|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مقاصد سورة المائدة أحمد الجوهري عبد الجواد نور البيان في مقاصد سور القرآن "سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم". سورة المائدة الحمد لله رب العالمين، نحمدك ربنا ونستعينك ونستهديك ونتوب إليك ونستغفرك، ونعوذ به سبحانك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وخليله؛ نشهد أنَّه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فصلي يا ربنا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ: يا أحباب القرآن فهذا حديثنا حول مقاصد سور القرآن الكريم، من خلاله نتعرف على السورة القرآنية، ما اسمها، متى كان نزولها، ما موضوعاتها، ما هدفها؟ وهكذا مما يطلعنا على سور القرآن بإطلالة عامة وبنظرة عامة شاملة، وأقول للحق: إن هذه النظرة العامة لا ترى كل ما في السورة ففي كل سورة من سورة القرآن دروس وعِبَر وأحكام لا ينبغي أن نغفلها، وتحتاج إلى تفسير ووقفات عديدة، ولكن هذه فقط نظرة شاملة عامة من بعيد على كل سورة وحدها، عسى الله أن يجعل لنا في ذلك علماً نافعاً وهدايةً رشيدة، إنه نعم المولى ونعم المجيب. أيها الأحبة الكرام، سورتنا اليوم إنها سورة المائدة، حسبما اشتهرت بين الخلق وحسبما سجلَّت في المصحف الشريف، سورة عظيمة، سورة مباركة، وكل القرآن خيرٌ وبركة، وكل القرآن كلام الله أحسن الحديث، وكل القرآن بكل سوره معجزٌ لا محالة، هذه سورةٌ من السور، سميت بالمائدة لما ورد في آخرها من فعل الحواريين مع عيسى عليه السلام حين سألوه أن يُنزِّل عليهم مائدةً من السماء ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 112]، فسميت السورة باسم هذه المائدة؛ لِما أنها لم تذكر في سورة أخرى، فكان هذا تمييزاً لهذه السورة بهذا الاسم. والمائدة: هي ما يوضع عليه الطعام، يسمَّى قديماً خُواناً[1]، ولذلك تقرءون في الأحاديث: «ما أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خُوانٍ أو على خِوانٍ قط»[2]، يعني: ما أكل أبداً طعاماً وضعه على شيء مرتفع عن الأرض، إنما كان يضع طعامه على الأرض ويأكل منه، تواضعاً من النبي عليه الصلاة والسلام وسلوكاً رشيداً، وهو ما يسمّى اليوم أو قبل اليوم بقليل طبلية، وما يسمَّى اليوم سفرة، وصارت ركناً من أركان البيت الجديد الذي يؤسس، لا بُدَّ من سفرة ولا يأكل الناس عليها، فهي خُوانٌ معطّل. على كل حال المائدة هي ما يوضع عليه الطعام عند تناوله، ما استعمله أبداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرفع الطعام عن الأرض، وفي ذلك بالتأكيد حكمةٌ بليغة رشيدة. وتسمَّى هذه السورة -أيضًا- بسورة العقود[3]. والعقود: جمع عَقْد[4]، وهو ما تعاقد عليه شخصان فأكثر؛ الشيء الذي تعاقد عليه اثنان فأكثر، عقد زواج بين ولي وزوج، عقد بيع بين بائع ومشترٍ، عقد هبة بين واهب وموهوب إليه.. وهكذا، عقد اتفاق معين موثق مشدد بين طرفين فأكثر، وقريبٌ منه العهد -بالهاء- وليس بالقاف، لكن العهد قد يكون بين الإنسان ونفسه، بين شخص بمفرده يعاهد نفسه على شيء معين، يعاهد نفسه أنه لن يشرب السجائر أبداً بعد اليوم، هذا عهد ولا بُدَّ أنْ يوفيّ به ليكون صادقاً مع نفسه، عاهد أنَّه لن يفعل المعصية الفلانية التي تعود عليها، عاهد نفسه أن يقيم الليل، عاهد نفسه أن يقرأ كل يوم جزءاً من القرآن، هذا يسمى عهداً ولا يسمَّى عقداً[5]، لأنه تعاهدٌ بين شخص ونفسه، هو طرف واحد انتزع من نفسه طرفاً آخر ليتعاهد معه، لكن ليس هناك طرفان أو ليس هناك شخصان. وسميت سورة العقود؛ لما بدأها الله تعالى بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] هذا هو، فسميت بأول شيء فيها تمييزاً لها عن غيرها، وهذه عادة العرب في تسمية قصائدهم وخطبهم، كان الشاعر يسمِّي قصيدته هذه قصيدة كذا بأغرب شيء ورد فيها، أو بأوَّلِ شيء ورد فيها، فذكر العلماء أن السور سميت كذلك، ولكن لِمَا عرفناه من قبل في السور الماضية ويبقى معنا إلى آخر القرآن وطول العمر – إن شاء الله – أنَّ أسماء السور القرآنية -على أرجح الرأيين- هي من عند الله -تبارك وتعالى-، الأسماء التي اشتهرت بها السور وعرفت بها السور أسماء توقيفية من عند الله، أوقفنا الله عليها بالوحي، علَّمنا إياها فليس للأمة أن تغير أو تبدل، إنِّما يضيف بعض العلماء أحياناً بعض الأسماء من باب إبراز موضوع معين في القرآن، الإشارة إلى درسٍ مهم في السورة، الإشارة إلى شيء غريب في هذه السورة، فيضيف العالم المجتهد من أهل التخصص اسماً جديداً بجوار الاسم الذي أنزله الله -عز وجل-. فسورة المائدة هي اسمها سورة المائدة، وردت كذلك بهذا الاسم في كلام السلف -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-، في كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما يدل على أنَّها سميت بهذا منذ عهد النبوة وعهد نزول القرآن الكريم، فالله هو الذي سمَّاها هكذا، وسمَّى كل سورة باسمها؛ إذًا لا بُدَّ لهذا الاسم من دلالة بعيدة لا تقتصر على آية واحدة في السورة، آية مائدة بني إسرائيل وإنِّما بالتأكيد له دلالة لهذا الاسم دلالة تشمل السورة كلها، يُعرف هذا بشيء من التدبر، وذلك أنَّ كلمة مائدة مأخوذة من ماد يميد إذًا اضطرب وتحرك حركةً غير منضبطة[6]، إذًا ماد الشيء وتحرك واضطرب حركة غير منظمة غير منضبطة؛ فيضيع ويخسر وتغرق السفينة وتطيح الدابة وما إلى ذلك. والسورة جاءت بموضوعات مهمة لا تستقيم حياة الناس إلا بالوفاء بهذه العقود، فإنها عقودٌ تنظم حياة الناس، وتقيم حياة الإنسان إقامةً متزنة مستوية طيبة هادئة مستقرة، بدون هذه الأحكام التي أوردتها هذه السورة وغيرها كذلك، بدون هذه الأحكام الشرعية والتزامها تضطرب الحياة، لا تتزن، ومن أجملها وأوضحها أنَّ السورة جاءت بعقد من العقود بيننا وبين الله أن لا نشرب الخمر أبداً ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، إذًا شربنا الخمر، إذًا سكر الناس كيف يكون حالهم؟ وكيف تكون حياتهم؟ أظن وأعتقد أن هذه أوضح صورةٍ في الحياة على الاضطراب وعدم الاتزان؛ فإن السكران ربما يغيب عن باب بيته، ويلتبس عليه طريقه إلى بيته الذي عرفه وتعوده، ربما تضيع من أمامه ملامح الأشخاص فيرى الإنسان على غير صورته، ويهذي هذيان الأطفال والمجانين، فهذه عقودٌ تتزن بها الحياة وبدونها تميد الحياة، وكأن الله يشير بهذا الاسم إلى ذلك المعنى العظيم الذي يشتمل السورة بكاملها، الحياة المائدة المضطربة المختلفة الملتبسة المظلمة الظالمة، بدون أحكام شرعية، بهذه الأحكام تضبط الحياة المائدة، وتضبط الحياة المضطربة المهتزة، تجعل الصورة ثابتة، تجعل الصورة واضحة، تعرف للمسلم شخصيته وهويته، وتعرف للمجتمع الإسلامي صفته التي إذًا حُكِيت في مكان ومجتمع آخر كانت قدوةً لهم وكانت إغراءً لهم بدين الله. فالاسم التوقيفي على هذه السورة: المائدة، ولكن سمَّاها البعض بالعقود؛ لأنَّها بُدأت بكلمة العقود، وسميت كذلك بالمنقذة؛ أنَّه قد ورد في بعض الآثار: "أن قراءة هذه السورة والتزامها ينقذ صاحبها وقارئها من ملائكة العذاب يوم القيامة؛ فهي تنجِّي من العذاب، فسميت بالمنقذة، وتسمى كذلك عند العلماء بسورة الأخيار، لماذا؟ لأن الأخيار أكثروا من قراءتها، وأهل الفضل من أهل العلم والصلاح والمؤمنين كانوا يكثرون من قراءة سورة المائدة، فسميت وعرفت بين الناس بسورة الأخيار، وكان العرب قديماً في أيامهم بعد نزول هذه السورة وقراءتها وكذا، كان من ضمن الكنايات التي يكنّى بها عن سوء الشخص؛ إنسان غير متزن، غير ملتزم، لا يوفي بالعهد.. وهكذا، فيُعبَّر عنه بأن يقال: فلانٌ لا يقرأ سورة الأخيار[7]. هذه الكلمة بينهم عند الناس كانت تعني أن فلاناً هذا لا عهد له، لا يصدق، يفعل بعض المعاصي، لا يلتزم بالطيبات؛ لأنَّه لو قرأ سورة الأخيار وهي سورة العقود وسورة المائدة، لو قرأها والتزم بما فيها من أحكام لكان شخصية نبيلةً فاضلة سامية كما رسم الله حدود الشخصية المسلمة، فسيكون أحسن من ذلك، فلأنه لم يقرأ السورة؛ لم يعرف الأحكام التي فيها فلم يلتزم بها فظهر بهذا السوء في المجتمع. إذًا هي سورة المائدة -هذا هو الأصل-؛ ويقال لها: سورة العقود، ويقال لها: المنقذة، ويقال لها: سورة الأخيار، هذه السورة متى نزلت؟ نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة[8]، فقد ثبت أن بعض آياتها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في عودته من صلح الحديبية[9]، وشيئاً آخر من آياتها نزل بعد فتح مكة[10]، وشيئاً آخر من آياتها نزل بعد آيات سورة النساء[11]. سورة النساء فيها عن الخمر النهي عن الاقتراب من الصلاة حال السكر، صلى أحد الصحابة بأصحابه يوماً فقرأ والتبس عليه القرآن في القراءة، فقال مثلاً: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وقيل: قرأ غير هذه الآية وأخطأ فيها، خطأٌ مثل هذا فاشتد الأمر على الصحابة كيف يقول إمامنا في صلاته: يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون! هي لا أعبد بالنفي؛ لكنه قرأها بالإثبات، وهذا في الظاهر كفر -والعياذ بالله- لو كان قلبه مطمئناً بذلك، فشكوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأنزل الله قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا... ﴾ [النساء: 43] إلى آخر الآية[12]؛ فدل هذا على أن الخمر ليست محرمة مطلقاً وإنما ضيّق الله على شاربها بعض الشيء كما فعل قبل ذلك، فلا يصلي إلا وهو واعٍ، ولا يسكر قبل الصلاة حتَّى يصلي بعلمٍ واطمئنان، لكن الآية التي في سورة المائدة تحرِّم الخمر نهائياً؛ إذًا لا بد أن تكون هذه الآية التي أغلقت باب الخمر وحرمتها تحريماً نهائياً؛ لا بد أن تكون نازلةً بعد آية سورة النساء، كما نزلت منها آية في حجة الوداع، مشهورة ومعلومة وهي قول الله تعالى: ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]؛ حتى قال بعض العلماء، بل كثيرٌ من العلماء: أن هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن مطلقاً، ولكن هذا الكلام غير صحيح، وهناك أصحّ منه؛ وهو أن الآية التي خُتم بها نزول القرآن كله إنما هي في سورة البقرة ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، أما آية سورة المائدة ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]؛ كانت من أواخر الآيات التي نزلت[13]. من الأواخر ولكن ليست هي الأخيرة المطلقة؛ ولذلك تجد هذه السورة المباركة -سورة المائدة- تجدها نازلةً بعد الهجرة على فترةٍ من الزمان، يعني استغرق نزولها عدة سنوات، وهذا شأن السور الطوال، يفتتح الله السورة ثم ينزل منها آياتٍ فآياتٍ فآيات حتى تُختم بعد سنوات، حدث هذا لسورة البقرة - كما علمنا- وسورة آل عمران، وهذه المائدة، وكذلك كانت سورة النساء، فاستغرق نزولها سنوات، والصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يهتمون بالتاريخ قدر ما يهتمون أن يقرءوا السورة الجديدة التي نزلت، والآيات التي أنزلت اليوم، وأن يتعلموها، ويعرفوا معناها، وأن يعملوا بأحكامها، كان هذا هو جُلَّ اهتمامهم، فلم يدققوا متى نزلت هذه الآية بالتحديد، ومتى نزلت هذه السورة بالضبط، وجدوا أن هذا يُستغنى عنه، لكن الذي لا يُستغنى عنه المعرفة الصحيحة الواقعية للقرآن الكريم، أنْ أعرف ماذا يريد الله مني في هذه الآية؟ وماذا يريد مني في هذه السورة؟ وهكذا حتى أعمل بما أراد الله. فسورتنا -سورة المائدة- سورة مدنية بالإجماع؛ لم ينازع أحد من العلماء في ذلك، مدنية نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تنوع نزولها في أماكن عدة وتباعد نزولها في سنوات مديدة. سورتنا تحدثت عن موضوعات كثيرة، ويُجملها اللفظ الأول فيها الذي قاله الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]؛ فهي مشتملة على عقود كثيرة، تعاقد الله بها مع الفئة المؤمنة، ومع الأمة المسلمة التي قبلت الإيمان بالله، طالما رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، إذًا ينبغي عليَّ أنْ أقبل تفاصيل الإسلام، وأنْ ألتزم بأحكام الإسلام، وإيماني بالله وثقتي في صدق وأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجبان عليَّ أن ألتزم، وإن لم أفهم، أن أعمل، وإن لم أتعلم الحكمة، لماذا كلفنا الله بكذا؟ لماذا أراد الله كذا؟ لماذا نفعل كذا؟ لا تقل: لماذا؛ افعل أولاً ثم تسأل عن الحكمة ستجدها إن شاء الله، وأجلُّ حكمة نقولها في تبرير العقود التي تعاقد الله عليها معنا، لماذا أوجب الله كذا؟ لماذا حرم كذا؟ لماذا كلفنا بكذا؟ لماذا أمرنا بكذا؟ نهانا عن كذا؟ أفضل حكمةٍ تقولها يا مسلم الجواب؛ لأنَّ الله أمر بهذا؛ لأنَّ الله شرع هذا؛ لأنَّ الله كلفنا بهذا، وسلِّم لله، الدين اسمه الإسلام بمعنى الاستسلام، استسلم لله -تبارك وتعالى- وإن لم يدرك العقل الحكمة من وراء هذا الفعل، فلثقتنا بأن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وثقتنا في أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كما قال عن نفسه: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50]، وكما وصفه ربه ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، هذه الثقة تجعلني أقول مباشرةً لدى الأمر والنهي سمعنا وأطعنا، لا أقول غيرها، سمعنا وأطعنا وإن لم يدرك عقلي ما وراء هذا الأمر، وما حكمة هذا النهي، لأنه خيرٌ لا محالة إن شاء الله، فالله لا يريد بي إلا الخير واليسر، والنبي صلى الله عليه وسلم يحبني جداً ويحبك وبحب هذا وهذا، ويتمنى لنا الخير، وهو الذي قال وهو النبي المصطفى المجتبى صلى الله عليه وسلم، هو الرسول المبعوث إلى الناس كافةً وعامة صلى الله عليه وسلم، هو صاحب الحوض والمقام الرفيع المحمود، وصاحب الشفاعة العظمى و.. و..، قل فضائله ولا تيأس فالقول كثير، ومع ذلك يقول يوماً عن أمثالنا وبين يديه أصحابه الأحباب الأطهار المهاجرون والأنصار، الذين لا يأتي أحدٌ في الأمة مثلهم أبداً، ولا يبلغ مِعْشارهم، ومع ذلك يقول بينهم: «وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا»، وددت مودة، تعلق، شوق، تمني، «وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا»، قال الصحابة متعجبين: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قال عليه الصلاة والسلام «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ»[14] وسكت، إلى متى من بعدنا؟ إلى يوم القيامة، كل من يؤمن ويسير على هذه الطريق القويمة، خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من إخوانه الذين تمنى أن يراهم، تخيل في نفسك أن النبي صلى الله عليه وسلم بمقامه هذا تمنى يوماً من الأيام أن يراك، هل تمنين أن تراه؟ وهل يتمنى النبي عليه الصلاة والسلام أن يرى مثلي؟ وهل هذا يسعده؟ هل هذا يسره؟ هل هذا يشرِّف شيئاً فيه؟ والله لا أظن ذلك، لكن يسعدنا ويشرِّفنا ويرفع رؤوسنا ويقيم هاماتنا أنْ نرى رسول الله عليه الصلاة والسلام، مجرد رؤية فقط، نسأل الله أن يحشرنا معه في الجنة اللهم آمين. فهذه السورة أحبتي الكرام تناولت عقوداً كثيرة، تعاقد الله عليها مع عباده المؤمنين، آمنتم؟ نعم يا ربنا، إذًا يا أيها الذين آمنوا بحكم إيمانكم بي افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، واعلموا وأيقنوا أن هذه العقود لمصلحتكم أنتم، لتنظيم حياتكم حتى لا تكون حياةً مائدة مضطربة تغرق بكم السفينة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم تأكيداً لهذا المعنى: «مثلي ومثلكم كمثل قوم استهموا على سفينة»؛ مثل النبي عليه الصلاة والسلام ومثل الأمة « مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا» -يعني: يا ليتنا نفعل ذلك أحسن، نخرق خرقاً في أسفل السفينة ونأخذ حاجتنا من الماء ولا نؤذي إخواننا الذين فوق السفينة-، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام عن الذين يسكنون فوق: «فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ»؛ لو تركوا الذين في أسفل السفينة يخرقونها، «فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا»[15]؛ الكل سينجو، حين أقول لك: اتق الله يا أخي، وتقولي لي: اتق الله يا أخي؛ فكأن الذي هو في المعصية هو الذي سكن أسفل السفينة لا يرى النور، لا يرى الشمس، في باطن البحر داخل السفينة، وبالتالي هؤلاء أهل عصيان من المؤمنين، ولما كانوا أهل عصيان صاروا أهل غفلة لا يحسنون التفكير، يفكرون لكي يعفوا إخوانهم من الأذى، وإذًا بهم سيغرقون الدنيا كلها، فما بالك لو كان كافراً، فيما يتسبب من الضرر، فلذلك الله -تعالى- عقد هذه العقود حفاظاً على حياتنا لا لمصلحة يحققها لنفسه؛ لأنه هو الغني الحميد، كان من تلك العقود عقوداً تتناول المآكل، بعض الأكل الحرام والأكل الحلال؛ ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1]، ثم فسر الله قوله ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ في قوله ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ [المائدة: 3]، وهكذا، وأحلَّ لنا؛ ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ [المائدة: 5]، طعام اليهود والنصارى تأكل منه؛ أي: ذبيحتهم، إن كان يعترف بأنَّه يهودي، وذاك يعترف بأنَّه نصراني؛ فذبيحته حلالٌ لك، نفسك لا تقبلها هذا من باب الورع لا تأكل منها، لكن يجوز لك أن تأكل منها، من التوسعة التي وسعها الله -تعالى- على الناس، إن كانوا يذبحون. أما إن كانوا يقتلون الدابة قبل ذبحها؛ فالله ما أحل إلا الذبائح فقط، ولذلك المفسرون يقولون في قول الله تعالى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 5]؛ يعني: ذبائحهم[16]، ما ذبحوه حلال لنا، وما نذبحه حلالٌ لهم.. وهكذا. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |