|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لـذّة النجاح محمد حمدان الرقب لَم أجد كاليوم أعقل من فتاةٍ أو شاب، ازْوَرَّ عنهما أملُهما الذي انتظراه طويلاً، وتنكَّر لهما بعد أن أنْفَقا سنين عُمرَيْهما الزاهرة، يعيشان في حُلم جميل ساذج كاذبٍ، ولكنَّه لَم يتحقَّق، ولَم يَنبلج صُبح الحقيقة المُورِق كما كانا يأمُلان، بل انكشَفت لهما هاتِيك الحقيقة - كأشدِّ ما يكون الانكشاف - مُظلمة مُحبطة. أقول: لَم أجد كاليوم أعقل من شابٍّ أو فتاة استقبلا مآلَ أملِهما الموهوم بصبرٍ وجَلَدٍ وتبصُّر، وقارعاه بأملٍ جديد وحُلم أجمل يتطلَّعان إليه، ويَوَدَّان لو تَحْمِلهما مَطيَّة الليالي والأيام، مُسرعة بهما، ذارِعةً الأرضَ إلى أن يتحقَّق لهما ما أرادا، ويَنْسري عنهما همُّهما. هذا لعَمري فِكر ثاقبٌ في الإنسان حين يفْصِل ما بين الأحلام الأحلام، والأحلام غير الأحلام، حينما يضع برزخًا بين الأحلام الممكن تحقيقها، والأحلام التي لا يجد إلى بلوغ مرامها من سبيلٍ، حين يتيقَّن من أنَّ التوقُّع يعني الإمكان، وأنَّ الانتظار يعني الاستحالة. كثيرٌ من الناس أجدهم يتعلَّقون كأكثر ما يكون التعلُّق بأوهامٍ جميلة، ولكنَّها كاذبة، وأجدهم يتشبَّثون كأقصى ما يكون التشبُّث بآمالٍ وادعة، ولكنَّها خادعة، وأجدهم يتمسَّكون كأكبر ما يكون التمسُّك بآمالٍ حالِمة، ولكنَّها بكلِّ سهولة خائنة. وكثيرٌ من الناس أيضًا ما أن يستيقظوا من سُباتهم العميق الجميل اللذيذ - في نظرهم - حتى يدبَّ بهم اليأْس دبيبَ الحُمَّى في جِرْم المريض، وليس هذا فحسب، بل يفكِّرون جِديًّا في طريقة فاعلة للتخلُّص من الحياة، وتفضيل الموت عليها، فأملُهم قد ضاع، وأحلامهم قد ذهبتْ أدراج الرياح، وتطلُّعاتهم قد أصبحَتْ هباءً منثورًا، فلِمَ العيش إذًا؟! وتصحُّ عزيمتهم حقًّا على الانتحار، فمنهم مَن انتَقم لنفسه من الظروف وانتحَر، ومنهم مَن ينتظر الفرصة السانحة؛ كي يلحقَ بهم. وهل الحياة تستحقُّ منَّا كلَّ هذه الضوضاء الضارَّة؛ حتى نجعل كلَّ تطلُّعاتنا وآمالنا وَقْفًا عليها؟! وهل تستأْهِل كلَّ هاتِه التضحيات بأنفسنا؛ حتى يصيرَ مآلُنا إلى ما لا تُحْمد عُقباه؟! إني أُكْبِرُ جدًّا هاته الفتاة، وأُعظِم كثيرًا هذا الشابَّ، أُكْبرُهما وأُعظِمهما؛ إذ عرَفا كيف تكون الحياة، وعَلِما كيف تصير الأحداث، وأيْقَنا أنَّ الناس تُخطِّط وتَحلُم، وأنَّ الأيام تسيرُ رياحُها على عكس ما يُخَطِّطون وضد ما يحلمون؛ إذ قد ابْتَلَيَا أطوار الحياة واختبرَاها، وعرَفا أنَّها ليستْ دائمًا معهما، بل في كثيرٍ من الأحايين لا بدَّ لها من أن تقسوَ عليهما وتُذيقهما مرارةً لا يعرف طعمَها إلاَّ مَن ذاقَها شرَّ مَذاقٍ. أجَل، إنَّ الحياة كلَّها لا تستحق منَّا أن نقدِّم أنفسنا رهينةً لها، ثم لا نستطيع فَكاكًا وهروبًا منها ومن المنغِّصات والعاديات إلاَّ بالانتحار، في حين أنَّنا في الآخرة سنذوق أشدَّ العذاب وأقساه! الآمال ما زالتْ تُعَدُّ آمالاً فحسب، فإنْ تحقَّقت فنِعِمَّا هي، وإنْ لَم تتحقَّق، فلا تأسف عليها؛ إذ إنَّ الله - تعالى - قد وقانا شرَّها وعاقِبتها، فلِمَ التعلُّق بها وتوقيف الحياة عليها دونما فائدة ودونما نتيجة؟! إنْ كان أمَلُك قد تبخَّر، وتطلُّعاتك تلاشَت بعد طول انتظار وفارغ صبْرٍ، وإنْ كانت الأحلام التي لَم تكن تمتلك غيرَها، ثم لَم يُكتب لك تحقيقُها، وإنْ كانت صروف الدَّهر وبقائعه أذاقتْك من الضَّنك الشيءَ الكثير، وأرْهَقتك وأتْعَبتك، فأجْملُ شيءٍ وأقساه، وأصْعَبه وأحْسَنه، هو أن تقارِعَ كلَّ هاتيك الظروف بأمَلٍ جديد، وعزيمة لا تَلين، وتحمُّلٍ لا يَخور، وقوَّة على الثبات على أرضيَّة الحياة؛ حتى تترقَّى صعودًا في مدارج النجاح، حيثُ الراحة والسكينة، والأمل المنشود. لا تأْسَفَنَّ على حُبٍّ ضائع، ولا على صديق خائنٍ، ولا على سعادةٍ تنكَّرتْ لك، لطالَما ظننْتَها مصدرَ الوَقار والارتياح، لا تَحْزنَنْ على غدر الأيام، وفعْل الليالي، فكلُّ يومٍ فيه من الشرِّ ما فيه، ونفس اليوم فيه من الخير أيضًا ما فيه، فانْتَقِشْ منه ما يسرُّك، واجعَلْ شرَّه دُبَرَ أُذُنك، أو إن شِئْتَ فاستقبِلْه بجَلَدٍ وصبْرٍ وعُنفوان، وهكذا الرجل الصَّلد يكون، وهكذا المرأة الصابرة تكون، فكلاهما ينطلق من صفةٍ واحدة تمكِّنه من العيش بأقلِّ الخسائر، وليس هذا وحَسب، بل يَجنح دائمًا إلى قلب المعْطَيات، فتستحيل المصيبة فائدةً، ويَغدو الشرُّ خيرًا. ولستُ أعجبُ من شيءٍ كعجبي من شخص سَهِر الليالي الكثيرة صادًّا عن النوم، أو صادًّا عنه النوم، ثم يفكِّر ويُطيل التفكير، ولكن لا يجد فائدةً منه، وينظر إلى السماء؛ علَّ فرجَها قريبٌ منه، ثم يَجنح نظره للنجوم؛ ليْتَ غمَّه يزول على يَديها، ثم يَركن أخيرًا إلى أن ينام؛ عساه يُخَفِّف من طامَّته، وعبثًا ينظر وعبثًا يَجنح، وعبثًا يَركن، فلا السماء تفرِّج همَّه، ولا القمر يزيل غمَّه، ولا النوم يُخفِّف عنه طامَّته، فكيف السبيل إلى الهدوء إذًا؟! هل يَركن إلى اليأْس، ويَجنح للقنوط ويستسلم؟ أو أنَّ عليه التجلُّدَ ما وَسِعه التجلُّد، والثبات ما وَسِعه الثبات؟ أعْجَب كثيرًا من ذلك الشخص الذي يختار الطريق الثاني، طريقًا تضاريسُه وَعْرَةٌ، ولكنَّ نهايته لذيذة، فيبدأ يومه ويستقبله برُوح معنويَّة عالية، وبنفسيَّة سامكة، وبِمِزاج مُعتدل، فيُيَمِّم صوب الأهداف التي يبتغي أن يُحقِّقها؛ حتى يكون له ما يريد، لا يَريم ولا يَتحرك عنه قَيْد أُنْمُلَة، فيسعى ويجدُّ السعي، ويفكِّر ويُكثر التفكير، ولكنَّه تفكيرُ مَن يَروم أنْ يُلامس أعالي الذُّرى، ويُخطط ولا يلْتفِت وراءه، بل يسير وعينه على النهاية التي تَصَوَّرها في دخيلته، وكأنه انسلَخ عن ضَعفه، أو انسلخ الضَّعف عنه، فعهْدُه بأيَّام البؤْس قد ولَّى، وعهْدُه بساعات اليأْس قد انقَضى، وعهده بأوقات الخُنوع قد تلاشَى وانْمَحى. وأُطيل العجب أكثر من شخصٍ ماضيه مؤلِم وحاضره مُحزن، وأجد أنه يفكِّر فيُغرب في التفكير، ويتأمَّل فيُغرق في التأمُّل، فلا تفكيره ينفعه، ولا تأمُّله يَشفيه، وإذا هو يَتدارك أمرَه، وإذا هو قد قرَّر أنْ لا مناصَ للخروج من هاته الدوَّامة إلاَّ ببناء أهدافٍ جديدة يعمل من أجْل تحقيقها، وبذلك ينتقل فِكره من الخوض في الماضي وتعرُّجاته، والحاضر وتقلُّباته، إلى الإمعان في المستقبل، ولا شيءَ سوى المستقبل، فكلُّ عَقَبة يسخِّرها، وكل مشكلة تعترض طريقه يذلِّلها، وكلُّ مُثبِّط يُزيله، وكلُّ تَحَدٍّ يُسَوِّي به الأرض، وهكذا أيْقَنَ أنَّ المستقبل يلوح له ويتراءَى بوضوح، فيَبذُل كلَّ ما بوسعه من جُهد وطاقات؛ لكي يحقِّق ما كان يصبو إليه، ويظفر برقصة النجاح مُبتهجًا مسرورًا. أجَل، إنَّ الدنيا كما أنها أضْيَقُ مما نعتقد، فهي أيضًا أوْسَع مما نؤمن، فالذي يراها واسعةً ويغضُّ الطرْف عن الغاية التي وُجِد من أجْلها، ستقتله وتَرميه، وتَجعله كما الطائر المَهِيض، والذي ينظر إليها من ثُقب إبْرة صغير، لا يستطيع أن يواكب أحداثها، ويتعامل مع مُعطياتها، ستُهْمله وتجدُّ السَّيْر دونه، فالأمر الوسط هو أن نتطلَّع إلى الدنيا بدافع الإيمان بالله - تعالى - وخدمة البشريَّة، بعد أن نُرضي أنفسنا ونُمتِّعها متاعًا حسنًا، وبهاته النتيجة سنوجد التوازُن السليم في قريرتنا، فالنجاح يجعلنا نستشعر لذَّته بعيدًا عن الغرور، والفشل يجعلنا نفيء إلى رُشدنا بعيدًا عن اليأْس والقُنوط. وفي النهاية، أسألُ الله - تعالى - أن يجعلنا ناجحين، وأن يوفِّقنا جميعًا إلى ما فيه خيرَا الدنيا والآخرة؛ إنَّه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |