|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نقطة الصفر محمد يوسف مجاهد في قصةٍ أولُها عناءٌ وجَهد؛ استطاعوا أن يُخرجوه لنا من هذا الموضعِ المظلم في رحِم أُمِّه قطعة لحمٍ لا حول لها ولا قوة؛ وهو يظنُّ أنه خرج للسعة؛ ومسكينٌ هو، لم يكن يعلم أنَّه كان مُنعَّمًا رغم الضِّيقِ والظَّلام. وما أنْ وصل للحياةِ حتى استغربَها بفطرتِه السويَّة، فبكى بكاءً مريرًا منذ أول وهلة، واستقبلته الدُّنيا بالضحكاتِ رغم بكائه، وكأنَّما تستهزئُ وتسخر منه! ثم شبَّ ونشأ وأضحى كأيِّ طفلٍ يحلم بفطرتِه السليمة بأحلامٍ وردية، جميلة نقيَّة، ومع هذا أدرك أنَّ لكل حلمٍ وهدف طريقًا يجبُ أن يسلُكَه ويُضحي من أجلِه حتى يصل، ولسانُ حالِه يقول: وَكُلُّ امْرِئٍ قَاتَلٌ نَفْسَهُ ![]() عَلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ أَنَّهُ ![]() أول أهدافه: فانطلق من "نقطة الصفر" من البداية تجاه حُلمٍ وهدفٍ محدَّد وأَخَذ يسيرُ في طريقِ تحقيق الحُلم، وهو ما زال غِرًّا نقيَّ القلبِ صافي الفؤاد، وأقبلتِ الدنيا كل يوم تدفعُه وتنحرفُ به عن الطريقِ، وربما صفعتْهُ وهو لا يبالي، وهو شديدُ العزمِ، قوي الإرادة، ثابتٌ على هدفِه، ملتزمٌ بطريقِه، ماضٍ نحو حُلمِه، كأنَّما يراه بين عينَيْه لا يفارقه. المسكينُ لم يكن يعلم ما تخبئ له الدُّنيا وما ستفاجئه به الحياة، ومع الوقتِ خارت بعضُ قواه من طولِ مدافعةِ الحياة، وأبطأ في السيرِ وأخذَ يستريحُ بعد كلِّ عدةِ أمتارٍ، وأمَّا الحياة فلا تلينُ ولا تستكين، فهي ماضية في دفعِه وصفعِه، وهو في قمةِ الدهشة والعجب! المسكينُ لم يكن بعدُ يُحسِنُ تقديرَ الأمورِ وإعطاءها قدرَها، لقد دافعَ وصارع وأوشكَ على بلوغِ بُغيته، ومحطةِ هدفه المنشودة، وهو يعلمُ بفطرتِه - التي ما زالت سوية - أنه عند بلوغِ الهدف تتبدَّدُ المشقةُ وتهون المعاناة التي كابدَها، وتصير ذكريات جميلة وعندما قاب قوسين أو أدنى من هذه المحطة، والحُلم الجميل بآخر الطَّريقِ بعد المشقة وإذا بالبابِ يُغلَقُ في وجهِه، وهو يتساءلُ في نفسِه: "لقد مشيتُ وعانيت حتَّى أكونَ بهذا المكانِ ولا بدَّ أن أصل. عندها فُتح البابُ أخيرًا ليخرجَ منه رجلٌ عظيم الجثة، غليظ الوجه ليصفعَهُ ويلكمه لكماتٍ تعودُ به إلى الوراءِ على الطَّريقِ مئات الأميال. المسكينُ غُرِّر به، وظنَّ أنَّ كلَّ شيء متاحٌ حينما يريدُه كما أوْهم نفسَه، أو أوهمه الآخرون، ظلَّ يكابِدُ ويسير من جديدٍ، يعيد الطريق لهدفِه ويصل ثم يُطرَد ويُصفع، ثم يعودُ ثم يُطرد ويُصفع، ثم...، ثم...، ثم.... حينها أدركَ أنَّ هذا هدفٌ مغلقٌ، وأنَّه لم يكن أكثر من أضغاثِ أحلام، فقرَّر بعد مرارةٍ وأسى أن يتنازلَ عنه، ويتركَه ويمحوه من ورقةِ أهدافه، وأخذ يبحثُ في ورقتِه عن حُلمٍ وهدفٍ آخر من أحلامِه الورديةِ المشروعة لكلِّ إنسان، المكفولةِ لكلِّ مجتهد، المتاحةِ لكل من يطلب. ثاني أهدافِه: عاد من نفسِ طريقه إلى "نقطة الصفر" إلى البداية لينطلقَ في اتجاه حُلمٍ وطريقٍ آخر اختارَه من ورقتِه المليئة بالأحلام، جدَّ في السيْر تجاه الطَّريقِ، وكان الطريقُ أشقَّ، ومليئًا بالعقباتِ عمَّا سبقَهُ، ولكنَّه عزم على قطعِه، ومرَّتْ سنوات على الطَّريقِ ومرَّ العمرُ كأنَّه سكِّينٌ يقطعُ من جسدِه وصحتِه، كي ينهكَه ويصرفه عما عزم، وطال المسيرُ جدًّا، وإذ فجأةً لاح في الطَّريقِ شيخٌ طاعن في السنِّ مُنهكٌ، جالسٌ في جانبِ الطريق، كأنَّما ينتظرُ الموت، هرع إليه صاحبُنا المسكين ودار الحوار: • أيا شيخ دُلني على الطريقِ، هل أوشكتُ أن أصل؟ دلني، بارك الله في عمرِك، لقد سِرتُ كثيرًا؟ ردَّ الشيخُ باستكانة: يا ولدي، وكيف أدلُّك وأنا تائه ضائع! • وكيف أنت تائه وقد وصلتَ وها أنت عائدٌ بعدَ تحقيقِ هدفِك، لا تسخرْ منِّي أرجوك، فأنا لم أعد أطيقُ كلَّ هذا التعب، ماذا حدثَ لك في طريقِك؟ يا بُني لقد سرتُ أكثرَ منك أضعافَ المرات، وقابلتُ على جنباتِ طريقي مئات الصرعى والأموات، وحين، وحين، وحين وصلتُ للنهاية اكتشفتُ أن... وسكتَ الشيخُ ولم يتمالكْ نفسَه، وطأطأ رأسَه ليُخفي دموعَ عينيه التي لم يقو على مدافعةِ العبرات. • يا جدي، ماذا وجدتَ؟ أخبرني، أخبرني. فقام الشيخُ ووقفَ ونظر للغلامِ وربتَ على كتفيه، وقال سريعًا كالمُجبَرِ على الكلام: يا ولدي، هذا الطَّريق، هذا الطريق، آخرُه مسـ مسدود لا ممرَّ به، ولا يصل لشيء! • عندها تحطَّم قلبُ المسكين، ولم تستطعْ قدماه أن تحملَه، فجثا على ركبتَيْه وأظلمتِ الدنيا في عينَيْه، وفاضت عينُه واعتصرَه ألَمٌ شديد، بدا بعده ساكنًا لا يتحرَّك. فعاود الشيخُ الكلامَ: يا ولدي لقد اتبعنا "خريطةً خاطِئة" فمهما اجتهدنا في بلوغِ معالمها الوهمية، كلَّما أبعدتْنا عن بلوغِ هدفنا الحقيقي. يا بني، لقد أخطأنا إذ لم نسأل أو نستفِد ممن سبقنا، كي يدلُّونا على أيِّ طريقٍ بلغوا، وما أعظم ما قد بلغوا!. لقد أخطأنا حين اتكلنا على قوتِنا وشبابِنا، وكم من مريدٍ للخير لا يبلغُه يا ولدي، والآن النتيجة؛ نبكي كالثكلى. ظلَّ فؤادُ الشَّابِّ محطَّمًا ولسانُ حالِه يقول: رَأَى لُجَّةً ظَنَّهَا مَوْجَةً ![]() فَلَمَّا تَمَكَّنَ مِنْهَا غَرَقْ ![]() وَلَمَّا رَأَى أَدْمُعًا تَسْتَهِلّ ![]() وَأَبْصَرَ أَحْشَاءَهُ تَحْتَرِقْ ![]() تَمَنَّى الْإِفَاقَةَ مِنْ سُكْرِهِ ![]() فَلَمْ يَسْتَطِعْهَا وَلَمْ يَسْتَفِقْ ![]() • استجمع الشَّاب قوتَه المنهكة من طولِ المسير، ومن هوْل الصدمة، وقال للشيخ بصوتٍ كسير: هلُمَّ معي نعد أدراجنا لنعيدَ بدء حلمنا الذي ملأ أرواحَنا، هيا قمْ، يجبُ أن نعودَ لـ"نقطة الصفر"؛ للبداية، قم يا شيخ بالله عليك، قمْ، قمْ. ردَّ الشيخُ الذي أسندَ ظهرَه إلى جذعِ شجرة، وكأنَّ الكلمات تقفُ في حلقِه: يا ولدي، لقد شاخ جسدي على بلوغِ ذاك الطريق مرة أخرى، اذهب أنت، ولعلِّي أتبعك، أو لعلَّ أجلي ينقضي على هذا الطَّريقِ المضلِّل. • ودَّعه الشاب وتركهُ، وظلَّ يسير في طريقِه عائدًا؛ وهو يتساءل عن كُنه هذه الحياةِ الدُنيا، ما لها لا تستقرُّ لأحدٍ ولا تلين؟! ولم يجدْ جوابًا لأسئلتِه المُلحَّة. المسكينُ لم يكن يعلم أنَّها إنما سُمِّيتْ دُنيا من الدُنوِّ، وأنها مهما كبرتْ فهي صغيرة، ومهما عظُمت الدُّنيا فهي حقيرة، أو لعلَّه الآن علِم هذا ولكنَّه يُخادِع نفسَه لئلا يُصاب بالإحباط واليأس. الهدف الثالث: عاد في طريقِه ورجع بعد ضياعِ العمر، ومُضيِّ السنوات إلى "نقطة الصفر" إلى البداية؛ خاوي الوِفاض إلاَّ من خيبةِ الأمل، قرَّر أن يتنازلَ عن هدفِه السابق مُقنعًا نفسَه ومُواسيًا لها أنَّه لم يتحملْ مرارةَ المسيرِ أضعاف الطريق، وأنَّ الشيخ قد تيسر له في الوقتِ المناسب، وأنه لولا سُخِّر له الشيخُ لكان ميتًا على جنباتِ الطريق. وعندها مَحا هذا الهدفَ أيضًا من ورقةِ أحلامه التي كتبها في طفولته البريئة، وأخذ يبحثُ عن هدفٍ آخر وهو في قمَّةِ الأسى من رؤيتِه لأحلامِه تتطاير كالدخانِ، وتضمحلُّ ثم تختفي! تقطَّع قلبُه، نعمْ تقطَّع قلبُه، وحُقَّ له أن يتقطَّع، وكيف لا وهو يرى أفراخَ أحلامِه تُذبح بسكينٍ من الخشبِ، تُعذبه ولا تكاد تقتُله حتَّى تموت من العذابِ لا من الذبح. ثم أفاق من حزنِه وكاد أن يتعلَّمَ من أخطائِه، فاختار هدفًا سهلاً هذه المرة، ذا طريقٍ ممهَّد مذلَّل عَلَّه يحقق شيئًا فيما بقي له من عمرِه يُخرجه عن نقطةِ الصفر التي كَرهَهَا. أعدَّ العُدة، وهمَّ بالمسير ووقف على أولِ الطريق الممهَّد الذي اختارَه ليكون هو طريق هدفِه المنشود التالي، وحينما همَّ بدخولِ الطَّريق لهذا الهدفِ إذا بشخصٍ يقول له: عفوًا سيدي، لقد بلغتَ من الكبرِ عتيًّا، وهذا طريقُ الشَّبابِ، ولا نرضى بمرورِ كبارِ السِّن، عفوًا مرة أخرى، سيدي هذا قانونُ الطَّريقِ، ولا رجعةَ فيه ولا استثناء. يا للمسكين، وكأني أحس به واقفًا واجمًا على البابِ يتطلَّعُ للطريقِ الموصد، ويا لانصداعِ القلبِ الذي يُسمونه الحسرة، يا لانصداع القلبِ الذي يُسمونه الحسرة. وكأنَّ لسانَ حالِه يقول ولَظى الجمرِ المحترق يخرجُ من جوفه: فِي الْقَلْبِ مِنِّي نَارُ ![]() وَالنَّارُ فِيهَا شَرَارُ ![]() وَالْجِسْمُ مِنِّي نَحِيلٌ ![]() وَاللَّوْنُ فِيهِ اصْفِرَارُ ![]() وَالْعَيْنُ تَبْكِي بِشَجْوٍ ![]() فَدَمْعُهَا مِدْرَارُ ![]() عاد المسكينُ كسيرًا إلى النقطةِ التي كرهها، ورغم أنه أُكْرِه عليها عاد إلى...، نعم، هي! عاد إلى "نقطةِ الصفر"، وحينها قرَّر المواجهةَ مع نفسِه، وعدم التهرب منها، وجُنَّ جُنونُه، وعزم على تمزيقِ ورقة أحلام صباه في فورةِ غضبِه المستشيط. قرَّر أن يمزِّقَها هو قبل أن تُمزقَها الحياة، قرَّر أن يكسرَها بنفسِه قبل أن تنكسرَ على صخرةِ الحياة الصلبة، التي هي أشد وأمضى من وقعِ الخناجِرِ في الحناجِرِ، نعم لقد قرَّر وفعل. واستقرَّ المسكينُ على الراحةِ والجلوس إلى "نقطة الصفر"، وبنى بيتًا صغيرًا له فيه، نعم بنى له فيه بيتًا من قشٍّ، ولسانُ حالِه يقول، بل يصرخ: أَفِقْ قَدْ أَفَاقَ الْعَاشِقُونَ وَفَارَقُوا الْ ![]() هَوَى وَاسْتَمَرَّتْ بِالرِّجَالِ الْمَرَائِرُ ![]() وفي كلِّ صباحٍ يخرجُ من بيتِه مُتطلِّعًا إلى الطرقِ المؤديةِ إلى الأحلام المتفرعة من "نقطة الصفر"؛ المتخذة من "نقطة الصفر" مركزًا لها، وفي كلِّ يومٍ يتطلَّع إلى شبابٍ كالأسودِ يهرعون إلى هذه الطرقِ؛ عازمين جادِّين كما يتطلَّعُ إلى مئاتِ الصناديق المحمولة، التي تحملُ أجسادَ الموْتى ممن لم يستطيعوا اجتياز الطَّريقِ فهلكوا، ويرى أيضًا كبارَ السن وهم عائدون؛ منهم مَنْ قد حقَّقَ حلمَه بعد أن سُلِب عُمرُه، ولكن ملامحَ البِشْرِ بادية على وجهه، ومنهم آخرون سلكوا مسلكَه وضلُّوا ضلالَه، وعادوا مُحمَّلين بلا شيء وعلامات السخطِ بادية على أجسادِهم، ليس فقط وجوههم! وفي أحدِ أيامِه البائسة أثناء تطلعِه، ظهر في الطريقِ الشيخُ العجوز النَّاصح، نعم، قد عاد هو أيضًا إلى "نقطة الصفر" وإذا به فتَّ العمرُ في جسدِه وأنهكتْهُ الأيام، فاستقبله وأدخلَهُ بيتَه، إلاَّ أنَّ الشيخَ لم يستطع المُضيَّ معه، وتوقَّف على بابِ منزله ونظر إليه نظرة شفيقٍ بحالِه، وقال له موصيًا، وكانت آخرَ كلماتٍ له قالها بصوتٍ خافتٍ هامس: يا ولدي اجـ... اجتهدْ، اجتهدْ حتى الرمقِ الأخير، وفاضتْ روحُه إلى بارئها، فدفنَه في حديقةِ منزلِه، وهبَّ كأنما نشِط من عقالٍ، وأعاد كتابةَ أهدافِه التي وإن مُحيَتْ من الأوراقِ، إلاَّ أنَّها لم تُمحَ أبدًا من ذاكرتِه. عقد النيةَ والعزم على المسيرِ وهو يُمنِّي نفسَه أنَّه أصبح خبيرًا بالطرقِ عالمًا بأحوالِها وما فيها، وأنه تعلَّم ولن يُخطئ بعدَ ذلك، وأنَّ السنواتِ الطوال بجانبِ طول عمرِه أكسبته الخبرةَ والبصيرة اللازمة لمواصلةِ السيرِ وفي الاتجاه الصحيح. المسكينُ مسكين، المسكين مرةً أخرى أنساه الهمُّ أنَّها دُنيا؛ أي: فيها من الحقارةِ والدنو ما فيها. وما أن كاد أن يخرج من بيتِه، وقبل أن يصلَ لطريقِه التالي إلا وقد عاجلَهُ المرضُ، فعاد إلى فِراشِه وألزمَه المرضُ الفِراشَ لسنواتٍ، ولا تعجبْ من عظمِ البليات ومن توالي الأحداثِ والمصايب، وإنَّما هذه هي الدنيا؛ دار بلاء. وفي كلِّ يومٍ وهو على فراشِه يموتُ المسكين مئات المرات على تذكُّرِه لما مرَّ وما قد فات؛ على ما كان من قتلٍ للأحلام وهي ما زالت صغيرة على الورقِ لم تتحققْ، وكم كان يتحطَّمُ قلبُه من ذِكرِه لما لاقاه من عقباتٍ في سيره، لو لم توجد لكان حالُه غير ذا، وكم كان أشد ما يتعبه تذكره كونه يئس بعد المجهودِ، ورام الراحةَ في "نقطة الصفر"، وها هو يموتُ على فراشِه موت الكسالى الجبناء، وفي كلِّ يومٍ تتدافعُه الحسراتُ، وتعلوه الصرخات، ويتقطَّع قلبُه في كلِّ لحظة، وكم كان يتمنَّى الموتَ لييسر عنه ما فيه من شدَّةِ المعاناة، ولسان حالِه يقول: الْمَوْتُ أَحْسَنُ أَحْوَالاً مِنَ احْوَالِي ![]() أَقَلُّهُنَّ فِرَاقُ الْأَهْلِ وَالْمَالِ ![]() لاَ أَشْتَكِي اللهَ بَلْ أَشْكُو إِلَيْهِ فَكَمْ ![]() أَبْكِي وَحُزْنِي جَدِيدٌ لَيْسَ بِالْبَالِي ![]() يَمُرُّ بِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَصَائِبِهَا ![]() مَا لاَ يَمُرُّ عَلَى وَهْمٍ وَلاَ بَالِ ![]() وَكُلُّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ حَائِلةٌ ![]() وَمَا يَحُولُ مِنَ الْأَحْوَالِ أَحْوَالِي ![]() ومرَّت أيامٌ وهو لا يراه أحد، ولا يُعلم عنه شيء، فعاده أحدُ جيرانِه في أحد الأيام، فإذا به يجده وقد فارقَ الحياة الدنيا، فما كان من جارِه - الساكن أيضًا في "نقطة الصفر" - إلاَّ أن هدمَ عليه الدَّار وأحرقها وهو بداخلِها؛ ليُصبحَ نسيًا منسيًّا، صفرًا خاليًا، ليكون مولدُه كوفاتِه لا تغيير، ولا عجب في ذلك، فهذه هي عادة أهلِ "نقطة الصفر" "الكسالى" هدم البيوتِ وحرقها على مَنْ مات فيها؛ ليتركوا ويُفسِحوا المكانَ لمن يريد أن يستقرَّ في منازل "نقطة الصفر"؛ إذ إنَّ المكانَ ممتلئ وليس ممتلئًا لا بسببِ ضيقِه، ولكن المكان ممتلئ بسببِ كثرةِ من رام الراحةَ والدَّعة فيه. وهذه هي الدنيا بالفعلِ، فقد فارق المسكينُ الحياةَ، ولم يحققْ إلا أهدافًا خيالية، لم تتحقَّقْ إلا في داخِل رأسِه في مُخيلته. وهذه هي الدُنيا:وهذه هي الدنيا التي يتعلَّقُ بها الإنسانُ، والتي يحسدُ بعضُنا بعضًا على بعضِ متاعٍ زائلٍ فيها، ويبغضُ أحدُنا أخاه إذا أخذَ مكانَه، وقد يقتُل أخاه لأجلِ كرسي حقير في دنيا، إنما سُمِّيتْ دنيا من الدنو. هذه هي الدُنيا، ولا أقولُ بحلوِها ومُرِّها، ولكن أقولُ بُمرِّها ومُرِّها، فما فيها من شيء حُلو. هذه هي الدُنيا وستظلُّ، وإن أعطتك فلا تفرحْ فقد يكون الابتلاءُ عليك بالعَطية أشد مِن بلاءِ مَن حُرِمها. هذه هي الدنيا التي ليس فيها مكانٌ لمستكينٍ خاضع، وإنَّما هي مكان القوي النشِط ذي الهدف الواضح، الذي يعرفُ كيف يصلُ لهدفِه ولا يزيغُ عنه، ويعرفُ من أين تؤكلُ الكَتِف. هذه هي الدنيا التي لا تؤخذُ بالمُغالبة والعناد، وإنما تُؤخذ بالحكمةِ والرِّفق والاتباع لأهلِ المعالي، والاقتداء بنهجِهم واقتفاء أثرهم وطرقهم، حتى لا نزيغَ ونُضيِّعَ أوقاتًا في طرُقٍ هم بالفعلِ جرَّبوها وعلموا عوارَها، وأرشدونا للصالحِ منها، ولكنَّ كثيرًا منَّا اتبع هواه دون أن يسأل، وسارَ على نهجٍ مبتدَعٍ استقاه من لدُن نفسِه، نعم هي الطرقُ محددة لنا ومعلومة لكلٍّ منَّا، وما علينا إلا اجتيازها ونحن على يقينٍ أنَّها الخريطةُ الصحيحة المُوصِلة للهدفِ المنشود. نعم ستدفعنا الحياةُ وستَصفعنا الدنيا، ولكن هذا من أجل أن يُعلمَ الصَّادقُ من الكاذب، فلا تَخفْ أبدًا من مواجهةِ الحياة، فإنْ بدا عليك الخوفُ زادتْ عليك الصِّعاب. نعم سنمرُّ بعقبات، ونعم سنواجِهُ عوائقَ ومطبَّات، ولكن علمك أنكَ على الطريقِ الصحيح هو أقوى شيء قد يُثبتُك في التَّصدي لكلِّ هذا، بل والتغاضي عنه وتجاهله، والسير ثم السير في الطَّريقِ المستقيم بلا التفاتٍ أو التواءٍ. اللهَ أسألُ أن يُجنبَنا الطرقَ الملتوية، وأن يهدينا للطرقِ القويمة المستقيمة. تمت: جميع الأشعار مُقتبسة
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |