أهملت نفسي بسبب تربية أولاد أختي

[ابوالوليد المسلم]

أهملت نفسي بسبب تربية أولاد أختي


د. رحمة الغامدي



السؤال


♦ ملخص السؤال:
فتاة ربت أولاد أختها بعد وفاتها، وأهملت نفسها، ثم دخلت الجامعة فصدمت بعالم آخر غير الذي تعيش فيه، فقررت الدخول فيه ثم عادت لربها، وتسأل عن واقعها.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أنا فتاةٌ جامعية، ختمتُ حِفْظَ القرآن الكريم ولله الحمد، تُوُفِّيَتْ أختي - رحمها الله - ولديها 3 أولاد، وأصبحتُ أنا الأم، أتحمَّل مسؤولياتهم، وأسهر على راحتهم، وأتابعهم في دروسهم ومدارسهم، والحمد لله مُقتنعة بأنَّ الله سيُعَوِّضني، ويرزقني خيرًا في المستقبل.


المشكلةُ أني أصبحتُ لا أهتمُّ بنفسي، ولا أُحِبُّ الخروجَ من البيت، والحمد لله أنا بارَّةٌ بأمي، لكن ما يتعبني أني بعدما دخلتُ الجامعة وشاهدت الفتيات، وجدتُني بعيدةً كل البُعد عن هذه الحياة التي يعشْنَها، فهنَّ مهتمات بالماركات والموضة والبَشرة، وأنا أنظر إليهنَّ واتحسَّر أني لستُ مثلهنَّ، وليس لديَّ الوقت لأهتم بما يهتممْنَ به.


كنتُ أقْتَنِص وقتَ الفراغ لأجلس وحدي، وكنتُ أقضيه في مشاهدة المسلسلات والأغاني، ومِن ثَمَّ أتأخر عن أداء الصلاة.


حاولتُ التغيير من نفسي، والتقرُّب مِن ربي، فبدأتُ أُصَلِّي وأدعوه، حتى عدتُ إليه، والحمدُ لله بدأتُ بالاستفادة بوقتي، وأكثرتُ مِن القراءةِ، وتركتُ الأغاني، وسمعتُ الأناشيد.


بعد تخرجي من الجامعة حدَث لي الآتي:
• عدم مَقْدِرتي على تكوين صداقات، علمًا بأنَّ لديَّ صديقات لَسْنَ من الجامعة.


• أصبحتُ أخجل أمام الجموع، وأنا جديدة على أغلب البنات.


• قابلتُ الكثيرَ مِن الفتيات يَعْرِفْنَ الماركات والحقائب والساعات، والمكياج، والحمد لله لم أضع المكياج أو العطر.


• لي قريباتٌ يخرجْنَ للسوق، ويطلبْنَ مني الخروج معهنَّ، وأنا أتمنى أن أخرج، لكن أمي لا تسمح لي بذلك، وأعلم أنَّ أمي تُريد لي الخير، ولكن تعبتُ من هذا الوضع، فليس لديَّ في حياتي مِن هَمٍّ إلا أولاد أختي، أريد الخروج مثل بقية الفتيات، أريد رُؤية نفسي مثلهنَّ.


• مشكلة أخرى لديَّ وهي: مشاهدة الدراما الكورية، والبرامج، هربًا مِن المَلَل، الحمد لله أبتعد عن المسلسلات التي تخدش الحياء، ولا أتابع المسلسل إلا إذا كان عائليًّا أو قصة واقعية.


• لديَّ أخ أكبر مني يضربني وأخاف منه إذا شاهدت الأفلام ويمنعني من ذلك، ولو عرَف بمشاهدتي للأفلام فسيمنعها عني، وأنا لا أريد أن أفعلَ شيئًا خطأً، وأريد إخباره حتى أفعل ما أريد في النور.


• لا أستطيع مُواجهة الناس، بسبب سكوتي وخجلي من الحديث أمامهم، فكيف أفتح موضوعًا وأتحدث وأواجه صديقاتي، فليست لديَّ الجرأة لفعل ذلك؟



الجواب

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين.


أشكر ثقتك في شبكة الألوكة للاستشارات، انطلاقًا مِن مقولة: "ما خاب مَن استشار".


بدايةً أُحِبُّ أن أقولَ لك:
عزيزتي، إنك جوهرةٌ نادرةُ الوجود؛ في العطاء، وفي الصبر، وفي الزهد في هذه الدنيا.

أنتِ مثالٌ رائع في تقسيم وقتك بين حاجاتك واحتياجات أبناء أختك، جميلٌ جدًّا أن هناك في هذا السن مَن تستغفر وتُصلي، وتحفظ كتاب الله، والأجمل أن تبتعدي عن كلِّ ما يُغضب الله؛ من مسلسلات، وغناء.. ونسأل الله التوبة.

عزيزتي، أنت لستِ بحاجة إلى أن تُغَيِّري حياتك، بل أنت بحاجةٍ فقط إلى ترتيب أولوياتك، وتخصيص وقت فراغ معينٍ، ساعة يوميًّا أو ساعتين أسبوعيًّا للاهتمام بنفسك، وفق ما كفله لنا الشرعُ، وليكن هذا الوقت مُقتصًّا مِن وقت المسلسلات.

وأثق في أنَّ فتاةً مثلك تمتلك شخصية قويةً في وجه الملَذَّات والشهوات المحيطة بنا، حفظتْ كتاب الله، وربَّتْ أبناء أختها، وتجتهد في بِرِّ والدتها، أثِق في أنها قادرة على امتلاك بعض الفنيات البسيطة لتدير حياتها بسعادة، فأنتِ معلمة لنا في العطاء، في حفظك للقرآن، نعم عزيزتي، اعتزي بنفسك، واشعري بالثقة في ذاتك أكثر.

الموضة والماركات يمكن أن تعرفَها كلُّ فتاة في يوم وليلة، أما ما أنتِ عليه مِن خيرٍ مِن حفظ كتاب الله وغيره، فلن يحصلَ عليه إلا مَن اجتهد مثل اجتهادك.

غاليتي، اعتزي بنفسك، انظري لإنجازاتك، وقارني بينها وبين ما أنجزتْه مِن تعرف الموضة والماركات.

تذكري دائمًا أن الإنسان الناجح هو من تبقى إنجازاته خلفه بعد موته، وثوابها ينتظره عند لقاء ربه، فأخْلِصي النية في بر والدتك، وتربية أبناء أختك، فأنتِ إنسانة رائعة.

اقرئي عن حقيقة الموضة الخاوية والماركات الكاذبة، ثم اسألي نفسك: ما إنجازات الزميلات المهتمات بشكل غير طبيعي بالموضة؟ اهتمي بجمالك، واستعدي لزواجك، فالأمرُ يسير جدًّا مع هذه التقنيات المفتوحة، استعيني بأخواتك وزميلاتك في ذلك، لا للفائدة، بل للشعور بالمساندة والراحة.

اقرئي عن الثقة بالنفس، ودرِّبي نفسك على مهاراتها.

اقرئي عن الحياة الزوجية، وفنيات التعامل مع الزوج بنجاح.

وأخيرًا أُحِبُّ أن أهمسَ لك بأن الأذواق تختلف مِن شخص لآخر، والأسواق وما تعرضه تُثبت ذلك، ومع ذلك تذكَّري أنَّ الله هو الموفق في الحياة، فاقتربي منه أكثر بالدعاء، وطلب المشورة منه، والعون على ما هو قادم، كما أنصحك بأن يكونَ لك عملٌ دعويٌّ ولو بسيط؛ كمُنَسِّقة محاضرات، أو تصميم عُروض وَصُوَر دعويَّة.

وفقك الله، وسدد على الخير خُطاك