قتل الفواسق في الحرم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118802 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40192 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366974 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29-07-2020, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي قتل الفواسق في الحرم

قتل الفواسق في الحرم















د. محمود بن أحمد الدوسري




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: في هذا البحث مسألتان:








المسألة الأولى



الفواسق المنصوص عليها



أولاً: حكمها: ذهب أكثر العلماء: إلى جواز قتل ستة أنواع من الدواب الفواسق في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وهي: الْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحَيَّةُ، والْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ[1].







الأدلة:



1- ما جاء عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَمْسٌ لاَ جُنَاحَ على مَنْ قَتَلَهُنَّ في الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ)[2].







2- ما جاء عن حَفْصَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ من الدَّوَابِّ[3] كُلُّهَا فَاسِقٌ، لاَ حَرَجَ[4] على مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، والفَارَةُ[5]، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ)[6].







3- ما جاء عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالخَمْسٌ فَوَاسِقُ[7] يُقْتَلْنَ في الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ)[8].







4- ما جاء عن الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ قال: سمعتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولأَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، والفارة، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ). قال: فقلت لِلْقَاسِمِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَيَّةَ؟ قال: تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لها[9].







5- ما جاء أيضاً عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالخَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، والفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا)[10]. وجه الدلالة: التنصيص على جواز قتل ستة أنواع من الدواب المؤذية في الحرم؛ لفسقها، وهي: الْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحَيَّةُ، والْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ.







قال النووي - رحمه الله: (فالمنصوص عليه السِّت، واتفق جماهير العلماء: على جواز قتلهن في الحل، والحرم، والإحرام)[11].







ثانياً: تعريفها وسبب إباحة قتلها: من المناسب أن نُسَلِّطَ الضوء على كلِّ نوعٍ من هذه الدواب الفواسق، وحِكمةِ جواز قتلها في الحلِّ، والحرمِ، والإحرام:



أولاً: الْحِدَأةُ: الحِدَأُ: جمع الحِدَأَةِ، وهو: طائر يصيد الجِرْذَان، وربما فتحوا الحاء، فقالوا: حَدَأَةٌ، وحَدأ، والكسر أجْود. والحَدَأ: الفُؤُوس، بفتح الحاء[12]، وقد جاء في الحديث: (الحُدَيَّا) على وزن الثُّرَيَّا[13]. قال ابن الأثير - رحمه الله -: (الحِدَأ: وهو هذا الطائر المعروف من الجوارح، واحدها حِدَأَة بوزن عنبة)[14].







سبب إباحة قتله: الحِدَأ أو الحُدَيَّا من الطير الجوارح، بل هو أخَسُّ الطير؛ لأنه لا يصيد وإنما يَخطف، ولذلك كنِّي بأبي الخَطَّاف، وأبي الصَّلت، يخطف الأفراخ وصغار أولاد الكلاب، وربما يخطف ما لا يصلح له إن كان أحمر، يظنُّه لحماً، ومن عادة الحِدَأَة أنها تُغِيرُ على اللَّحْمِ وَالْكَرِشِ، وتخطف اللحم التي ينشرونها عند ذبحهم للهدايا ونحوها، وربما خطفت اللحم من أيدي الناس، وقد تخطف غير ذلك[15].







ثانياً:َ الْفَأْرَةُ: الفأر: بالهمز جمع فأرة، وكنيتها: أُمُّ خراب، والفأر نوعان: جرذان وفئران، وكلاهما له حاسة السمع والبصر، وهما كالجاموس والبقر، ومنها: اليرابيع، والزباب، والخلد، فالزباب صم، والخلد عمي، وفأرة البيش، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وذات النطق، وفأرة البيت، وهي: الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل، والحرم، والإحرام.







سبب إباحة قتله: ليس في الحيوانات أفسد من الفأر، ولا أعظم أذى منه؛ لأنه لا يُبقي على حقير ولا جليل، ولا يأتي على شيءٍ إلاَّ أهلكه وأتلفه، ولذلك كُنِّي الفأر: بأبي خراب، ومن شأنه: أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس، فيحتال حتى يُدخل فيها ذنَبه، فكلما ابتلَّ بالدُّهن أخرجه وامتصَّه حتى لا يدع فيها شيئاً[16]. قال ابن بكيرإنما أمر بقتل الفأرة؛ لقرضها السِّقاء، والحذاء، اللذين بهما قوام المسافر)[17]، وربما سرقت أموال الناس[18].







ومن خراب الفأرة: أنها تحرق على الناس بيوتهم، ولذلك سمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم بالفويسقة؛ لفسادها وأذاها[19]؛ كما جاء عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلمخَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا[20] الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ؛ فإنَّ الْفُوَيْسِقَةَ[21] رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ)[22].







ومثله جاء أيضاً عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ، فَجَاءَتْ بها، فَأَلْقَتْهَا بين يَدَيْ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على الْخُمْرَةِ[23] التي كان قَاعِدًا عليها، فَأَحْرَقَتْ منها مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، فقال: (إذا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ؛ فإن الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هذه على هذا فَتُحْرِقَكُمْ)[24].







قال ابن عبد البر - رحمه الله: (أجمع العلماء: على جواز قتل الفأرة في الحل والحرم)[25].







ثالثاً: الْعَقْرَبُ: العقرب: معروفة، والباء فيه زائدة، وإنما هو من العقر، ثم يستعار، فيقال للذي يقرص الناس: إنه لتدب عقاربه[26]. ويقال للذَّكَر والأنثَى: عَقْرَبٌ. والغالب على العَقْرَب التأنيثُ[27]. وأما العقرب والعُقرُبة والعُقرُبا فاسم للأنثى، ويقال للذكر: عُقرُبان بضم العين والراء[28]. والعقرب: دويبة من العنكبيات ذات سم تلسع[29]. يقال: لدغته العقرب، وذوات السموم، إذا أصابته بِسُمِّها، وذلك بأن تأبره بشوكتها[30].







سبب إباحة قتله: ومن أهم أسباب إباحة قتل العقرب: أنها من ذوات السموم؛ كما قال القرطبي - رحمه الله: (إنما أذن في قتل العقرب؛ لأنها ذات حُمَةٍ)[31]. أي: ذات سُمٍّ. وهي (تَقْصِدُ من تلدغه، وَتَتْبَعُ حِسَّهُ)[32]. ومن أسباب جواز قتلها في الحل والحرم: أنها من المؤذيات، فقد لدغت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يُصلِّي: فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها؛ قالت: لَدَغَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَقْرَبٌ وهو في الصَّلاَةِ، فقال: (لَعَنَ اللهُ الْعَقْرَبَ[33]، ما تَدَعُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَ الْمُصَلِّي، اقْتُلُوهَا في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)[34]. وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل العقرب في الحِلِّ والحَرَم؛ لكونها من المؤذيات[35].







وعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ[36] في الصَّلاَةِ: الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ)[37]. قال ابن حجر - رحمه الله: (وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث، ورخَّصوا في قتل الحية والعقرب في الصلاة، منهم: ابن عمر - رضي الله عنهما، والحسن، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم)[38]. وقد نقل الإجماعَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم على جواز قتل العقرب في الحل والحرم، ومن ذلك:



1- قال أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله: (أَجْمَعُوا: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ قَتْلَ الْعَقْرَبِ في الإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ)[39].







2- وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: (أجمع العلماء: على جواز قتل الفأرة في الحل والحرم، وقتل العقرب)[40].







3- وقال ابن المنذر - رحمه الله -: (لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب)[41].







رابعاً: الْحَيَّةُ: الحيَّة: قال ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما: (الثُّعْبَانُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ منها، يُقَالُ: الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ، وَالأَفَاعِي، وَالأَسَاوِدُ)[42].







سبب إباحة قتلها: أسباب إباحة قتل الحية هي ذاتها في قتل العقرب؛ لأنها من ذوات السموم، وتقصد مَنْ تلدغه وتتبع حسَّه، ولإفسادها وضررها، فهي من المؤذيات، ولذلك جاء الأمر بقتلها في الحل والحرم[43]. قال الكاساني - رحمه الله -: (وَالْعَقْرَبُ تَقْصِدُ مَنْ تلدغه وَتَتْبَعُ حِسَّهُ، وَكَذَا الْحَيَّةُ)[44].







ومن إفساد الحية وضررها: أنها تطمس البصر، وتسقط حمل المرأة، فقد جاء عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما؛ أَنَّه سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ على الْمِنْبَرِ، يقول: (اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ[45]، وَالأَبْتَرَ[46]؛ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ[47]، وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ[48]). قال عبد اللَّهِ: فَبَيْنَا أنا أُطَارِدُ حَيَّةً؛ لأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أبو لُبَابَةَ: لاَ تَقْتُلْهَا، فقلتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، قال: إنَّه نَهَى بَعْدَ ذلك عن ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، وَهِيَ الْعَوَامِرُ[49].







قال النووي - رحمه الله -: (ذهبت طائفة من العلماء: إلى عموم النهي في حيات البيوت بكل بلد، حتى تُنذر، وأما ما ليس في البيوت فيُقتل من غير إنذار... وقال بعض العلماء: الأمر بقتل الحيات مطلقاً، مخصوص بالنهي عن جِنان البيوت، إلاَّ الأبترَ، وذا الطفيتين؛ فإنه يُقتل على كل حال، سواء كانا في البيوت أم غيرها)[50].







وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحاربة الحيَّات؛ لعظيم إفسادهن: كما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلممَنْ تَرَكَ الْحَيَّاتِ مَخَافَةَ طَلَبِهِنَّ؛ فَلَيْسَ مِنَّا، ما سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ)[51].







وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن لذات السبب: فعن الْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قال لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَكْنُسَ زَمْزَمَ، وَإِنَّ فيها مِنْ هذه الْجِنَّانِ - يَعْنِي: الْحَيَّاتِ الصِّغَارَ - فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِنَّ[52].







وعن ابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلماقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ، فَمَنْ خَافَ ثَأْرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنِّي)[53]. قال القاري - رحمه الله: (والظاهر أن هذه الأحاديث مطلقة، محمولة على ما عدا سواكن البيوت)[54].







وجاء الأمر بقتل الحيات حتى في الصلاة؛ فقد تقدم الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ في الصَّلاَةِ: الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ)[55]. قال ابن حجر - رحمه الله -: (وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث، ورخَّصوا في قتل الحية والعقرب في الصلاة)[56]. ونقل الإجماعَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم على جواز قتل الحية في الحل والحرم، ومن ذلك:



1- قال ابن بطال - رحمه الله -: (أجمع العلماء: على جواز قتل الحية في الحل والحرم)[57].







2- وقال ابن عبد البر - رحمه الله -: (لا خلاف عن مالك وجمهور العلماء: في قتل الحية في الحل والحرم، وكذلك الأفعى[58])[59].







خامساً: الْغُرَابُ الأَبْقَعُ: الغُرابُ: الطائرُ الأَسْوَدُ، والجَمْعُ: أَغْرِبةٌ، وأَغْرُبٌ، وغِرْبانٌ، وغُرُبٌ، وجَمْعُ الجَمْعِ: غَرَابِينُ[60].







والغُراب الأَبْقَعُ: هو الذي يُخالط سوادَه بياضٌ، وهو أخْبَثُها، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ لِكُلِّ خَبِيثٍ، والبَقَعُ والبَقْعَةُ: تَخَالُفُ اللَّون، والأَبْقَعُ: السَّراب؛ لِتَلَوُّنِه [61].







والغراب الأبقع غَريبٌ، وهو غُراب البَيْن، (وكلُّ غرابٍ فقد يُقال له: غُرابُ البَيْن ـ إذا أرادوا به الشُّؤم، أمَّا غراب البَيْن نَفْسُه: فإنَّه غرابٌ صغير، وإنِّما قيل لكلِّ غرابٍ: غرابُ البَيْن؛ لِسُقوطِها في مواضِعِ منازلهم إذا بانوا عنها)[62].







المراد بالغراب في الحديث: جاء لفظ (الْغُرَاب) مطلقاً في أغلب الأحاديث، وفي روايةٍ لمسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً بلفظ: (الْغُرَابُ الأَبْقَعُ)[63]. واختلف العلماء: في المراد بذلك على قولين، والراجح: أن المقصود بقتله في الحل والحرم هو الغراب الأبقع دون غيره، وحملوا المطلق على المقيد[64]، وهو قول ابن المنذر[65]، وابن خزيمة[66]، وغيرهما.








ما جاء عن أهل العلم في ذلك:



1- قال ابن خزيمة - رحمه الله -: (باب: ذكر الخبر المُفَسِّر للَّفظة المُجملة التي ذكرتُها في بعض ما أُبيح قتله للمُحرم، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أباح للمُحرم قتل بعض الغربان لا كلها، وإنه إنما أباح قتل الأبقع منها، دون ما سواه من الغربان)[67].







2- وقال ابن حجر - رحمه الله: (اتفق العلماء: على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان مُلْتَحَقاً بالأبقع)[68].







3- وقال العيني - رحمه الله -: (الروايات المطلقة محمولة على هذه الرواية المقيدة التي رواها مسلم؛ وذلك لأن الغراب إنما أبيح قتله لكونه يبتدئ بالأذى، ولا يبتدئ بالأذى إلاَّ الغراب الأبقع، وأما الغراب غير الأبقع فلا يبتدئ بالأذى، فلا يباح قتله: كالعقعق، وغراب الزرع. ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان مُلْتَحَقًا بالأبقع. ومنها: الغداف، على الصحيح في مذهب الشافعي)[69].







سبب إباحة قتله: سبب إباحة قتل الغراب الأبقع في الحل والحرم؛ هو إفساده وضرره وأذاه، ومن ذلك: أنه يقع على ظهر الإبل الرواحل، وينقر الدَّبر والقروح مما يسبب لها الأذى البالغ، وربما خطف اللحم من أيدي الناس[70].







ما جاء عن أهل العلم في ذلك:



1- ذكر ابن سمعون - رحمه الله - عن الغراب الأبقع أنه: (إذا رأى دَبرةً في ظهر بعير، أو قرحةً في عنقه نزل عليه، ونقرها إلى الدِّيات[71])[72].







2- قال الكاساني - رحمه الله -: (وَعِلَّةُ الإِبَاحَةِ فيها[73]: هِيَ الابْتِدَاءُ بِالأَذَى، وَالْعَدْوُ على الناس غَالِبًا...وَالْغُرَابُ يَقَعُ على دُبُرِ الْبَعِيرِ، وَصَاحِبُهُ قَرِيبٌ منه...







قال أبو يُوسُفَ: الْغُرَابُ الْمَذْكُورُ في الحديث، هو الْغُرَابُ الذي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، أو يَخْلِطُ مع الْجِيَفِ، إذْ هذا النَّوْعُ هو الذي يبتدئ بِالأَذَى، وَالْعَقْعَقُ[74] ليس في مَعْنَاهُ؛ لأَنَّهُ لا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَلاَ يبتدئ بِالأَذَى)[75].







3- وقال القرطبي - رحمه الله - في سياق حديثه في جواز إباحة قتل الغراب في الحل والحرم: (وكذلك الحدأة والغراب؛ لأنهما يخطفان اللحم من أيدي الناس... وفي الغراب لوقوعه على الظهر ونقبه عن لحومها)[76].







سادساً: الْكَلْبُ الْعَقُورُ: الكلب العقور: هو واحد الكلاب، وجمعه: أكلب، وكلاب، وكليب وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلاَّ القليل، نحو: عبد وعبيد، وجمع الأكلب: أكالب، وقيل: في جمع الكلاب كلابات، والكلبة: أنثى الكلاب، وجمعها: كَلَبات ولا يكسر[77].







المراد بالكلب العقور: اختلف العلماء: في المراد بالكلب العقور في الحديث على عدة أقول، والراجح: أن الكلب العقور هو كلُّ عادٍ مفترسٍ غالباً؛ كالأسد، والنمر، والذئب، والفهد، ونحوها، وهو قول الجمهور[78]. ومعنى العقور والعاقر: الجارح[79].







ما جاء عن أهل العلم في ذلك:



1- قال الإمام مالك - رحمه الله -: (إنَّ كُلَّ ما عَقَرَ الناس وَعَدَا عليهم وَأَخَافَهُمْ؛ مِثْلُ الأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالْفَهْدِ، وَالذِّئْبِ، فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ)[80].







2- وقال ابن بطال - رحمه الله: (ولم يَعْنِ بالكلب العقور الكلابَ الإِنسِيَّة، وإنما عَنَى بذلك كلَّ سَبُعٍ يَعْقِر، كذلك فسَّره مالكٌ، وابنُ عيينة، وأهلُ اللغة)[81].







3- وقال ابن الأثير - رحمه الله -: (الكلب العقور: هو كلُ ُّسَبُعٍ يَعْقِرُ، أي: يجرح، ويقتل، ويفترس؛ كالأسد، والنمر، والذئب. سمَّاها كلباً؛ لاشتراكها في السَّبُعيَّة. والعقور: من أبنية المبالغة)[82].







سبب إباحة قتلها: سبب إباحة قتل الكلب العقور وتلك السباع المفترسة في الحل والحرم هو اعتداؤها على الناس وإخافتها لهم، وكذا عقرها وافتراسها، فهذه السباع العادية القاتلة المفترسة؛ كالأسد، والنمر، والذئب، ونحوها، أبيح قتلها في الحل والحرم لعظيم ضررها؛ كما جاء في (تفسير القرطبي): و(الكلب العقور مما يعظم ضرره على الناس)[83]. قال الكاساني - رحمه الله -: (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ من شَأْنِهِ الْعَدْوُ على الناس، وَعَقْرهم ابْتِدَاءً من حَيْثُ الْغَالِبِ)[84].



♦ ♦ ♦









يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 128.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 127.08 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]