بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان

[ابوالوليد المسلم]

بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح


وأن إفشاء السلام سبب لحصولها




عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم)).



أولًا: ترجمة راوي الحديث:

أبو هريرة - رضي الله عنه - تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.



ثانيًا: تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم، حديث (54)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في "كتاب الأدب" "باب إفشاء السلام" حديث (5193)، وأخرجه الترمذي في "كتاب صفة القيامة" حديث (2689) من حديث الزبير بن العوام، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة، "باب في الإيمان" حديث (68).



ثالثًا: شرح ألفاظ الحديث:

(لا تدخلون الجنة): هكذا بإثبات النون؛ لأن (لا) نافية، وليست ناهية.



(أفشوا السلام بينكم): الإفشاء: هو الإظهار والنشر، ومنه: إفشاء السر إذا أظهره ونشره، والمراد هنا: نشرُ السلام بين الناس.



رابعًا: من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى:

الحديث دليل على أن دخول الجنة متوقِّف على حقيقة الإيمان، فمن كان مؤمنًا استحق دخول الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا)).



الفائدة الثانية:

الحديث دليل على أن المحبة بين المؤمنين علامة على كمال الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤمنوا حتى تحابوا))، وهذه من ثمرات التحابِّ في الله؛ فالمراد بالإيمان هنا كمال الإيمان؛ لأنه لو كان المراد نفي أصل الإيمان وحقيقته للزم منه ألا يدخل الجنة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وهذا غير مراد أبدًا، بخلاف لفظ الإيمان الذي قبله؛ فالمراد به أصل الإيمان؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.



الفائدة الثالثة:

الحديث دليلٌ على أفضلية إفشاء السلام، وبيان أن السلام مفتاح القلوب؛ فهو أهم أسباب التآلف والتحابِّ بين المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوَلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).



وبناءً على ما سبق نقول: في هذا الحديث عدة ثمرات لإفشاء السلام؛ أولها: حصول التوادِّ والتحابِّ بين المسلمين، وثانيها: أنه سبب في زيادة الإيمان وكماله، وثالثها: أنه سبب في دخول الجنة.



وللسلام وإفشائه عدة ثمرات، وتحته عدة مباحث، منها:

1- جاءت نصوصٌ كثيرة تدل على سُنِّية السلام:

منها حديث الباب، وأيضًا ما رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ))، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقِيتَه فسلِّم عليه... ))؛ الحديث، وأما الرد فهو واجب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86].



وذكر ابن حزم وابن عبدالبر والشيخ تقي الدين الإجماع على وجوب الرد؛ [انظر: الآداب الشرعية (1 /356) ط مؤسسة الرسالة].



ومن لم يردَّ السلام فإنه يأثم؛ لأنه ترك واجبًا، ويكفي في الرد واحد عن الجماعة، وإن ردوا كلهم فهو أفضل.



وأفضل السلام وكذلك الرد أن ينتهي إلى (وبركاته).



قال ابن القيم:

"وكان هديه - أي: النبي صلى الله عليه وسلم - انتهاء السلام إلى (وبركاته)"؛ [انظر: زاد المعاد (2 /417)].



2- استحباب تكرار السلام ثلاثًا إذا دعت الحاجة لذلك.

كأن يشكَّ في سماع المسلم عليه حينما سلم عليه أول مرة، فيستحب أن يكرر مرتين، وإن لم يسمع فثلاثًا، وكذا إذا دخل على جمع في مكان واسع لا يبلغهم السلام مرة واحدة، فيكرر ثلاثًا، ليستوعب جميع مَن في المجلس؛ لحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ حتى تُفهَم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم، سلم عليهم ثلاثًا"؛ رواه البخاري.



3- من السنة تعميم السلام على مَن عرَفت ومن لم تعرف:

لحديث الباب، وفيه الحث على إفشاء السلام، ولحديث عبدالله بن عمرو: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: ((تُطعِم الطعام، وتقرأ السلامَ على من عرَفت ومن لم تعرف))؛ رواه البخاري ومسلم.



بل جاءت أحاديثُ تبين أن السلام على المعرفة فقط من علامات الساعة؛ روى أحمد في مسنده، وصححه الألباني، من حديث ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة)).



4- تُسَن المصافحةُ مع السلام عند اللقيا:

وعلى هذا عمل الصحابة - رضي الله عنهم؛ دل على ذلك حديث قتادة قال: "قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم"؛ رواه البخاري.



5- من السنة السلام على الصبيان:

لحديث أنس بن مالك: "أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرَّ بصبيان فسلم عليهم"؛ رواه البخاري ومسلم.



وفي السلام على الصبيان حملٌ للنفس على التواضع، وتعويد للصبيان على شعيرة السلام العظيمة.



6- من السنة السلام عند دخول المجلس، وعند مفارقته أيضًا:

كما أنه يُسَن السلام حين الإقبال عليهم، فإنه يسن أيضًا أن يسلم قبل أن يفارقهم؛ لحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحقَّ من الآخرة))؛ رواه أحمد وأبو داود، والترمذي وقال: هذا حديث حسن.



وهناك مباحث أخرى في السلام ستأتي في مظانِّها - بإذن الله تعالى.




مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)