|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نصوص مسرحية حديثة د. إبراهيم عوض والآن مع نصين مسرحيين: أحدهما هو المشهد الأول من مسرحية سعدالله ونوس: "الملك هو الملك"، وهي مسرحية نثرية، والثاني هو المنظر الأول من مسرحية صلاح عبدالصبور الشعرية: "ليلى والمجنون"، وهذا نص ونوس أولاً: "لافتة: عندما يَضجر الملك، يتذكر أن رعيته مُسلية وغنية بالطاقات الترفيهية" (البلاط في قصر الملك: مرقاة مكسوة بمخمل ثمين، تنتهي إلى مصطبة يتربع فوقها العرش، كرسي ضخم من الأبنوس والعاج، مشبك بالذهب والمَرجان، له ذراعان تنتهي كل منهما برأس تنين أُرجواني الألسنة، ما عدا ذلك ثمة أبهة عارية، أبهة باردة ومنفوخة، في المؤخرة مدرجات حلزونية تُفضي إلى المخدع الملكي، الملك كتلة قماشية تجلس على العرش. إن حضوره كله يبدو مُكثفًا في ثيابه ذات الألوان الحادة والمعقدة في مطرزاتها، يجب أن تظهر الثياب وكأنها قالب يرتدي الملك ويشكل قوامه، ما يبرز منها هو العباءة الضخمة المنسوجة من خيوط ذهب وفضة، والتاج الذي ينزلق حتى منتصف الجبهة، وتنفر في مقدمته جوهرة تشعُّ كالجمرة، يبدو غائصًا في عرشه ويده تقبض على الصولجان بتراخٍ، إلى جانبه يقف الوزير، ثيابه هو الآخر فاخرة، تبدو منشاة وقاسيةً، إنها قالب أقل اتساعًا من قالب الملك، وهو مندس فيها لا تظهر منه إلا رأس مُعممة، في طرف قصي عند الباب يقف ميمون خافض الرأس في وضْع استعداد، وعلى مقربة منه تصطف فرقة الإنشاد الملكية، ينبغي أن تبدو الحركة في هذا المشهد آليةً، وأن تشكل مع فراغ البلاط انطباعًا باردًا وأجوفَ). فرقة الإنشاد: أنتَ مولانا الكريم ![]() سُدتَ بالمُلك العظيمْ ![]() فابْقَ يا نسْلَ الكِرام ![]() في نَعيمٍ لا يُرامْ ![]() بالغًا كلَّ المَرام ![]() في صفا حُسْنِ الختامْ ![]() ♦ ♦ ♦ ♦ البِشْر في جَبينهْ ![]() والخير في يَمينهْ ![]() ♦ ♦ ♦ ♦ مُعزَّزًا ومُكْرَمًا ![]() فاحْفَظه يا ربَّ السَّما ![]() (يبدو على الملك التأفُّف، يشير بيده دون أن يَلتفت نحوهم آمرًا بالتوقُّف، يتوقَّف الغناء فورًا كما يُطفَأ المِذياع). الوزير (إلى الفرقة): انصرِفوا. (يخرجون بهدوء، يعود ميمون إلى وقفته الأولى خافض الرأس، صمت حرج). الوزير: هل يسر عالي المقام تصريف بعض الشؤون العاجلة؟ الملك: ليس هناك ما هو عاجل حين يكون مزاجي غير معتدل. الوزير: لا عكَّر الله مزاج مولاي، (مترددًا) هناك إجراءات ربما يحسن أن نتداول في أمرها. الملك (بعد فترة): ميمون، دلك لي أصابع يدي. ميمون (وهو يقترب من الملك بنوع من الخشوع والتبتل خافض النظرات): أي شرف يسبغه مولاي على عبده؟ (يركع قرب العرش، يمسك يد الملك كما لو كانت جوهرةً نادرةً، يبدأ يدلكها، صمت). الوزير: البارحة اجتمع الأعيان؛ ليختاروا هداياهم من أجل عيد التتويج، وفي اجتماعهم صاغوا بعض الآراء حول المرحلة القادمة. الملك: ألا يتعبون من صياغة الآراء؟ الوزير: تُقلقلهم بعض مظاهر التراخي، ويخشون أن تستفحل وتنقلب خطرًا على مولاي وعليهم. الملك: مولاهم عبر الأخطار الجسيمة، ولن تقضَّ مضجعه فقاعات تطفو على سطح الحياة في أي مملكة. الوزير: (مترددًا): ومع هذا هناك شؤون وتدابير ضرورية، إن عيد التتويج يقترب. الملك (ساهمًا): سنوات بعدها سنوات، وأنا على هذا العرش. الوزير: سنوات كلها كالسنابل المباركة، سنُزين البلاد كالعروس، ونقيم أفراحًا لم يعرف الناس لها نظيرًا، بعض أرباب الأسواق اختار هدايا هذه المناسبات التاريخية، سيقدم سوق الصاغة تمثالاً للملك من الذهب والأحجار الكريمة، وسوق الحرير سيكسو الموكب بـ... الملك (يقاطعه محتدًا): هل تحاول أن تُبهرني؟ أم أن الملك لا يستحق هذه الهدايا الهزيلة؟ الوزير: معاذ الله. الملك: كم عرَفت هذه البلاد ملكًا مثلي؟ الوزير: حتى ولو فكرنا بالمؤسِّسين الأوائل، فإن كل الذين سبقوك يبدون ظلالاً شاحبةً تتقلص أمام نورك الوهَّاج، أي ملك استطاع أن يحفظ هذا العرش كل هذه المدة؟ أي ملك أنعش هذه البلاد بعد طول اختناق؟ أي ملك أمن هذا الاستقرار وحقق هذا الازدهار؟ أي ملك كان مثلك ملكًا؟ الملك: كثيرًا ما أشعر أن هذه البلاد لا تستحقني لحظة، ميمون: يمكن أن تغار الملكة نفسها من رقة أناملك. ميمون: ترق الأنامل حين تلامس جوهرةً ثمينةً. الملك (يحاول أن يسحب يده): زال الخدر من أصابعي. (يستمر ميمون في تدليك الأصابع بتدلُّه). الملك (يسحب يده بعنف): يكفي. ميمون (ينتفض ويتراجع خائفًا): عفوك يا مولاي. الملك (ينهض عن العرش، ويهبط المرقاة): آه، ما أشد ضجري واعتلال مزاجي أيها الوزير! الوزير: لا عكر الله لك مزاجًا، لماذا لا تدخل إلى جواريك، وعندك منهن المئات، كل واحدة بديعة التكوين والجمال؟ الملك: دعني من الجواري، كمن يغوص في رغوة الصابون، أحيانًا أشعر أني أضاجع نفسي. الوزير: والمحظية الجديدة ريحانة؟ الملك: ربما لم يبق سواها، ولكن ليس الآن، إن ضجري أثقل من جبل. الوزير: الأمير وردشاه عنده حفلة أنس هذه الليلة، سيحتشد لديه معظم الأمراء وأرباب الدولة، قد يسر مولاي أن يكون درة المجلس، وتكون مناسبةً طيبةً للمداولة في جو من الأنس واللطافة. الملك: أعرف هذه الحفلات، سأقضيها في مناقشة أمور السياسة والمصالح. الوزير: هل أنادي معلم الشطرنج؟ الملك: أعرف أني سأهزمه. الوزير: هل أنادي الندمان؟ الملك: صارت فكاهاتهم ممجوجة، آه! يزداد ضيقي كلما فكرت أن هذه البلاد لا تستحقني، أريد أن ألهو، أن ألعب لعبةً شرِسةً، (يتوقف لحظة) لدي ميل شديد إلى السخرية، بالضبط هذا هو ما أحتاجه، أن أسخر بعنفٍ وقسوة. الوزير: لن يقابل الوزير سخرية مولاه إلا بالانحناء والامتنان. الملك: أنت؟ لا، لا يروي حاجتي أن أسخر من وزيري، ما أحتاجه هو سخرية أعنف وأخبث، أريد أن أعابث البلاد والناس، (يتمشى مفكرًا، يتوقف فجأة، يلتفت إلى ميمون الذي يقف على الباب): ميمون، يمكنك أن تختفي. ميمون (وهو ينسحب): أمرك مُطاع يا مولاي. الملك: اسمع، ما قولك بالنزول إلى المدينة؟ الوزير: هذا ما كنتُ أتوقَّعه وأخشاه، أرجوك يا صاحب الرِّفعة أن تجد تسليةً أخرى. الملك: لا أريد تسليةً أخرى، لماذا يستبد بك القلق كلما خطر لي أن أقوم بجولة في المدينة؟ الوزير: لا أدري، ليغفر لي مولاي، ولكن هذه الجولات التنكرية لا تُثير في نفسي الارتياح، تظل أعصابي متوترةً حتى بعد أن نعود. الملك: أتخشى أن يطير العرش ومعه الوزارة؟ الوزير: أي خائن يَجرؤ؟ لا، بعيدة عن ذهني هذه الخواطر، إلا أن العامة كالضفادع لا تَمَلُّ النقيق، أمَا لاحظت؟ لم نلتق في جولاتنا السابقة إلا من يشكو أو يتظلَّم، وألسِنة الجاحدين طويلة، أخشى أن يصاب مولاي بشيء من رذاذها المسموم، أن يعتكر مزاجه أو يشتعل الغضب في صدره. إن التقارير الأمنية تحمل إليك المدينة عاريةً - إلى هذه القاعة - كل المجريات والاتجاهات والأفكار، فلماذا تُعرِّض شخصك السامي للاحتكاك بالزنخ والوسخ؟ الملك: لأن ذلك يرفه عني أحيانًا، عندما أصغي إلى هموم الناس الصغيرة، وأَرقب دورانهم حول الدرهم واللقمة، تَغمرني متعة ماكرة في حياتهم الزنخة، طرافة لا يستطيع أي مهرج في القصر أن يَبتكر مثلها، واليوم هناك شيء آخر: أنا أيضًا لي ابتكاري، أريد أن أعابث البلاد والناس، منذ أن التمعت الفكرة في ذهني بدأت الحيوية تدبُّ في أوصالي، أيها الوزير، أحضر لنا الثياب التنكرية. الوزير: أهي حقًّا رغبة الملك السامية؟ الملك: بل أمر ملكي، لا يقبل جدلاً أو مماحكةً. الوزير (يبدو عليه الضيق): سأحضرها في الحال. (يخرج الوزير باتجاه المخدع، يمشي الملك متوترًا، وهو يفكر). الملك (يبتسم، وعيناه تبرقان): ستكون اللعبة شرسةً ومبتكرة، وسأضحك وأضحك وأضحك؛ حتى تنردم هذه الفجوة المعتمة من الضجر، (يبدو عليه الاهتياج، يدق الأرض بالصولجان)، وربما أورَدت شيئًا عنها في خطاب الاحتفال. (ميمون يهرع ملبيًا الدقات): طوع الإشارة أيها المهاب. الملك: ميمون، أحس توترًا في أصابع يدي. ميمون (يمسك اليد الممدودة بلهفة وانتشاء): أذوب؛ كي تسترخي هذه الأصابع الوضَّاءة. الملك: يبدو أني سآوي إلى مخدعي مبكرًا هذه الليلة. ميمون: نومًا هنيئًا، وأحلامًا كلها يُمن وخير. الملك: إذا سألت عني الملكة، أخبِرها أني مُتعب، ولا أريد أن يُقلقني أحد. ميمون: لن أخطئ في تبليغ الأوامر. الملك: ومع بزوغ الشمس أيقظني، وأنت تدلك قدمي كن حذرًا، لا أريد صحوةً خشنةً أو مباغتةً. ميمون: سأتحول هبة نسيم. (يظهر الوزير عائدًا، يلمحه الملك). الملك: والآن يمكنك أن تختفي. ميمون (وهو ينسحب): أمرك مطاع يا مولاي. الوزير: لو أن سيدي يبدل رغبته. الملك: هل استراحتك النهرية جاهزة؟ الوزير: دائمًا جاهزة لاستقبال مولاي. الملك: ستأمرهم أن يحضروا كل شيء ثم يَنصرفوا، هل تعرف أين سنذهب؟ الوزير: كل استراحاتي جاهزة، نذهب أينما شِئت. الملك: أتذكر ذلك الرجل الذي وعدناه مرة أن نقضي معه سهرة أُنس وطرب؟ الوزير: الرجل المغفل الذي يحلم بالسلطان والانتقام من خصوم كثيرين؟ الملك: هو بذاته، ما اسمه؟ الوزير: أظن.. أظن.. أبو عزة المغفل. الملك: سنذهب إليه الليلة، وسترى أي تسلية يُخبئ لك الملك هذه المرة، أريد تنكرنا كاملاً، ميمون يظن أنني أَويت إلى فراشي، لن نخبر أحدًا على الإطلاق، سنمضي عبر الدهليز السري الذي يقود بعيدًا عن السور. الوزير: ألن يتبعنا حارسان أو ثلاثة؟ الملك: لا أحدَ على الإطلاق. الوزير: في المرات السابقة كان يتبعنا الحرَّاس من بعيد، الحذر يا مولاي واجب. الملك: قلت: لا أحد على الإطلاق، ساعدني في خلْع ردائي. الوزير (يساعد الملك في خلع الرداء الفضفاض المثقل بمطرزاته، الملك يتعرى تدريجيًّا). الوزير: ماذا يحس مولاي حين يَنزلق هذا الرداء المهيب عن كتِفيه؟ الملك: قليلاً من الخفة. الوزير: ولا شيء آخر؟ الملك: أي سؤال؟ طبعًا لا شيء. الوزير (وهو يخلع رداءه بدوره): أما أنا، فدعني أعترف، حين أخلع ردائي أشعر نوعًا من الرخاوة تدبُّ في بدني، قد تهزأ مني، ولكن هذه هي الحقيقة، تخور ساقاي، أو تصبح الأرض أقل صلابةً. الملك: أعتقد أنك لن تعيش إلى غدك لو ضاعت منك الوزارة، أيهما سروالي؟ الوزير: ذو الشريط الذهبي. (يستمران في تغيير ملابسهما مع إظلام تدريجي)
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |