مقاصد سورة الرعد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4938 - عددالزوار : 2027903 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4513 - عددالزوار : 1304603 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 121809 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-01-2021, 12:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة الرعد

مقاصد سورة الرعد
أحمد الجوهري عبد الجواد







نور البيان في مقاصد سور القرآن








"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".











(13) سورة الرعد



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى أمانته، ونصح لأمته، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته عليه وعلى آله آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى أتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.







أما بعد..



أيها الإخوة المسلمون عباد الله، فمع سلسلة حديثنا حول مقاصد سور القرآن الكريم، نتعرف من خلالها على سور القرآن سورةً سورة بشكل إجمالي، ونحن اليوم على مائدة سورة الرعد، سورةٌ عظيمةٌ جليلة، سورةٌ فيها من الآيات ما يصحح للإنسان عقيدته وتصوّره عن هذا الكون وما فيه وما حوله، سمّاها الله تبارك وتعالى بهذا الاسم الرعد، والرعد صوتٌ مسموعٌ للجميع معروفٌ للكلّ، صوتٌ واضحٌ مميّزٌ من بين الأصوات، يصاحبه برقٌ وظلمات، كما يصاحبه ويتبعه مطرٌ وغيثٌ نافعٌ للناس والبريّات، ومن هنا كان هذا الاسم له دلالته في هذه السورة، وله حكمته الجليلة لا سيما وأنه من عند الله تبارك وتعالى، فهو الذي سمّى سور القرآن بأسمائها.







سورة الرعد سورةٌ نزلت قبل الهجرة في مكة المكرمة[1]، تخاطب أولئك الناس الذين عاشوا فترةً طويلةً في جاهلية عمياء، نهارهم ليل، وليلهم نهار، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، جاءت سورة الرعد وما صاحبها من سور أخرى نزلت قبل الهجرة لتكشف هذه الظلمات عن هذه الأمة، ولتزيح عنها هذا الغبش، ولتخرجها من الظلمات إلى النور فترى كل شيءٍ واضحاً على حقيقته دون لبسٍ، دون تزويرٍ، دون تغيير، يعرف كل إنسانٍ حقه وواجبه فيؤدي ما عليه، ويبحث عما له، فعاشت البشرية بهذه الشريعة، بهذه السورة، حياةً فاضلةً ما رأت الدنيا مثلها، عاشت الأمة في صدرها الأول بهذا القرآن وبالتربية عليه عهوداً غايةٌ في الفضل، غايةٌ في النزاهة، نهايةٌ في الطهارة، مجتمعاتٌ تخيلها الحكماء ولم يحققوها، سطَّرُوها في كتبهم وأوراقهم ولم يوقِّعوها في أرض الواقع، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من وحي، استطاع أن يحقق هذا المجتمع الفاضل المثالي على أرض الواقع، بدءاً من حياته وامتداداً من بعده بفضل الله تبارك وتعالى الذي قال ﴿ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال: 63]، وامتن الله تعالى على هذه الأمة بقوله ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.







وهكذا السور المكية هذه كانت تؤسس في النفوس البشرية العقيدة السلمية الصحيحة تجاه رب هذا الكون وإلهه، وكيف التعامل معه والتلقي عنه، وكيف نعبده، ما هي الرسالة المترددة بين الله وبيننا؟ من الله إنزالٌ ومنا حفظٌ وعمل، ومن هذا الرسول الذي حظي بهذا الشرف؟ فإنه سيدنا وسيد الكونين محمدٌ بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وماذا بعد هذا كله، بعد هذه الدنيا وما فيها ماذا ينتظرنا، هل الموت نهاية المطاف كما علم أهل الجاهليات، كما يتصور كثيرٌ من الناس، بالموت ينتهي كل شيء؟ كلا، إنما هناك الدار الآخرة، هناك يوم القيامة فيه يُعاد ترتيب الأمور، بحكمةٍ وعدلٍ من الله العزيز الغفور سبحانه وتعالى، فيعيد لكل واحدٍ فرصته ويجد كل إنسان عوضاً أو جزاءً عما وجده في الدنيا ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِجعلنا الله فيهم ﴿ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أعاذنا الله منها ومنهم.







أحبتي الكرام، هذه السورة باعتبارها سورةً مكيةً - وهذا هو موضوع السور المكية عموماً - فإنها سارت أيضاً في نفس هذا الاتجاه، وركزت على هذه الأركان العقدية، التي تبين للإنسان من الإله الحق الذي يُعبد، كما جاء في السورة من قول الله تعالى ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أي له العبادة الحق ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ [الرعد: 14] له أي وحده لا شريك له، دعوة الحق العبادة والدعاء الحق، من دعاه لباه، ومن سأله أجابه ووالاه، أما تلك الآلهة المزعومة التي يعبد الناس من دون الله فإنهم لا يستجيبون لعابديهم بشيء، ولكي يصور الله هذا الخسران في سورة مرئية محسوسة زيادةً في البيان والوضوح قال ﴿ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ﴾ [الرعد: 14] فتح كفيه ولم يجمعهم لأخذ الماء كما نفعل، كما تسمى بالحفنة، إنما فتح كفيه، فردهما، بسطهما إلى الماء، والماء عندهم كان في بئرٍ أو بحرٍ، بسطهما ليأخذ بهما ماءً يبلغ به فاه، فاليد بهذا الشكل المبسوط المفرود لا تحمل الماء، ولو حملت قليلاً جداً فلا تستطيع أن توصله إلى الفم للشرب، ولذلك يُكوُّر الواحد منا يديه أو كفيه عند أخذ الماء حتى يحفظه ليبلغ فاه أو نحوه، يعني لا يستجيبون لهم بشيء، لا ينتفعون من وراء آلهتهم بشيء، فأي إله هذا ذلك الذي لا ينفع؟!! إنما النافع هو الله عز وجل، النافع هو الله ولا نفع يقع في الكون إلا بإذن الله، وقالها النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك"[2]، ولكي يثبت لنفسه الكمال سمى نفسه الضارّ، فلا تقال الضارّ وحدها، إنما تقال تتميماً للنافع؛ لئلا يظن أحد أن الله بعظمته ينفع ولا يستطيع الضر، لا، هو نافعٌ سبحانه وتعالى، بل هو النافع ولو أراد الضر لفعل، هو قادرٌ عليه ولا يريده إلا بحكمته[3].







ركزت السورة على القرآن أنه منزلٌ من عند الرحمن ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [الرعد: 1]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا، ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الرعد: 43]، ركزت السورة بين آياتها ومن أولها إلى آخرها على مسألة الرسالة، والرسالة لا تكون إلا برسول، فكانوا ينكرون رسالته صلى الله عليه وسلم ونبوته ويزعمون أنه شاعرٌ ومفترٍ وساحر وكذاب ونحو ذلك، فعالجت السورة هذه الأمور، كان الكافرون الأوائل ومن لحقهم كذلك، كانوا يتمسكون بعقائدهم الباطلة تمسكاً شديداً، يعتبرون الأحجار آلهة ويعتصمون بها اعتصاماً لا ينفكون عنه، فناقشهم القرآن في السور المكية ومنها هذه السورة، ناقشهم في هذه العقيدة الخربة، العقيدة الفاسدة، كيف تعبد إلهاً لا يملك لنفسه شيئاً فكيف يملك لك؟! لم يبعث إليك رسولاً من عنده ولم يُنزل إليك كتاباً ولم يعلمك كيف تعبده، ولم يكلفك بتكليف، أين التجاوب والتفاعل بينك وبينه؟! ذلك ليعيد الإنسان إلى أرض الواقع، ليعيد الإنسان إلى صوابه عقله ورشده فيفكر، ولو فكر أهل الباطل بعقولٍ سليمة لعرفوا أنهم على باطل، ولكن للأسف طُبع على قلوبهم، فهذه السورة كغيرها من السور المكية توضح العقيدة الإسلامية أمام العيون، وترسخها في النفوس الطيبة المطمئنة مثل نفوس أولي الألباب، كما قال الله تعالى ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد: 19]، الذي ينتفع بالتذكرة وينتفع بالآيات وينبهر بالمعجزات فيؤمن أولئك هم أولوا الألباب، أصحاب العقول الحية المتفكرة الواعية الفاهمة، أما غيرهم فهم كالعميان، أصابهم في قلوبهم عمى، فأبصارهم ترى الأشياء وتطلع إلى الآيات فلا تميز بينها وبين غيرها، الكل عندها سواء، هذه السورة المكية المباركة بهذه الموضوعات كان لها هدفٌ رئيس، نأخذه من أولها ومن آخرها ومن وسطها، فهو شيء تردد فيها كثيراً، ومن اسمها كذلك، فاسم السورة مع أولها ومع آخرها، هذه الأمور تحدد لنا هدف السورة، اسمها الرعد، والرعد كما عرفناه صوتٌ عالٍ، وفي بعض الروايات والأحاديث – رواها أهل السنن – أن الرعد مَلَكٌ يسوق السحاب، وأن ذلك الصوت هو صوته وهو يزجر السحاب بصوته، يزعق بالسحاب لتسير السحب حيث شاء الله تبارك وتعالى، كما يسوق صاحب الدابة دابته[4]، فهذا صوت الملك واسمه رعد، وقيل: البرق هذا لمعانٌ يظهر في أفق السماء عند سياقة السحب، من أثر ما يدفع الملك السحاب، فإنه يدفعها بشيء من حديدٍ وقيل من نارٍ في يده، يدفعها ويسوقها بهذا الشيء، سمي سيفاً، وسمي مخراقاً، هي آلةً في يد الملك، يزجر بها السحاب ويسوقه بها، فحينما تلمس السحابة تحدث هذا اللمعان، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الصوت وما يصاحبه بأنه وعيدٌ وتهديدٌ من الله تعالى "فإذا رأيتموه فاتركوا المعاصي"[5]، ينبغي أن نخاف حينما نسمع صيحة ملك، فإن أقواماً بكاملها، أمة بكاملها كأمة ثمود، أمةٌ ذات حضارة، أمةٌ ذات تاريخ، أمةٌ قوية، ومع ذلك حين أهلكها الله تعالى أهلكها بصيحة، صيحةٌ من ملك وقف على باب مدينتهم وصرخ فيهم صرخة فصعقوا جميعاً وماتوا، فلأنها صرخة سماها الله صيحة، ولأنها أماتتهم وقتلتهم سماها الله صاعقة، فهذا تهديدٌ من الله تعالى يهددنا بشيءٍ من خلقه، فما بالك إذا تكلم الرحمن، الله أكبر، في الحديث: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رِعدةٌ"[6] السماء ترجف إذا تكلم الله بشيء من الوحي، مع أنه لا يخاطبها ولا يكلمها، إنما يلقي وحياً لجبريل أو غيره ليفعل كذا أو كذا، ساعتها السماء لا تطيق جلال صوت الله، أو جلال كلام الله سبحانه وتعالى، لا تطيق جلال كلام الله فتهتز اهتزازةً عنيفة، وتخر الملائكة كلهم سجَّدا، وهذا صوت ملك، وعلى ذلك أكثر المفسرين قالوا بهذا، فالرعد مَلَكٌ أو صوت ملك[7]، وهو صوتٌ كما قلت مسموعٌ للدنيا يسمعه الجميع، ويصاحبه برقٌ وظلمات، ويصاحبه غيثٌ نافعٌ للناس والبريات، فيه هذا وفيه هذا، هذا عن اسم السورة، وكأنه يضرب مثالاً للقرآن العظيم والوحي الكريم، ففي أول السورة ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ، وفي آخر السورة وختامها ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ربه: قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم وأيضاً من الشهداء على حقِّية ما معي من عنده علم الكتاب، اليهود والنصارى، فإن في كتبهم رغم ما حرفوا وبعد ما بدلوا لا تزال في كتبهم بشارات ثابتةٌ لم ينتبهوا إليها تبشر ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واحتج بها بعض العلماء المسلمين في العصر الحديث المتأخر هذا على بعض قساوسة النصارى حتى أقاموا عليهم الحجة، احتجوا عليهم بصدق ما عندنا أو في صدق ما عندنا بما عندهم في كتبهم المحرفة، لا تزال فيها نصوصٌ تنبئ ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبأحقية القرآن.







إذاً السورة تركز على الرسالة والرسول عليه الصلاة والسلام، نعم هي تتكلم عن أركان العقيدة، ولكن برز هذا العنصر بالذات، التفتت إليه السورة التفاتةً خاصة، وكأن السورة تشير إلى هذا المعنى، القرآن حق، القرآن المنزَّل من عند الله حقٌ وأحقيته واضحةٌ على سمع الزمان ومرآه، كما يسمع الرعد وما يصاحبه من البرق تراه العيون، لا يمكن أبداً لأحدٍ أن يُنكر إلا لعينٍ أصابها الرمد فلا ترى الأشياء على حقيقتها، أو أنفٌ أصابه الزكام فلا يميز بين الروائح والأشياء، إنما الإنسان العاقل الباقي على حسّه وذوقه فإنه يرى أحقيّة القرآن واضحةً جليةً، كان العرب قديماً رغم كفرهم وعنادهم كثيرٌ منهم كان بمجرد أن يسمع آيات من القرآن تؤثر فيه ويرى قدسية هذا الكلام، وأنه ليس من كلام البشر، الوليد بن المغيرة لعنة الله عليه بعثه قومه لمهارته في الشعر والكلام، هو في صناعة الكلام قديرٌ بين الناس، وليس في العرب مثله يومها فبعثوه ليتسمَّع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستخرج من القرآن أشياء يطعن بها في القرآن، أخطاء يعني، أخطاء يشكك بها الناس المسلمين، ويصد بها الكافرين عن اتباع هذا الرسول الجديد عليه الصلاة والسلام، فذهب وألقى سمعه وألقى قلبه، واستمع إلى ما يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن، فعاد إلى قومه وقال: والله يا قوم إنكم لتعلمون أني أشعر العرب، يعني أعظمكم شعراً، ما فيكم شاعرٌ مثلي، وأنا أعلمكم بشعر الجن والإنس، وقصوا عن بعض الجن أشعاراً، كان الوليد يعلم كل ذلك، وماهراً في كل ذلك، ثم قال: والله ما يقول هذا القرآن بشر؛ إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، لونٌ جميل، طلاءٌ عظيم، من الداخل كلامٌ مثبت محبك قوي محكم، ومن الخارج جميلٌ مطرب في الآذان والقلوب، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه[8]، قالوا: حسبك ما تقول، ما بعثك قومك لهذا، أي ما بعثناك لتمدح فيه، أو لتقيِّم بحقٍّ، إنما بعثناك لتستخرج مطاعن تطعن بها فيه، قال: إذاً دعوني أفكر، المسألة تحتاج لتفكير وإعداد واسترجاع رأيٍ وما إلى ذلك فأنظرون، فيقول الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ قدَّر ماذا سيقول، كيف يقلب هذا الحق باطلاً، كيف يعود بكلامه هذا، ﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ أي فلُعن، لعنه الله كيف قدر، كيف يقول هذا الكلام بعد الكلام الجميل الذي قاله، كيف يرجع عن الحق بعد أن رآه وأحسه بذوقه وأذنه وقلبه، ﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ نَظَرَ ﴾ اتخذ غرضاً ثابتاً أمام نظره وركز نظره، ﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ قطَّب وجهه كأنه استجمع قوى الشر بين عينيه، واستحضر عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللقرآن، ماذا أقول وأنا أعاديهم، وهكذا تجهَّم في وجهه ليقول ما يقول، ﴿ ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 21 - 25]، يقول الله تبارك وتعالى ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ *لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ *لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ *عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾، هذا عدو كافر، انظر ماذا قال حين سمع القرآن[9]، كثيرون منهم مجرد أن يسمعوا القرآن يؤمنون به مباشرةً دون توضيح ولا تفسير، فهم عربٌ يفهمون لغة القرآن، ويقرآه مصعب بن عمير رضوان الله عليه في المدينة قبل الهجرة، بعثه النبي عليه الصلاة والسلام داعياً إلى الإسلام هناك، وما كان يزيد على أن يقرأ شيئاً من القرآن على مسامع الناس، فيقبله الناس ويقبلون عليه، فسمعت به قبيلةٌ فبعثوا من يصرفه عنهم، بعث رئيس القبيلة ابن خالته ليرد مصعب، ويصرفه عن هذا المكان، فجاء متجهماً معادياً، قم يا رجل من هنا، انصرف من هنا، لا تقل هذا الكلام، كف عنه، فقال له مصعب: أو لا تجلس وتسمع فإن وجدت خيراً قبلته وإلا انصرفت عنك، قال: حسناً، عرضٌ جميل، يُحكِّم عقله فرأى عرضاً جميلاً فقال: حسناً فجلس، قرأ عليه آياتٍ من القرآن، فأشرق قلبه واستنار بصره، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم عاد إلى قومه فرأوه من بعيد، قالوا: لقد عاد إلينا بوجه غير الذي ذهب به، وجهه تغير، رأوا فيه مِسحة الإيمان بدلاً من مسحة الكفر، ولكن لا يعرفون ماذا هنالك، فسأله رئيس القبيلة: ماذا صنعت؟ قال: صرفته فلم ينصرف، لم يوافق على أن يمضي إلى طريقه، بقي مكانه، قال: أنا آتيه وأصرفه، ذهب رئيس القبيلة بنفسه فحدث معه مثل ما حدث مع ابن خالته، عرض عليه مصعب فقال: حسناً، فجلس فسمع فأسلم، عاد إلى قومه فرأوه من بعيد، قد عاد إلينا بوجه غير الذي ذهب به، ماذا هنالك؟ ما الذي يحصل؟! حتى وقف عليهم، فقام فيهم خطيباً، رئيسهم خطب فيهم خطبةً عامة فقال: ما أنا فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا إذا تكلمت سمعنا، إذا نكحت أنكحناك، إذا أمرت أطعناك.. إذا ..إذا، عظموه، قال: والله إن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فدخلوا في الإسلام جميعاً، بالقرآن ليس أكثر[10]، رأى الكفار هذا الأثر العجيب الذي يحوِّل القلب، ويغير كيان الإنسان وحياته وطريقه، فيبدأ ينظر إلى أمه وإلى أبيه وإلى الناس من حوله إن لم يسلموا فهم كفار، يفصل بين هذا وهذا، فقالوا: لا يفعل هذا إلا السحر، لا يقلب كيان الإنسان هكذا وحاله إلا السحر، هذا سحرٌ ومحمدٌ ساحر، لذلك وصفوه بالسحر أول ما سمعوا ورأوا أثر القرآن الكريم، فالقرآن عظيم.







هذه السورة تلفت نظرنا إلى هذه الرسالة العظيمة، وأن الحق الذي فيها ملأ أرجاء الدنيا ووضح للكل، كما وضح أمام أعينهم لمعان البرق، وكما وضح في أسماعهم صوت الرعد، فلا يختلط بصوت آخر، وقلت الرعد فيه وفيه، فيه برقٌ وظلمات كما قال ربنا: ﴿ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فيصاحبه في هذا الجانب ظلمات وبرق، ويصاحبه في جانب آخر ويتبعه مطرٌ كثيرٌ وسيلٌ وغيثٌ ينبت الله به العشب والأرض، ويملأ به الضرع، ويعيش الناس حياتهم في هناء عظيم، يفرحون بهذا المطر فرحاً عظيماً، كذلك القرآن الكريم وصفه الله بمثل هذا، هو ذو أثرين له أثرٌ فيما آمن به، وله أثرٌ فيمن لا يؤمن به، قال الله تعالى في سورة فصلت: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ هو بهذا الشكل، هو بهذا الكلام، هو بهذه اللغة العربية، بهذا الإعجاز، هو القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء، ﴿ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ ثِقَلٌ لا يسمعون ﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى سبحان الله القرآن الذي يفتح قلوب وأذهان المؤمنين به يغلق على قلوب الكافرين به، ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا، القرآن المنزل من عند الله يزيد الكافرين به طغياناً وكفرًا، أنه كلما أنزلت آية سخروا منها، قالوا عنها، ارتدّوا عنها، كل ذلك يزيد في سيئاتهم، ويعظم في عذابهم، ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾.




يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 124.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 122.29 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]