عربة كارو (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دعاء الشفاء ودعاء الضائع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-06-2021, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة : Egypt
افتراضي عربة كارو (قصة قصيرة)

عربة كارو (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة






قيظ ظهيرة في صيف ملتهب، يسير بعربته الكارّو، تجاه مسجد الروبي، وصل الميدان الفسيح، سخونة الأسفلت تلسع قدميه، مخترقة نعله الجلدي، آثر الابن الجلوس على العربة الخشبية، وأبوه يدفع الحمار الذي يجرّ العربة، ويضربه بحزام جلدي معلق في يمناه. الأب لاهٍ عن نتوءات الشارع، فيما استمتع الابن باهتزازات العربة. يقترب من سور المسجد الحجري، تسلل الباعة إلى ساحة المسجد الداخلية، أملاً في الظل..

خلف المسجد، أوقف "رجب" عربته جانب السور، مصطفَّة مع عربات أخرى، وربط حماره إلى حجر ناتئ، واضعاً أمامه كيس العلف الناشف. اتخذت العربة هيئة مثلثة: ذراعاها الخشبيتان إلى أعلى، وطبلية التحميل إلى الأسفل، نزل الابن " إبراهيم " ذو الأعوام الثمانية إلى أسفل الطبلية، ابتسم "رجب"، يدرك أن الشمس أولعت رأس نجله، فلاذ بظل العربة. مدّ إبراهيم يده إلى صندوق مثبت أسفل الطبلية، ليخرج جَوالا قديما، ثم فَرَشَه، وتمدد عليه. ابتسم الأب، يعرف عادة ابنه أن يغط في الظهيرة.

تسلل الأب إلى " ميضأة " الجامع، ومنها إلى ساحة المسجد، والمياه تقطّر منه، اصطف في جماعة لصلاة الظهر، ومعه عدد من " العربجية " الذين صفّوا عرباتهم خارج السور.

حين عاد رجب إلى عربته، اضطر أن يمدّد قدميه خارج الظل، جاعلاً رأسه جانب ابنه، الذي ارتفع تنفسه المنتظم مطبقاً جفنيه. تخايلت زوجته وطفلته ذات الأعوام الثلاثة في قرية " الزاوية "، التي يقطع مسافتها في ساعة عقب صلاة الفجر، وقبل أن تلسع سهام الشمس وجهه. يتذكر نصيبه من بيت أبيه.. غرفتين متداخلتين، أما دورة المياه فهي مشتركة بين باقي الإخوة، الذين اقتسموا طابقي البيت، وانفردت أمهم بغرفة في المدخل. يغيب الرجال عن البيت طيلة النهار، رجب بعربته إلى البندر، وأخوه محمود " نجار مسلح " يتعلق بسيارة نقل عمال التراحيل حسبما يأخذهم المقاول، ويكدّ الأخ الثالث عبد العالي في الغيطان.

يضحك، وهو يتذكر الاتفاق اليومي مع "أم محمد" بائعة الخضار، يحمل مقاطفها المربوطة بإحكام على أكوام من المقدونس والفجل والجرجير والكراث والبنجر. مسكينة أم محمد، عليها أن تسابق الفلاحين في الاستيقاظ قبل أن يرفع شيخ الجامع آذان الفجر، تحلف له كل يوم وهو يحمّل خضارها على عربته:
والله يا "بو إبراهيم" كنت في الغيط والقمر منوّر في السماء، وصاحب الغيط يحشّ الخضرة، وأنا أعبئها في المقطف.

يضحك رجب ويداعب هذه السيدة التي تكدّ على ثلاث بنات وولد:
ولكن القمر يختفي في ليال كثيرة.
تضحك أم محمد وتبدو ثنياتها وتهمس:
ادع لي يا رجب، يرجع أبو العيال من ليبيا، ويريحني من الهم.

يتمتم رجب بدعاء العودة بالسلامة. كم حكت له أم محمد عن الزوج الذي يعمل فلاحاً في مزرعة في صحراء الجنوب الليبي، غاب سنتين وعاد للبلد ليلاً، خالي الوفاض، وهو يسب الذين سرقوا ما جمعه.
وسافر مرة ثانية يا أم محمد؟.

ترد وهي تمسح دمعة أفلتت من مقلتين أحكمت السنون قبضتها، فتحجر الألم فيهما، وأفلحت في تزويج بنتين، وأن يكمل محمد تعليمه إلى الثانوية. ترد بعطف، وهي تتذكر زوجاً امتزجت الطيبة والهموم في سحنته:
نعم يا رجب، مسكين زوجي، الدنيا ضاقت به هنا وهناك، والولد محمد يكد في الغيطان باليومية، ويقول لي: أكسب مصروفي بعرقي.

ألم تأت أخبار عن زوجك.

تتنهد، وتبتسم بصفاء:
ربنا يرجعه بالسلامة.

على طبلية عربته الخشبية، تسند أم محمد رأسها إلى مقطف كبير، تغفو، بجانبها يجلس إبراهيم، يأكل شطيرة خبز مغطاة بجبن وزبد، أخذها من أمه.


فتح إبراهيم عينيه، متطلعا لأبيه الذي أخذته سِنةٌ...، ثم انتبه على حركة إبراهيم، همس الابن:
سأشتري سندويشات من مطعم " قرني ".

مدّ رجب يده بنصف جنيه، فطار الابن بها، دقائق، والتفّ الاثنان على قرطاس " طعمية "، وأرغفة ساخنة، وسلطة طماطم وبصل وفلفل، وأخرج رجب من الصندوق تحت العربة ربطات جرجير وفجل، أعطتها أم محمد له في الصباح. ملأت رائحة الطعمية أنفيهما، وهما يشكّلان من الأقراص الساخنة والسلطة والأوراق الخضراء لقيمات.
يا رجب، خذ الشاي.
كان عامل المقهى واقفاً بصينية أكواب الشاي، يبيعها للعربجية المصطفين جانب الجامع. تناول رجب الكوب الساخن، ثم ناول العامل خمسة قروش.

مع رشفات الشاي..، يهمس الابن:
اكتب اسمي يا أبي.

انتبه رجب لطلب ابنه الذي بات يكرره كل يوم، فواصل الابن:
أتعلم كتابة اسمي على الورق، مثل عيال البلد.

تذكر الأب سنيَّ صباه في كتّاب القرية، حين كان يعلّمه " الفقي " آيات الذكر ومبادئ الكتابة. ابتسم الأب، فأسرع الابن بإحضار قطعة كرتون، وأخرج قلم "كوبيا " من الصندوق. ثبت " رجب " أنامله على الكرتون، وضغط بقوة على القلم مسجلا: " إبراهيم رجب إبراهيم خضر ". سرعان ما أمسك الابن القلم، وراح يكتب اسمه. ويتمتم:
أتمنى أن أذهب إلى المدرسة مثل عيال البلد.

وخزة في أعماق الأب، "يذهب الولد للمدرسة، ويتركني أشيل بضائع الناس وأكدّ لوحدي؟".. كررها الابن بصوت عال. يعلم الأب أن الولد تجاوز سن المدرسة بعامين.
أنت تساعدني، وأنا أعطيك يومية.. جنيها كل يوم يا إبراهيم.
أذهب يا أبي، وسأساعدك..
أشرق وجه الأب..، ضحك الابن، ستزغرد أمه التي كانت تدعو أن تراه مهندساً أو دكتوراً، ومعه الشهادة الكبيرة.



مرّ على سوق الخضار، وضعت أم محمد مقاطفها الفارغة، ستغفو كعادتها، وهي تتمتم:
سأصحو مع " القمراية "، وأحشّ الخضرة إن شاء الله.
بجانبها، إبراهيم يحلم بالمريلة الصفراء، والشنطة الجلدية، والكتب الملونة.
رجب منهك، بعد يوم متكرر، يتنقل فيه بين الأسواق والبيوت.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.37 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]