
06-11-2020, 09:38 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة :
|
|
مع الراغب الأصفهاني في كتاب الذريعة
مع الراغب الأصفهاني في كتاب الذريعة (1)
د. فارس العزاوي
يعد كتاب (الذريعة إلى مكارم الشريعة) للراغب الأصفهاني من الكتب التي اهتمت ببيان الفضائل والمكارم التي تضمنتها الشريعة الإسلامية، وهو في رأينا من الأهمية بمكان؛ لكونه يؤكد على إحدى الوظائف الرئيسة التي قامت عليها النبوة ووراثها، وليس غريباً بعد هذا أن نرى اهتمام العلماء من الخواص بهذا الكتاب وبمضمونه، حتى نُقل عن الغزالي رحمه الله أنه كان يتنقل ويحمل معه كتاب الذريعة، وأهم ما يلفت النظر في مضامينه أنها دارت حول الضوابط التي تأخذ بيد الفرد لتؤهله لما خلق له من الخلافة المتضمنة للعبادة، وحمل الأمانة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع ما فيه من كثرة الاستشهاد بالآيات والأحاديث النبوية والآثار المنقولة عن السلف، ولئن كان في الكتاب هنات كشأن غيره من الكتب سوى كتاب الله تعالى، فإن لنا صفوه؛ لما فيه من الفوائد الجمة التي يحتاجها المسلم المعاصر اليوم وهو يواجه أعتى فتنة تواجهها الأمة ودينها بجناحيها الشهوات والشبهات، وأهم مفاصل الكتاب في نظرنا أنه يدور حول مفهوم الاستخلاف البشري الذي يعد أحد المفاهيم المركزية في كتاب الله تعالى ودارت حولها كثير من السور والآيات، التي تؤكد على ضرورة بناء المسلم على منهاج العبدية الاختيارية، فيقيم الحياة على أساس الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ودعوة الخلق إليه، وبناء العمران الذي هو جزء من مهام الاستخلاف، ولم يخل الكتاب كذلك من إشارات معرفية لها تعلقها بجملة من العلوم كما هو الشأن بعلم النفس وعلم الاجتماع، ولم يتجاوز في أثناء ذلك الحديث عن فضائل العلم وأقسامه النقلية والعقلية.
وبناء على ذلك، فهذه جملة من الفوائد المستقاة من كتاب الذريعة، نقف فيها مع نص الراغب الأصفهاني، ونلحقها ببيان موجز يعنى بتحليل النص واستخراج مفاصله، مع التركيز على البعد المنهجي الذي قصدنا بناءه على هذه الفوائد، وقد أسميناها: (مع الراغب الأصفهاني في كتابه الذريعة).
يقول الراغب رحمه الله تعالى مبيناً مقصوده من تأليف الكتاب: "وقد استخرت الله الآن، وعملت في ذلك كتاباً؛ ليكون ذريعة إلى مكارم الشريعة، وبينت كيف يصل الإنسان إلى منزلة العبودية التي جعلها الله تعالى شرفاً للأتقياء، وكيف يترقى عنها إذا وصلها إلى منزلة الخلافة التي جعلها الله تعالى شرفاً للصديقين والشهداء. فبالجمع بين أحكام الشرع ومكارمه علماً، وإبرازهما عملاً يكتسب العلا، ويتم التقوى، ويبلغ إلى جنة المأوى".
الفوائد:
يؤكد الراغب رحمه الله في مقدمته هذه على أربعة أركان جعلها مدار كتابه:
الأول: أن منزلة العبودية طريقها الشريعة الإلهية، فالإنسان باتباعه شرع الله يأخذ بمجامع العبدية الاختيارية التي هي خصيصة هذا الإنسان عن سائر المخلوقات، ولئن كانت عبودية الخلائق اضطرارية، فإن الإنسان بسلوكه مسار الشريعة يكون عبداً اختياراً كما عناه الشاطبي في الموافقات، إذ الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً.
الثاني: الترقي في الوظيفة الوجودية للإنسان، وهي الخلافة في الأرض، والوظيفة الوجودية قوامها ركنان: الأول: التعبد الاختياري لله عزل وجل، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. الثاني: العمران الحضاري للأرض، بالإيمان والعمل الصالح وبكل ما يكون سبيلاً لنفع البشرية في قيامها بمهمة الاستخلاف، قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].
الثالث: جمعه بين أحكام الشرع ومكارمه، والأحكام مدارها من حيث موضوعها مع العبادات والمعاملات، والمكارم مدارها الفضائل وأسباب تزكية الإنسان، ومعلوم أن هناك قصوراً في النظر إلى الفضائل من حيث جعلها في مرتبة التحسينيات تصنيفاً وترتيباً، ومسوغ ذلك في نظرنا هو مقتضى النظر الاصطلاحي لا الغض والتقليل من قيمتها ومكانتها، وحقها أن تجعل في مرتبة الحاجيات؛ لكونها أحد ثلاثة أوتاد قامت عليها وظائف النبوة ووراثها.
الرابع: تأكيده على أن العلم مقتضاه العمل، وإنما وضعت هذه الأحكام والمكارم من أجل تحققها في الواقع، ولا يمكن إدراك آثارها دون أن يتمثلها الإنسان في ذاته ويتواصى بها في مجتمعه، قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، وهذه المكرمة سيكون لها حضورها الظاهر في أثناء نص الراغب رحمه الله تعالى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|