|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سورة النساء (نور البيان في مقاصد سور القرآن) أحمد الجوهري عبد الجواد نور البيان في مقاصد سور القرآن "سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم". سورة النساء الحمد لله رب العالمين، نحمده -سبحانه و-تعالى- ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نادى على خلقه جميعاً؛ فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بشريعة ربه بين حق كل ذي حقٍّ، وأعطى للرجل حقه، وأعطى للنساء حقوقهن، وحقق لليتامى حقوقهم، ولم يترك شيئاً إلَّا ودلنا عليه. نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشفت به الغمة، وجاهد في الله حقَّ جهادٍ حتَّى أتاه اليقين. صلِّي يا ربنا وسلَّم وبارك وتكرَّم على هذا النبي الكريم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وصلِّ علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أمَّا بعدُ: أيُّها الإخوة المسلمون عباد الله، فعلى مسيرتنا المباركة بعون الله –-تعالى- مع مقاصد سور القرآن الكريم؛ نتعرف عليها ونتطلع إليها؛ لننظر بشكل إجمالي ما في هذه السورة، وماذا يريد الله أنْ يقول لنا من خلالها، والتفصيل له حديثٌ آخر، وفقنا الله وإياكم إلى الخير. وموعدنا اليوم مع سورة النساء، وهي السورة الرابعة في المصحف، والثالثة من السبع الطوال؛ التي هي: (البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس). وقيل: الأنفال مع التوبة هي السابعة[1]. هذه اسمُها السبع الطوال؛ لأنَّها أطول سور في القرآن، وثالثتها سورة النساء، هكذا سمَّاها الله -تعالى- بهذا الاسم اللطيف النساء؛ إشارة إلى قطاع كبيرٍ في البشرية، ليس هو نصف البشرية، بل يبدو أنَّه أكثر النصفين عددًا، كما قال -تعالى-: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾؛ أي: ونساءً كثيرات، أو أنَّ الله -تعالى- خلق النِّساء أكثر من الرجال. فلما وصف الجنسين أو النوعين وصف القليل بالكثرة؛ أمَّا الكثير بطبيعته؛ فلا يحتاج إلى وصف بالكثرة؛ فقال: ﴿رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾، فالنساء في منظور الإسلام هُنَّ القطاع الأكبر عدداً أو المساوي على الأقل لقطاع الرجال، وهذه نظرةٌ ابتدائيةٌ تعظِّم وتكرِّم هذا الجنس من البشر؛ جنس النِّساء. سمَّى الله -تعالى- هذه السورة بهذا الاسم كما هو أرجح القولين عند العلماء؛ أنَّ أسماء السور كلِّها إنِّما هو من عند الله -تبارك وتعالى-، فهذه السورة معروفة باسمها هذا منذ أنْ أنزلها الله -تعالى-؛ فقال ابن مسعود: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ عليَّ القرآن يا ابن مسعود، فقلت: أقرأ عليك وعليك أُنزل يا رسول الله؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت من سورة النساء، حتَّى إذا بلغت قول الله -تعالى-: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41]؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حسبك، فرفعت بصري فإذا عيناه تذرفان»[2]. بكى النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الآية ولم يتحمل سماع أكثر من ذلك؛ ليتفكر في هذه المسئولية العظيمة؛ فالشاهد في هذه الرواية أنَّ ابن مسعود سمَّى هذه السورة باسمها؛ النساء، فكان الصحابة يعرفونها بهذا الاسم. وأمنا عائشة -رضي الله تعالى عنها- ذكرت اسمها كذلك، فيما سنذكره الآن إن شاء الله. وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: «صلَّى بنا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليلةً فاستفتح سورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة؛ -يعني: عند المائة آية؛ يقرأ مائة آية وسيركع-، فلم يركع، فقلت: يركع عند المائتين، فلم يركع، فقلت: يركع بها؛ -ينتهي من سورة البقرة ويركع-؛ فلم يركع، واستفتح سورة النساء؛ -ولم يقرأ سورة آل عمران- فاستفتح سورة النساء؛ فقلت: يركع بها، فاستفتح بعدها سورة آل عمران ثُمَّ ركع»[3]. فهكذا كانت معروفة على عهد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بهذا الاسم إلى أنْ وصلتنا إلى الآن، وإلى أن تقوم الساعة -إن شاء الله- بهذا الاسم المعروف، مما يدل على أنَّ هذه الأسماء توقيفية من عند الله -تبارك وتعالى-، وصدق ربنا؛ إذ قال: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]. نزلت هذه السورة بعد الهجرة؛ ولذلك فهي تُعدُّ من السور المدنية؛ يقال عنها: سورةٌ مدنية؛ يعني: نزلت بعد الهجرة. ومعظم آياتها نزلت كذلك في أرض المدينة، ولذلك فهي سورةٌ مدنية، وتنص على ذلك أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ إذ تقول: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلَّا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم[4]؛ أي: وأنا عنده زوجة. بعدما تزوجها نزلت سورة البقرة ونزلت سورة النساء؛ لم تنزلا في توقيتٍ واحدٍ؛ فكانت البقرة أسبق؛ من أوائل ما بدأ نزوله في المدينة بعد الهجرة سورة البقرة، سورة النساء بدأت بعد ذلك بفترة. اختلف العلماء في هذا؛ حسب الوقائع التي حدثت؛ فقيل: بدأت في العام الثالث. وقيل: بدأت في العام الخامس. وقيل: بدأت في العام السابع[5]. أيًّا ما كان؛ فهي في العشر سنين، أو العشرة أعوام التي كانت في المدينة؛ فهي سورة مدنية؛ وهذا يُعرف من خلال موضوعاتها. هذه السورة ليس لها فضلٌ خاص؛ بحيث يقال: من قرأ سورة النساء فله كذا، كما قيل في سورة البقرة، وكما قيل في سورة آل عمران؛ كلٌّ منهما يقال لها: زهراء؛ وسماهما النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- (الزهراوين): «اقرءوا الزهراوين فإنِّهما يأتيان يوم القيام وكأنَّهما غمامتان، أو قال: غيايتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة»[6]؛ البقرة، وآل عمران. «سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن»[7]، وهكذا بعض السور لها فضلٌ خاص. أمَّا سورة النساء؛ فليس لها فضلٌ خاص، ولا يثبت هذا الفضل إلَّا من قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مبلغاً عن الله في القرآن أو بلفظه في السنّة، فلا يعرف هذا الفضل بالاجتهاد، وليس معنى ذلك أنَّ سورة النساء سورةٌ ليس لها فضلٌ بالمرة، أو فضلها ناقص، أو أنَّها مفضولة عن غيرها؛ لا، كل القرآن عظيم، كل القرآن كلام الله؛ والله قال عن القرآن كلِّه: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزمر: 23]. وكل سورة في القرآن تعتبر وحدها معجزة؛ سواءٌ لها فضلٌ خاص أو ليس لها؛ فهي معجزة تثبت أن القرآن من عند الله؛ لأنَّ الله قال: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23]؛ فتحدى الله بسورة واحدة؛ أيًّا كانت هذه السورة؛ سورة النساء، سورة البقرة، سوءة الإخلاص، سورة الفلق، الناس؛ أيِّ سورة. كل سورة تعتبر معجزةً تحدَّى الله بها الكافرين؛ فلم يستطيعوا أنْ يأتوا بمثلها. فسورتنا هذه لها فضلٌ عظيم هو الفضل العام الثابت للقرآن، وهي في ذاتها معجزة، ومن قرأها كما يقرأ القرآن؛ فله بكل حرف منها حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أفضالٌ عظيمة، من قرأها أو قرأ غيرها من السور في أزمة أو ملمة؛ كشف الله كربته وقضى الله حاجته؛ حيث تقرب إلى الله بقراءة شيءٍ من كلامه؛ فهذه قربة يتقرب بها العبد من الله؛ يستوي فيها القرآن كله، وهكذا، فليس معنى أنَّ هذه السورة أو غيرها ليس لها فضيلةٌ مخصوصة؛ ليس معنى ذلك أنَّها معدومة الفضل أو ناقصة الفضل؛ إنِّما فضلها عظيم، غير أنَّ بعض السور جعل الله لها خصوصيةٌ معينة، وكان قد سبق لنا حديثٌ في ذلك، آياتٌ وخصوصيات. سورة النساء تناولت موضوعات عديدة، نذكر رؤوسها؛ لطولها وكثرة موضوعاتها، بدأت السورة في الآية الأولى منها ببيانِ أنَّ البشرية كلها أسرة واحدة، وينبغي عليهم كأسرة واحدة مهما كبرت وانتشرت في الأرض، ينبغي على هذه الأسرة البشرية أنْ تتواصل بما بينها من أرحام، وأنْ ترعى حقِّ القراباتِ، وأنْ تحافظ على هذه الصِّلات؛ حتَّى يعيش الناسُ كلهم في وئامٍ وتعايشٍ كريم، ووطنية واحدة في العالم كلِّه؛ ليس في بلدٍ معين، أو بين بلدين، وإنِّما في العالم كلِّه يتعايش الناس البشرَ بما بينهم من هذه الأرحام والصِّلات؛ يتعايشون عيشةً سلميةً طيبة هنيئة متعاونة هادئة فيها سكينة ورحمة، فبينهم علاقة الرحم؛ ولذلك تلاحظ -أخي الكريم- أنَّ القرآن الذي نزل في المدينة كثر فيه النداء على المؤمنين أو على المجتمع المخاطب بالقرآن بعد الهجرة؛ يخاطب المؤمنين بقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾، ويكلم أهل الكتاب -اليهود والنصارى- بقوله: ﴿يا أهل الكتاب﴾. أمَّا كلمة ﴿يا أيها الناس﴾؛ فكثرت في مكة قبل الهجرة[8]، ومع ذلك؛ وهذه السورة توصي بأحكام وآداب يغلبُ عليها الطابع والشكل الاجتماعي؛ إلَّا أنَّ الله -تعالى- يستفتحها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾[9]، وكان المنتظر أن تستفتح السورة بقول الله -تعالى- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فلماذا نادى على الناس جميعاً؟ لأنَّ الناس كلهم يرتبطون فيما بينهم بأرحام، وإن اختلف الدين، وإنْ اختلفت اللغات، وإنْ تباعدت البلاد؛ فالبشرية كلها أسرة واحدة، كما بينها الله أكثر وأكثر في سورة الحجرات؛ فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]. ﴿خلقناكم من ذكر وأنثى﴾؛ يعني: أبوكم واحد، وأمكم واحدة؛ فأنتم أفراد في هذه الأسرة الكبيرة تربط بينكم أخوة الرحم. هذا أول موضوعاتها؛ ويعتبر تأسيساً للأحكام التالية. بعد ذلك تحدث الله -تعالى- بحديث يحقق حقوق اليتيم؛ لأنَّ اليتيم في الجاهليات دائمًا يُظلم ويُبغى عليه ويُؤكل حقه، والأوصياء في الجاهليات غير مؤتمنين ولا أمانة لهم؛ فيأكلون أموال اليتامى ظلماً، وخاصةً إنْ كانت يتيمةً من النساء؛ فإنَّ اليتيم الذكر غداً سيصير رجلاً، وغداً سيعلم ما جرى له وما وقع عليه من ظلم وما ضاع منه من حقوق، وقد صار رجلاً فارساً قوياً؛ له ذراعٌ قوية، فإذا به يحاول استعادة حقوقه ولو بالضرب والحرب. أمَّا تلك اليتيمة؛ فقد اجتمع عليها ضعف الأنوثة مع ضعف اليُتم مع ضعف إهمال الجاهلية لها؛ هذا ضعفٌ شديد. أهل الجاهليات يهينون النِّساء جداً؛ بوضعهن في غير مقامهن، بالمرأة لا ترد قدرها ولا تعرف حقها، إذا لم يحكَّم فيها ولا لم تُحكم بشريعة الله -تبارك وتعالى-؛ فمن -هنا- أكد الله في هذه السورة التي تسمَّى بسورة النساء؛ أكد على حقِّ اليتامى، وخاصةً يتامى النساء؛ وقال الله -تعالى-: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ﴾ [النساء: 127] في داخل السورة غير ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾[10] [النساء: 167] في آخر السورة، وذكر أنَّ الناس سيسألون عن يتامى النساء؛ وأجاب الله على هذا الاستفتاء، ولقن النبي -عليه الصلاة والسلام- الجواب؛ فكان في هذه السورة اهتمامٌ كبير باليتامى، واهتمامٌ خاصٌ بيتامى النساء. وقول الله -تعالى- في الآية الثالثة في هذه السورة بعد ما قال في الثانية ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 2]؛ قال في الثالثة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: 3]؛ يقصد: يتامى النساء؛ لذلك قال بعدها: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾؛ فكان الرجل يتزوج اليتيمة ليس حباً فيها ولا استحساناً لها وإنِّما طمعاً في أموالها؛ فلا يلومه أحدٌ على أنَّه يأكل مال اليتيمة؛ فإنه سيرد ساعتها ويقول: إنِّها زوجتي، وما أدخلك أنت بيني وبين زوجتي، أنا وزوجتي أحرار، هذا مال زوجتي وأنا أرعاه وأستثمره؛ بينما هو يأكله ويدمره، لكن يبرر ظلمه هذا؛ بأنَّه زوجها، وأنَّها امرأته، فكان يتزوجها ويظلمها، فأرشد الله المسلمين إنْ خافوا على أنفسهم من زواجهم لليتيمة رُبَّما يظلمها، فلا داعي لها وتزوج غيرها من شئت، وأمامك اثنتان وثلاث وأربعاً؛ تزوج ما شئت في حدود هذا العدد من غير هذه اليتيمة وأمثالها؛ حتَّى لا توقع نفسك في ظلمٍ للأيتام، كما أخذ هذا الحديث بحكم الحديث عن الزواج باليتيمة؛ أخذ طرفاً للحديث عن الزواج، وبالمرة الأخطاء والمظالم التي كان يقع بها الزوج على زوجته المرأة. كانت النساء مظلومات في الجاهلية كثيراً؛ فيتزوجها زوجها ولا يدفع لها مهراً في غالب الأحيان، إن كانت يتيمةً هكذا، فقد مات وليها، وإن دفع لها مهراً ولها ولي أخذ الولي مهرها ولم يعطها شيئاً؛ فهي مأكولة لزوجها، أو فريسة لأبيها ووليها، نهى الله عن هذا، وقال: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: 4]؛ المرأة تأخذ صداقها، أو وليها يستلمه من زوجها؛ نعم، ولكن يبلغه للمرأة، هذا حقها. وهكذا استطرد الحديث إلى الرجل الذي يريد أنْ يغير زوجته، كبرت عنده، أو قضى وطره منها وما عادت له فيها رغبةٌ شديدة ورأى أحسن منها؛ فيريد أنْ يذهب بهذه ويأتي بأخرى؛ فكان كثيرٌ من الرجال يضيقون على نسائهم، ويضايقون أزواجهم من النساء؛ يضيّق عليها ويضطرها إلى أنْ تقول: خذْ ما تشاء، أعطيك ما تريد ولا خلصني، خلصني من هذا الهم ومن هذا الكرب، طلقني بأيِّ شكلٍ. فيقول لها: ردي عليَّ مهري؛ فترد عليه مهره وتذهب؛ تزوجها واستمتع بها فترة طويلة أو قصيرة ومجاناً وبدون ثمن؛ فقد استرد العوض الذي دفعه عند الزواج، وبهذا العوض وبهذا المهر المسترد يتزوج غيرها، ثُمَّ يفعل معها كذلك، وهكذا بمهر واحد يتزوج عديداً من النِّساء، نهى الله عن هذا الظلم وأنصف المرأة والنساء؛ فقال: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾ [النساء: 20]، لو كنت أعطيت زوجتك قنطاراً من ذهبٍ مهراً؛ ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 20، 21]، وهكذا طالما الأمر تطرَّقَ إلى الزواج وإلى حقوق الزوجة وما إلى ذلك؛ فكان هناك زواجٌ باطلٌ في الجاهلية، وهو الزواج ببعض المحارم؛ فربما تزوج الرجل بامرأة ابنه، أو تزوج الابن بامرأة أبيه بعد طلاقها أو وفاة أبيه؛ وهكذا ربما تزوج بأخته من الرضاع؛ ربما تزوج الرجل المرأة مع أختها أو مع عمتها أو مع خالتها؛ فيجمع بين الاثنين؛ زوجتين معًا، والغيرة بينهما تقطع صلة الرحم؛ فلا تحب المرأة خالتها، ولا تصل أختها، ولا ترضى لعمتها، فتتقطع أوصال المحبة والوصال بسبب الضرارة التي بين الضرائر؛ فنهى الله عن كل ذلك، وبين الحلال والحرام، قال: ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22]، وقال بعد ذلك: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ...﴾ [النساء: 23] إلى آخر المحرمات إلى أن قال ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 24]، وبيّن الله -تعالى- ضرورة دفع المهر، وسماه أجراً: ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: 25]، لماذا؟ لأنَّهم كانوا يظنون أنَّ المهر هذا هبةً من الرجل لزوجته، لا يعطيها أو يعطيها، ويأخذ مهرها من جديد أو يتركه لها، هو حرٌ في كلِّ شيءٍ، والمرأة لا حيلة لها ولا دخل لها، بيّن الله -تعالى- أنَّ هذا خطأ، وأن المهر حقٌ واجبٌ للمرأة كما يجب الأجر للأجير، ولكن حينما تُعطي المهر لزوجتك لا تعطيها بصورة الأجر؛ خذي ما تعرفين كيف جمعت هذا المال؟ جمعته بشق الأنفس، تعبت فيه كثيراً، خذي هذا دمي وعرقي، وتَمُنَّ عليها وتؤذيها؛ لا، بل يعطيها الرجل عطاءً واجباً، لا بُدَّ أنْ يعطيها المهر ولكنْ بصورة جميلة على هيئة النِحلة، وليست على هيئة النَحلة فيها لدغٌ وقرص؛ إنِّما نِحلة، وهي الهدية والهبة، يقدم لها مهرها بابتسامةٍ لطيفةٍ، وكلماتٍ فيها كرامة وتكريم؛ تفضلي تستحقين أكثر من ذلك، وقدرك عندي أعلى من ذلك، ولكن ما باليد حيلة، هذا ما استطعت جمعَه، ولو استطعت أكثر من ذلك؛ لجعلت لك وزنك ذهباً. كلامٌ طيب يرضي خاطرها، ويقدم به مهره على أنَّه عوضٌ كريمٌ لزوجته؛ لأنَّها ستفضي إليه بما لم تفض به إلى أبيها ولا أخيها ولا أمها ولا أختها، ولا لأحدٍ في العالمين؛ فهذا له ثمنٌ كبير، لا بُدَّ أنْ نقدره ونقيمه؛ كانت الجاهلية الأولى ورُبَّما الجاهلية الحديثة في بعضِ الناس، كانت تهدر هذا الحق وتضيعه، الإسلام يحققه ويثبته. تحدثت السورة عن طرفٍ من الطهارة والصلاة، وخاصةً صلاة القصر في السفر، وصلاة الخوف، وصلاة القصر معروفة؛ أن تصلى الرباعية ركعتين فقط، انظر كيف يخفف الله عنَّا أيها المسلمون، انظروا! الصلاة الرباعية تصير اثنتين فقط في السفر؛ بشرط أنْ يكون السفر سفراً في العرف، أو ما فوق ثمانين كيلومتر، بهذا أو ذاك أنت مسافر وعلى سفر، ولو يومياً، تقصر الصلاة، لك رخصة تقصر الصلاة، ولكن أنْ لا تأخذ بالرخصة! ولكن الله يحب أنْ تؤتى رخصه كما يحب أنْ تؤدَّى عزائمه، كما يحب الله منك أنْ تصلي أربع ركعات -الصلاة الرباعية- وأنت في بلدك؛ يحب منك -أيضًا- وهذا يعجبه منَّا أنْ نصلي الرباعية ركعتين، فنقبل الأمر الشديد، ونتقبل من الله هديته بالرخصة المريحة؛ خذ هذا وهذا. أمَّا الجمع في السفر بين الصلاتين[11] كالظهر والعصر، والمغرب والعشاء؛ فليسَ عذره السفر؛ وإنِّما عذره الانشغال، فإذا كان في السفر شغلٌ أحتاج فيه إلى وقت، الله يأذن لي مع القصر أنْ أجمعَ فأقدم العصر في وقت الظهر؛ أصلي الظهر والعصر بعده مباشرةً عند أذان الظهر، أو أؤخر الظهر إلى العصر؛ حسب وقتي ومشاغلي؛ أرأيتم ديناً يسيراً كهذا؟ أرأيتم رباً رحيماً مثل الله؟ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]؛ فقد أتاح لنا ذلك دون أن نطلب، دون أن نشتكي، دون أن نلتمس، هذا فضلٌ منه -سبحانه وتعالى- صدر ابتداءً دون طلب من أحد. وإذا عدت إلى بلدك؛ فلا تقض ما قصرته، خلاص تُقبل منك عملك على هذا، ويكفي منك ما فعلت ولا قضاء بعد ذلك. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |