|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() البغي بين العاملين لدين الله وأثره في الدعوة حسن عبدالحي البغيُ بين العامِلين لهذا الدين بعضهم على بعض، من علماءَ أو دعاةٍ أو طلابِ علمٍ أو مجاهدين - قضيةٌ تحتاج مزيدًا من الدِّراسة والعناية والاهتِمام؛ لما لها من أثر إمَّا حسن في إحياء الدعوة الإسلامية وبزوغ فجرها مرَّة أخرى، في حال تَلاشِي هذا المرض، وإمَّا أثر سيِّئ في ضعف ثِمار الدعوة وربما مرضها، في حال استِفحاله بيننا، فأبناءُ الدعوة هم وَقودُها الحقيقي لدفْع الباطل ودحضه، وإرجاع الحقِّ وإظهاره وتثبيته، وهم أركان بنيانها، فإذا ما تخلَّل إليهم هذا المرضُ الفتَّاكُ قادَهُم الشيطانُ جميعًا للنخر في دعوتهم من حيث لا يشعرون، وتآكلَتْ قُواهُم، وتَبعثرَتْ جهودهم، وسلَّط الأخ سِهامَه على أخيه؛ فضعف ومرض حينئذٍ هذا البنيانُ، وتربَّص به العدوُّ وسعى لاستئصال شأفته تمامًا. والبغي في الخلاف هو: التعدِّي والظلم، وهو عادةً يبعَث على الفتنة والشرِّ والفُرقة؛ قال الله - تعالى - : ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213]، فذكر ربُّنا - تبارك وتعالى - أنَّ الاختِلاف في البيِّنات - التي هي الأمور الواضحات - إنما كان سببه البغي. قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكَر أنواع الخِلاف: "هذا الباب أصله المحرَّم فيه من البغي، فإن الإنسان ظَلُوم جَهُول"؛ (كتاب "الاستقامة"). وقال - رحمه الله -: "فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتِهاد السائغ؛ بل مع نوع بغي"؛ ا.هـ. إذًا لا وجود للخِلاف المحرَّم الذي يبعث على الفتنة، إلا مع البغي، الذي هو الظُّلم والتعدِّي والإفساد، من أحد الطرفين أو جميعهما. يقول صاحب "الظِّلال": "فالبغي؛ بغي الحسد، وبغي الطمع، وبغي الحرص، وبغي الهوى، (وكل هذا البغي) هو الذي قاد الناس إلى المُضِيِّ في الاختِلاف على أصل التصوُّر والمنهج؛ والمُضِيِّ في التفرُّق واللجاج والعِناد. وهذه حقيقة، فما يختلف اثنان على أصل الحق الواضح في هذا الكتاب القوي الصادع، المُشرِق المنير، ما يختلف اثنان على هذا الأصل إلا وفي نفس أحدهما بغي وهوى، أو في نفسيهما جميعًا، فأمَّا حين يكون هناك إيمانٌ فلا بُدَّ من التِقاء واتِّفاق"؛ ("الظلال"). وللبغي في الخلاف سببان رئيسان: أولهما: الهوى، كحُبِّ المال أو حبِّ الرِّئاسة أو حبِّ الثناء، أو الكِبْر المانع من قبول الحقِّ والإذعان له، والحسد والغل؛ كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سيُصِيب أمَّتي داءُ الأمم: الأشر والبطر، والتكاثُر والتشاحُن في الدنيا، والتباغُض والتحاسُد، حتى يكون البغي))؛ (رواه الحاكم عن أبي هريرة، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع"). والهوى يقود صاحبَه وهو يشعر أو لا يشعر إلى البغي، فقد يَتأوَّل المرء لنفسه ظلم أخيه بأيِّ مُسمًّى شرعي، ويَتعَدَّى عليه، ولو راجَع نفسَه وحاسَبَها لعَلِم أنَّه إنَّما أُتِي من قِبَلِ نفسه الأمَّارة بالسُّوء، وأنَّه ظالِمٌ لنفسه ولغيره مُتعَدٍّ بغير حقٍّ، فالحسدُ والغلُّ بين الأقران كثيرٌ، وأمراض النفوس كامِنَة تحتاج لِمَن يُنَقِّب عنها. ثانيهما: الجهل، سواء أكان الجهل بالحقِّ في ذاته، أو الجهل بمراتب الخلاف، أو الجهل بمعاملة المُخالِف. ومُعظَم البغي في هذا النوع إنما يقع بسبب جهْل مُعامَلة المُخالِف لما يَعتَقِده الإنسان الحق، فلا يُفَرِّق بين القول والقائل، أو بين المجتهد المخطئ وبين غير المجتهد، أو بين صاحب السنَّة وصاحب البدعة؛ بل وبين مقامات الناس ودرجاتهم، فيُسوِّي المرءُ بين هذا كله، فيقع الفساد، الذي هو البغي. ومع أن الله - تعالى - قال: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وهذا يشمَل العذر في نوعي الخلاف: السائغ وغير السائغ، إذا بذل الإنسان وُسعَه في الوُصول إلى الحقِّ، مع هذا: نجد كثيرًا ما يُضَيِّق المخالِفون أبواب الأعذار لِمُخالِفيهم، ويتعدَّون الإنكار المشروع، ويُخالِفون الميزان الحقَّ في الحكم عليهم؛ جهلاً منهم بأسباب الخلاف تارَةً، وبأنواعه وبكيفيَّة التعامُل مع المخالف تارَةً، وبمراتب الناس ودرجاتهم تارَةً. ولا شكَّ أن بين الهوى والجهل نوعَ ارتِباط وَثِيق، فكلُّ صاحب هوًى فيه جهل، وكلُّ جاهلٍ فيه نوعُ هوًى، والعِقاب كثيرًا ما يكون في نفس جنس المُخالَفة، كما وقع لبني إسرائيل من حبِّ عِبادة العجْل بعد عبادته جهلاً؛ قال - تعالى -: ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾ [البقرة: 93]. فيجتَمِع الأمران معًا: الجهل مع الهوى، وذلك أنَّ العلم - الذي هو ضد الجهل - نورٌ يُقذَف به في قلب المؤمن، يُفَرِّق به بين الحقِّ والباطل، فإذا تخلَّف العمل عن العلم نقص هذا النور بقدره، حتى يستَوِي صاحب العلم مع غيره. وليس شيءٌ أنفعَ لنا في هذا الزمان - وقد تَكالَب علينا الأعداء - من تَوطِيد العلاقة الإيمانية بين أبناء هذا الدين، وتضييق سبل الخلاف، وإحسان مُعامَلة المُخالِف لِمُخالِفه وَفق شرع الله، ونبْذ البغي ومحاربته. ونحن بحاجَةٍ للصبر على المُخالِف وعدم التعدِّي، وإنْ وقَع في بعض الباطل أو دعا إليه، وليس حمل الحقِّ وحده مُوجِبًا للسلامة من الفتنة؛ بل الإنسان مأمور بالحقِّ وبالصبر، فإذا ترك أحدهما كان مُقَصِّرًا ومَلُومًا. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "ولكن المُصِيب العادِل عليه أن يصبر عن الفتنة، ويصبر على جهل الجهول وظلمه..."، إلى أن قال: "وقال - تعالى -: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، فأمَر - سبحانه - بالصبر على أذَى المشرِكين وأهل الكتاب مع التقوى، وذلك تنبيهٌ على الصبر على أذَى المؤمنين بعضهم لبعض، متأوِّلين كانوا أو غير متأولين"؛ ا.هـ ("الاستقامة"). كما أنَّنا بحاجةٍ لِمَزِيدٍ من مُراقَبة الله - تعالى - في أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا مع مُخالِفينا، فلا نُطلِق العنان لألسنتنا وأقلامنا في تَخطِئَة وتأثيم وتبديع المخالفين دون تَرَوٍّ أو تُؤَدَة، ولنُحاسِب أنفسَنا ونجدِّد نِيَّاتنا بين الفينة والأخرى، ولنعلم أنَّنا إلى الائتِلاف أحوج مِنَّا إلى الاختِلاف، وإلى الجماعة أحوج مِنَّا إلى الفُرْقَة، وإلى اللِّين أحوج مِنَّا إلى الشدَّة، وأنَّنا وإن اختَلَفنا في بعض الوسائل فقد اتَّفقنا في كلِّ الغايات والأهداف، ولم يبقَ إلا أن نجتمع على تحقيقها وَفْقَ الدليل وحسب القدرة والاستِطاعة، وليعذر بعضنا بعضًا، ولا نجعل للشيطان علينا سبيلاً. وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |