|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ورحل فارس الصلاح والعطاء سلطان إبراهيم قال ابن تيميَّة رحمه الله: "ما من إنسانٍ إلا وله من اسمِه نصيبٌ"، وقال ابن القيِّم: "وأنا وجدتُ هذا!"؛ ومن هنا كان حرصُ الشريعة على اختيار الأسماء الحَسَنة التي تشتملُ على أجمل المعاني، وجَعَلتْ ذلك من حقِّ المولود، تذكَّرتُ هذا المعنى وتدبَّرتُه اليوم وأنا أودِّع بقلبي رجلًا أحبَبْتُه في الله، ولم أرَه يومًا، ولكنَّ سيرتَه العَطِرة جعلتني أتمنَّى أن ألقاه؛ إنه فارسُ الصَّلاح والعطاءِ المهندس صلاح عطية رحمه الله، الذي أَحسبُ أنه قد كان له من اسمه النصيبُ الأوفرُ؛ فقد كان رحمه الله من رموز الصَّلاح والعطاء، وهو بالفعل أحدُ النُّبلاء الفضلاء الذين غرسوا أشجارَ الخير والمعروفِ في رُبوعِ مصرَ، واستشعروا لذَّة الإنفاقِ في سبيل الله؛ فمارسوه سلوكًا عمليًّا، ورَأَوا فضلَ العطاء عيانًا فعاشوا في كَنَفِه وبركته؛ فنحسَبُ أنه قد صدَق في إنفاقه لله، ولم يطلب بذلك منصبًا ولا جاهًا، وقد انطلق يَغرسُ الخيرَ والمعروف في ربوع مصر؛ فبارك الله له في ماله، وأثمر محبَّة له في قلوب الخلق. وقصةُ الرجل قصةٌ عجيبة من قصص العطاءِ والإيثار؛ إنها قصةُ مهندسٍ تاجَرَ مع الله؛ فرَبِح ورَبِحتْ مصرُ كلُّها معه، قصة رجلٍ يعيشُ بيننا، ليست لواحدٍ من صحابة رسولِ اللهِ العظماءِ، ولا تابعيهم الأجلَّاء؛ رجل من عالمنا الذي نحياه الآن، ولكن نَحسَبُ أنه كان ينتمي له بجسده فحسب، لكن روحَه وأخلاقَه من زمنٍ أشرفَ من الذي نعيشُ فيه! بطلُها المهندسُ صلاح عطية؛ مهندس زراعي فقير، تعلَّم بجهود مُضْنية من والديه الفقراء، لم يَلْبَس يومًا ملابسَ جديدة، بل كانت كلها مستعملةً وقديمة بالية، مقاسُ حذائه - عفوًا - اثنان وأربعون، لكنه يَلبَسُ مقاس أربعٍ وأربعين؛ لأن أباه يعملُ حسابَ الأعوام المقبلة؛ لأنه لن يَقدِرَ على شراء حذاءٍ له كلَّ عام. وُلِد صلاح في بلدة صغيرة اسمها "تفهنا الأشراف" - بمركز ميت غمر - التابعة لمحافظة الدقهلية، وتعلَّم بجهود مُضنِية من والديه. وحينَ تخرَّج في كليَّة الزراعة، وأراد أن يبدأَ حياتَه العمليَّة، اشترَكَ مع تسعة نفر من زملائه كانوا مثلَه من الذين يُعانون من الفقر الشديد، وقد قرَّرُوا بدء مشروع للدواجن حسب خبراتهم العمليَّة، وكانوا يبحثون عن شريك عاشر. في النهاية جمَعَ كلُّ واحدٍ منهم مبلغَ مائتي جنيه مصري، وهو مبلغ ضئيلٌ جدًّا، لكنه كان كبيرًا في نظرهم؛ فمنهم: مَن باع ذهبَ زوجته، أو أرضًا، أو اقترض ليُكملَ المبلغ. ظلَّ الشركاء التسعةُ يبحثون عن الشريك العاشر حتى يبدؤوا الشركةَ، لكن لا جدوى. جاء شريكٌ منهم اسمُه المهندس صلاح عطية - بطل القصة - وقال: وجدتُ الشريكَ العاشرَ، وجدته! فردُّوا جميعًا: مَن هو؟! قال: هو الله عز وجل! سيدخلُ معنا شريكًا عاشرًا، له عُشْرُ الأرباح، في مقابل أن يَتعهدَنا بالحماية والرعاية والأمان من الأوبئة، فوافق الجميع. وفي عقد الشركةِ كتب الشركاءُ العشرة أسماءهم، وسمَّوْا سهمًا باسم سهمِ الله الأعظم، وسُجِّل العقدُ بالشهر العقاري كما وُضِّحَتْ بنودُه. ولما مرَّت الدورةُ الأولى من المشروع، وجدوا النتيجةَ مذهلةً، والأرباحَ لا مثيلَ لها، وفوق كلِّ التوقُّعات. وفي الدورة الثانية من المشروع: قرَّر الشركاء زيادةَ سهمِ الله الأعظمِ إلى عشرين بالمائة، وهكذا كلَّ عام يزيدون السهم حتى أصبحَ خمسين بالمائةِ. وبدأ السهمُ يربو في (تفهنا الأشراف) ببناء معهد ديني ابتدائي للبنين، ثم معهدٍ ديني ابتدائي للبنات، ثم إنشاءِ معهدٍ إعدادي للبنين، بعدَها إنشاء معهد إعدادي للبنات، إنشاء معهد ثانويٍّ للبنين... كلُّ هذا والأرباحُ في ازدياد مستمرٍّ، هنا جاءت فكرةُ إنشاءِ بيتِ مالٍ للمسلمين، والتفكير بعمل كليَّات في القرية، وقُدِّم الطلب للموافقة على إنشاء الجامعة. فقُوبِلَ بالرفض؛ لأنها قريةٌ، ولا محطةَ للقطار بها، فقُدِّم طلبٌ آخرُ أكثرُ غرابةً؛ وهو الموافقةُ على إنشاء جامعة في القرية بالجهود الذاتيَّة، وعمل محطة قطار بالبلد أيضًا بالجهود الذاتيَّة! وتمَّت الموافقة. ولأوَّل مرة في تاريخ مصرَ يتمُّ عملُ كليَّة بقرية صغيرة، والكلية أصبحت كليَّتَين، وثلاثًا وأربعًا، وتمَّ عملُ بيت طالبات يَسعُ ستمائة طالبة، وبيت طلاب يَسعُ ألفَ طالبٍ بالقرية، ثم أُنشئتْ محطةٌ بالبلدة، وأصبح أيُّ طالب بالكليات له تذكرةٌ مجانيَّة لركوب القطار للبلد؛ لتسهيلِ الوصول إليها. وبعد إنشاء بيت مال للمسلمين، لم يَعُدْ هناك فقيرٌ واحد بالقرية. وقد قام رحمه الله بتعميمِ التجربة على القُرَى المجاورة، ولم يَزُرِ المهندسُ صلاح عطيَّة قرية وغادرها إلا وعمل بها بيتَ مال للمسلمين؛ يقومُ على رعاية الفقراء والأراملِ وغيرهم من الشباب العاطل؛ لعمل مشاريعَ تُغنيهم وتعفُّهم، وقد ذاع صيتُ الرجلِ، وعلا ذكرُه، فدَعَتْه قرًى كثيرة لتُؤسِّسَ معاهدَها، فكان يدفع مبلغًا كبيرًا، ثم يَعِدُ بمضاعفة المبلغ إذا قام أحدُ أثرياء البلد بالتبرُّع بمثله. كان رحمه اللهُ كريمًا مع أهل بلده، وقد وسَّع اللهُ عليه حتى إنه كان يُصدِّر الخضراوات للدول المجاورة، وفي يوم تجميعِ الإنتاج كان رحمه الله يأمر بعمل أكياسٍ بها خضراوات لكل أهل البلدة كهَديَّة لهم من كبيرهم لصغيرهم، وفي أول أيام رمضانَ يقومُ بعمل إفطار جماعيٍّ، يشترك فيه أهل القرية، كلُّ واحد بالقرية يَطبُخُ، وينزلون بساحة بها الأكل، والجميع يحضر في تجمُّع اجتماعي رائع، كلُّ أهل البلدة يحضرون بما فيهم المغتربون. كما كان رحمه الله يقومُ على تجهيز البنات اليتامى للزواج، وهذا قليلٌ من كثيرٍ قام به المهندس صلاح عطية. والعجيبُ أن المهندس صلاح عطية قد قرَّر منذ فترة أن يكون هذا المشروعُ كلُّه لله، وبهذا تحوَّل المهندس صلاح من صاحبِ مشروعٍ قائم عليه، إلى أجير عند ربِّ العزة يتقاضى راتبًا شهريًّا، لكنه اشترط على ربِّه ألَّا يُفقِرَهم إلا إليه. وقد عاش رحمه الله مثلًا للصلاح والإصلاح؛ فقد ساهمت "لجنة المصالحات" التابعةُ للمركز الإسلامي الذي يرأس إدارتَه المهندس صلاح عطية في حلِّ الخلافات المتنوعة داخل القرية، وكانت نتيجةُ ذلك أنه لم تصَلْ مشكلة واحدة من القرية إلى مركز شرطة ميت غمر طَوالَ الأعوام العشرين الماضية، لدرجة أن اثنين من المحامين كانا يسكنان بالقرية قبل نجاحِ التجربة، فقام أحدُهما بغلق مكتبه، وقام الآخر بتحويل نشاطه إلى مأذونٍ شرعي. فرحم الله مَن عاش بقلبه مع ربِّه؛ فرحل إليه في دنياه، واليوم يرحلُ عن الدنيا عن عمر يُناهز الـسبعين عامًا، تاركًا وراءه مسيرةً رائعة من الأعمال الخيرية، ساهمَتْ بشكل كبير في القضاء على الجهل والفقر والبطالة؛ فرَحِم اللهُ فارسَ الصلاح والعطاء، فكم ستبكيه عيونُ الفقراء وقلوب الضعفاء!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |