|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحافة (قصة قصيرة) وليد سميح عبدالعال نظر إلى الأوراق المتهرئة المتناثرة أمامه وأحس باليأس.. كانت تبدو منها بعض الكلمات هنا وهناك من أطرافها لكنها لا تكفي لاستشفاف ماهية المكتوب.. أطلق زفرة. كان يعاني منذ عدة أشهر من قحط فكري وصعوبة في اقتناص أفكار جديدة لكتابات جديدة.. هذا لم يعد يصلح لعالم سريع الإيقاع سريع التغير وأيضاً عالي النفقات.. كان لا بد من شيء جديد يكتبه. وتذكر بعض الكتاب الذين سئلوا عن سبب الكتابة لديهم. البعض قال: المال..! ما كان يفكر بهذه الطريقة ولا كان يظن عن نفسه ذلك لكن ها هو يفعل.. ظل يحاول أن يكتب شيئاً جيداً.. كتب عنواناً مثيراً وأراد أن يكتب تحته كلماتٍ مؤثرة فلم يستطع.. حاول أن يتذكر موقفاً حدث له قديماً ليصيغه بطريقة جذابة فلم يستطع..! والوقت يمضي بأسرع مما كان.. تذكر سؤال الناس لابن المقفع: لمَ لا يكتب الشعر وهو قادر عليه؟ فقال: ما يأتيني لا أرضاه وما أرضاه لا يأتيني..! وكالتاجر القديم ذهب ليفتش في دفاتره القديمة عن شيءٍ ذي قيمة. رأته زوجته وهو يفتح تلك الخزانة التي يحتفظ فيها بأوراقه وكتاباته القديمة، رمقته بنظرةٍ معناها: هل احتجت لهذه الأشياء الآن؟ فردها بنظرة معناها: أعاني من نقص في القريحة. فردتها بنظرة مشجعة وانصرفت لأشغالها. وتذكر وهو يقلب في ملف قديم قصة كان قد كتبها ونسي أوراقها على مكتبه فمزقتها ابنته الصغيرة قطعاً فجمعتها زوجته ووضعتها في كيس وحفظته في الخزانة. تذكر هذا فبعث فيه الأمل وأخذت يداه تتحركان مسرعتين للبحث عن تلك الأوراق. نظر في الخزانة رفًّا رفًّا، مصطدماً بأشياءَ كثيرةٍ كان يضعها على مدى الأشهر والسنين ثم ينساها: قطع أدبية كان قد بدأها ولم يكملها، محاولات شعرية لم تكتمل، ملف به قصص رديئة كان يحتفظ به لنشره بعد أن يشتهر لأن الناس تشتري الاسم لا العمل..! في بحثه طرقت ذهنَه أفكارٌ وذكريات كثيرة ندم في نهاية الأمر على عدم تدوينها، كان في العادة يفكر بنظام ولا يترك الأفكار الطارئة دون تدوين لكنه الآن مشوش غاضب قلق ألا يجد هذه الأوراق بعد أن أحس أنها أمله الوحيد للوصول لشيء جيد يرضيه ويدرك به وقته الضائع. سأل زوجته بعد أن بلغ به الجهد مبلغاً وتصبب عرقاً برغم المكيف الذي يهدر طوال الوقت. جاءت.. بينما جلس هو على المكتب ليرتاح قليلاً وفي ثوانٍ كانت قد أتته بالكيس.. لم يحاول أن يجهد نفسه بسؤالها كيف وجدته.. كان قد رأى ما يريد، حمد اللهَ أنه لم ينس أن يشكرها وهو يلتقط منها الكيس بلهفة.. فتح الكيس وأخذ يلتقط الأوراق الممزقة وزفر وهو ينظر إليها وأحس بصعوبة المهمة.. تذكر لعبة [البازل] تكوين الصورة فقد كان ما أمامه بازل من نوع متقدم يحتاج لتركيز وذكاء حتى يضع قطع الأوراق في مكانها المناسب. ظل لساعةٍ أو أكثر يجاهد في صبر وتوتر هذا الأمرَ.. بعد فترة أحس بمتعة هذه اللعبة وأخذ يتذكر الخيط الرئيس للقصة وبدأت أحداثها تتبين شيئاً فشيئاً.. كيف نسي هذه القصة وكيف لم يبحث عنها ليعيد ترتيبها وإنشاءَها.. لقد كانت من تلك القصص التي يسميها أصلية: فكرة جديدة لم تمر به من قبل، ومعالجة بتكنيك مختلف، وليست طويلة مرهقة ولا قصيرة مختصرة. أخذ ينقل الكلمات يدويًّا من القطع الصغيرة في أوراق أخرى، ومر عليه الوقت وهو لا يشعر لأنه كان سعيداً، فمنذ فترة لم يحس بهذا الإحساس..! لحظة من متع الدنيا الخالدة التي لا يحس بها كثير من الناس، متعة الإنهاء والإحساس بالشبع والرضا المطلق عن النفس ولو لوهلة. لحظة افتقد مثلَها منذ زمن حتى بدأ يعتريه الشك والألم والإحباط. أخذ يكتبها على الكمبيوتر بسرعة وينسقها ويجهزها ليرسلها للطبع وهو يبتسم منشرحاً.. مرت به زوجته كما هي عادتها لترى إن كان يحتاج شيئاً. رأته على هذه الحال ولمح في عينيها العجب فابتسم لها.. أنهى كتابتها وراجعها عدة مرات بدقة وعدل فيها بعض الأشياء وأرسلها على الإيميل.. لم ينتظر ردًّا فقد كان موقناً من عمله هذه المرة ولم يراوده شك في أن المحرر لن يراجعه في شيء.. كانا صديقين قديمين لكن صديقه لم يبخل عليه يوما بالنصيحة. قام ومد ذراعيه ثم استلقى على فراشه وأحس براحة عجيبة تدغدغ أعضاءه حتى استرخى تماماً وأغمض عينيه. تخيل نفسه يسير في شارع طويل في آخره منزل من طابقين، وجد نفسه محتاجاً لدخول هذا المنزل، لم يدر لماذا لكنه وجد نفسه داخله، بهوٌ واسع وسجاجيد ثمينة وتحف هنا وهناك أثاث غالٍ، هذا مكان ينطق بثراء صاحبه لكن كل هذه الأشياء عتيقة يبدو عليها القدم برغم نفاستها. اقترب من إحدى "الفازات" عظيمةِ الحجم، لمسها فأحس بها تتشقق ثم انهارت أمامه تراباً. تراجع مدهوشاً ثم رفع رأسه يتأمل الجدران المزينة العالية فلاحظ شروخاً كثيرة. اقترب من إحدى الأرائك ليجلس عليها وما إن لمسها حتى سقط ما فيها من حشو وأحدثت صوتاً مزعجاً يدل على انهيارها. تلفت حوله فرأى أثاث المنزل وجدرانه تتشقق بسرعة ثم تنهار الواحد تلو الآخر ولمح فوق رأسه السقف العالي يبدأ كذلك في التشقق وبدأ الغبار يملأ المكان ولكن كان هناك صوت يتردد، شيء ما يدق. الغريب أنه لا يريد أن ينصرف وكأنه لا يشعر بالانهيار الذي أمامه، يشعر أنه هو السبب الرئيس لهذا الانهيار، ونظر نظرة أخيرة، كان هناك شيء ما لم يتأثر بالانهيار بعد.. هناك شيء يدق.. وأحس بأن السقف لم يعد يتحمل ورآه يهوي عليه فأغلق عينيه.. فتح عينيه، تلفت، ما زال في سريره مستلق بعد أن كتب قصته ولكن ما زال هناك شيء يدق. التقط هاتفه الجوال ونظر ليرى من المتصل كان صديقه المحرر الذي يعرفه منذ أكثر من عشرين عاماً منذ كانا أطفالاً. وجد نفسه يضحك كما لم يفعل منذ زمن وقال: لا تقل إنك قرأت ما أرسلت إليك بهذه السرعة؟! أجاب صاحبه: بل قرأتها، لم أتلق منك منذ فترة وكنت متلهفا لقراءة ما كتبت. صمت ولم يرد وانتظر ما سيأتي بعد هذه الكلمات.. قال صاحبه: ولكن.... هو:.........؟! صاحبه: أظن أن.. الأمر يبدو..... هو: هل هي جيدة.. هل أعجبتك؟ صاحبه: نعم نعم ممتازة بلا شك ولكن... هو: ما الأمر قل بصراحة؟ صاحبه: إنها تتكلم عنك بكل وضوح.. إنه أنت وكأنك تريد أن تتحرر من الأسرار أو تريد أن تلقي بما يثقل كاهلك بعيداً.. هذه الكتابات تنذر بنهاية الكاتب، هل أنت واثق من نشرها..؟ الآن تذكر لماذا لم يغضب حين مزقت ابنته القصة وتذكر لماذا تركها بعيداً... أحس بصمت رهيب من حوله وكأنه يسمع صفيراً في نفس الوقت.. هل وصل لهذه المرحلة هل وصل إلى النهاية التي ليس بعدها إلا السقوط..؟ لقد أحس بالفعل أن شيئاً بداخله قد ذهب برغم فرحه بجودة القصة وأصالتها ولكن هل كل مرة ينبغي أن تكون كذلك تنال منه شيئاً أو تنزع منه شيئاً..؟ ظل صامتا تدور به الأرض ولم يعرف بم يجيب: بنعم أو بلا؟ ولكن كان يعرف أنه لا بد أن يجيب السؤال ويختار.. وتذكر ما رآه حين استلقى على فراشه وخيل إليه أنه يذكر شيئاً قد بقي لم ينهر مع المنزل ولكن تفلت منه ولم يذكر ما هو.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |