عبودية الحب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 8862 )           »          البشعة وحكمها في الشريعة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1197 )           »          لا تقولوا على الله ما لا تعلمون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 21978 )           »          اصطحاب الأطفال إلى المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الدعاء بالثبات والنصر للمستضعفين من المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأسباب المعينة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          النهي عن الانتساب إلى شيخ أو حزب أ و جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-06-2020, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,276
الدولة : Egypt
افتراضي عبودية الحب

عبودية الحب


عراقي محمود حامد





حديثُنا عن عبوديَّة الحب، لكنَّه ليس حبَّ الآهات والنظرات، ولا حب الأفلام والمسلسلات والقنوات، ولا حبَّ الكرة والمباريات، ولا حبّ الفنَّانين والفنانات، الأحياء منهم والأموات، إنَّما هو حبُّ ربِّ البريَّات، حبّ فاطر الأرض والسماوات، حبّ تميَّز به عباد الله المخلَصون عن غيرهم، فأورثهم حلاوة الإيمان في قلوبهم فتلذَّذوا بطاعة ربهم وذكره، وأَنِسوا بمحبَّته وقُربه.

لذلك لما كان الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أشدَّ العباد حبًّا لمولاه، كان أشدَّهم تلذُّذًا بطاعته، كيف لا وهو القائل: ((وَجُعِلَت قُرَّةُ عَّيْنِي في الصَّلاةِ))[1]، والقائِل: ((أرِحْنا بها يا بلال))[2]؟!

فالعبد في سيره إلى الله تعالى كالطَّائر لا يستتمُّ طيرانه إلاَّ بالرأس والجناحين، فالرَّأس المحبَّة، والجناحان الخوف والرَّجاء.

وهذه العبوديَّة يَحْرُم صرفها على حقيقتِها إلاَّ لله.

فمحبَّة الله هي أساس كلِّ الأعمال الفاضِلة، ولا يصحُّ إيمان بدونِها، وهي الحب الحقيقي الَّذي به العبد يسْعَد، وبالوقوف بين يدَي مولاه يأْنَس، وبنصبه لوجهه يَخشع، وبصفِّ قدميْه له قانتًا يلتذُّ؛ لأنَّ في الدنيا جنَّة مَن لم يدخُلْها لم يدخل جنَّة الآخرة.

وقد قال الشاعر:



وَحُبَّانِ فِي قَلْبِي مُحَالٌ كِلاهُمَا مَحَبَّةُ فِرْدَوْسٍ وَدَارِ غُرُورِ
وَمَنْ يَرْجُ مَوْلاهُ وَيَرْجُو جِوَارَهُ يُسَابِقُ فِي الخَيْرَاتِ غَيْرَ فَتُورِ
وَهَلْ صَادِقٌ مَنْ يَدَّعِي حُبَّ رَبِّهِ وَأَمْسَى عَنِ اللَّذَّاتِ غَيْرَ صَبُورِ
ويسلو عَنِ الدُّنْيَا وَعَنْ كُلِّ شَهْوَةٍ وَعَنْ كُلِّ مَا يُودِي بِوَصْلِ سُرُورِ



ومحبَّة الله لا تعْني عدم محبَّة رسوله، بل هُما أمران متلازمان لا يصحُّ أحدهما إلاَّ بالآخر، فمن كمال محبَّة الله حبُّ رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يُحبُّ رسول الله ولا أي محبوب إلاَّ لمحبَّة الله له، وأمره سبحانه بمحبَّته.

تعريف المحبَّة:
قال أبو البقاء الكفوي: "الحُبُّ: هو عبارة عن ميْل الطَّبع في الشَّيء المُلذّ، فإن تأكَّد الميل وقَوِي يُسمَّى عشقًا.

والبغض: عبارة عن نُفرة الطبع عن المؤلم المتعب، فإذا قوي يسمى مَقْتًا، والعشق مقرون بالشَّهوة، والحب مجرَّد عنها"[3].

معنى محبَّة الله لعبده:
من معاني المحبَّة الجليلة: محبَّة الله تعالى لعبيده، فهي من أسمى المنازل وأعلى المقامات التي يسعى لها المُخلَصون المخلِصون الصَّادقون، وكما قيل: ليس الشأن أن تُحِبَّ، وإنَّما الشأنُ أن تُحَبَّ.

وهي صفة جليلة عظيمة يجب أن نَلْزَم في إثباتها لله تعالى المنهج السَّلفي الحقَّ الواضح السويَّ في إثبات الصِّفات، من غير تشبيهٍ ولا تَحريف ولا تأْويل ولا تعطيل، ثم نَكِل حقيقة اتِّصاف الله بها إلى الله - تعالى - في إطار قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فالمحبَّة معلومة، وكيفية اتِّصاف الله - تعالى - بالنسبة لنا مجهولة، والإيمان بأنَّ الله يُحِبُّ ويُحَبُّ واجب، والسؤال عن كيفيَّة محبَّة الله بدعة.

معنى محبَّة العبد لربه:
ومن معاني المحبَّة الجليلة التي لا يُعدُّ الإنسان حيًّا بدونها: محبَّة العبدِ لربِّه:
فمعنى أن يحب العبد ربَّه أن يعرِفَه - سبحانه وتعالى - فَمَن لم يعرف الله لا يُحِبه؛ لأنَّ الإنسانَ عدوُّ ما يَجهل.

ومعرفة الله تتمثَّل في الإيمان بوحدانيته ذاتًا وصفاتٍ وأفعالاً، وأنَّه لا شريك له في ربوبيَّته وألوهيَّته، ولا شيء مثله في أسمائه وصفاته وأفعاله؛ لذلك أوْجب الله - تعالى - هذا العلم حيث قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، ورفع شأن مَن به تمسَّك واعتصم، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].

والخشية: هي ثمرة المحبَّة ونتاجها المبارك، فلمَّا عرف العلماء ربَّهم بأسمائِه وصفاته وأفعاله، أورثتْهم تلك المعرفة محبَّته سبحانه، ثمَّ أورثتْهم المحبَّة تلك الخشية الَّتي امتدحهم الله عليْها.

فضائل محبَّة الله:
محبَّة الله - عزَّ وجلَّ - أشرف المكاسب، وأعظم المواهب، وفضائلها لا تُعد ولا تحصى، ومن تلك الفضائل ما يلي:
1- أنَّها أصل التوحيد وروحه، وأساس الأعمال ومُزجيتها، وحادي الأرواح والنفوس إلى أن تجاور حبيبها في دار كرامته.

2- أن الحاجة إليها أعظم من الحاجة إلى الطعام، والشراب، والنكاح، فقد يصبر العبد عن هذه الأشياء؛ لكن لا قوام له بدون محبَّة مَن أوْجده، ومن لا غنى له عنه طرفة عين ولا أقل منها.

3- تسلِّي المحب عند المصائب، فبها وحْدَها يتحمَّل العبد ما تنوء عن حمله الجبال الرواسي، كما قيل:



فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيرَةٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَ العَالَمِينَ خَرَابُ
إِذَا صَحَّ مِنْكَ الوُدُّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ



4- أنَّها من أعظم ما يحمل على ترْك المعاصي؛ لعلمِه أنَّ مقام المحبَّة أقلُّ شائبة تكدره.

5- أنَّها أعظم ما عَمَرَ القلب.

6- أفضل مواهب الله للعبد.

7_ أنها تقطع الوساوس والخطرات عن قلب العبد.

8- أنها تمام النعيم، وغاية السُّرور، ومنتهى الأنس، وجنة الدنيا.

9- يحفظ الله المحبَّ في سمعه؛ فلا يسمع إلاَّ ما يحبه الله.

10- يحفظ عليه بصره؛ فلا ينظر بهما إلاَّ إلى ما يحبه الله.

11- يحفظ عليه يديه؛ فلا يبطش بهما إلاَّ في كل خير يحبه الله.

12- يحفظ عليه رجله؛ فلا يخطو بها إلاَّ إلى ما يحبه الله.

13- يستجيب دعاءه.

14- يعيذُه من كل سوء.

من علامات محبَّة الله لعبده:
لمحبة الله - تعالى - علامات تظهر آثارها على العبد، منها:
- أن يحفظه الله - تعالى - من فتن الدنيا، ويحول بينه وبين أن تهلكه في مَعِينها، ويقيه أن يتلوَّث بزهرتها؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله - تعالى - ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبُّه، كما تحمون مريضَكم الطعام والشراب تخافون عليه))[4] ، وقال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

- أن يوفِّقه ويدبِّر له أمره، وييسر له سُبُل الطَّاعات؛ فعن ابن مسعود - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ الله قَسَم بيْنكم أخلاقَكم كما قسم بينكم أرْزاقكم، وإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُعطي الدنيا مَن يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يُعطي الدِّين إلاَّ لمن أحبَّ؛ فمن أعطاه الله الدِّين فقد أحبَّه))[5] .

- أن يَجعل في قلبه الرفق واللين على أوليائِه، والشدَّة على أعدائه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِذَا أرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وجلَّ - بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أدْخَلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْقَ))[6] ؛ ولذلك قال في صفة أوليائه: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].

- أن يوضَع له القبول في الأرض، وذلك يكون بمحبَّة قلوب الخلْق له وميْلهم إليْه، ورضاهم عنه، وثنائهم عليْه؛ فعن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ اللَّهَ - تبَارَكَ وتَعَالى - إذا أحَبَّ عَبْدًا نادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أحَبَّ فُلانًا فأحِبّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ في السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أحَبَّ فُلانًا فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ويُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في أهْلِ الأَرْضِ))[7] ، كما صنع الله - تعالى - مع كليمِه موسى - عليه السلام - حيث جعل عدوَّه يحبّه، فقال تعالى ممتنًّا عليه: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39].

- أن يبتليَه بأنواع البلاء حتى يمحِّصه من الذنوب؛ كما قال - صلى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وإنَّ اللَّهَ إذَا أحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ))[8].

- أن يتوفَّاه على عمل صالح؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إذا أحبَّ الله عبدًا عسَّله)) فقيل: وما عسَّله يا رسول الله؟ قال: ((يُوفِّقُ له عملاً صالحًا بين يدَي أجلِه حتى يُرضي عنه جيرانَه))، أو قال: ((مَن حوله))[9].

من علامات محبة العبد لربه:
كثير من الخلق يدَّعي محبَّة الله، ويُعلن أنَّ الله - سبحانه - أعظم محبوب عنده؛ لكن لذلك أدلَّة وعلامات، منها:
- بيع النفس لله؛ فأوَّل خطوة من خطوات الهجْرة إلى الله - تعالى - أن تبيع نفسك التي وهبها الله لك له سبحانه، فتغضب لغضبِه وترضى لرضاه، وتقدم ما يحب على حظِّ نفسك، وتعطي له، وتحب وتبغض له؛ كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

- التذلُّل للمؤمنين، ولين الجناح وخفض الجانب، والعزَّة على الكافرين؛ كما قال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

- محبَّة أهل طاعتِه كمحبَّة أنبيائه ورسله والصَّالحين من عباده، وبغْض الكافرين والمنافقين والعصاة المفسدين.

قال الشافعي - عليْه الرحمة -:



أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ
وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ المَعَاصِي وَلَوْ كُنَّا سَوَاءً فِي البِضَاعَهْ



- المجاهدة في سبيل الله بالنفس والمال واللسان والقلب.

- طاعة الله ورسوله؛ قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].

- الإقبال على الطَّاعات والبعد عن المخالفات، فلا يقع في المعاصي إلاَّ سهوًا أو غفلة.

- كثرة ذكره بالقلب واللسان، وخاصَّة قراءة القرآن، فمَن أحبَّ الله أدمن تلاوة كلامه، وما التذَّ بغير مناجاته وترْديد آياته، كما قيل:



إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ حُبِّي فَلِمْ هَجَرْتَ كِتَابِي
أَمَا تَأَمَّلْتَ مَا فِي هِ مِنْ لَذِيذِ خِطَابِي



وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "لو طهرت قلوبُنا ما شبعت من كلام الله".

- حب لقائِه والنَّظر لوجهه؛ قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52].

- بغْض ما يبغضه - تعالى - من الكفر والكافرين، والفسق والفاسقين، وكل الصفات المذمومة والأفعال المرذولة.

- محبَّة رسوله واتِّباع سنَّته والتمسُّك بها، ومحاربة كلِّ بدعة تخالف طريقتَه، قال الحسن البصري: ادَّعى قوم محبَّة الله، فأنزل الله آية الاختبار: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].

- التزام طاعته والجهاد في سبيله، وتحمُّل الأذى والملامة في ذلك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

- حب ما يحبُّه الله وكرْه ما يكرهه الله، وإيثار مرضاته على ما سواه، واتِّباع رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وامتثال أمره وترْك نهيه؛ كما قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].

- أن يكون من عباد الله التوابين والمتطهرين؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].

- أن يكون من عباد الله المتَّقين؛ قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].

- أن يكون من عباد الله المحسنين؛ قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].

- أن يكون من عباد الله الصابرين؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].

- أن يكون من عباد الله المتوكِّلين؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

- أن يكون من عباد الله المقسطين؛ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].

- أن يكون من عباد الله الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

- أن يكون من عباد الله المتقرِّبين إليه بالنَّوافل بعد الفرائض؛ ففي الحديث القدسي: ((مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِه، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِه، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشي بها، وإنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، ولئِنْ اسْتَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ))[10] .

الأسباب الجالبة لمحبَّة الله:
لمحبَّة الله - تعالى - أسباب تجلبها وترْفعها في قلب العبد، بحيث لا يزاحمها في قلبِه مزاحم، منها:
1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله.

2- معرفة نعم الله على عباده، التي لا تُعدُّ ولا تُحصى؛ {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، والتأمُّل في هذه النعم؛ فهو يدعو إلى محبَّة المنعم؛ قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُم من نِعَمِه، وأحِبُّوني بِحُبِّ اللَّهِ، وأحِبُّوا أهْلَ بَيْتي بحُبِّي))[11].

3- معاملة الله بالصِّدْق والإخلاص ومخالفة الهوى.

4- كثرة ذكر الله - تعالى - بالقلب واللسان والحال؛ فمن أحبَّ شيئًا أكثر من ذكره؛ قال الرَّبيع بن أنس: علامة حبِّ الله كثرة ذِكْرِه، والشَّوق إلى لقائه، فمَن أحبَّ شيئًا أكثر ذِكْرَه وأحبَّ لقاءه.

5- كثْرة تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر.

6- تذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنَّة لربهم وزيارتهم له واجتماعهم يوم المزيد.

7- التقرُّب إلى الله تعالى بالنَّوافل بعد الفرائض؛ كما في الحديث القدسي: ((ومَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّه))[12].

8- إيثار ما يحبُّه الله من الأعمال على ما تحبُّه النفس، والاستجابة لأوامره سبحانه والبعد عن مساخطه؛ لأنَّ إيثار الهوى موجب للعقاب؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].

9- مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

10- مشاهدة برِّ الله وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.

11- انكسار القلب بين يدَي الله سبحانه.

12- قيام الليل والخلْوة بالله وقْت النزول الإلهي آخِر الليل، وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

13- مجالسة المحبِّين الصادقين والعُلَماء الربَّانيين، والتقاط أطايب ثَمرات كلامِهم.

14- مباعدة كلِّ سبب يَحول بين القلب وبين الله - عزَّ وجلَّ.

15- التفكير في ملَكوت السَّماوات والأرض وما خلق الله من شيء.

16- طلب العلم.

17- الابتعاد عن كلِّ ما يحول بين القلْب وبين الله، فإنَّ القلْبَ هو محلُّ نظر الله؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وأمْوَالِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ))[13].

هذه بعض الأسباب الموجبة لمحبَّة الله سبحانه، وضدّها موجب لسخطه وعقابه؛ لأنَّه دليل على الجهل به، وعدم محبَّته، وإن ادَّعى الإنسان خلاف ذلك، كما قال القائل:



تَعْصِي الإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا مُحَالٌ فِي القِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ



خاتمة:
ظهر جليًّا ما لمحبَّة الله - تعالى - من أثر وثمرة، بها يسعد العبدُ في دينه ودنياه، وحياته وأُخْراه، وما لمحبَّة سواه من خطر محقَّق وعذاب أليم في الدنيا والآخرة، فلا حياةَ على الحقيقة إلا وَفْق ما شرع سبحانه، ولا عزَّ إلاَّ فيما أمر؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

فلا عذر لمعتذِر بعد بلاغ الله وبيانه، وإقامة الحجَّة بإرسال رسله؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]، ومن ذاق عرف، كما قال أحدُ السَّلف: إنَّه ليمرُّ بالقلب أوقات يرقص فيها طربًا، حتَّى أقول: لو أنَّ أهل الجنَّة في مثل ما أنا فيه من نعيم إنَّهم لفي عيش طيب.

فعلى كلِّ مَن تعلَّق بغير الله، ووجد في نفسِه أمراضَ البعد عنه سبحانه، وأحسَّ بالوحشة والإبعاد، وأنَّ قلبه متعلِّق بغير مولاه - فليتَّهم نفسه، وليجدِّد إيمانه، وليُعْلِن البراءة من كلِّ ذلك، وليعزم على التَّوبة النَّصوح، وليستشْفِ بأدْواء القرآن العظيم، وأدوية السُّنَّة الناجعة.

نسأل الله - تعالى - أن ينفعنا بالقُرآن العظيم، وأن يرزُقَنا حبَّه، وحبَّ مَن يحبُّه، وحبَّ كل عمل يقرِّبُنا إلى حبِّه، وأن ينزع من قلوبنا محبَّة سواه، وأن يخلصنا له جلَّ في علاه، وأن يثبتنا على طريقه حتَّى نلقاه وهو راضٍ عنَّا.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه النسائي في كتاب عشرة النساء، باب: حب النساء، رقم (3939)، وأحمد في مسنده رقم (11884).
[2] رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، رقم (4985).
[3] الكليات (1/ 623).
[4] رواه أحمد في مسنده (5/ 427) رقم (23671)، وقال الشيخ الأرناؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد جيد.
[5] رواه أحمد في مسنده (1/ 387) رقم (3672)، والحاكم في المستدرك (1/ 88) رقم (94)، وقال: صحيح الإسناد.
[6] رواه أحمد في مسنده (49/ 446) رقم (23290)، وذكره العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (7/ 210) رقم (3135)، وقال: أخرجه أحمد بسند جيد، والبيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث عائشة.
[7] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة، رقم (7485)، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب عبدًا حبَّبه إلى عباده، رقم (2637).
[8] رواه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء رقم (2396)، وقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
[9] رواه الحاكم في المستدرك (3/ 283) رقم (1204)، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح التَّرغيب والترهيب (3/ 169) رقم (3358).
[10] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم (6502).
[11] رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - رقم (3789)، وقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
[12] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم (6502).
[13] رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه، رقم (2564).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 93.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 91.52 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]