رحل وعطره الفواح لم يرحل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-06-2020, 05:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رحل وعطره الفواح لم يرحل

رحل وعطره الفواح لم يرحل


يحيى المصري أبو البراء







تُوفِّي أخٌ لي في الله منذُ مدة، ولازلْتُ - إذا ذكرتُه - عظيمَ الألم لفقده، كثيرَ الذكرى لمواقفه.

أخٌ أنا كأوسط أبنائه عمرًا، لكنَّ الصلةَ القلبيَّة التي سَرَتْ بيننا قرَّبتْ ما باعده الزمنُ بين الأجسام.

أفهمُ نظراتِه ويفهم عنِّي، يُحيل إليَّ أحيانًا قضايا علميَّة (شرعية)، وأُحيلُ إليه قضايا يَفوقُنِي فيها خبرةً في الحياة، ومِراسًا في الخطوب، ودُربةً في الإصلاح، بل إنني تعلَّمتُ منه الكثير والكثير.

كنتُ أُحقِّر نفسي أمام هِمَّته السامية السامقة، وتربيتِه الربانية العالية.

ماذا أُحدِّث عن همَّته؟ أَأُحدِّث عن قيامه وتهجُّده؟ فهذا يكاد يكون عنده من الفرائض، فبَيْنَه وبين السَّحَر غرامٌ وولع وشجون!

وقد عَمِل سائقًا لفترة طويلة قاربتِ الأربعين عامًا، طاف معظمَ البلاد العربيَّة بشاحِنَتِه المقطورة؛ فلم يكن يَدَعُ التهجُّدَ في أسفاره، ولو فارقه السائقون المرافقون؛ لثِقَلِ التوقُّف بعد شدِّ الأحمال والانطلاق (زعموا).

وكم، وكم حدَّثَنا عن عجائب توفيق الله - تعالى - له دون الآخرين الذين سبقوه، وربما أخَّروا صلواتٍ أو ضيَّعوها!

أم أُحدِّث عن كثرة ذكره لله - تعالى - واستغلال الأوقات بما ينفع؟!

أم أحدِّث عن بلاغته وبراعته في اقتناص الفرص للدعوة إلى سُنَّةٍ أو خير، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر؟!

كلُّ ذلك في حُجَّة مفحمة، وجواب حاضر.

ولم يتلقَّ هذه البلاغةَ البارعة من علوم البلاغة، ولا تلك الحجَّة من علوم المنطق والجدل على أهميتهما عند الحاجة إليهما؛ وإنما تلقَّى كلَّ ذلك عن فطرةٍ صافية سليمة عن المكدرات، صَقَلَها بكثرة ذكر الله - تعالى- وأقامَها على الطريق المستقيم بمخالفة الهوى.

كنتُ أراه عند صلاة الفجر فأرى عليه أنوارًا هي آكَدُ عندي من المحسوس؛ أما آثارُها فقعودٌ في المسجد إلى أن يُصلِّيَ الضحى مع إخوانه، في حلقةٍ قرآنيَّة لم يَغِبْ عنها إلا لمرض أو سفر فيما أعلم.

يكسو كلامَه صوتٌ جهوري محبوب، ممزوجٌ بأنوارٍ تنهمر على القلوب قبل الآذان، فكم تاب على يديه شباب وشيوخ!

وأهم من هذا: كم استقام على طريقته أناسٌ ممن كانوا يخلطون بين الحسن والسيئ ، ضعفاء أمام المعاصي، فثبتوا بفضل الله - تعالى - ثم متابعته لهم!

فكان يدُلُّ على منبع التوبة ويُتابع التائبين، ويتفقَّدهم بالقول والفعل، حتى يكونَ أحدُهم قدوةً لمن حوله، في استقامة بلا حيدة ولا رَوَغان.

وهو في كلِّ هذا يخلط وعظَه بخبرته، وزجرَه بإخلاصِه وحُرقَتِه، وجِِدَّه بدُعَابته.

وأذكر هنا مثالاً واحدًا على دُعابته: كان إذا أراد أن يُحيلَ سائلاً إلى بعض أهل العلم، قال له: اسأل فلانًا، أمَّا أنا فمن قطَّاع الطرق!

يُريدُ أنَّه كان سائقًا لسنينَ طويلةٍ، لكنَّ مَن لا يعرفُه يظنُّ أنه كان مجرمًا يقطعُ طريقَ السابلة، بالإخافة والسلب، وهذا من هضمِه لنفسه - رحمه الله تعالى.

كانت له خبرةٌ بأمور الحياة والرجال، خبرة صقلتْها فِراسَةُ التقوى، فكان يعرف معادنَ الرجال فيُعطي كلاًّ بقدر وعائه، يستدرج الرجل بسؤاله عن أبيه، وجَدِّه، ونسبه، وحيِّه، وعمله، حتى يجد مدخلاً يدخل منه إلى قلبه، ومن ثَمَّ ينصح ويحرك، ويوري ويخمد ويزلزل، ثم يعود به كائنًا آخر!

مواقفُه في قلبي وذاكرتي أثيرةٌ، أذكر نَزرًا يسيرًا منها:
خرجتُ معه مرة من المسجد – وما أكثرَ ما كنتُ أصحبُه بعد الفجر! – وكان الشتاء أقرَّ ما يكون، فإذا رجل شيخٌ يلبَسُ ثوبًا رقيقَ النسج مما يلبس في الصيف، قد أخلقتْه الأيام، يبحث عن لقمة ساقطة هنا وهناك!

فأوقفه قائلاً: أبا فلان، كيف حالُك؟ بلهجة تُدخلُ الطمأنينةَ إلى قلب الرجل.

ألا تشعر بالبرد؟!
فأجاب: بلى، عندها خلع مِعطفَه – وكان من قماش ممتاز – وأفرغَه مما فيه وألبسه الرجل، وأعطاه خبزًا حارًّا كنَّا قد اشتريناه من فرن قريب وودَّعه.

وسرْنا، وإنَّ قلبه ليبكي ألماً وشفقةً على الرجل، وشعرتُ بحال اعترتْه تنضح خوفًا من مكر الله – تعالى - وأيامه التي يُداولُها بين الناس؛ إذ كان يعرف ماضي هذا الرجل وخوالي أيام شبابه، كان مسرفًا على نفسه بالمعاصي!

لا زلتُ أذكر جلساتِنا ولقاءاتِنا فيها، فيها الجم من العلم المنسوب إلى الفرقة من أهل العلم الذين عاصرهم، وفيها الطرف والملح التي تروِّح القلوب.

أضِفْ إلى خصاله سخاءً في غير تكلُّف، بل هذا من أجمل خصاله، فكثيرًا ما يدعوك إلى بيته قبل أن يعلم ما في البيت، ثم يقدِّم لك ما حضر؛ يُعلِّمك تركَ التكلف بفعله لا بقوله، وحتى لا تجد حرجًا في دعوته إلى يسير الطعام والضيافة.

ومن مواقفه التي لا أنساها: أن غسَّالة بيتنا تعطلت يومًا، فطلبَتْ مني والدتي إحضارَ مختصٍّ لإصلاحها، ثم حان وقتُ صلاة العصر فذهبتُ للصلاة، وبعد خروجنا من المسجد أخبرتُه أني سأذهب لإحضار مصلِّح للغسَّالة، فقال لي: وأنا ماذا أفعل هنا؟!

ثم قال لي: اذهب إلى بيتكم وانتظرني.

دقائق قليلة ويعود ومعه عدة كاملة للإصلاح بكل توابعها، فشمَّر عن ساعديه – في عافية وهمَّة يَخجل منها الشباب – وبسط عِدتَه وفكَّ وشحَّم وأصلح وعالج، حتى عادت صالحةً تعمل، بل أحسن من قبل، وبقيت سنوات تعمل، وتُوفِّي - رحمه الله تعالى - ولا زالتْ تعمل إلى كتابة هذه المقالة، فكانت أثرًا من آثاره، وصدقةً جارية ممتدة بعده.










بيد أنَّ ما لا ينبغي إغفالُه هو أن الرجل رحل بمرض مفاجئ وهو في ذروة إخباته وإقباله، رحل والقلوبُ قبل العيونِ متلهفةٌ إليه.

خرجتْ جنازتُه – كما حُدِّثتُ لأني كنتُ في غربة عن الوطن – فشيَّعها خَلقٌ كثير لا يجتمع لعظيم من العظماء، وكثيرٌ ممن خرج يتحدث عن أخلاقه وشمائله الطيبة.

يُذكِّرني هذا بما يُروَى عن عليِّ زين العابدين بنِ الحسن بنِ علي بنِ أبي طالب - رضوان الله عليهم جميعًا - من أنه كان يتستَّر بالظلام الدَّاجي؛ ليتصدَّق على أهل الحاجات والمُعْوِزِين، فلمَّا تُوفِّي، وأرادوا أن يُغسِّلوه، وجدوا آثار الأكياس قد أثَّرت على ظهره.

رحم الله - تعالى - أخي وأفاض على قبره وابل غفرانه، وأحسَنَ ختامنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.





إِذَا سَارَ مَنْ خَلْفَ امْرِئٍ وَأَمَامَهُ وَأُفْرِدَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهْوَ سَائِرُ




تُوفِّي هذا الأخ وأنا في الغربة، فكان آخرُ لقاء جسدي بيننا يومَ تكرَّم فرافقني إلى المطار مع والدي - حفظه الله تعالى - وأخي الحبيب، ودَّعَني وودَّعتُه، وبودِّي أني لا أودعه:




لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدَهمْ يَوْمَ الْرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.05 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]