|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التاريخ أ. د. عبدالحليم عويس ظهر الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية، فكان أول داعية خلال هذا العصر يضع يده على مواطن الداء الحقيقي، الذي يتمثل في طبيعة ما آل إليه بناء الأمة الداخلي فكريًّا وعقديًّا ونفسيًّا. فبينما كان العالم الإسلامي مستغرقًا في هجهته ومُدلجًا في ظلمته على النحو الذي صوره "ستودار": "إذا بصوت ابن عبدالوهاب يُدوي موقظًا النائمين، داعيًا المسلمين إلى الرجوع إلى سواء السبيل، فلم تلبث دعوته أن اتَّقدت واشتعلت، واندلعت ألسنتها في كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد، فتبدَّت تباشير صُبح الإصلاح، ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام (حاضر العالم الإسلامي1/260، ولم تكن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب إلا دعوة إلى العودة الصادقة الواعية إلى الحقيقة الإسلامية في مصدريها الثابتين الخالدين: الكتاب، والسنة الشريفة، ودعوة - في الوقت نفسه - إلى التخلص مما خلَّفته قرون التخلف من شوائب أصابت بناء الإنسان المسلم الداخلي، فأصبح مسلمًا مشركًا، يقرأ القرآن ويُؤمن بالخرافات، ويصلي لله، ويتقرب لعبيده، إلى غير ذلك من الشوائب التي كانت سببًا في انحطاط المسلمين. وبالتالي، وانطلاقًا من نواحي هذا العقل، وبالإضافة إلى الأسس التي ألْمَعنا إليها بإجمال قبل ذلك، نذكر أن الإمام محمد بن عبدالوهاب ركز اهتماماته الإصلاحية على النواحي التالية: أولاً: تصحيح العقيدة الإسلامية في فكر المسلمين، وتطهيرها من مظاهر الشرك التي علِقت بها، وبإيجاز: إعادة المسلمين إلى عقيدة (التوحيد)، كما وردت في الكتاب والسنة، دون تشبيه أو تجسيم، أو تعطيل أو تأويلٍ، و(التوحيد) لا يكون كذلك - في دعاء ولا نذرٍ ولا استعانة إلا بالله، وبتوحيد الأسماء والصفات، فيوصف الله بما وصف به نفسه، واعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، وقد بلغ من عناية الشيخ بالعقيدة حدًّا كبيرًا، لدرجة أنه قام بتتبُّع مجالات تصحيحها، ومقاومة صور الإشراك في كل كتاباته وخطبه ورسائله، وكانت العقيدة هي المحور التي تدور حوله كل اهتماماته، وذلك بالإضافة إلى الكتب والرسائل التي تكاد تفرد لقضية التوحيد ككتابه (التوحيد) الذي جاء في ستة وستين بابًا، سد فيها الشيخ كل منافذ الشرك، ورسالة (كشف الشبهات)، ورسالة (ثلاثة الأصول)، ورسالة (القواعد الأربع)، وكتاب (فضل الإسلام)، وكتاب (أصول الإيمان)، ورسالة (القواعد الأربع)، وكتاب (فضل الإسلام)، وكتاب (أصول الإيمان)، ومجموعة رسائله في التوحيد والإيمان التي بلغت ثلاث عشرة رسالة، وكتاب (الكبائر)، ورسائله الإحدى وخمسين التي وردت في تاريخ الشيخ ابن غنام الأحسائي، وفي الدُّرر السنية في الأجوبة النجدية، والتي تناولت جوانب خمسة تتصل كلها بالعقيدة؛ كبيان أنواع التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله، وما يناقضها من الشرك، والأشياء التي يكفر مرتكبها؛ (انظر: هذه الرسائل في القسم الخاص للرسائل الشخصية)، من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتنظر كذلك بقية أعمال الشيخ في هذه الطبعة. ثانيًا: تصحيح عقيدة المسلمين أيضًا في مجالات التوسل والشفاعة والاستغاثة. ثالثًا: رفض الانحرافات التي أقحمت على الإسلام بتأثير جماعة (الصوفية) التي كانت من أقوى أسباب تخلف العالم الإسلامي. رابعًا: إنكار زيارة القبور الشركية والبناء عليها، أو اللجوء إلى الموتى - مهما كان قدرهم - في تحقيق أمر؛ لأن هذا وثنية تدخل في باب الشرك بالله، أما زيارة القبور دون شد الرِّحال إلى مقبرة خاصة، بهدف التذكر والاعتبار والدعاء للميت والترحم عليه، فلا شيء فيه. خامسًا: مقاومة الخرافات والبدع بكل أشكالها، وأغلبها مما انتشر أيام الفاطميين في المغرب (298-361هـ)، ومصر (361هـ - 567هـ)، ومن رواسب عصور التخلف. ومن هذه البدع التي أنكرها الشيخ: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وبدعة المحمل، وغيرهما من البدع التي روَّجها الطرقية والشيعة. سادسًا: فتح باب الاجتهاد - عند توافر وسائله - وعدم التعصب لمذهب معين، وضرورة أن يعود المسلمون إلى الاتصال المباشر بالكتاب والسنة. سابعًا: ضرورة إحياء فريضة (الحسبة)؛ أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء فريضة الجهاد التي خمدت في نفوس المسلمين. وتلك هي أبرز الجوانب التي ركز الشيخ ابن عبدالوهاب عليها، باعتبارها الأصول التي تحيا بحياتها بقية أركان الإسلام وفروعه. وقد حرَصنا على ذكرها؛ لتكون الأصل الذي نقارن به اتجاه الحركة الإسلامية الإصلاحية في الجزائر خلال العصر الاستعماري وبعده. دعوة الإصلاح الإسلامي في الجزائر: ذكرنا أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا تزيد على كونها دعوة إلى الإسلام الصحيح الذي جاء في الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، فهي بهذا الإطار ليست بدعًا في كل حركات الاصلاح، بل هي تلميذة ومتبعة لحركات الاصلاح السابقة؛ كحركة الإمام أحمد بن حبل (164 - 241هـ)، وحركة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661-728هـ) ومحمد بن قيم الجوزية (691-751هـ). وبالتالي، فإن لنا أن نستنتج أن كل موروثات الإسلام الصحيح الذي يطلق عليه عادة (الاتجاه السلفي)، والتي كان لها بالـتأكيد مع وجود كبير في الجزائر منذ دخل جيش التابعين الذي فتحها بقيادة أبي المهاجر دينار (55-62هـ). هذه هي الموروثات النبوية الصحيحة، التي قامت بدور كبير في التمهيد لانتشار دعوة الإصلاح الإسلامي في الجزائر خلال القرن الرابع عشر للهجرة، والتي كان رائدها الأول في التاريخ الإسلامي الحديث هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ويلخص أحد الكتاب الجزائريين المعاصرين صادقًا حقيقة (الدعوة السلفية)، فيقول: إنها لا تزيد عن كونها التطبيق الصحيح للحديث النبوي الشريف الذي ورد على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - في خطبة الوداع، حين قال: "تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، لن تضلوا أبدًا، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم؛ (المهدي البوعبدلي، مقال (عبدالرحمن الأخضري وأطوار السلفية في الجزائر) بمجلة الأصالة الجزائرية عدد صفر 1398هـ (برقم 53)". ويرى هذا الكاتنب الجزائري: أن (السلفية) بهذا المعنى ذات امتداد أصيل في الجزائر، وأنها ما كان لها أن تظهر كحركة مستقلة تبدو وكأنها (مذهب إسلامي)، إلا لأن الناس ابتعدوا عن حقيقة الإسلام، بعد أن ظهرت مختلف المذاهب البدعية التي تنتمي إلى مِللٍ ونِحَلٍ بعيدة عن الإسلام، والتي كان من بينها مذهب التصوف، الذي أسرف أئمته وتغالَوا في الدعوة إلى التحرر من التقاليد وإسقاط التكاليف، وزاد الأمر تعكُّرًا عندما ظهرت لكثيرٍ من أئمة التصوف طرق أقبل عليها كثير من العوام، فعندئذ ظهر رد فعل الفقهاء الذين ضاقوا ذرعًا بهذه التعاليم، وانضمَّ إليهم المحدثون، فاتَّهموا المتصوفة بالمروق عن الدين، وبأن تعاليمهم مستمدة من مذاهب إسلامية. ويرى الكاتب - (وهو من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) - أن تاريخ السلفية بالجزائر يعود - بعد الأجيال الأولى - إلى الفقيه الجزائري أبي الفضل النحوي من علماء القرن الخامس الهجري، ودفين قلعة بني حماد العاصمة الأولى لدولة بني حماد الزيرية الصنهاجية الجزائرية التي حكمت الجزائر بين عامي 405هـ - 547هـ. وفي القرنين السابع والثامن للهجرة، ظهر مصلح سلفي آخر انتشرت آراؤه الإصلاحية في الجزائر، وهو أبو الحسن على بن عبدالخالق الزويلي الشهير بالصغير، ومع أن المغرب والأندلس بصفة عامة يغلب عليهم مذهب الإمام مالك، إلا أن المصلح الصغير دعا إلى فتح باب الاجتهاد، متأثرًا فيما يبدو بمعاصره الإمام ابن تيمة الذي عمت شهرته العالم الإسلامي، وقد توفي ابن الصغير سنة 719هـ؛ أي: إنه عاصر ابن تيمية قرابة ستين سنة. وكان من تلامذة المصلح الصغير تلميذ سار على دربه وحمَل دعوته، وهو العالم الجزائري الحافظ ابن مرزوق الحفيد - من علماء القرن الثامن - الذي كان يشيد بأستاذه، وقد رد على معاصر جزائري له يدعى قاسم العقباني التلمساني - كتب رسالة ينتصر فيها لمتصوفة زمانه، وقد سَمَّى ابن مرزوق رسالته: "النصح الخالص في الرد على مُدعي رتبة الكامل الناقص"، وعقب هذا دارت معركة بين الاتجاهين السلفي والصوفي، أرخت لها كتب النوازل (الوقائع) ككتاب: "الدرر المكنونة في نوازل مازونة"، وفتاوى أحمد بن بحي الونشريسي المجموعة في (المعيار). وقد شارك في المعركة كثير من الجزائريين؛ منهم: (عبدالرحمن الوغليس) فقيه بجاية (مدينة بالشرق الجزائري كان لها ماض حضاري مُزدهر، وفيها تعلم ليونارد فنش، وكانت عاصمة الجزائر ووريثة القيروان مدة قرن من الزمان) المشهور، وسعيد العقباني التلمساني، وعيسى الغبريني البجائي، ابن أحمد الغبريني صاحب كتاب " عنوان الدراية فيمن عُرِف من العلماء بالمائة السابعة ببجاية". وخلال القرنين التاسع والعاشر للهجرة اتَّخذت الدعوة السلفية قاعدتها بنواحي بجاية في الشرق الجزائري، وكانت قرية (تامقرة) المنطلق الأساسي للدعوة؛ إذ كانت هذه القرية تضم منارة علمية جزائرية عالية المكانة، وهي (معهد يحيى العبدلي)، وفي هذا المعهد نبع العالم السلفي (أحمد زورق) بعد إقامته الطويلة بين تلمسان (بالغرب الجزائري)، والعاصمة قسطنطينة، وما شاهده من شيوع الفوضى العقدية التي أدخلها العوام، وركب موجتها المشعوذون من محترفي المتصوفة، وقد ساعد (أحمد زورق) على النجاح استقامته ونزاهته وتضلُّعه في علوم الحديث والتفسير والفقه، فضلاً عن تأثيره في مجموعة من الطلبة الذين حملوا رسالته على رأسهم ابن على الخروبي دفين الجزائر، وهو ممن أخذوا الدعوة السلفية عن الشيخ أحمد زورق. وقد ترك " الخروبي" تأثيره على أسرة جزائرية اشتَهر معظمها بالسلفية، وهي أسرة الأخضري التي نبع فيها سلفي جليل هو (عبدالرحمن الأخضري) المتوفى سنة953هـ، والمولود (ببنطيوس الزاب) بالشمال الغربي الجزائري، وكانت له رسائل في الفلك؛ ككتابه (السراج في الفلك)، و(أزهار المطالب في علم الأرسطرلاب)، وتربو تآليفه في بقيَّة الفروع على الثلاثين؛ (المهدي البوعبدلي: مرجع. ص 25). ولكي نعرف قيمة الدعوة السلفية التي قام بأعبائها (عبدالرحمن الأخضري)، فإنه يجب أن نتصور حالة الجزائر في ذلك العصر؛ أي: خلال القرن العاشر الهجري، فإن بجاية (العاصمة الحضارية الجزائرية)، كانت قد سقطت بيد الإسبان، وبدأت مدن الساحل الشمالي الجزائري كله تتداعى أمام أساطيلهم، كتنس، ووهران، ودلس، وغيرهما، وللأسف، فإن رجال الصوفية كانوا عونًا للغزاة ولرؤساء الإقطاع الظلمة، وتسبَّبوا في مزيد من الانهيار. وقد قام (عبدالرحمن الأخضري) بالتصدي لهم، وكشْف ضلالهم في عدد من القصائد، إحداها تُسمى (القدسية)، وتحتوي على 357 بيتٍا، وفيها يقول عن الصوفية: قد ادعوا مراتبًا جليلهْ ![]() والشرع قد تجنبوا سبيلهْ ![]() قد نبذو شريعة الرسول ![]() والقوم قد حادوا عن السبيل ![]() لم يدخلوا دائرة الحقيقة ![]() كلا ولا دائرة الطريقة ![]() لم يقتدوا بسيد الأنام ![]() فخرجوا عن ملة الإسلام ![]() لم يدخلوا دائرة الشريعة ![]() وأولعوا ببدع شنيعة ![]() لم يعملوا بمقتضى الكتاب ![]() وسنة الهادي إلى الصواب ![]() قد ملكت قلوبهم أوهام ![]() فالقوم إبليس لهم إمام ![]() كفاك في جميعهم خيانة ![]() إن أخلطوا الدني بالديانة ![]() إلى أن يقول: من كان في نيل الكمال راجيا ![]() وعن شريعة الرسول نائيا ![]() فإنه مبلس مفتونُ ![]() وعقله مخبل مجنونُ ![]() يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |