المبتدعة مَسَاقَ المُسَلَّمات)[13]. 2- د. بكر أبو زيد رحمه الله حيث قال: (ذَكَر المؤرخون، والإخباريون: أنَّ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام مدفون في: " الحِجْرِ" من البيت العتيق، وقَلَّ أن يخلو من هذا كتابٌ من كتب التاريخ العامة، وتواريخ مكة - زادها الله شرفاً - لذا أُضيف الحِجْر إليه، لكن لا يثبت في هذا كبيرُ شيءٍ؛ ولذا فَقُلِ: "الحِجْر"، ولا تَقُلْ: "حِجْر إسماعيل")[14]. ♦ سبب وَضْعِ الحِجْر: لمَّا أرادت قريش بناء الكعبة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن تهدَّمت - لم تجد مالاً حلالاً يكفي لعمارتها، فبنتها بما معها من المال الحلال، واقتطعت من شمالي الكعبة التي فيها الميزاب، نحو سبعة أذرع، وحوَّطت عليه جداراً قصيراً؛ ليكون علامة له أنه من الكعبة. ♦ الدليل: ما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هو؟ قال ![]() ![]() المسألة الثانية: تحديد الحِجْر وقياسه: اختلف العلماء: في تحديد الحِجْر، هل كلُّه من الكعبة أو بعضُه؟ على قولين؛ وسبب اختلافهم: هو اختلاف الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحِجْر، هل كلُّه من الكعبة أو بعضُه؟ والراجح: أن الحِجْر ليس كله من الكعبة، ومقدار ما هو من الكعبة قريبٌ من سبعة أذرع، وهو قول المالكية[16]، ووجه[17] عند الشافعية[18]، وبعض الحنفية[19]، واختاره ابن تيمية[20]. الأدلة: 1- ما جاء في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يا عَائِشَةُ! لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لها بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فيها سِتَّةَ أَذْرُعٍ من الْحِجْرِ، فإن قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتْ الْكَعْبَةَ[21])[22]. وجه الدلالة: تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن ستة أذرع من الحِجْر من الكعبة، وليس الحِجْر كله. 2- ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا من بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ ما تَرَكُوا منه، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ، من بَعْدِي، أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ ما تَرَكُوا منه) فَأَرَاهَا قَرِيبًا من سَبْعَةِ أَذْرُعٍ[23]. وجه الدلالة: أبان النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أن قريباً من سبعة أذرع من الحِجْر من الكعبة، وليس الحِجْر كله. قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ». وفي رواية: «وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ». وفي رواية: «خَمْسَ أَذْرُعٍ». وفي رواية: «قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ»... قال أصحابنا: سِتُّ أذرعٍ من الحِجْر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف)[24]. وقال ابن حجر - رحمه الله - بعد إيراده هذا الحديث برواياته المختلفة، في قَدْر ما اقتُطِع من البيت، وضُمَّ إلى الحِجْر ![]() وقبل أن يَذكر ابنُ خزيمة رحمه الله حديثَ عائشة رضي الله عنها وقولَ النبي صلى الله عليه وسلم لها: (صَلِّي في الْحِجْرِ إن أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّمَا هو قِطْعَةٌ من الْبَيْتِ)[26]، بوَّب عليه بقوله: (باب: استحباب الصلاة في الحِجْر، إذا لم يُمكن دخول الكعبة، إذْ بعض الحِجْر من البيت، بذكر خبرٍ لفظُه عام، مراده خاص، أنا خائف أن يسمع - بهذا الخَبَر الذي ذكرتُ: أنَّ لفظه لفظٌ عام، مراده خاص ـ بعضُ الناس فيتوهم أن جميع الحِجْر من الكعبة، لا بعضه)[27]. قال المحب الطبري رحمه الله - في شرح التنبيه له: (والأصح: أن القَدْر الذي في الحِجْر من البيت قدر سبعة أذرع، والرواية التي جاء فيها أن الحِجْر من البيت مطلقة، فيحمل المطلق على المقيد، فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازاً)[28]. قياسات الحِجْر[29]: 1) طول ضلع الكعبة الذي به الميزاب (من الركن العراقي إلى الركن الشامي): (90ر9م)[30]. 2) طول الحِجْر من تحت الميزاب إلى منتصف دائرة الحِجْر من الداخل: (44ر8م)[31]. 3) طول الأذرع[32] السبعة التي هي من الكعبة[33] بقياس المتر: (23ر3م)، أي: حوالي ثلاثة أمتار وربع[34]. 4) بقية الحِجْر التي ليست من الكعبة: (21ر5م)[35]. 5) ارتفاع جِدار الحِجْر: (30ر1م)، وعَرْضُه: (5ر1م)[36]. ♦ فوائد معرفة قياس الحِجْر: من فوائد معرفة قَدْر ما اقتُطِع من البيت، وضُمَّ إلى الحِجْر، ما يلي: 1- أن قريباً من سبعة أذرع من مقدَّم الحِجْر الحالي إنما هي من الكعبة، وباقي الحِجْر ليس منها. 2- مَنْ صلَّى في هذه الأذرع السبعة من الحِجْر، فقد صلَّى في الكعبة يقيناً؛ لأنها محجورة منها، ولذا كانت أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها تقول: (ما أُبَالِي أَصَلَّيْتُ في الْحِجْرِ أَمْ في الْبَيْتِ)[37]؛ لأنها سألتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هو؟ قال ![]() 3- ما يتعلق بتحديد القِبلة من غيرها من الحِجْر، وحكم الطواف من داخل الحِجْر، واستحباب الجلوس في الحِجْر، والدعاء فيه، واعتناق الكعبة من داخله. المسألة الثالثة: الصلاة والدعاء والجلوس في الحِجْر: أولاً: استحباب الصلاة في الكعبة: اتفق العلماء: على صحة صلاة النافلة داخل الكعبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلَّى ركعتين فيها، وعلى ذلك مَضَى أصحابه رضي الله عنهم ومَنْ بعدهم يقتفون أثر النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة داخل الكعبة: فعن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بن زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بن طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عليه، وَمَكَثَ فيها، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حين خَرَجَ، ما صَنَعَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: جَعَلَ عَمُودًا عن يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عن يَمِينِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وكان الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ على سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى)[39]. قال ابن بطال رحمه الله: (قال المهلب: وإدخال الرسول صلى الله عليه وسلم معه هؤلاء الثلاثة، لِمَعانٍ تخص كلَّ واحد منهم: فأما دخول عثمان فلخدمته البيت في الغلق والفتح والكنس، ولو لم يُدْخله لِغَلْق بابها لتوهم الناس أنه عَزَلَه، وأما بلال فمؤذِّنه وخادم أمر صلاته، وأما أسامة فمتولِّي خدمة ما يحتاج إليه، وهم خاصته؛ فللإمام أن يستخصَّ خاصته ببعض ما يستتر به عن الناس، وأما غلق الباب حين صلَّى في البيت؛ لئلا يظنَّ الناس أن الصلاة فيه سُنَّة، فيلزمون ذلك)[40]. ويستفاد من الحديث: أنَّ الصَّلاة في الكعبة مستحبَّةٌ نفلاً، وقد فَعَلَها الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها ليست سنَّةً مؤكَّدة أو راتِبَةً؛ حيث المشقَّة والكُلفة الواقعة على مَنْ أراد تطبيقها، ولا سيَّما مع كثرة المصلِّين وزيادة أعداد المسلمين، ولكن مَنْ قُدِّر له دخول الكعبة لأيِّ سببٍ من الأسباب وأراد متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم فصلَّى داخلَها فلا حرجَ عليه، والله أعلم. ثانياً: استحباب الدعاء في الكعبة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الكعبة أحياناً ولا يُصَلِّي فيها، بل يكتفي بالدعاء في نواحيها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا دخل الْبَيْتَ دَعَا في نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، ولم يُصَلِّ فيه، حتى خَرَجَ، فلما خَرَجَ رَكَعَ في قُبُلِ الْبَيْتِ[41] رَكْعَتَيْنِ، وقال ![]() ونحن ملتزمون بما ورد عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومتَّبِعون لِسُنَّته وهديه، ومن ثَمَّ فالدُّعاء في داخل الكعبة بدون صلاة أمر مباح، ولكن ما قيل في شأن الصَّلاة في الكعبة يقال في شأن الدُّعاء. ثالثاً: الصلاة في الحِجْر صلاةٌ في الكعبة: تُستحب الصلاة في الحِجْر، والمصلي فيه كأنما صلى في الكعبة؛ لأن الحِجْر قطعةٌ من الكعبة، ولمَّا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تُحب أن تُصَلِّيَ في الكعبة، أدخلها النبي صلى الله عليه وسلم الحِجْر، وأرشدها أن تصلي فيه؛ لأنه قطعة من الكعبة. عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فيه، فَأَخَذَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، فقال: (صَلِّي في الْحِجْرِ إن أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّمَا هو قِطْعَةٌ من الْبَيْتِ، وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوهُ[44] حين بَنَوْا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ من الْبَيْتِ)[45]. وبوب عليه ابن خزيمة رحمه الله بقوله: (باب: استحباب الصلاة في الحِجْر، إذا لم يُمكن دخول الكعبة، إذْ بعض الحِجْر من البيت)[46]. وفي إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها إلى الصلاة في الحِجْر حث للأمة الإسلامية من بعدها - رجالاً ونساءً - على الصلاة في هذا المكان المبارك الذي هو قطعة من الكعبة. وقال النووي رحمه الله: (يُستحب الإكثار من دخول الحِجْر، والصلاة فيه، والدعاء؛ لأنه من البيت أو بعضه)[47]. وبقي الحِجْرُ على ما كان عليه حتى يومنا هذا مصلَّى للأخيار؛ لسهولة دخوله عوضاً عن الكعبة المشرفة، فمَنْ صلَّى فيه فهو مصلٍّ في الكعبة نفسها؛ لأنه قطعة منها، ولعل هذا من أهم الحِكَم الجلية في بقاء الحِجْر على ما هو عليه وعدم إدخاله في الكعبة، ولله الأمر من قبل ومن بعد[48]. ولعلَّ الله سبحانه بسابق عِلْمِه المُطلق قد عَلِمَ كثرةَ المشقَّة التي يتعرَّض النَّاس لها إنْ أرادوا دخولَ الكعبة والصَّلاةَ فيها والدُّعاءَ في أركانها، فأراد جلَّت حِكمتُه ألاَّ يحرم النَّاس من هذا الفضل العظيم مع اشتياقهم إليه، فقَصُرَتْ النَّفقة بقريش، وبقي الحِجْرُ خارج الكعبة على ما هو عليه؛ ليسهل على النَّاس دخوله والصَّلاة فيه، فيكون بمثابة الكعبةِ ودخولِها والصَّلاةِ فيها، إذْ هو جزءٌ من الكعبة على الحقيقة. رابعاً: استحباب الجلوس في الحِجْر:لَمَّا كان الحِجْر من الكعبة كان له من المكانة العظيمة والشرف العظيم، فهو أكرم المجالس وأشرفها على وجه الأرض؛ ولذلك كان الحِجْر مجلساً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وكذا مجلساً للتابعين من بعدهم. الأدلة: 1- ما جاء عن مَالِكِ بن صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عن لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، فقال ![]() 2- ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لقد رَأَيْتُنِي في الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عن مَسْرَايَ)[50]. 3- ما جاء عن جَابِرِ بنِ عبد اللَّهِ رضي الله عنهما؛ قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ في الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللهُ لي بَيْتَ الْمَقْدِسِ[51]، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عن آيَاتِهِ، وأنا أَنْظُرُ إليه)[52]. وجه الدلالة: اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم الحِجْر مجلساً، يُحدِّث الناس فيه بما جرى له من المعجزات في ليلة الإسراء والمعراج، ما يدل على شرف هذا المكان وفضله. 4- ما جاء عن عطاء ومجاهد - رحمهما الله - أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حدَّثهم يوماً، وهو في الحِجْر، أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول ![]() 5- ما جاء عن إبراهيم بن ميسرة رحمه الله قال ![]() ومن مجموع الأحاديث والآثار يتَّضح استحباب الجلوس في الحِجْرِ؛ متابعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأسِّياً بالصَّحابة الكرام وتابعيهم بإحسان. المسألة الرابعة: الصلاة في مقدَّم الحِجْر: أولاً: حُكم (صلاة الفريضة) في مقدَّم الحِجْر: اختلف العلماء: في حكم صلاة الفريضة داخل الكعبة، ومنها مُقدَّم الحِجْر - الذي هو قطعة من الكعبة - على ثلاثة أقوال، والراجح: صحة صلاة الفريضة داخل الكعبة، ومنها مقَّدم الحِجْر، وهو قول الحنفية[55]، والشافعية[56]، وبعض المالكية[57]، ورواية عند الإمام أحمد[58]، ونسبه الترمذي[59] لأكثر أهل العلم، كما نسبه النووي[60] للجمهور. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |