
04-10-2020, 04:54 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة :
|
|
الخروج من الشرنقة
الخروج من الشرنقة
إيمان القدوسي
تتوقف حيوية وفاعلية المجتمع على وضع المرأة فيه، فهي قلبه النابض والمؤثر الحقيقي على قوته وقدرته على الاستقرار·
وقد نالت المرأة في ظل الحضارة الإسلامية من التكريم والرعاية مالم تنله في أي حضارة أخرى قديمة أو حديثة، وليس أدل على ذلك من الإقبال المتزايد من المرأة الغربية على الدخول في الإسلام لتحظى بحياة الشرف والكرامة في الدنيا والآخرة·
قال تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} >التحريم - 11<·
يجعل امرأة فرعون مثلاً وقدوة للذين آمنوا على مر الأزمان· وفي مجال المساواة قال [ :>النساء شقائق الرجال<
وأوصى النبي [ بالنساء خيرا في حجة الوداع·
ولكن لماذا نشعر اليوم أن الضعف يتسرب إلى المرأة المسلمة؟ ولماذا يكثر الغمز واللمز بخصوصها؟ وهل نطبق فعلا تعاليم ديننا ونستلهم روح حضارتنا؟
تبدأ الفتاة الصغيرة حياتها كفراشة جميلة خفيفة حرة تتنقل بين الأزهار فتمتص رحيق العلم والآداب وتكون سعادتها غامرة عندما تلتزم بحجابها إيذاناً بدخولها عالم النساء·
وبعد الزواج تلتف خيوط شفافة من الحرير حولها وشيئا فشيئاً تنعزل داخل شرنقتها الخاصة ويصبح مشوار حياتها ينحصر بين المطبخ والمرآة مروراً بالهاتف·
وربما تفيق أحياناً من غفوتها وتتساءل أين أحلامي الكبيرة؟ وما الدور الاجتماعي المؤثر الذي أقوم به؟ وهل تراجع طموحي حتى أصبحت مجرد ظل باهت لزوجي؟
إذا كان دور المرأة الأساسي هو داخل بيتها فإن ذلك لايعني أبداً طمس شخصيتها وإلغاء استقلاليتها وجعلها تابعاً لايملك من أمر نفسه شيئا·
ولكنها في الحقيقة هي من تسعى إلى هذا المصير من دون أن تدري، فمادامت قد تزوجت رجلاً ميسوراً يوفر لها كل ما تحتاجه فإنها تركن إلى الاستمتاع برفاهية الراحة والدعة وتكتفي بأداء دور رمزي في الإشراف على البيت، بينما معظم طاقتها تهدر فيما لا طائل منه ولا فائدة، وبمرور الوقت تتقلص امكاناتها وتذوي مواهبها وعندما يكبر الأبناء ويتصاعد وضع الزوج الاجتماعي والثقافي تشعر بالفراغ من حولها بل في داخل نفسها، وربما كان ذلك سببا جوهريا للمشكلات التي تواجهها في مرحلة منتصف العمر حين يشعر الزوج أنها لم تعد الشريكة الملائمة وينفضُّ الأبناء من حولها للاهتمام بأمورهم الخاصة·
والسبب في ذلك هو فهم خاطئ للدور المنوط بالمرأة المسلمة ويمكن رصد بعض المفاهيم المغلوطة التي تترسخ في عقل الفتاة ووجدانها وتؤدي إلى هذا المصير:
1- >الزواج هو رجل وامرأة يتبادلان الغرام<
تحت وطأة سيل هائل من المواد الإعلامية شديدة التأثير متمثلة في الأغاني والأفلام، تتكون صورة زائفة عن الزواج في لاوعي الفتاة، حيث يتبادل الغرام رجل وامرأة ويغرقان معاً في بحور من الكلام المعسول والهدايا والسعادة المصنوعة بلا مسؤولية ولا متاعب ولا أي اهتمامات أو أنشطة أخرى·
كل ماعلى الفتاة الاهتمام الشديد بزينتها تدفعها دفعاً الإعلانات إلى أدوات الزينة والملابس والعطور وأحدث مستحضرات التجميل·
ولكن الحقيقة أن الزواج هو تفاعل بين شخصين لكل منهما شخصيته المستقلة وأدواره المتعددة في الحياة ومسؤولياته المهمة وطموحاته وإرادته وسعيه الجاد المثمر لطاعة الله والعمل على تقدم مجتمعه وشغل وقته بكل ماهو إيجابي ومثمر، وفي ظل الزواج يتعاون الزوجان ليعين كل منهما الآخر على القيام بواجباته وأداء مسؤولياته والسعي المستمر لتطوير شخصيته ويبقى بينهما المودة والرحمة لتشغل الحيز الخاص بها ولا تتعداه لتطغى على غيره، وللمرأة أقول: عاطفة الحب لازمة وضرورية لإرواء شجرة الزواج المثمرة ولكن حذار من الإغراق فإنه يؤذي ويتلف والقاعدة تقول: خير الأمور أوسطها·
2- >استمد شعوري بالأمان من وجود زوجي في حياتي<
عندما تشعر المرأة أن حياتها نسجت حول زوجها فإن هاجسها الدائم هو ماذا لو انصرف عني؟ ماذا لو شغل بغيري؟ ماذا لو زهد في؟
وتتصور خطأ أن الحل هو المزيد من الاهتمام الذي يتصاعد ليصل إلى حد الملاحقة والحصار والمزيد من الاقتراب الذي يشعر الزوج بالاختناق والرغبة الحقيقية في الفرار، فهي لا تجد من تمارس معه دوراً في الحياة سواه، وإذا كانت هي رضيت لنفسها أن تكون مهمتها الوحيدة أنها زوجته فهو لا يمكنه أن يتفرغ لأداء دور الزوج فله من الاهتمامات والأعباء ما يشغله·
إن الإحساس بالأمان يأتي من التوكل على الله والثقة في أنه تعالى خالق الأسباب قال تعالى في سورة يسن {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون· فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} >يس 82 -83< كما أن تنمية الثقة بالنفس تزيد من الإحساس بالأمان، والثقة الأساسية يتشربها الطفل من بيئته الصحية التي تشعره أن الدنيا بخير ثم يظل ينميها بما يحققه من إنجازات ونجاحات تعزز ثقته بنفسه وشعوره بالأمان·
3->علاقة الزواج ذات شكل ثابت لا يتغير<·
بعد سنوات من الزواج نسمع كثيراً شكوى الزوجات، لقد تغير زوجي لم يعد يحبني ولم يعد يبدي اهتماماً بي مثلما كان يفعل·
وهذاخطأ في التصور ياسيدتي، إن العلاقة بينكما تتطور وتتخذ أشكالاً جديدة تتوافق مع المرحلة العمرية التي تمرون بها، يجب أن تستوعبي التغير وتواكبيه، فليست العروس الصغيرة مثل الأم المسؤولة ولكل عمر مباهجه وجماله وتذكري أن القدرة على تقبل التجارب واستيعاب الخبرات الجديدة تجعل منا شخصيات متطورة شابة وعصرية مهما تقدم بنا العمر·
4-إحساسي بالمسؤولية تجاه أبنائي يجعلني دائمة الشعور بالقلق والخوف من المستقبل·
إن القلق والخوف من المشاعر السلبية التي يجب أن نتجنبها قدر المستطاع لأنها لن تثمر شيئاً بل ستفقدها الكثير من أماننا النفسي واستقرارنا·
فحاولي الاستمتاع بالحاضر مع أحبائك واغتنمي فرص السعادة بما وهبك الله من نعم ولا تفسديها بالقلق على المستقبل فهو بيد الله وحده·
5- تغيير السلوك ونمط الحياة شبه مستحيل وخصوصا كلما تقدم بنا العمر، مقولة خاطئة تماماً، فالتغيير هو سنة حياة المخلوقات فالإنسان تجاربه هي التي تنضجه، وأخطاؤه هي التي تعلمه ويمكنه دائماً أن يجدد معارفه ويهذِّب سلوكه ليرقى بأسلوب حياته إلى الأفضل·
وذلك عن طريق شحذ الطاقة الإيجابية في داخلنا وتجنب السلوك السلبي:
فمثلا: الشكوى والتذمر والقلق والرثاء للذات ورصد عيوب الآخرين وإلقاء تبعات إخفاقنا على غيرنا والتحسر على ما فاتنا كل ذلك سلوك سلبي يبدد الطاقة ويصيب النفس بالإحباط والمرض·
أما: السعي الدائب لأداء المسؤوليات تجاه البيت - الأبناء - العمل- القراءة - مساعدة الآخر- صلة الرحم- إصلاح ذات البين- تحصيل العلم- كل ذلك سلوك إيجابي مثمر يقوي الذات ويزيد من رصيد الثقة في داخلك·
اخرجي من شرنقة الكسل والتواكل والانشغال بالذات والوقوع في أسر عادات وسلوكات تافهة وسلبية، جددي نيتك بأن تكوني امرأة مسلمة قوية نافعة مثلما كانت أمهات المؤمنين السيدة >خديجة< ] في جهادها في عملها مع النبي [ و>عائشة بنت أبي بكر< ] في عملها وفقهها وتذكري الصحابيات المجاهدات الصابرات أمثال >أسماء بنت أبي بكر< و>أم كلثوم بنت عقبة< رضوان الله عليهن أجمعين، وأذكر لك هذا الحديث·
عن >أم عطية< قالت >غزوت مع رسول الله [ سبع غزوات فكنت أخلفهم في رحلهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى< أخرجه مسلم·
أملئي يومك بالعمل الإيجابي الذي يتناسب مع ظروفك واملئي قلبك بالإيمان بالله والتوكل عليه وحده، تخلصي من العلاقات غير المثمرة والأفكار السلبية، واقبلي على الحياة بنية صافية ووجه طلق وتفاءلي خيراً، قال تعالى:{ولسوف يعطيك ربك فترضى} >الضحى -5<·
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|